مشروع وطني مرتقب لدمج «المعاقين» في مدارس التعليم العام

يشمل تعديل 500 مدرسة خلال خمسة أعوام

يعتبر الدمج الشامل أحد أشكال تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية بين الطلبة وإزالة مظاهر التمييز («الشرق الأوسط»)
TT

تنتظر أوساط التعليم العام في السعودية تطبيق مشروع وطني لدمج ذوي الإعاقة الجسمية والحركية في مدارس التعليم العام، والذي يضمن تقديم رعاية نوعية وشاملة تمكنهم من الاندماج في مجتمع التعليم داخل البيئة المدرسية.

وقد وجهت وزارة التربية والتعليم مؤخرا تعميما إلى جميع إدارات التربية والتعليم في السعودية، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، يقضي بشمول كل الطلاب والطالبات ذوي الإعاقة الجسمية والصحية بموجب هذا القرار في جميع المدارس الحكومية.

ويتضمن هذا المشروع الإشراف العام على برنامج متخصص لمتابعة الطلبة من ذوي الإعاقات الجسمية والصحية من خلال وحدة تستحدث لهذا الغرض في إدارة قسم التربية الخاصة في إدارة التعليم، بالإضافة إلى توفير الأجهزة والبرامج والتقنيات المناسبة، وتأمين وسائل نقل آمنة ومناسبة لاحتياجاتهم الحركية، مع تأمين مرافقين لهم لتقديم الخدمات الضرورية وفق خواصهم واحتياجاتهم ومهارات التعامل مع المعدات الخاصة بهم.

ويأتي مشروع «العناية بذوي الإعاقة الجسمية والحركية» وفق مرحلتين، تتمثل الأولى في مرحلة التجربة خلال عام دراسي واحد، وتعديل ثلاث مدارس للبنين وثلاث مدارس للبنات (ابتدائي، ومتوسط، وثانوي)، بينما تتمثل المرحلة الثانية في التوسع خلال أربعة أعوام، بحيث يتم تعديل ثلاث مدارس للبنين ومثلها للبنات في جميع إدارات التربية والتعليم في السعودية.

ويهدف المشروع إلى تعديل 500 مدرسة للبنين والبنات خلال خمسة أعوام، ويأخذ في الأولوية المدارس التي يتم فيها نظام الدمج، كما يتم الإشراف العام على برامج متخصصة لمتابعة الطلبة من ذوي الإعاقات الجسمية والصحية، تتألف من معلم ومعلمة ومرشد طلابي وطبيب وممرض بالإضافة إلى مرافق داخل الباص. وصرف مبلغ 5 آلاف ريال كل عام لكل طالب للمستلزمات التعليمية. كما يعامل جميع معلمي ومعلمات هذه الفئة وفق ما يتم التعامل به مع معلمي ومعلمات التربية الخاصة.

ويركز المشروع على تجهيز المدارس المستهدفة بتجهيزات متباينة حسب حاجات الطلبة المستهدفين واهتماماتهم وقدراتهم مع مراعاة أن تكون مرتبطة بالمنهج المدرسي، بالإضافة إلى دورات تدريبية تشمل ثلاثة مستويات، مرورا بأولياء الأمور لتوعيتهم بكيفية التعامل مع هذه الفئة من أبنائهم، مرورا بالمعلمين والمعلمات لتبصيرهم بالأساليب التعليمية لذوي الإعاقة، وانتهاء بالهيئة الإدارية بالمدرسة من خلال تزويدها بأحدث الأساليب الفنية في التعامل مع تحديات دمج ذوي الإعاقة والصحية في المدارس العادية.

ويشمل المشروع تهيئة فصول في الدور الأرضي في إحدى مدارس الحي بمستلزمات ذوي الإعاقة، ومراعاة قربها من مخارج الطوارئ، وتوفير مختبر في الدور الأرضي لهم مجهز بسياج جداري، بالإضافة إلى وضع عدد من دورات المياه المخصصة لذوي الإعاقة ومصممة وفق المواصفات الخاصة بهم، وتجهيز منحدرات لتسهيل دخول الطلبة للمدرسة في كل البوابات الخدمية الأخرى للمدرسة وتكون مناسبة لحركة الكراسي.

