فيصل بن معمر لـ «الشرق الأوسط»: لمسنا حراكا في المجتمع لتقبل التطوير والتحديث

أكد أن اللقاء الخامس سيقود إلى تحقيق إضافات مؤثرة في مشروع الخطاب الثقافي السعودي محليا وإقليميا

فيصل بن معمر مستشار خادم الحرمين الشريفين والأمين العام لمركز «الملك عبد العزيز للحوار الوطني» («الشرق الأوسط»)
TT

أكد فيصل بن عبد الرحمن بن معمر، مستشار خادم الحرمين الشريفين، والأمين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، أنه تبين بعد الدراسات واللقاءات خلال 10 سنوات من انطلاق المركز أن هناك أمورا ملحة للمجتمع تتطلب التغيير والتطوير والتحديث والتي قد تكون ضمن خطط صانعي القرار إلا أن بعض فئات المجتمع ما زالت غير مقتنعة بإيجابيات هذا التطوير والتحديث، مرجعا ذلك لأسباب قد يكون منها عدم وضوح الفكرة التي تتناولها متطلبات موضوعات التطوير والتحديث والتغيير.

وأضاف بن معمر في حوار مع «الشرق الأوسط» عشية إطلاق مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني اللقاء الثقافي الخامس، الذي يعقد غدا الثلاثاء تحت عنوان (الثوابت الوطنية للخطاب الثقافي السعودي) أن دور مركز الحوار الوطني وغيره من القطاعات المماثلة طرق كل الأبواب وعبر الآليات المتاحة لإيضاح الفكرة وإقناع الرأي العام بجدوى ما تتضمنه مشاريع التحديث والتطوير لما فيه فوائد للمجتمع.

وشدد ابن معمر أن الحوار الوطني يعمل على المساعدة في تكون رأي عام حول قضايا مختلف عليها وتقريب وجهات النظر انطلاقا من أن السجال بين الأطياف الفكرية وما يحدث من تجاذبات من خلال المواقع الإلكترونية أو وسائل التواصل الاجتماعي يعمق الخلاف ويزيد من التنافر بين تلك الأطياف، غير أن إتاحة الفرصة لتلك الأطياف للحوار بين بعضها البعض بشكل مباشر سيقود بكل تأكيد إلى تقريب وجهات النظر والتوافق على رؤية مشتركة، ونتطلع في مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني أن يحقق اللقاء الخامس للخطاب الثقافي عددا من الإضافات في مشروع الخطاب الثقافي السعودي ليكون مؤثرا في محيطه المحلي والإقليمي. فإلى نص الحوار:

*يطلق مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني لقاء يتناول الخطاب الثقافي في السعودية، على ماذا يشمل هذا اللقاء؟

- اللقاء هو امتداد للقاءات السابقة الخطاب الثقافي التي عقدها مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، وهو اللقاء الخامس، وقد تناولت اللقاءات السابقة عددا من القضايا المهمة؛ حيث تناول اللقاء الأول الخطاب الثقافي السعودي وآفاقه المستقبلية، واللقاء الثاني الذي عقده المركز تحت عنوان «الهوية والعولمة في الخطاب الثقافي»، وتناول اللقاء الثالث موضوع القبلية والمناطقية والتصنيفات الفكرية، بينما خصص المركز اللقاء الرابع للحوار حول موضوع «الإصلاح والتطوير»، والذي تناول مفهوم الإصلاح ومنهجيه التطوير ومجالاته في المجتمع السعودي.

وسيتناول وعلى مدى يومين جملة من المحاور التي تتناول الثوابت الوطنية في الخطاب الثقافي، وسيشارك فيه عدد كبير من العلماء والمفكرين من مختلف الأطياف الفكرية والثقافية في المملكة، وسيتاح في هذا اللقاء للأدباء والمثقفين والمثقفات الحوار حول موضوع الثوابت الوطنية وفق أربعة محاور تم تحديدها مسبقا.

