المسؤولية الاجتماعية.. أمر يجهله الأفراد وتغيب عنه الأنظمة

اختصاصيون ينتقدون تساهل المجتمع في تطبيقها

الاعتماد على عمال النظافة وغياب تطبيق القوانين تسببا في تساهل الأفراد في نظافة المرافق العامة («الشرق الأوسط»)
TT

انتقد اختصاصيون ما وصفوه بـ«تساهل» أفراد المجتمع في تطبيق مفهوم المسؤولية الاجتماعية، على واقع حياتهم اليومية، وجهلهم بمعناه الحقيقي، مؤكدين أن غياب الأنظمة والقوانين الرادعة أو عدم تطبيقها يعد من أهم أسباب عدم فهم الأفراد لحقيقة هذا المفهوم الاجتماعي الراقي.

وقالت الدكتورة غادة المرزوقي، الاستشارية التعليمية والسلوكية، إن أفراد المجتمع يجهلون معنى المسؤولية الاجتماعية تجاه واقعهم المكاني والإنساني، واعتادوا إلقاء اللوم على الآخرين، مشيرة إلى أن هذا الجهل تؤكده العبارات «المملة» المنتشرة بين الأفراد مثل: لا يوجد نظام، الشوارع غير نظيفة، المعلمة لا تحسن الشرح، المدرسة سيئة.. وغيرها.

وتساءلت الدكتورة المرزوقي «لماذا لا يسأل كل منا نفسه.. من السبب؟»، معتبرة أن المسؤولية الذاتية للأفراد تجاه مجتمعهم هي مطلب حيوي مهم، من أجل إعداد جيل قادر على تحمل دوره المستقبلي، وأدائه على خير وجه، للإسهام في بناء المجتمع وتقدمه وارتقائه. وأكدت الاستشارية التعليمية والسلوكية أن رقي المجتمعات يقاس بمدى نمو الفرد ونضجه الاجتماعي، ومستوى إحساسه بالمسؤولية الاجتماعية تجاه ذاته وتجاه الآخرين، وتجاه محيطه الذي يعيش فيه.

ويرى الدكتور خالد باحاذق، استشاري الأسرة والطب النفسي، أن الإنسان بطبيعته يحب الأفضل لنفسه، ما لم تصقل لديه هذه الغريزة لتحويلها إلى مفهوم أشمل، يقرن حب الخير للنفس بحب الخير للغير، مشيرا إلى أن إهمال هذه الغريزة يؤدي إلى الممارسات السلبية، التي يشكو منها المجتمع وتشوه مرافقه، مثل الاستهتار بنظافة الأماكن العامة، وترك المخلفات بعد مغادرتها، معتبرا في الوقت نفسه أن الاعتياد منذ الصغر والاعتماد على الغير في تنظيف المخلفات خلق أفرادا يستهترون كثيرا بقضية أن النظافة مسؤولية شخصية وليست مسؤولية الآخر.

وبين الدكتور باحاذق أن نشوء أي عادة يعتمد على ثلاثة مكونات هي: العلم بالشيء، والمحفزات، وقدرة الإنسان على تقديم العطاء، موضحا أن الأفراد يجهلون الكثير من المفاهيم الحضارية كمفهوم المسؤولية الاجتماعية، إلى جانب غياب المحفزات بمواقع العمل والمدارس والأسر، في حال طبق أحد الأفراد هذه المفاهيم. وأكد استشاري الأسرة والطب النفسي أن العامل الثالث متمثل في قدرة الإنسان على تقديم العطاء موجود بالفطرة لدى الإنسان، إلا أن غياب المعرفة والسؤال والتحفيز تسببت في ضياعه.

ولفت الدكتور باحاذق إلى أن الفترة الحالية بدأت تشهد بشكل ضيق برامج الخدمة الاجتماعية، وبرامج المتطوعين، مشيرا إلى أن «عدم وجود القوانين وتطبيقها سبب رئيسي في تساهل الأفراد، في تطبيق الحد الأدنى من مفهوم المسؤولية الاجتماعية».

وانطلاقا من كون المسؤولية الاجتماعية في جانب كبير من نشأتها ونموها إنتاجا اجتماعيا وتربويا ونفسيا، شددت الدكتورة غادة منصوري على ضرورة التركيز على عدد من المؤثرات التربوية، التي تسهم في تنمية حس المسؤولية الاجتماعية لدى الأفراد، ومنها الأسرة والمدرسة والجامعة والمسجد والمؤسسة الإعلامية، نظرا لما تؤديه من دور تثقيفي في إعداد وتنشئة الأبناء.

وأوضحت أن الشعور بالمسؤولية وتحمل تبعاتها يجعل الإنسان يقترب أكثر من تحقيق التكيف النفسي، وتحقيق التوافق النفسي الاجتماعي، وتخطي العقبات والصعاب التي تعترض الإنسان بطرق تكيفية مباشرة.

وفي الوقت الذي ترى فيه أن المسؤولية الاجتماعية مهمة للشخص العادي، شددت على أنها أكثر أهمية بالنسبة لطالب المرحلة الثانوية، وتستدعي الاهتمام بها وتنميتها أكثر عند هذه الفئة التي تمثل مرحلة المراهقة. واعتبرت التغيرات والتبدل السريع الذي يشهده العالم أثر في هذه الفئة، مما تسبب في اختلاط ما هو إيجابي وما هو سلبي، وسادت اعتقادات خاطئة أدت إلى تدني مستوى المسؤولية الفردية.

وضربت منصوري أمثلة على المسؤولية الاجتماعية، التي يؤديها الأفراد تجاه مجتمعهم، معتبرة أن من أبرزها رعاية الوالدين والأبناء، وذوي القربى واليتامى والمساكين وغيرهم، والإخلاص في العمل وإنجازه وإتقانه، والتفاني فيه وبذل أقصى جهد، واحترام القانون والانضباط والمحافظة على النظام واحترام الوعود، فضلا عن الاهتمام بمشكلات المجتمع والمساعدة في حلها وتنمية المجتمع وتطويره، والحفاظ على سمعة الجماعة وممتلكاتهم والدفاع عنها، إلى جانب تحمل الفرد مسؤولية آرائه وسلوكه.