74 مليار ريال تحول جدة إلى ورشة عمل «برا وبحرا وجوا»

8 جهات حكومية ترصد 12 عقبة أمام إنجاز المشاريع في العروس

«الطيران المدني» تؤكد إنجاز 35% من المرحلة الأولى لتطوير مطار الملك عبد العزيز الدولي (تصوير: غازي مهدي)
TT

يحدق أحمد العدواني، وهو معلم صفوف ابتدائية بمدرسة حكومية، في لوحة كتب عليها: «سيتم إنجاز المشروع خلال 78 يوما». يلتقط صورة ويقول إنه سيشاركها الأصدقاء في حساباته على شبكات التواصل الاجتماعي، وريثما يتسلم وجبة الغداء التي يترقبها من مطعم «البيك» الشهير، لطفليه وزوجته في المنزل؛ يجزم العدواني (37 عاما) بأن المشاريع أرهقت السكان في ازدحام الطرقات، بيد أنه متفائل من جهة أخرى؛ إذ اتضح من خلال افتتاح بعض مشاريع الطرقات أنها ساهمت بالفعل في سيولة الحركة، ويؤكد بالقول: «نحتاج إلى استعادة الثقة بمدينتنا، ولعل إزالة إشارات المرور في شارع فلسطين من الجهة الشرقية يعيدني إلى الوراء سبعة أعوام على الأقل حينما كنت أستخدمه للعودة إلى منزلي في شارع الصحافة»، يضيف العدواني: «رغم الازدحام، فإن الطريق لا يقف، وهو في أسوأ الأحوال أفضل من ذي قبل».

وفي حين يترقب العدواني و3.4 مليون ساكن في المدينة التي تبلغ مساحتها 1765 كلم2، اكتمال المشاريع، فإن مصدرا في إمارة منطقة مكة المكرمة قال لـ«الشرق الأوسط»: «تكلفة المشاريع القائمة تبلغ 47 مليار ريال، من دون احتساب مشروعي (قطار الحرمين) و(مطار الملك عبد العزيز الدولي)».

وكشفت لـ«الشرق الأوسط» مصادر أخرى، عن رصد 8 جهات حكومية 12 عقبة، قالوا إنها تعوق تنفيذ المشاريع في جدة، ودونت الجهات 16 مقترحا وضعتها على طاولة الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة.

وفي أرجاء عروس البحر الأحمر، تتناثر المشاريع التنموية بشكل حولها إلى ورشة عمل، برا، وبحرا، وجوا، وبالنسبة لمدينة طالتها كارثتين في 2009 و2010، أدت إلى وفيات وخسائر مادية واسعة، فإن المراقبين أجمعوا على ضرورة استعادة ثقة السكان عبر الإنجاز على أرض الواقع.

وكشف المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه أن الخطة الكاملة للانتهاء من مشاريع السيول تسير بشكل واسع، رغم رصد أمانة جدة معوقات في تنفيذ مشاريعها بشكل عام، تمثلت في تعارض البنية التحتية مع مواقع تنفيذ المشاريع، وضعف أداء بعض المقاولين، خاصة مقاولي الباطن، إلى جانب عدم كفاية الاعتمادات المالية لبعض المشاريع والصيانة، وجاءت هذه الملاحظات في تقرير حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه.

واقترحت الأمانة سبعة حلول لتجاوز العقبات؛ تمثلت في حصر وتوثيق خرائط البنية التحتية من قبل الجهات المختلفة، وزيادة الاعتمادات المالية، إلى جانب تنفيذ مشروع دراسة وإشراف للتأهيل البيئي المتعلق بالشواطئ، ومشروع دراسة إنشاء مردم للنفايات الصناعية والخطرة، فضلا عن تنفيذ مشروع آخر لإنشاء مختبر بيئي متخصص، ومشروع إنشاء محطات لقياس ملوثات الهواء والعوامل الجوية في الميادين الرئيسية، ومشروع التخلص من الحمأة لتحويلها إلى سماد عضوي آمن.

ورغم أن الأمانة تجري تنفيذ مشاريع درء السيول والأمطار، فإن السكان لا يزال يراودهم توجس لدى إعلان هيئة الأرصاد هطول أي قطرة من الماء، ولا يحتاجون سوى أن تكتمل المشاريع التي تراهن عليها الأمانة ليطمئنوا بأنه لا يوجد ما يدعو إلى الفزع.

أمام ذلك، قال مصدر «الشرق الأوسط» في الأمانة إن الأسابيع المقبلة ستشهد طرح منافسة تصميم مخطط عام لتنفيذ شبكة كاملة لتصريف مياه الأمطار، موضحا أن مشاريع درء السيول جارية وأنه مشروع مختلف. ويضيف المصدر: «في حال الانتهاء من هذا المشروع مع مشاريع التصريف، ستنال جدة شبكة كاملة لمخطط عام لتصريف مياه السيول والأمطار».

وبالانتقال إلى مشاريع الطرقات والازدحام، نشرت الأمانة في آخر أربعة أعوام معدل الرحلات اليومية التي يجريها السكان، التي بلغت نحو 7 ملايين رحلة يومية.