*ما الإضافات التي يمكن أن تتحقق من خلال اللقاء؟

- نحن نتوقع أن يحقق اللقاء الكثير من النتائج الجيدة في مجال الخطاب الثقافي بشكل خاص وفي مجال الحوار بشكل عام، فالسجال بين الأطياف الفكرية وما يحدث من تجاذبات من خلال المواقع الإلكترونية أو وسائل التواصل الاجتماعي يعمق الخلاف ويزيد من التنافر بين تلك الأطياف، غير أن إتاحة الفرصة لتلك الأطياف للحوار بين بعضها البعض بشكل مباشر سيقود بكل تأكيد إلى تقريب وجهات النظر والتوافق على رؤية مشتركة، ونتطلع في مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني أن يحقق اللقاء الخامس للخطاب الثقافي عددا من الإضافات في مشروع الخطاب الثقافي السعودي ليكون مؤثرا في محيطه المحلي والإقليمي، وأن تكون هناك رؤية وطنية توافقية يتوصل إليها المشاركون والمشاركات حول مفهوم الثوابت الوطنية وتأطيرها بشكلها الوطني الذي يسهم في المحافظة عليها في الخطاب الثقافي السعودي، ووضع رؤية مستقبلية حول مستقبل الخطاب الثقافي وتطويره بما يتواكب مع مستجدات العصر وبما يتوافق مع ثوابت الشريعة السمحة وثوابتنا الوطنية.

*هل لمستم تغيرا من خلال الدراسات وقياس الرأي في الخطاب الثقافي السعودي فيما يتعلق بالثوابت الوطنية؟

- للأسف إن مراكز قياس الرأي ليست متوفرة بالشكل الدقيق الذي تتحدث عنه في مثل هذا الموضوع، ومركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني أسس وحدة لاستطلاعات الرأي، وقامت ببعض البحوث الاستطلاعية لعدد من القضايا لتمكن الجهات التي ترغب في قياس الرأي العام حول موضوع أو قضية معينة، وفي موضوع الخطاب الثقافي السعودي المركز يسترشد من خلال الأطروحات التي يقدمها المفكرون والمفكرات والأدباء والمثقفون في وسائل الإعلام أو من خلال المنتديات الأدبية، بالإضافة إلى الاستئناس بآراء اللجان العلمية التي يؤسسها المركز للقاءات الخطاب الثقافي ومن خلال ما يصله من آراء وأفكار حول هذا الموضوع، لكن أستطيع أن أقول لك وللقراء الكرام إن جميع المفكرين والمثقفين والمثقفات حريصون على الثوابت الوطنية ويؤكدون على مضامينها في أطروحاتهم، غير أن لكل طرف تفسيرا حول تلك الثوابت من وجهة نظره وقد يكون رأيه يختلف عن غيره من الآراء، ولعل ذلك ما دعا مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني إلى عقد لقاء الخطاب الثقافي الخامس ودعوة نحو 70 مثقفا ومثقفة من مختلف مناطق المملكة ومن مختلف الأطياف الفكرية للحوار حول رؤيتهم للثوابت الوطنية في الخطاب الثقافي.

*ما أبرز المحاور التي ينطلق منها اللقاء الخامس؟

- كما ذكرت لك سابقا ستكون هناك أربعة محاور رئيسية للقاء وهي:

المحور الأول: الثوابت الوطنية السعودية في ضوء المحددات الشرعية، والتاريخية، والمحور الثاني: الثوابت الوطنية السعودية في ضوء المحددات الإنسانية، والحضارية، والمحور الثالث: اختراقات الثوابت الوطنية السعودية في الخطاب الثقافي، المحور الرابع: رؤية مستقبلية لخطاب ثقافي سعودي ملتزم بالثوابت الوطنية.

كما استكتب عدد من المختصين والمهتمين بالشأن الثقافي والفكري لتقديم أوراق عمل ودراسات تكون معينة للمشاركين، ورغبة في إثراء الحوار حول المنطلقات الفكرية الوطنية للخطاب الثقافي السعودي.

