دار الملاحظة في جدة .. تهذيب وتهيئه لمستقبل خالي من الإجرام

تحتضن 200 حدث منهم 60% من السعوديين

برامج إنمائية ومهارية يتمتع بها نزلاء دور الملاحظة بجدة بهدف دمجهم اجتماعياً («الشرق الأوسط»)
TT

تحتضن دار الملاحظة بجدة 11 حدثا مدانين في قضايا قتل، ضمن 200 فتى آخرين تتراوح أعمارهم بين 12 و18 عاما تحتضنهم الدار في جرائم أخلاقية متنوعة، يمثل فيها السعوديون نسبة 60% .

وتصدرت جرائم السرقة القضايا التي أحيلت للمحاكم وصدر بحق المتورطين الأحداث فيها أحكام مختلفة إذ تبلغ نسبتها 40%، تليها القضايا «الأخلاقية» بنحو 20%، ثم قضايا المخدرات بـ10%، وتتوزع النسبة المتبقية المقدرة بنحو 30% على جرائم النفس وغيرها.

وتتولى الأجهزة المعنية في المملكة، مسؤولية تهيئة الحدث بعد الإفراج عنه وإنهاء فترة العقوبة الصادرة بحقه تمهيدا لاندماجه في المجتمع، في حين يعمل المختصون في دار الملاحظة على تخفيف الألم عن المحكومين في قضايا القتل، أو إحالتهم في حال خروجهم عن القوانين إلى السجن العام، الذي تتوافر فيه كل إمكانات ردع الحدث.

وقال يحي الحارثي الاختصاصي الاجتماعي في دار الملاحظة لـ«الشرق الأوسط»: إن «الحدث يعزل فور وصوله عن بقية الموجودين في الدار ويبقى بزيه المدني لفترة من الزمن، بهدف التخفيف من أجواء الاضطراب والقلق التي تؤثر عليه بينما يجري التحقيق معه».

وأوضح الحارثي أن دور الدار يعتمد على تقويم وتهذيب سلوكيات الأحداث، خصوصا أن غالبيتهم يعانون من مشاكل عدة أبرزها اقتصادية ونفسية وأسرية، فتتولى الدار خلال هذه المرحلة تهيئة الرعاية لهم عبر برنامج يومي يبدأ بعد أداء صلاة الفجر قبل مغادرة الطلاب المنتسبين في المدرسة إلى مقاعد الدارسة.

وأفاد الحارثي، أن الدار توفر الرعاية النفسية للحدث منذ اللحظات الأولى لوصوله، ويتولى ذلك فريق من المختصين النفسيين والاجتماعيين، بهدف دمجه بالجماعة التي ينتمي إليها بحسب مقوماته الشخصية، والعناية بظروفه الاجتماعية الخاصة والعمل على ربط الحدث بأسرته تمهيدا لعودته إليها، وتكثيف الزيارات خلال تواجده في دار الملاحظة.

وتنظم الدار كثيرا من الأنشطة، منها الثقافية التي تهدف إلى إكساب الحدث قدرا من الثقافة العامة، والتوعية الدينية التي يرجى منها إرساء أصول الدين الإسلامي، إلى جانب النشاط الرياضي والترويحي الساعي إلى شغل أوقات فراغ الأحداث من خلال مزاولة بعض الألعاب الداخلية، في حين تلتزم دار الملاحظة بتهيئة الأجواء للأحداث المنقطعين عن الدراسة للانخراط في الصفوف التعليمية داخل مدرسة «عمر بن ربيعة» المتكاملة.

وبحسب الإجراءات القانونية، تأخذ معاملة الحدث دورتها، إذ ترفع للشرطة ومن ثم المحافظة، وهيئة التحقيق والادعاء العام، ومن ثم للمحكمة، ويقضي الحدث في الدار فترة تتراوح بين شهرين و12 شهرا بحسب حجم القضية، بالنسبة للقضايا البسيطة التي تنتهي في الدار وتخضع لصلاحيات أمراء المناطق، ويلتزم الحدث في هذه الفترة بمواصلة دراسته. وتتركز أهم الأسباب التي تؤدي بالأحداث إلى ارتكاب الجرائم وفق الدراسات العلمية والنفسية، في التفكك الأسرى وبعد رب الأسرة عما يدور داخل المنزل، إلى جانب الإفراط في تدليل الحدث وتوفير جميع طلباته واستحسان أخطائه وعدم معاقبته، والفقر الذي تواجهه بعض الأسر وينعكس سلبا على الحدث، علاوة على التشدد في التعامل مع القصر وصغار السن واستخدام الضرب والألفاظ الجارحة ونبذ الفرد من الأسرة. ويعود الاختصاصي الاجتماعي للتأكيد على أن وزارة الشؤون الاجتماعية في المملكة، تقوم بدورها في رعاية الحدث، من خلال تطوير البرامج وزيادتها، موضحا أن آخر هذه البرامج الاتفاق مع جامع الإمام محمد بن سعود لتقديم أنشطة مختلفة تنعكس بالإيجاب على الحدث، إضافة إلى المحاضرات الدينية التي يلقيها نخبة من المختصين في علوم الشريعة.

ووفقا للتعليمات الصادرة لجهات التحقيق، يحضر القاضي إلى الحدث في دار الملاحظة، بهدف تهيئة جو آمن له أثناء نظر القضية، حيث يعرض ملف القضية بحضور ضابط القضية ويتم التداول وعرض الأدلة من دون ضغوط على المتهم، فيما يحاول القاضي عدم التأثير على الحدث، وتخفيف الأحكام قدر الإمكان، وفي حال كانت «نسبة الاتهام» 50% يحاول القاضي إطلاق الحدث باستخدام «طعن الإيجاب الشرعي»، حتى تأخذ المعاملة دورتها وتعود بتأكيد البراءة أو الإدانة.

ويعمل في دار الملاحظة فريق متكامل يتجاوز 30 شخصا، يمارسون أدوارا مختلفة في الخدمة النفسية والاجتماعية، وآخرون في التدريس لجميع المراحل وفقا لنظام التعليم العام تحت إشراف وزارة التربية والتعليم، فيما يعمد بعض العاملين على تهيئة البرامج الثقافية والرياضية للاستفادة من الوقت في ملء فراغ الحدث على مدار اليوم داخل الدار وخلال فترة قضاء عقوبته.