«الشبكات الاجتماعية» تسحب البساط إلكترونيا من «المدونات»

التفاعل المباشر والفوري دفع المدونين إلى الاستعاضة بشبكات التواصل الاجتماعي عن المدونات المستقلة («الشرق الأوسط»)
TT

لم يعد التدوين مقتصرا على الكتاب والمثقفين حول العالم، فقد كفلت الشبكات الاجتماعية على شبكة الإنترنت وسائل جديدة ومبتكرة، تجعل التدوين أمرا سهلا وممتعا لمستخدميها بدءا من التدوين الكتابي إلى التدوين بمشاركة الوسائط المتعددة المرئية والمسموعة.

وعلى الرغم من سهولة استخدام وإنشاء المدونات، فإن شعبيتها أخذت تخفت تدريجيا مع وجود مواقع تواصل اجتماعي كـ«تويتر» الذي باتت حروفه الـ140 أكثر سرعة في الانتشار من المدونات وإن كانت مصغّره.

ولا يستغرب المتابعون عندما يرصدون مدونا يسجل تدوينة أخيرة يودع فيها متابعي مدونته، مذيلة بحسابه الرسمي للتواصل بالشبكات الاجتماعية، بعد أن قضى أوقاته في جمع أفكاره لمدونته ونثر عليها أجمل حروفه؛ وذلك بعد انحسار تشهده بيئات التدوين الإلكترونية في السعودية، وقلة وهجها باتجاه أصحابها ومتابعيهم للتواصل الاجتماعي.

وقال شبان وفتيات لـ«الشرق الأوسط»، حول بُعدهم عن التدوين واتجاههم لوسائل التواصل الاجتماعية كـ«تويتر» و«فيس بوك» وغيرها من الوسائل التدوينية بالكتابة أو الصورة، فباعتقاد المدونة أسماء الباتلي أن المدونات أصبحت استهلاكية واكتست الصبغة القديمة، واتجاه الناس الأكبر نحو الشبكات الاجتماعية للتواصل بالجمل القصيرة؛ بما في ذلك المدونون أنفسهم.

وذكرت دعاء عوايشه أن أيام اشتهار التدوين، كان المجال للتعبير عن الرأي وطرقه محدودة، ومع الزخم الهائل وتوفر الأجهزة الذكية والابتعاد عن استخدام الكومبيوترات المحمولة، وكذلك رواج شبكات التواصل الاجتماعية؛ أصبح لدى مستخدمي الإنترنت سهولة في الكتابة والتعبير على منابرهم بالشبكات الاجتماعية بشكل أسهل، وليس فقط بالتدوين الكتابي وإنما بالصور أو الفيديو، وحصر الكتابة في كلمات أقل كـ«تويتر» وتنتشر بشكل أسرع. وترى دعاء أن أبرز ما رافق البُعد عن المدونات، محاولة المدون التعبير عن رأيه بشكل مختصر، لأن المتابعين لم يعد لديهم الوقت الكافي لقراءة تدوينات طويلة والتعليق عليها، مشيرة إلى أن تركها للتدوين، لم يمنعها من متابعة المدونات ولكن المتخصصة منها في التقنية والمطاعم وهي القريبة من مجال عملها.

ويقول المدون رائد السعيد المهتم بمجال التقنية: «قبل أن نتساءل عن هجر المدونات، يجب أن نسأل المدون عن سبب اتجاهه للتدوين أولا، فغالبيتهم في الفترة الماضية حاولوا التعبير عن آرائهم وإيصال أصواتهم من خلال تلك المدونات، وأيضا لإثارة نقاش حول مسألة ما، فالمنتديات كانت تحصرهم في سقف يمنعهم من التعبير من جهة، ولتعنّتها في قوانين التسجيل في المنتدى للقراءة أو إتاحة بعض المواضيع للتعليق لغير أعضائها المسجلين».

ويضيف السعيد: «مع اشتهار الشبكات الاجتماعية، أصبح سقف الحرية أعلى كونها ليست مغلقة أو محتكرة، فأصبح هناك وسيط آخر للتواصل مع الناس والنقاش معهم، فالهدف من التدوين أو التواصل الاجتماعي واحد وهو التعبير عن الآراء، لذا لم تعد المدونات بتلك الأهمية كما كانت في السابق، لم تندثر ولكن النمو الهائل الذي كانت تشهده وشعبيتها انخفضت كثيرا».

من جهته يرى المذيع فيصل السيف مقدم برنامج «تيك بيلز»، أن طرق الاتصال والتواصل أحد أسباب البعد عن المدونات الإلكترونية المكتوبة، ودعمت بشكل كبير التحول والتوجه لمنصات أخرى كالمرئيات، بدلا من القراءة أو الاستماع فقط، ومع الهيلمان الكبير لتنوع القنوات على شاشة شبكة «يوتيوب»، تنوعت الخيارات أمام فئة الشباب الذين يشكلون الغالبية العظمى من المجتمع السعودي، وقربت الصورة وجعلتها بشكل أوضح من مجرد قراءة لنص مكتوب.

وبرأي السيف فإن الورقيات ستخسر الكثير لو لم تتوجه نحو الاستثمار في النسخ الإلكترونية المكتوبة والمزودة بمواد تفاعليه تدعّم الأخبار كالصور والفيديو المرفق، والتي تجذب القراء الشباب لها، الذين لم تعد الأعمال الروتينية التي تتطلب الجلوس طويلا ملهمة لهم وتحفزهم للبقاء وتصفح الصحف اليومية والمجلات وهذا الأمر ينطبق على بدوره على المدونات المكتوبة.

وبالمقابل يرى سعود الهواوي مؤسس مدونة عالم التقنية أن المدونات لن يتم هجرها، بسبب أنه ما زال من يفضل كتابة رأيه على شكل مقالات، فمهما كان انتشار الشبكات الاجتماعية إلا أنها لا تستطيع أن تلغي المدونات فالشبكات الاجتماعية تعتمد على الاختصار بشكل كبير. مشيرا إلى أن المدونات المتخصصة والتي يكون لها فريق عمل لها نجاح كبير في منطقة الشرق الأوسط، لأنها أتت لتعوض النقص في المحتوى الجيد والمفيد باللغة العربية وهذا مالا يوجد في المنتديات، ويقول: «سيستمر التدوين ولكن سيظهر في المستقبل بشكل أكثر احترافية وسيكون له انتشار أكبر مع وجود المدونات المتخصصة».