جدل بين أصحاب الأعمال والعمال حول من يتحمل رسوم العمالة

وزارة العمل أكدت عدم تأجيل قرار الـ2400 ريال

قطاع البناء والتشييد أكثر القطاعات التي ارتفعت أصواتها ضد هذا القرار
TT

في الوقت الذي أكدت فيه وزارة العمل عدم عدولها عن قرار تحصيل مبلغ 2400 ريال سنويا من جميع منشآت القطاع الخاص التي يزيد فيها عدد العمالة الوافدة على السعودية، كون القرار صادرا من مجلس الوزراء ولا يحق العدول عنه أو تأجيله، أكد أصحاب أعمال واقتصاديون أن تطبيقه سيؤدي إلى تفريغ البلاد من مؤسساتها الوطنية إلى دول أخرى، إضافة إلى أنه سيجعل الشباب السعودي يعمل لمجرد تحقيق السعودة، وليس من أجل رفع كفاءته الإنتاجية، مبينين أن الأمور الاقتصادية في أي بلد لا تؤخذ «بالسلطة الجبرية».

هجرة الرساميل وأكد الدكتور علي التواتي الخبير الاستراتيجي لـ«الشرق الأوسط» أن قرار وزارة العمل الأخير دفع بعض أصحاب الأعمال إلى الانتقال بأعمالهم إلى دول خليجية لتفادي الخسائر التي يمكن أن تطال مؤسساتهم، خاصة القطاعات التي تعتمد على العمالة بشكل كبير.

ووفقا للتواتي، فإن المعاهدات بين دول مجلس التعاون الخليجي تنص على أنه يمكن لأي مستثمر خليجي أن يوطن شركته في أي من تلك الدول، الأمر الذي شجع هذه الشركات على الانتقال إلى دبي وغيرها.

وبين الخبير الاستراتيجي أن القرار له عدة آثار سلبية على اقتصاد المملكة، حيث إنه سيرفع التكلفة على المستهلك، كما سيلحق أضرارا جسيمة بالشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل خاص، إضافة إلى أنه سيفرغ البلاد من مؤسساتها الوطنية التي لن تتردد في الهجرة حال طالتها الخسائر، مشيرا إلى أن القرار لم يأت في الوقت المناسب؛ إذ كان لا بد من إشراك القطاع الخاص والغرف التجارية في دراسته ومعرفة أبعاده من خلال الاستعانة بالأجهزة الحكومية التي لها باع في التخطيط والدراسة، كما أنه لا بد من تجهيز الرأي العام لتقبل مثل هذه القرارات: وقال: «الأمور الاقتصادية في أي دولة لا تفرض بالسلطة الجبرية».

وبحسب التواتي، فإن هذا القرار سيجبر المؤسسات على التوطين من أجل السعودة وليس من أجل تحقيق إنتاجية وعمل جاد، وقال: «سيكتفي الشباب بتقاضي رواتب ممتازة مقابل عدم التزامهم بالعمل بهذه الوظائف».

وشدد على أنه قبل إصدار القرار كان لا بد أن يؤخذ بعين الاعتبار أن هناك أعمالا لا يقبل بها المواطنين في جميع أنحاء العالم كالمجاري وخدمة الشوارع والتنظيف والبناء، ولهذا لا يمكن أن يطبق عليها قرار التوطين، وقال: «الشاب السعودي يكتفي بأن يجد وظيفة بـ3000 ريال لتحقيق السعودة فهذه مأساة كبيرة جدا وإحدى النتائج السلبية لبرامج وزارة العمل المتتالية».

واستطرد الخبير الاستراتيجي: «وإن كانت نوايا وزارة العمل سليمة، فإن وقت تطبيق القرار لم يحن بعد»، متسائلا في الوقت نفسه عن صدور القرار في الوقت الحالي على الرغم من موافقة مجلس الوزراء عليه منذ سنة ونصف.

قطاع التشييد من أكبر الخاسرين في حين يعتبر قطاع البناء والتشييد أكثر القطاعات التي ارتفعت أصواتها ضد هذا القرار، كونها تعتمد بنسبة كبيرة على العمالة الوافدة؛ إذ لا يطال التوطين في هذا القطاع سوى الأعمال المكتبية، توقع عاملون في هذا القطاع أن يتراوح حجم الخسارة ما بين 14 و19 مليارا جراء تحصيل هذه الرسوم.

وأوضح عبد الرحمن العتيبي عضو لجنة التشييد والبناء في الغرفة التجارية الصناعية بجدة، أن اجتماعات أعضاء لجان البناء والتشييد في المملكة لم تسفر عن تكهنات باستثنائهم من القرار، مبينا أنه سيتحمل في شركته نصف المبلغ عن كل عامل في حين يتحمل العامل النصف الآخر، مؤكدا أن الضرر لن ينال سوى المستهلك.

وتساءل في الوقت ذاته عما إذا كان القرار دُرِس بشكل جيد وما مدى استفادة اقتصاد الدولة منه، وقال: «القرار بعيد جدا عن تحقيق التوطين لا سيما بعد فشل نطاقات التي لم تحقق أهدافها حتى الآن».

