«المرأة السعودية».. بين بدايات تعليمية متعثرة.. وقيادة نسائية لصناعة القرار

حكاية تختصر 43 عاما من التجربة

TT

شكل تعليم البنات في السعودية أحد التحديات التي واجهت حركة التعليم بالبلاد في بداياته، إلا أن مسيرة تلك العملية التعليمية الموجهة إلى المرأة أضحت اليوم تقف كمنافس لمثيلاتها في دول العالم، وبحسب تقارير إحصائية رسمية فإن عدد مدارس البنات تجاوز عدد مدارس البنين، بينما وصل عدد طالبات التعليم العام إلى ما يزيد على مليوني طالبة في مختلف مراحل التعليم العام، وهو رقم مقارب لأعداد الطلاب الذكور.

وكانت الإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة التربية والتعليم كشفت أن عدد المعلمات تجاوز حاجز 250 ألف معلمة سعودية، أي بزيادة 40 ألف معلمة عن عدد المعلمين الذكور في مدارس التعليم العام.

وتأتي تلك التقديرات في ظل تنامي معدلات قيد الطالبات في التعليم بنسب كبيرة، حيث بلغ معدل النمو السنوي لمتوسط التحاق الطالبات بالمؤسسات التعليمية 7 في المائة، وذلك خلال الفترة ما بين عامي 1969 و2007، وتساوت مع معدلات قيد الطلاب، فأصبحت نسبة الطلاب إلى الطالبات 1 إلى 1 في العام الدراسي 2002، بعد أن كانت تمثل نسبة 2 إلى 1، كما ازداد عدد الملتحقات بالمرحلة الثانوية والجامعية بالتدريج إلى أن انخفضت الفجوة بين الجنسين فأصبحت متعادلة في الأعداد والنسب التقريبية.

وفي ما يتعلق بالتعليم العالي فإن نسبة الطالبات قد بلغت ما يقارب 57 في المائة من مجموع طلاب الجامعات، بحسب ما يشير إليه تقرير مؤشر الفجوة بين الجنسين، الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي بالتعاون مع جامعتي هارفارد وكاليفورنيا لعام 2009، وذلك ما أهل السعودية لاحتلال المرتبة الـ25 عالميا، من حيث النسبة بين الجنسين في التعليم الجامعي.

وبحسب تصريحات صحافية وردت على لسان نورة الفايز نائب وزير التربية والتعليم، أوضحت أنه مهما اختلفت الرؤى في تشخيص الفوارق الطبيعية والجسمانية بين الفتاة والفتى، إلا أن العقول تتفق على الحقوق المتماثلة تماما بينهما في مختلف مناحي الحياة، وخصوصا ما يخص التعلم والوعي والمعرفة، وأن المملكة ماضية بخطط وسياسات طموحة لتطوير ورفع كفاءة النظام التربوي، والرقي بالمخرج التعليمي ورفع مستوى تأهيل وتنمية العنصر البشري لتحقيق التنمية المستدامة.

وكان تعليم الفتاة في المملكة شهد قفزات متتابعة، تمثلت في تكوين جهاز إداري لتعليم الفتاة في عام 1960، الذي تم توحيده مع جهاز البنين في جهاز واحد هو وزارة التربية والتعليم في بداية عام 2002، وهو القرار الذي واجه في حينه تحديات في بداية التعليم النظامي للفتاة، إلا أن خيار القيادة السياسية للبلاد حسمت قراراها بعدم التراجع في سبيل إقرار هذا المشروع الحضاري الكبير.

كما أن تعليم الفتاة في المملكة أكد على الحق المطلق للفتاة في التعليم، حيث نص على ذلك ضمن وثيقة «سياسة التعليم» في المملكة، بينما أقرت الدولة إلزامية التعليم للجنسين إلى عمر 15 سنة.

