سيلا «نعمان» و«وادي عرنة» يهددان 70% من الأحياء الجنوبية في مكة المكرمة

اقترحت سن قوانين جديدة لملاحقة سماسرة الأحياء العشوائية

الخسائر المادية والبشرية التي تخلف السيول نتاج البناء والاستثمار في العشوائيات.. وفي الإطار مقدم الدراسة الشريف محسن السروري (تصوير: أحمد حشاد)
TT

كشفت دراسة حديثة أن الجهة الشرقية لمكة المكرمة، وما تحويه من مخططات ومبان سكنية معرضة لخطر السيول في الأعوام المقبلة، والتي تشير الدلائل وتوقعات الأرصاد إلى أن تكون تلك السنين المقبلة سنوات مطيرة وبشكل مكثف؛ حيث إن الكثير من المتغيرات طرأت على مجرى السيول الأصلية، وتم إنشاء عدد من الدور السكنية، وبعض المرافق الحكومية والتعليمية على مجرى تلك السيول.

وأوضحت الدراسة التي اشترك في طرحها كل من الشريف منصور أبو رياش، والشريف محسن السروري وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، أن منطقة مكة المكرمة ومنذ سنوات كثيرة ماضية لم تشهد أمطارا مكثفة أتى على إثرها سيول كبيرة الأمر الذي شجع بعض الجهات الحكومية وكذلك القطاع الخاص إلى استغلال مجاري السيول للبناء، مستشهدا بما حدث في محافظة جدة، عندما بنيت أحياء سكنية في مجرى السيل، وعندما داهمت السيول الكثيفة ولم تجد طريقا تذهب من خلاله إلى البحر، جرفت وهدمت ما اعترى طريقها من مبان وغيرها، الأمر الذي أحدث كارثة إنسانية، دقت جرس الإنذار لدى الكثير من المناطق لكي تعيد النظر في مسألة البناء في مجاري السيول.

وقال السروري، نحن الآن لسنا بصدد الحديث عن الأخطاء التي حدثت في السابق، نحن نريد أن نضع الحلول الناجعة لتفادي خطر السيول، وبالتالي تفادي كارثة إنسانية لا نريد تكرارها كما حدث في جدة، وتجنيب مكة وضواحيها من خطر السيول، فمثلا الناحية الشرقية لمكة المكرمة، وما تضمه من أحياء سكنية يوجد بها كثافة سكانية كبيرة، وغيرها من المرافق الحكومية الحيوية، لا سيما جامعة أم القرى بالعابدية والتي تعتبر البوابة الرئيسية لشرق مكة، لوقوعها في بداية العمران، وكذلك لأنها تقبع بحسب رأي الكثيرين من الخبراء في وسط مجرى السيول، وأنها مهددة على الدوام بخطرها متى ما كانت الأمطار كثيفة على العاصمة المقدسة.

وتابعت الدراسة «هناك تصور ومقترح حول إمكانية مواجهة خطر تلك السيول، وتكون حلا ناجعا بإذن الله، فكما هو معروف فإن شرق مكة يداهمها سيلان كبيران، الأول يأتي من وادي نعمان، والآخر من وادي عرنة، ويلتقيان تقريبا بالقرب من جامعة أم القرى، والتي ستكون الموقع الذي يلتحم فيه السيلان، ليتجها إلى منطقة الحسينية والتي هي الأخرى لن تكون في مأمن من خطر تلك السيول، لتواصل مسيرتها بجوار بعض مخططات ولي العهد في طريقها إلى جدة لتصب في البحر في نهاية المطاف، والمقترح يتمثل في بناء سد منيع يكون عمقه أكثر من ثلاثة أمتار، وارتفاعه يصل إلى أكثر من خمسة أمتار يكون كحزام يطوق الجامعة في درب تلك السيول، وبالتالي يتم توجيه السيل إلى منطقة بجوار الحسينية لينعطف بعد خروجه من الأحياء السكنية في مخططات الحسينية ليعود إلى طريقه الأساسي والذي لا توجد به حاليا أي إنشاءات سكنية، ولا بد من وقف أي مخطط ينشأ في المستقبل في هذا المكان مهما كلف الأمر».

واستشهد بالتقرير الصادر من إدارة الدفاع المدني في العاصمة المقدسة، والذي حدد أكثر من 42 مخططا معرضة لخطر السيول لأنها تقبع في مجاريها، والذي يلاحظ في أسماء تلك المخططات يعرف أن 60 إلى 70 في المائة من تلك المخططات تقع في غرب مكة، وهي المنطقة الأكثر خطورة في تعرضها لخطر السيول.

وأشار الشريف محسن، إلى أن إدارة الدفاع المدني في مكة أوصت بأن تقوم الجهات ذات العلاقة بإزالة جميع المنشآت والعوائق والمزارع التي في بطون الأودية ومجاريها والتي تشكل خطرا في بقائها في الوقت الحالي، أو التي تغير من اتجاه جريان تلك السيول إلى مواقع أخرى قريبة منها، وتكليف الجهات ذات العلاقة «أمانة العاصمة المقدسة» بوقف جميع المخططات غير المعتمدة.