الصيادون بين قرارين وفي الوقت ذاته، يرى أمين عبد الجواد عضو جمعية الصياديين بالغرفة التجارية الصناعية بجدة أن القرار المنصف الصادر عن خادم الحرمين الشريفين برفع بعض الرسوم عن الصياديين وتقديم تبرعات لهم، يناقضه قرار وزارة العمل الذي يحمل الصيادين أعباء مضاعفة خاصة في ظل غياب أيد عاملة سعودية ترضى بهذه المهنة.

وحول الإجراء الرسمي الذي قام به الصيادون لتفادي الأضرار التي قد تطال القطاع جراء القرار، بين عبد الجواد أنهم عقدوا اجتماعات لمناقشة القرار ورفعوا خطابا لوزير العمل مطالبين بإعادة النظر في القرار، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أبلغنا وزارة العمل أننا بصفتنا صياديين سنتوقف عن العمل إذا لم يتم التراجع عن القرار، وفي حال توقفنا ستنقرض هذه المهنة التي يتأفف الناس عن العمل بها في الأصل».

وخاطب عضو لجنة الصياديين بالغرفة التجارية الصناعية وزير العمل بقوله: «إذا أردت أن تطاع فاؤمر بما يستطاع، فنحن لا نرفض توظيف الكوادر الوطنية؛ بل على العكس هم من يرفضون العمل في هذا القطاع»، مبينا أن الصيد والزراعة والمهن الحرفية غير جاذبة للشباب السعودي كونها تتطلب جهدا كبيرا مقابل دخل مادي اعتبره عبد الجواد زهيدا، مطالبا في الوقت ذاته أن توفر الوزارة الكوادر السعودية التي ترضى بالعمل في هذه المهنة منذ ساعات الصباح الباكر وحتى منتصف الليل، وقال: «هذه المهنة لا توفر لأصحابها دخلا جيدا يسد حاجاتهم اليومية، فكيف لنا أن نأتي بهذه المبالغ لندفعها عن العمالة»، مستغربا من صدور قرار يطال كل القطاعات والحرفية منها بشكل خاص، دون الرجوع إلى أرباب العمل حتى يتسنى لهم دراسته معهم.

وتعاني مهنة الصيد بالمملكة من تدني أوضاع العاملين فيها؛ فالأيدي السعودية التي تعمل في هذه المهنة تجاوزت الآن الستين عاما، وهي غير قادرة على أداء هذه الحرفة التي تحتاج إلى مهارات بدنية لم يعودوا يمتلكونها، كما أنها تعتمد على ما يتم استخراجه من البحر يوميا بعد ساعات عمل طويلة، الأمر الذي دفع عبد الجواد إلى أن يقرر هو وزملاؤه بالمهنة في حال إصرار الوزارة على هذا القرار أن يتوقفوا عن العمل بها، ويرحِلوا كل العاملين تحت إدارتهم لبلدانهم ويستعيضوا عن دخل البحر بمبالغ مستقطعة من الضمان الاجتماعي.

خلل الميزان بين الخبز والحلويات ويعتقد جمال كعكي عضو لجنة المخابز بالغرفة التجارية الصناعية بجدة وصاحب مؤسسة لإنتاج الخبز، أن هذا القرار أتى ليقسم ظهورهم، خاصة أنهم ما زالوا إلى الآن يعانون من تبعات نظام «نطاقات» الذي فرض عليهم التوطين، ومن بين خمسة عشر سعوديا يعملون لدى كعكي، لا يؤدي منهم مهامه بالشكل المطلوب سوى خمس سيدات، في حين يتكبد هو الخسارة التي يتعرض لها جراء عدم التزام الشباب السعودي بالعمل في هذه المهنة، موضحا أن العجز الذي تكبدته ميزانيته جراء تطبيقه برنامج «نطاقات» يصل إلى 45 ألف ريال. ويأتي هذا القرار ليضاعف المشكلات التي تواجه هذا القطاع، حيث قال كعكي: «اضطررت الآن لإنهاء خدمات أربعة عمال وافدين من مؤسستي، كما أنني سأنهي عقود أربعة آخرين الشهر المقبل لأني لن أتمكن من دفع الرواتب إلى جانب مبلغ 2400 ريال عن كل منهم»، واعتبر كعكي أن هذا المبلغ الذي أقره مجلس الوزراء مؤخرا هو عبارة عن ضريبة فرضت عليهم، مستغربا من تطبيقه في ظل التزام المملكة بمنع تحصيل الضرائب. ولفت إلى تأخره في دفع رواتب الموظفين بسبب العجز في الإنتاجية والتحصيل، وأضاف: «علينا أن لا نخدع أنفسنا؛ فللأسف الكوادر السعودية غير ملتزمة ولا تعمل بجد في هذه المهن خاصة»، مؤكدا أن المشكلة ليست في الرواتب بل ثقافة العمل الموجودة لديهم.

وحول ما سيقوم به كعكي لتحصيل رسوم العمالة، أكد أنه سيخفض من إنتاج الخبز، وفي المقابل سيعتمد على إنتاج أصناف أخرى كالحلويات والمعجنات التي يمكنه أن يرفع سعرها وقال: «ألا يدرك وزير العمل أن هذا القرار يضر المواطن بشكل مباشر».

