100 ألف متزوج يغيرون الخارطة الإسكانية في مكة المكرمة

أسعار الإيجار المرتفعة ترفع الطلب على شقق «الغرفتين»

ارتفاع معدلادت الإيجارات حدا بكثير من المقدمين على الزواج إلى تقديم تنازلات في حجم المواصفات والاشتراطات (تصوير: أحمد حشاد)
TT

دفع ارتفاع أسعار العقارات في العاصمة المقدسة إلى تغيير الخارطة الإسكانية لدى أعداد المقبلين على الزواج نحو زيادة الطلب لأول مرة على شقق الغرفتين، في وقت حددت فيه دراسة مسحية أعداد المتقدمين لها بأكثر من 100 ألف.

وقال لـ«الشرق الأوسط» فهد النمري، رئيس المجلس الاستشاري لأبحاث الدراسات الاجتماعية إن أسعار العقارات المرتفعة في العاصمة المقدسة غيرت كثيرا من المفاهيم الإسكانية لدى الراغبين في الزواج من شرائح مختلفة.

وحدد النمري اختلاف الطلب على السكن بما سماه «التكيف النمطي» لدى الراغبين في عدم تجاوز الإيجارات الشهرية لأكثر من ربع الراتب، بحكم ارتفاع معدل ومتوسط الإيجارات في العاصمة المقدسة إلى ما يربو على 30 ألف ريال سنويا.

ويقول مراقبون إن أزمة المساكن التي يعيشها عدد من المدن السعودية، خاصة في منطقة مكة المكرمة، استقطبت الكثير من المستثمرين لبناء وحدات سكنية صغيرة تلبية للطلب المتنامي على الوحدات السكنية الصغيرة ذات «الغرفتين»، وتماشيا مع حجم بعض المرتبات المنخفضة، الأمر الذي أحدث تحولا في منطقة مكة المكرمة.

بينما قدرت مصادر مطلعة حجم الأموال المتدفقة في هذا الاتجاه بأكثر من 3 مليارات ريال سنويا، استأثرت بها 3 مدن سعودية فقط، مع تنامٍ في حجم الاستثمار يصل إلى 8 في المائة، مقارنة ببقية الاستثمارات العقارية المختلفة.

وفي حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، قال سعد الجودي، خبير المنطقة المركزية بمكة المكرمة: «إن استثمارات العقارات الصغيرة في منطقة مكة المكرمة كانت تحت وطأة تغيرات اقتصادية كبيرة اجتاحت الصناعة العقارية، وألقت بظلالها على فئة المستفيدين، الذين كانوا في المقام الأول من فئة الشباب الواعدين والمقدمين على الانخراط في المؤسسة الزوجية».

وزاد: «يعد حجم الاستثمارات في الوحدة الصغيرة لمنطقة مكة المكرمة من فيللات (دوبليكس) وشقق صغيرة ذات الغرفتين بمنافعهما، مشتملة على مدن كجدة ومكة والطائف، يصل من 3 مليارات ريال إلى ما يزيد على 4 مليارات ريال سنويا، وبنسبة من 5 إلى 8 في المائة عند مقارنته بحجم الاستثمارات في الأبراج والفيللات والعمائر والفنادق السكنية».

وأوضح الجودي أن لدى السعوديين عادات وتقاليد، تجبر الجميع على التملك، أو الاستئجار في المناطق السكنية الواسعة، ولم تكن لديهم في الأصل ثقافة السكن في عمائر مشتركة.

بيد أن ارتفاع سعر الإيجارات والعقارات إلى مراحل عليا، إلى جانب زيادة مطردة في أعداد السكان بشكل لافت «بددت ذلك المفهوم لدى معظم الشباب وراغبي الحصول على عقارات مستأجرة»، حسبما قال الجودي.