*هل وضعتم أطرا ومحددات بخصوص مفهوم الثوابت الوطنية؛ حيث إن التفسير وتأويل تلك الثوابت هو محل اختلاف من شخص لآخر؟

- طبيعة اللقاءات الوطنية التي ينظمها مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، ومنذ تأسيسه، لا تضع أطرا ومحددات مسبقة لأي لقاء؛ حيث إن دور المركز ينحصر في توفير المناخ المناسب للحوار حول القضايا المطروحة دون مصادرة أو وصاية على رأي أحد من المشاركين، والذين هم في غالبهم والحمد لله يمثلون نخبة من المفكرين والمثقفين والمثقفات في المملكة، وكذلك الحال في النتائج التي تخرج في نهاية كل لقاء فهي تمثل رؤى وأفكار المشاركين والمشاركات ويتم إعلانها فور نهاية كل لقاء.

*هل سيتم بلورة الرؤى الوطنية التي سيخرج بها لقاء الخطاب الثقافي الخامس لتصبح منهج عمل ووثيقة دائمة فيما يتعلق بالمنطلقات الفكرية للخطاب الثقافي السعودي؟

- كما ذكرت لك سابقا أن توصيات ورؤى المشاركين والمشاركات يتم صياغتها وإعلانها فور نهاية كل جلسة، وإذا رأى المشاركون والمشاركات في صياغة وثيقة وطنية عمل يمكن الاسترشاد بها حول الثوابت الوطنية في الخطاب الثقافي فإن مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني سيتبناها ويعلنها في نهاية اللقاء وهو ما نأمل ونتطلع إليه.

*هل وضعتم في الاعتبار أهمية أن يخرج اللقاء برؤى وتوصيات ووضع أمثل تساهم في تطوير الخطاب الثقافي السعودي وجعله أكثر حضورا وتأثيرا في الساحة المحلية والعالمية؟

- بدون شك فإن المركز يهدف من اللقاء إلى خدمة الخطاب الثقافي السعودي ليكون مؤثرا بشكل أكبر في الساحة الفكرية المحلية والعربية وبما يتوافق مع مكانة المملكة العربية والإسلامية والدولية وبمكانة قيادتها على الصعيد العربي والعالمي؛ حيث خصص المركز محورا رئيسا في اللقاء للحوار حول مستقبل الخطاب الثقافي السعودي وتطويره.

*شاب بعض فعاليات المركز السابقة التي حملت عناوين مختلفة مدا وجزرا وتجاذبا واختلافا وصلت إلى القدح والتشكيك في النوايا لبعض المشاركين والمشاركات بسبب الاختلاف في الرؤى وعدم وجود لغة مشتركة بين مختلف الأطياف المشاركة، هل سيتم تلافي مثل هذه السلبيات والإشكالات في اللقاء الخامس؟

- لا نعتقد أن المركز أسهم بصفته الاعتبارية أو من خلال القائمين عليه في التشكيك أو القدح في أحد المشاركين أو المشاركات، وتوصياته ونتائجه جميعها موجودة ويمكن الرجوع إليها والمركز يسعى من خلال برامجه ومشاريعه إلى إشاعة ثقافة الحوار وتقبل الرأي والرأي الآخر بين جميع شرائح المجتمع وتقريب المسافات وتكوين رأي عام حول القضايا المختلف عليها ويرى المركز أن الاختلاف في الرؤى والأفكار تنوع طبيعي وجيد إذا تم استغلاله بالشكل الأمثل.