في جانب آخر، يرى أحمد السهلي مالك لأحد المخابز، أن القرار يعتبر صائبا، ولكن توقيت تطبيقه خاطئ، وقال: «عقدنا عددا من الاجتماعات مع أصحاب المخابز وخاطبنا الوزارة لنبين لها أن تطبيق القرار في هذا الوقت سيضر المستهلك بشكل مباشر، خاصة في ظل الغلاء الذي يطال كل السلع والخدمات بالمملكة دون القرار، فكيف الأمر حال تم تحصيل رسوم العمالة». مبينا أن التجار سيلجأون دون أدنى شك إلى رفع الأسعار ليتمكنوا من دفع الرسوم، لافتا إلى أنه يمكن دعم التوطين دون الإضرار بالتاجر البسيط ولا المستهلك.

«الأجرة» تدير عداداتها من جديد استقلت ابتسام صالح سيارة الأجرة كعادتها كل صباح، للذهاب إلى مقر عملها، إلا أن الأمر اختلف صباح الأربعاء الماضي بعد أن طالبها صاحب التاكسي بدفع مبلغ 37 ريالا في حين أنها اعتادت أن تدفع خمسة عشر ريالا مقابل تلك المسافة التي تقطعها يوميا، وحين استفسرت عن سبب الزيادة، بين لها صاحب التاكسي أن هذا حقه لأنه مطالب الآن بتحصيل 400 ريال دخلا يوميا للتاكسي، إضافة إلى مبلغ 2400 ريال يدفعها سنويا لشركة تأجير سيارة الأجرة التي يتعاقد معها.

صاحب التاكسي هندي الجنسية يبلغ من العمر 48 سنة يعمل في هذا المجال منذ 15 عاما، واكب خلالها التغيرات التي طالت هذا القطاع، التي بدأت من امتلاك أصحاب الأعمال للسيارات وتوزيعها على السائقين واصفا إياها «بالفاشلة»، وأخيرا اتحاد أصحاب سيارات الأجرة الأجانب على تشغيل العدادات لتحصيل رسوم العمالة التي تطالبهم بها شركات تأجير السيارات، وقال: «أعمل على السيارة الأجرة طيلة النهار، وبعد أن أصفي حسابي مع الشركة بدفع 400 ريال لا يبقى سوى مبلغ بسيط أقوم بإرساله لأسرتي التي تنتظره نهاية كل شهر بفارغ الصبر لأداء التزاماتهم التعليمية والصحية والاجتماعية». وعما إذا كانت رسوم العمالة ستثنيه عن العمل بهذا القطاع، اكتفى بابتسامه وقال: «الله كريم».

في ذلك الوقت، استنكرت الفتاة هذه الزيادة، مبينة أنها باتت تلقي نظرها على العداد الذي لا يتوقف عن حساب الريالات التي تتراكم، خاصة في ظل وقوف السيارة أمام إشارة المرور التي يستغرق انتظارها قرابة عشر دقائق، وقالت: «كنت أسمع عن قرار 2400 ريال واعتقدت أنه لن يضر سوى أصحاب المشاريع الكبيرة، إلا أنه بعد تجربتي البسيطة أدركت أننا نحن المستهلكين سنلمس تبعات هذا القرار السلبية في حياتنا اليومية، ابتداء من المواصلات والسلع الغذائية، وحتى إيجارات منازلنا التي لا أستبعد أن ترتفع أكثر».

المستهلك هو الخاسر الأكبر في هذا السياق، أكد عبد الهادي القحطاني صاحب مؤسسة أجرة عامة أنهم لن يتحملوا رسوم العمالة عن الموظفين، مبينا أنه من حق هذه العمالة أن تشغل العدادات وترفع الأسعار ليتمكنوا من تسديد هذه الرسوم، وقال: «هذا القرار سيلحق أضرارا كبيرة بالنقل العام والمعدات الثقيلة، خاصة مع تدني نسبة التوطين فيها بشكل كبير وغياب المواصلات العامة التي تخدم مختلف شرائح المجتمع، ونحن العاملين بقطاع الأجرة العامة لن تطالنا أية خسارة؛ بل المواطن والمستهلك هو الخاسر الأول والأخير».

وكان قد نص قرار مجلس الوزراء السعودي على أن تكون وزارة العمل هي الجهة المنفذة للقرار الذي أثار جدلا واسعا، حيث تقوم بتحصيل المقابل المالي عند إصدار أو تجديد رخص العمل للعمالة الوافدة، على أن يكون تحصيل المقابل المالي مقدما بشكل سنوي لمصلحة صندوق تنمية الموارد البشرية. وبدأ تطبيق القرار في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، برفع رسوم رخص العمل من 100 إلى 2400 ريال سنويا، ويستثنى منه أبناء المواطنة السعودية، والعمالة المنزلية والخليجية والشركات التي تبلغ فيها نسبة التوطين أكثر من 50 في المائة، وهو الأمر الذي لا ينطبق على كثير من الشركات العاملة في المملكة.