ولتحسين النقل في العروس، فإن الخطط الاستراتيجية تشير إلى ضرورة تحرير المحاور الرئيسية. ويدور مصطلح «تحرير» في الدوائر الرسمية بمعنى «جعله يسيرا وغير مرتبط بإشارات المرور أو المخارج؛ إذ يسير بشكل مطرد دون توقف، وهو ما يقلل من الازدحام مستقبلا».

ويقول الدكتور هاني أبو راس أمين جدة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إنه يجري الآن تحرير طريق الأمير ماجد مع طريق مكة القديم، وتقاطع طريق الملك عبد العزيز مع شارعي فلسطين والحمراء عبر نفق، إلى جانب تقاطع طريق الملك عبد العزيز مع طريق السلام. لافتا إلى اكتمال مشروعي شارع فلسطين من الناحية الجنوبية وتقاطع طريق شارع الروضة مع طريق الملك فهد (ميدان الدراجة سابقا).

وكشف الأمين عن خطة تنفيذية أنجزتها الأمانة «تبوب المشاريع لتتواءم مع مخصصات الميزانيات بحسب الأولوية»، في إشارة إلى محاولة الأمانة لتقييم الحاجة قبل الشروع في وضع أولوياتها.

وفي جانب المياه والخدمات البيئية، رصد التقرير الحكومي زيادة في الكثافة السكانية في بعض الأحياء، وارتفاعا في منسوب المياه الجوفية، وهبوطا في بعض الشوارع بسبب تسرب المياه من الشبكة، إلى جانب استحداث مشاريع تتعارض مع المشاريع القائمة. وتمثلت الحلول المقترحة في دعم الخزن الاستراتيجي بجدة، وتوفير أراض لمحطات الرفع والمعالجة.

صحيا، وقع الدكتور عبد الله الربيعة أمس، عقدا لإنشاء مقر جديد لمستشفى الملك فيصل التخصصي بقيمة 1.7 مليار. ورصد التقرير الحكومي المقدم لأمير المنطقة، عدم توافر الخدمات الأساسية والبنى التحتية لعدد واسع من المواقع التي تقع خارج النطاق العمراني، وترى «الصحة» أن دعم اعتماد المبالغ المالية المطلوبة بالميزانية يؤدي إلى تجزئة المشاريع وتأخيرها، وعدم الاستفادة منها أو تأجيلها بعد الطرح. وتقترح في المقابل، إيجاد آلية خاصة بالمشاريع الحكومية لتسهل إصدار رخص المباني، وسرعة إيصال الخدمات الخاصة بالمشاريع الحكومية الصحية، فضلا عن توفير أراض بمساحات كافية للمستشفيات عبر الطرق العامة داخل النطاق العمراني. وتقترح هيئة الهلال الأحمر إيجاد أراض لإقامة مهابط للطائرات العمودية وذلك في حدود المحافظة.

ورصدت وزارة التربية والتعليم طول فترة استخراج تراخيص البناء والكروكيات التنظيمية من الأمانة، إلى جانب طول إجراءات ومتطلبات إطلاق التيار الكهربائي للمشاريع التعليمية من قبل شركة الكهرباء. واقترحت تسهيل الإجراءين بالإضافة إلى تصنيف المقاولين ومدى ترسية المشاريع للمؤهلين ذوي الخبرة.

وشمل التقرير اقتراحا آخر يشمل التخطيط للخدمة الكهربائية وتنفيذها أثناء إنشاء المشاريع الحكومية وغيره، وأن تكون الخدمة متوفرة بمجرد إنهاء المشروع.

جوا، ولكن ليس في السماء، تعكف جدة على استقبال المرحلة الأولى من التطوير الذي طال مطارها الدولي في 2014. ويقول طلال الخيبري، وهو المتحدث باسم الطيران المدني، إن الإنجاز وصل إلى نسبة 35 في المائة، وستشمل المرحلة الأولى مبنى صالة المسافرين بمساحة 1700 متر مربع، ونظاما لنقل الركاب، إلى جانب ممر ومحطة صيانة.

ويضيف الخيبري في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن مشروع المطار يشمل عقدين، تبلغ قيمة الأول 11.9 مليار ريال وسيشمل، إلى جانب المرحلة الأولى، 94 بوابة؛ أربع منها للطائرات الضخمة، وبرج مراقبة جوية، ومحطة إطفاء ومراكز معلومات، فضلا عن مبنى للخدمات الجوية. فيما تبلغ قيمة العقد الثاني 15.12 مليار ريال.

بحرا، ومن غرب المحافظة الساحلية، دشن أمير المنطقة في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي مشروع الكورنيش الشمالي، وقال مصدر مطلع في أمانة جدة لـ«الشرق الأوسط»، إن المرحلة الرابعة من الكورنيش الشمالي ستطرح خلال الأسابيع المقبلة.

ويقول الدكتور عبد العزيز النهاري المستشار الإعلامي في أمانة جدة إن تكلفة مشروع الكورنيش الشمالي تبلغ 180 مليونا. ويجزم في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»: «مساحة الكورنيش ستزداد من 6 إلى 9 أضعاف عن السابق».

يحمل الشاب أحمد العدواني غداءه ويعود إلى عائلته محملا بكم من التساؤلات تدور في مخيلته، ومخيلة السكان قبله وبعده.. والأمنية الوحيدة تكمن في العودة لشراء الغداء مجددا ويلتقط صورة المشروع المنجز بانسيابية، مستعيدا ثقته بمدينته.