*كثير من الفعاليات التي نظمتها وتنظمها بعض قطاعات الدولة خاصة الجامعات حول قضايا وطنية (فكرية، ثقافية، اجتماعية وأمنية) ذات أهمية كبيرة في ظل الظروف الراهنة التي يشهدها العالم، لكنها تنتهي بمجرد انتهاء أيام تلك الفعاليات.. كيف ترون أهمية تفعيل مثل هذه الفعاليات لتبقى ما طرح فيها وتوصياتها ورؤاها بصفة دائمة؟

- نحن في مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني لدينا برامج ومشاريع وإصدارات فكرية موجهة لجميع فئات المجتمع وشرائحه، ونحاول تفعيل النتائج التي يتوصل إليها المشاركون من خلال تلك البرامج أو إيصالها للجهات ذات العلاقة بالإضافة إلى نشرها من خلال وسائل الإعلام، ويمكن أن أذكر لك على سبيل المثال موضوع التدريب المجتمعي على ثقافة الحوار وهو من الأفكار التي تم طرحها في لقاءات سابقة وتبناها المركز وعمل على تطبيقها من خلال جميع مؤسسات المجتمع، واستطاع والحمد لله حتى الآن تدريب نحو مليون مواطن ومواطنة في مختلف مناطق المملكة، بالإضافة إلى تأهيل نحو 2400 مدرب ومدربة معتمد في مجال نشر ثقافة الحوار، كما أن المركز يسعى من خلال تقاريره واقتراحاته إلى الوصول بما يتفق عليه المشاركون والمشاركات من نتائج إلى صانع القرار.

*بخصوص اللقاءات المختلفة التي يطلقها مركز الملك عبد العزيز، ماذا تم بشأن ما طرح فيها، وهل وضعتم هذه التوصيات كوثائق ومناهج عمل؟

- جميع اللقاءات الفكرية الوطنية اختتمت خرجت بنتائج وأعلن عنها في حينها وتم إيصالها للجهات المسؤولة بالإضافة إلى أنه في نهاية كل لقاء يتم رفع التوصيات إلى المقام السامي، ولعل المتابع يجد أنه قد وفقنا في تبني كثير من الجهات لنتائج اللقاءات، لكن كما تعلم أن المركز ليس جهة تنفيذية بل هو مركز فكري يسعى إلى نشر ثقافة الحوار وتمكين المشاركين والمشاركات من الحوار حول القضايا التي يرغبون في الحوار حولها وتوفير المناخ المناسب لذلك، وقد تم إعداد دراسة محايدة عن ما تحقق من نتائج وتوصيات الحوارات الوطنية وهي مشجعة ولسنا أصحاب حق في ادعاء أن الحوار الوطني هو السبب لوحده، ولكنه حراك المجتمع وتقبله للتطوير والتحديث.

والمركز يسعى إلى توفير البيئة الملائمة الداعمة للحوار الوطني بين أفراد المجتمع وفئاته (من الذكور والإناث) بما يحقق المصلحة العامة ويحافظ على الوحدة الوطنية المبنية على العقيدة الإسلامية، ووفق أهدافه المحددة منذ تأسيسه وهي تكريس الوحدة الوطنية في إطار العقيدة الإسلامية وتعميقها عن طريق الحوار الفكري الهادف، والإسهام في صياغة الخطاب الإسلامي الصحيح المبني على الوسطية والاعتدال داخل المملكة وخارجها من خلال الحوار البناء، ومعالجة القضايا الوطنية من اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية وتربوية وغيرها وطرحها من خلال قنوات الحوار الفكري وآلياته، وترسيخ مفهوم الحوار وسلوكياته في المجتمع ليصبح أسلوبا للحياة ومنهجا للتعامل مع مختلف القضايا، وكذلك توسيع المشاركة لأفراد المجتمع وفئاته في الحوار الوطني وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني بما يحقق العدل والمساواة وحرية التعبير في إطار الشريعة الإسلامية، وتفعيل الحوار الوطني بالتنسيق مع المؤسسات ذات العلاقة، وتعزيز قنوات الاتصال والحوار الفكري مع المؤسسات والأفراد في الخارج، وبلورة رؤى استراتيجية للحوار الوطني وضمان تفعيل مخرجاته.