وحظيت الفتاة السعودية بنصيبها الوافر من مشروع التوسع في المنح الخارجية للطلاب والطالبات والابتعاث للخارج، ويأتي ذلك التوسع في ظل وجود 35 جامعة حكومية وأهلية في البلاد، وبحسب إحصائيات حكومية فإن 43 ألف طالبة حصلن على منح دراسية حكومية للدراسة الجامعية والدراسات العليا، ويدرسن حاليا في 31 بلدا حول العالم، في مختلف التخصصات العلمية والنظرية.

وبالعودة إلى تصريحات نائب وزير التربية والتعليم، فقد اعتبرت أن السعودية تبذل جهودا جادة لتحقيق التنمية المستدامة للمرأة، التي لم تنل نصيبها من التعليم المبكر، وذلك من خلال برنامج تعليم الكبيرات وبرنامج محو الأمية، من خلال الحلقات التعليمية والمدارس الأهلية والمراكز الحكومية، موضحة أنه لا يزال العمل مستمرا بهذه المدارس إلى أن تتمكن المملكة من محو الأمية بين النساء.

وأكدت الفائز أن هذه الجهود لم تقتصر على محو الأمية الأبجدية، ولكنها تجاوزتها إلى محو الأمية الحضارية والتعلم مدى الحياة، مشيرة إلى تقديم برامج الحي المتعلم، الذي ينفذ في الأحياء ذات المستوى التعليمي والاقتصادي المنخفض، ويستهدف الرفع من كفاءة المرأة وقدراتها وتمكينها للدخول إلى سوق العمل بمشاريع صغيرة تمكنها من النهوض بنفسها وأسرتها.

واستدلت الفايز بتقرير المملكة للأهداف الإنمائية للألفية عام 2010، الذي جاء فيه أن استمرار جهود التنمية، خصوصا في مجال التعليم، قد ظهر انعكاساتها على تشغيل المرأة، حيث ارتفعت نسبة مساهمتها في سوق العمل إلى 12 في المائة عام 2009، بعد أن كانت لا تتجاوز 5 في المائة عام 1992، وأصبح مستوى التحصيل العلمي للمشتغلات من السمات المهمة لمشاركة المرأة في قوة العمل، حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن 93 في المائة من المشتغلات عام 2009 هن من حملة الشهادات الثانوية فما فوق.

وتجد تجربة المملكة في تعليم الفتاة طريقا جديدا عبر التحول من العلم إلى المعرفة، وذلك من خلال توسيع الخيارات أمام الفتاة السعودية في اختيار التخصص، حتى باتت المرأة السعودية منافسا للرجل في تخصصات علمية وأدبية متنوعة، بل إن تحقيق عدد من النساء السعوديات للتميز العلمي على مستوى دول العالم، كما هو الحال مع العالمة الدكتورة حياة سندي، التي احتفت بها «اليونيسكو» كأحد النماذج الناجحة في مسيرة المرأة عالميا، كان أحد الرموز الدالة على نجاح التجربة السعودية في تعليم الفتاة.

ولم يتوقف التكريم لدى العالمة الدكتورة حياة سندي، سفيرة النوايا الحسنة لدى «اليونيسكو»، حيث تعداه لتحصل الطالبة في الصف الثاني الثانوي بيان المشاط على المركز الأول في مجال العلوم الاجتماعية في مسابقة الأيسف، التي عقدت بالولايات المتحدة الأميركية عام 2011، من بين طلاب وطالبات مثلوا 65 دولة مشاركة.

يشار إلى أن التجربة السعودية لم تتوقف في حدود التعليم، بل شهد عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إشراك المرأة في البناء والتنمية، من خلال دخول المرأة السعودية إلى مركز القيادة وصنع القرار، فلم تعد المرأة مصدر استقبال معرفي، كما في بداية التعليم، وإنما أصبحت تشارك في إنتاج العلم والمعرفة، وتشارك في اتخاذ القرار، وقد تم تتويج ذلك قبل 4 سنوات بتعيين امرأة في منصب نائب وزير، وامرأة في منصب مديرة جامعة، إضافة إلى قيادات نسائية كثيرة في الجامعات والمؤسسات الحكومية، وهن جميعا يعملن جنبا إلى جنب مع أشقائهن الرجال في قيادة حركة التطوير الشاملة التي تشهدها المملكة.