وأضاف: «إن ذلك حدا بعقاريين نحو التوجه لطرح مشاريع سكنية للوحدات الصغيرة، وكان في مجمله مشروعا موجها نحو الأجانب، استنادا إلى مشكلات كثيرة اعترت حقبة زمنية في السابق وما زالت تداعياتها سارية حتى اللحظة. ويعزو خبير المنطقة المركزية السبب إلى عدم تطبيق أنظمة ولوائح رسمية معمول بها من عشرات السنين، وتتمثل في العلاقة بين المالك والمستأجر»، مبينا أنها واضحة وصريحة وصادرة من مجلس الوزراء، وتقضي بأن تشرف الجهات الحكومية مباشرة وتنفذ العقود بين الأطراف.

وفي جانب آخر، يقول الدكتور نبيل عباس المحكم الدولي والاستشاري الهندسي، إن اللجنة المشرفة على مشروع (واحة مكة) للإسكان الميسر، حددت معايير صارمة لشركات المقاولات العاملة في تشييد الوحدات السكنية، وذلك من خلال استخدام أعلى المعايير الهندسية المتضمنة جميع اشتراطات السلامة والصحة العامة، إلى جانب حماية الأرواح والممتلكات من المخاطر الطبيعية، كالزلازل والحرائق، والعمل بمتطلباتها في تصاميم كل المباني السكنية والمرافق العامة.

وقال الدكتور نبيل عباس، المشرف الاستشاري على المشروع، إن الإسكان الميسر نوع الأنظمة الإنشائية من خلال نظام الشدائد النفقية، ونظام الخراسانة سابقة الصنع، والنظام التقليدي، وذلك لضمان جانبي الجودة والتنفيذ، مع الأخذ في الاعتبار طبوغرافية الموقع، وأشار إلى أن خطوات سير العمل تسير وفقا للجدول المقرر لها وبأفضل المواصفات والمعايير، متوقعا أن يتم تسليم وحدات المرحلة الأولى البالغ عددها 23 عمارة في غضون أشهر.

من جهته، قال الدكتور مجدي حريري، نائب رئيس مجلس المديرين بشركة «واحة مكة»، إن مشروع الإسكان الميسر بمكة، وضع نصب عينيه ضرورة الالتزام بالمعايير والمقاييس، وذلك عبر ترشيد استهلاك الطاقة والمياه، وتحسين البيئة الداخلية، ودعم القيم الثقافية والتراث والاقتصاد الوطني، وقال: «إن المشروع اختار التصاميم الصحيحة بيئيا واقتصاديا، واستفاد من التقنيات الحديثة والمتطورة؛ بهدف أن تراعي المباني الديمومة والكلفة الاقتصادية الشاملة، ولتحقيق عوامل المبنى الصحي، وترشيد استخدام الموارد الطبيعية».

وأشار حريري إلى أن البيئة تعتبر من المحاور الرئيسية لرؤية الإسكان الميسر إلى جانب التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية، حيث تترابط لتمثل دعائم التنمية المستدامة بمنطقة مكة المكرمة، التي تسير بخطى مدروسة تحت رعاية الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، لتحقيق التوازن بين احتياجات النمو الاقتصادي والنمو الاجتماعي، مبينا أن مشاريع الإسكان الميسر وضعت تصورا طويل المدى لأحياء مكاوية متطورة ومزدهرة تتفاعل فيها الطبيعة مع الإنسان في تناغم مستمر.

يشار إلى أن مشروع «واحة مكة» هو أول مشروع شراكة بين القطاع العام والخاص، ويبعد عن الحرم المكي مسافة 14 كيلومترا، وتبلغ مساحته نحو 670 ألف متر خصصت لبناء 2300 وحدة سكنية على مرحلتين، إضافة إلى عدد من المباني التجارية والمرافق العامة، حيث تم الشروع فعليا في تشييد وبناء المرحلة الأولى من المشروع والمكونة من 23 عمارة سكنية، ما بين 6 أدوار و3 أدوار، مقسمة على منطقتين جغرافيتين يبلغ مجموع وحداتهما 500 وحدة سكنية من الحجم الكبير والمتوسط والصغير.