وقالت الدراسة إن السيول تعرف طريقها جيدا في مكة المكرمة، ولا تخطيء مسلكها، وبالتالي مسألة البناء في مجاريها، وطرقها هي خطر عارم، ليس على المدى القريب، ولكن على المدى البعيد، خصوصا أن الجزيرة العربية ستعود إليها الأمطار بغزارة كبرى، في السنوات المقبلة، لا سيما أن أقوى وآخر سيل شهدته مكة، هو ذلك السيل الذي أسماه أهل مكة «بسيل الربوع» قبل أكثر من 50 عاما. وأضافت الدراسة أنه بحسب المؤشرات المناخية فإن الأجواء في مكة بدأت بالتغير تدريجيا، وأصبحت تشهد مواسم مطيرة تغزر من سنة إلى أخرى، وهذه جميعا مؤشرات تدل على قرب الأمطار التي تشهد فيها سيولا كثيرة، وبالتالي لا بد أن يضع المسؤولون هذا الأمر في الاعتبار، ويتدارسون أمر الإنشاءات والدور السكنية التي تقبع في مجاري السيول، ومحاولة وضع حلول سريعة وعاجلة لتدارك خطر تلك السيول.

وأفادت الدراسة أنه يمكن للفيضانات التأثير على ملايين من الناس كل عام، وتعتبر الفيضانات من أكثر الكوارث المناخية، التي تهدد الحياة البشرية في كل مكان وتكبد تلك البلدان خسائر اقتصادية كبيرة، ناهيك عن الأضرار الناجمة عن انعدام البنى التحتية في تلك المسارات التي تخترق كثيرا من الأحياء؛ حيث إنه طبقا لدراسات مسحية فإن مياه الفيضانات تتحرك بوتيرة سريعة، قبل أن تعرفه أو تشعر به، وهي التي ينجم عنها حالات غرق مفاجئة وواسعة وما تحمله من بكتيريا وميكروبات تسبب المرض والعدوى.

وأفادت الدراسة أن الصور الناتجة عن الفيضانات الشديدة، كسيلي الأربعاء الشهيرين اللذين أغرقا كل من مكة وجدة، حول الشوارع إلى أنهار واستمر الناس في إنقاذهم من المياه بعد أن وصل أعلى مستوياته، وغمرت المياه بعض الأنفاق ووصل الارتفاع لحد 14 قدما غمرت المدينتين بأكملهما، مؤكدا أنه عندما يحدث الفيضان لا يخلف فقط الأضرار الناجمة عن ذلك الفيضان، إنما يترك مياها يمكن أن تكون خطرة جدا، بفضل ما تتركه تلك الفيضانات من مساحة واسعة الانتشار، وفي بعض الأحيان يتسبب في إسقاط خطوط الكهرباء والأشجار والزجاج والمعادن فضلا عن أشياء مثل البنزين والزيوت ومياه الصرف وهو ما يؤدي إلى المرض أو احتمالية نقل عدوى جراء انتشار المرض.

واستطردت الدراسة بالقول: «من أفضل الطرق للمساعدة في تقليل مخاطر الفيضانات على الأحياء والمساكن هو سن القوانين الجديدة التي تقيد النشاط الإنساني، مثل البناء في مجاري الأودية والسيول»، مشيرا إلى أن بعض الدول المتقدمة تحرم وتجرم البناء في مناطق الأودية والسيول، مقترحا أن يتم تطبيق هذه الأنظمة بصرامة في البلاد بحيث يمكن تخفيض مخاطر الفيضانات عن طريق التحكم الدقيق في المياه الخزانات والسدود.

وثمة خطر آخر من المشي في مياه الفيضانات - كما تحكي الدراسة - تتمثل في تهديد الحياة الحيوانية التي من الممكن أن يتم تقويض أماكنها بشكل كبير بعد أن استوطنت في أماكن اعتادت عليها من عشرات السنين وهو ما يجعلها عرضة للانقراض مؤكدا أن المشاريع المستقبلية يجب أن تنطلق من بعد تنموي يحافظ على صحة الإنسان والحيوان، مؤكدا أن مخاطر الفيضانات تأتي على كل شيء وتهدد البيئات الرئيسية للحيوانات بشكل واسع وكبير.

وأبانت الدراسة أنه ينبغي تحديد موقع الخطر ونسب تهديده وتأثير حدوثه المحتمل بحيث يتم تخطيط استخدام الأراضي بشكل علمي وممنهج تشرف عليه الدولة بعد تزويدها بكافة المخاطر المحتملة لبناء المشاريع التنموية للحد من مخاطر الفيضانات للمناطق التنموية الجديدة، مشيرا إلى أن مخاطر الفيضانات من الممكن تلافيها، إذا تم عمل التدابير اللازمة مثل السدود أو الحواجز، أو ما يعرف في الأزمات بتغيير سلوك مياه الفيضانات. وبالمثل، يمكن تعديل التدابير والخطط الكفيلة بحماية الأضرار الناجمة عن الفيضانات وما تؤثره على المباني الفردية، وطرق تدابير الاستجابة في مساعدة المجتمعات المحلية غير المؤهلة في التعامل مع الفيضانات.

وقالت الدراسة: «مخاطر الفيضانات هو مزيج من فرصة حدوث الفيضانات من الآثار الناجمة عن عمليات غير شرعية في عملية بيع وشراء العقارات، وما ينتج عن ذلك من اعتلال في البنية التحتية فضلا عن عواقب الفيضانات التي تعتمد على مدى تعرض المجتمع إلى الخسائر الاقتصادية في الممتلكات والرواح لا سمح الله».