ولم يغفل مشروع الدمج عن تخصيص صالات ألعاب في الطابق الأرضي للمدرسة بحيث تتم مراعاة التصاميم والقياسات العالمية من حيث الأبعاد والأطوال المناسبة لذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى التهيئة المكانية الذي أخذها المشروع بعين الاعتبار عند التهيئة المكانية، مع مراعاة كرامة الطلاب من ذوي الاحتياجات الجسمية والصحية باعتبار أن التسهيلات المتوافرة في المبنى المدرسي يجب ألا تشعر الطالب المعاق بأن هناك فرقا بينه وبين زملائه، وتأتي التهيئة المكانية وفق مستويين، الأول يختص بالمباني الحديثة من خلال إعداد دليل للمعايير الإنشائية للمباني المدرسية الحديثة ودراسة إمكانية انتشار المبنى المدرسي أفقيا بدلا من انتشاره عموديا، والمستوى الثاني يختص بالمباني القائمة بحيث يتم تعديل مبنى مدرسي للبنين والبنات في كل مكتب تربية وتعليم وذلك وفق احتياجات الطلبة في المنطقة التعليمية ليتوافق مع متطلبات ذوي الاحتياجات الجسمية والصحية.

كما يتضمن المشروع عددا من المحاور، يأتي على رأسها القبول، بحيث يتم قبول الطالب أو الطالبة بعد إجراء التقييم الطبي والنفسي والتربوي على المتقدمين من قبل لجنة مكونة من طبيب وممثل من إدارة التعليم ومرشد طلابي ومعلم التربية الخاصة لتحديد الاحتياجات والمعينات التربوية لكل طالب متقدم، وألا يزيد عدد الطلاب من هذه الفئة على 5 طلاب في الفصل الواحد وبمعدل 5 طلاب لكل 25 طالبا، وألا يزيد عمر الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة عن عمر أقرانه أكثر من سنتين لدى تسجيله، وتحديد ثلاث مدارس (ابتدائي، متوسط، ثانوي) على الأقل داخل كل حي قبل بداية العام الدراسي لقبول هذه الفئة من الطلاب، وفي حال وجود تقرير طبي يوضح عدم تمكن الطالب من إكمال البرنامج المدرسي في المدرسة العادية فيحق له استكمال دراسته عن طريق نظام المنازل.

ويهدف المشروع إلى إيجاد فرص متكافئة لجميع الطلبة وفق قدراتهم واحتياجاتهم، وتعديل الاتجاهات نحو فئات الأطفال ذوي الإعاقة الجسمية والصحية، بالإضافة إلى إيجاد خبرات تفاعلية متنوعة بين ذوي الإعاقة والطلبة العاديين، وتوفير نمو اجتماعي ونفسي وتعليمي مناسب لذوي الإعاقة الجسمية.

ويقصد المشروع الطلاب ذوي الإعاقة التي تحرمهم من القدرة على القيام بوظائفهم الجسمية والحركية بشكل عادي مما يستدعي توفير خدمات متخصصة تمكنهم من التعلم، حيث تم تصنيف إعاقاتهم على أساس المشكلات العصبية مثل شلل الأطفال والمشكلات العضلية والعظمية مثل بتر القدم، والأمراض المزمنة مثل اضطرابات القلب، بالإضافة إلى إعاقات الشلل الدماغي.

ويعتبر الدمج الشامل هو أحد أشكال تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية بين الطلبة وإزالة مظاهر التمايز بينهم، مع الاعتراف الكامل بالتحديات التي يواجهها ذوو الإعاقة الجسمية والصحية مع الطلبة العاديين في مدرسة واحدة. ولا يمكن إغفال حق أي طفل في الحصول على تعليم مناسب وفق قدراته وإمكانياته، باعتبار أن للأطفال المعاقين حقوقا مثل بقية أقرانهم في التعليم، وقد نصت سياسة التعليم في السعودية على تحقيق هذا المبدأ.

وتتباين الخيارات والبدائل التربوية أثناء تقديم الخدمة لذوي الإعاقة وفق عمر المعاق الزمني عند حدوث الإعاقة ونوع وشدة الإعاقة ومدى توافق الخدمة مع حاجات ذوي الاحتياجات الخاصة في السعودية. وفي السابق، قامت وزارة التربية والتعليم بتطبيق تجربة الدمج، حيث فتحت أبوابها لتعليم المكفوفين في المعاهد العلمية والكليات مع المبصرين على حد سواء، وقد توقف هذا الدمج بعد صدور قرار قبل عدة سنوات يقضي بوقف قبولهم في المعاهد العلمية وتوجيههم إلى معاهد النور.

ويأتي هذا المشروع بعد التعرف على التجارب الناجحة للدمج التربوي في الدول المتقدمة، والتي أثبتت العديد من الدراسات نتائج نجاحها، ولم تكتف الوزارة بنتائج تلك الدراسات بل قيّمت نتائج تجربتها للتأكد من نجاحها، والتعرف على جوانب قصورها، من خلال إعداد دراسة علمية أجراها فريق متعدد التخصصات في التربية الخاصة. وقد سبقت السعودية الكثير من البلدان في قضية دمج «ذوي القدرات الخاصة» في مدارس التعليم العام.