رغم التطمينات.. هاجس الأمطار في جدة يعيد أغنية «الجو غيم» للواجهة

الدفاع المدني يؤكد جاهزية خطته فور تلقي أي بلاغات

الأجواء الغائمة في سماء جدة (تصوير: خضر الزهراني)
TT

يبدو أن قاطني جدة، ومع هبوب الشمال أو الجنوب، التي يعقبها سحاب عابر، اعتادوا سماع التحذيرات المرتبطة بالأجواء المطيرة، فوجدوا ضالتهم في أغنية «الجو غيم»، التي راجت للفنان محمد عبده قبل عقدين من الزمان، كونها احتوت على مفردات تداعب الإحساس، وتندرج تحت ما يسمى بشعر الغزل، ولم يكن في الحسبان أن تعود مشتقات مفردة «الغيم» مرة أخرى ولكن خارج سياقها السابق متلحفة معاني التحذير والانتباه.

هو الخوف من تجربة تدفع قاطني جدة إلى رفض الخوض في تجربة أخرى أخذت فيها كل الاحتياطات.

ويؤكد العقيد سعيد سرحان المتحدث الرسمي للمديرية العامة للدفاع المدني في منطقة مكة المكرمة، أن هناك خطة موجودة ومعتمدة من قبل أمير منطقة مكة المكرمة، جاهزة لتنفيذها فور تلقي أي بلاغ من الأرصاد وحماية البيئة، حول وجود سحب وتوقعات بهطول أمطار على جدة والقرى التابعة لها.

ويشير العقيد سرحان إلى توفر نحو 16 مركزا للإسناد، بخلاف 33 مركزا في مواقعها الدائمة، وهي مراكز مجهزة بكافة الأجهزة المطلوبة، ومنها الآليات الثقيلة، الغواصون، المركبات البرمائية، وصفارات الإنذار المتنقلة، والقوارب المطاطية، إلى جانب مركبات سلالم وإنقاذ، وذلك بهدف الوصول إلى الموقع في وقت وجيز وتقديم الخدمات المطلوبة على أكمل وجه.

«ابعد.. ترا في الجو غيم»، عبارة اقتطعها سكان جدة ليطلقوها حين زيارة كل سحابة لأجوائهم، وإن كان الرجاء يطلق في مطلع البيت، مع خوف يصاحب لحظة الود المرتبطة بالمكان المكشوف، الذي سطره الشاعر على لسان الحبيبة «ابعد.. الجو غيم»، وإن كانت اللغة غير مباشرة، إلا أنها لم تفلح في حينها، بحسب الحالة الجمالية التي كان يطلقها الحبيب ويطمئن.

واتخذ أهالي جدة التحذير في الحالة الثانية «ابعد الجو غيم» من الخوف الفعلي لتراكم السحب، وما قد ينتج عنها من أمطار، تعيد الصورة المأساوية قبل أربعة أعوام، والتي لا يمكن مسحها، رغم المحاولات الحثيثة من الأجهزة المختصة لطمأنة الشارع الجداوي، إلا غيث يغوص في بطن الأرض ولا يستوطن على سطحها، كي تنجلي الصورة، وهي الحالة التي حاول الحبيب فيها، بحسب قول الشاعر، إلا أنه فشل في ذلك، لأنه ما زال قابعا أمامها.

هي الصورة ذاتها، قابعة في وجدان جدة، تثور مع كل مزن همال، أو سحابة غير محملة لا ترغب في المكوث، هي الصورة ذاتها ثابتة على مدار شهر لا تزعزعها صور أخرى، على مدار شهر لا حديث يعلو على الخوف، لا مشهد أو صورة تنقل إلا وفي أطرافها خوف، صورة أو مقطع من هنا أو هناك وسحابة، تدفع الأسئلة دفعا، هذه اليابان، النهر، كيف تمكنوا من العبور، رافضا كل المساحات والأمل في محيطه، وينثره بعيدا لعل وعسى يرحل الخوف من هنا ويقبع هناك.

وبحسب الخطة المعتمدة لرفع مياه الأمطار التي تتجمع في التقاطعات والشوارع الرئيسية والداخلية، فترة لا تتجاوز ست ساعات، من خلال استخدام شبكة التصريف والتوصيلات أو بواسطة الناقلات في مدة لا تتجاوز أيضا 6 ساعات من توقف الأمطار لرفع المياه من تقاطعات المحاور الرئيسية، وقرابة 24 ساعة من توقف الأمطار لرفع المياه من الشوارع الرئيسية و48 ساعة من توقف الأمطار لرفع المياه من الشوارع الداخلية، فيما يقسم أداء الجهات المعنية إلى ثلاث مراحل؛ الأولى والثانية بعد مضي الساعة من هطول الأمطار.

وهنا قال الدكتور محمد أحمد، الاختصاصي النفسي، إن الخوف عادة ما يكون نابعا من داخل الفرد، ويتم نقله وتحويله إلى أشياء خارجة تصبح مصدر الخطر، ومن ثم يكون تكرار هذه الأشياء مثارا للخوف والذعر الداخلي، الذي يظهر بظهور الحالة في داخل الإنسان، في حين تكون الحالة ناتجة لتعرض الفرد لحادثة مؤلمة، يتم تخزينها في الذاكرة وتظهر مع ظهور الواقعة أو المكان.

ولفت الدكتور محمد إلى أن الأشخاص الذين يتعرضون لكوارث طبيعية، كالزلازل، وتحطم الطائرات، وحوادث السيارات، والفيضانات، قد يتعرضون لنوبات من تذكر هذه المواقف والأحداث المؤلمة، سواء أثناء اليقظة أو النوم، ويتعامل على أن الحالة قائمة وماثلة أمامه، وقد يتعرضون للكبت والخمول في المشاعر.

هي جدة متفردة في كل شيء، وفي كل واقعة تحتاج لمن يذكرها بهذا التفرد، فمن رحم المعاناة خرج المتطوعون، وتكونت نواة المسؤولية الاجتماعية في شكلها الجديد، القائم على البذل والعطاء، وهو ما يشير إليه سلطان غازي، الذي بين أنه التحق بلجان التطوع مع بدء الأزمة التي كانت من حسناتها أن كونت لجانا من الشباب قادرين على العطاء وتقديم الخدمة للمتضررين في أحلك الظروف.