اتهامات لـ«الإعلام» بالتركيز على القضايا الأسرية

معنفات يعتبرنه ملاذهن الأخير.. وبعضهن يخشين تبعاته

الخصوصية والخوف من تبعات إفشاء المشكلات الأسرية عقبات في طريق المعنفات أسرياً للبوح بمعاناتهن إعلامياً («الشرق الأوسط»)
TT

اتهامات وجهها عدد من المختصين والخبراء في قضايا الأسرة، مستهجنين قيام بعض وسائل الإعلام المحلية بتسليط الضوء على قضايا تتعلق بالعنف الأسري، واصفين تلك القضايا بـ«الحساسة»، ومعتبرين أن تداولها إعلاميا يفاقم المشكلة، ويخل بالخصوصية الواجب توفيرها للأسر؛ مما يعرضها للتشهير.

وأوضح عيضة الخالدي المستشار الاجتماعي بجامعة أم القرى لـ«الشرق الأوسط» أن الإعلام إما أنه أصبح يركز كثيرا على تلك القضايا لمجرد الانتشار، أو أنه يحاول المساهمة في البحث عن حلول، أو ربما أن المرأة السعودية نفد صبرها من تحقير ولي الأمر «المعنف» لها، أو أنها وجدت من جهات حقوق الإنسان ملاذا وحيدا وأملا كبيرا في إنقاذها من العنف أولا، والانحراف ثانيا، والذي يدرج ضمن تبعات العنف الممارس ضدها.

واعتبر ارتفاع حجم تداول القضايا الأسرية عبر الإعلام لتفاقم قضايا العنف الأسري، وتحولها إلى معضلة تحتاج إلى حلول أكثر من تناولها إعلاميا بجرعات زائدة.

وأضاف الخالدي: «للأسف هناك كثير من القضايا تغلق ملفاتها لأسباب لها صلة بالقوانين التي تتعلق بخصوصية المرأة، رغم أن تلك القوانين نفسها تعد نوعا آخر من العنف غير المباشر وغير المتعمد؛ ولكن - حسب قول الخالدي - تظل قوانيننا بحاجة ماسة إما إلى التعديل أو الحذف لحماية كرامة المرأة».

وحول الدراسات المتعلقة بالعنف ضد الزوجات ذكر الاستشاري الاجتماعي أنه مع غياب المسح الإحصائي لمدى انتشار ظاهرة العنف ضد الزوجات، تصبح الدراسات البحثية المتخصصة مهمة.

وأشار الخالدي إلى أن هناك 3 دراسات كبيرة تناولت موضوع العنف ضد الزوجات في السعودية من جانب صحي فقط؛ حيث لوحظ - حسب تعبيره - أن العنف النفسي أعلى نسبة من العنف الجسدي، كما أن هناك نساء يتعرضن للضرب على أيدي أزواجهن وهن في فترة الحمل.

وزاد: «للعنف أشكال مختلفة، وأقصاه العنف ضد الأطفال؛ حيث سجلت كثير من حالات العنف في بعض المدارس، خاصة في القرى النائية التي تحتاج برامج تثقيفية حقوقية يستهدف من خلالها الطالب والمعلم والمسؤول المباشر عن وضع الطلبة والطالبات داخل المدرسة».

من جانبها أوضحت نورة العازمي، الباحثة في علم النفس لـ«الشرق الأوسط» أن كثيرا من النساء تمردن على الخصوصية التي فرضها المجتمع الذكوري، الذي يمارس سلطته عليها؛ بحجة أنه ولي أمرها، من خلال طلب الاستغاثة من الجهات المسؤولة، وفي حال أن تلك الاستغاثة لم تلق التجاوب المطلوب، فإنها تلجأ مرغمة إلى الإعلام الذي يصنف أحيانا - خاصة بعض الصحف – بالعدلية؛ إذ - حسب تعبيرها - فإن بعض الصحف أو القنوات المهتمة بالجانب الحقوقي تتابع ما تنشره من قضايا إنسانية حتى يتم حلها، وتكون المتابعة من خلال نشر مستجدات القضية لوضع الجهات المسؤولة عن حلها في موقف محرج بعد الكشف عن مكامن الخلل والقصور داخل نظامها.

وأضافت العازمي: «هناك عدد كبير من النساء يخشين الظهور الإعلامي أو حتى اللجوء إلى الجهات المختصة؛ خوفا من الفضيحة والعار، فهن - حسبما نشأن عليه من ثقافة حياتية تتعلق بالكرامة - يفتقرن إلى أبسط مفاهيم الحقوق التي بدورها تحميهن من بطش بعض من يسمى «ولي الأمر» من زوج، أو أخ، أو أب، أو خال، أو عم.

وفي السياق ذاته قالت إحدى المعنفات لـ«الشرق الأوسط»، التي فضلت عدم ذكر اسمها: «أخشى حقا الحديث عما أتعرض له لأي جهة، سواء إعلامية أو جهة حماية، والسبب يعود إلى أنني عاصرت بعض قضايا النساء المعنفات، واللاتي هن أمهات في الوقت نفسه، ولم يصلن إلى حل يؤمن لهن ولأبنائهن العيش الكريم؛ بل إن أغلبهن حرمن من رؤية أطفالهن لبطش أب أو زوج أو أخ».

وكانت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أوردت في تقرير لها أن ما نسبته 20% من القضايا الواردة للجمعية تعود إلى قضايا ذات علاقة بالعنف الأسري، وذلك في أعلى تسجيل لها منذ بداية إنشاء الجمعية عام 1425هـ، وأظهر التقرير أن الزوج كان المسؤول عن ذلك العنف، يليه الأب في معظم البلاغات الواردة إلى الجمعية، فيما بين التقرير أن العنف البدني والجنسي هو الأعلى شيوعا في البلاغات، يليه الحرمان من الزواج، ومن ثم طلب الإيواء.

ووفق التقرير وضعت الجمعية قضايا العنف ضد الطفل في تصنيف خاص خارج العنف الأسري للمرة الأولى، وسجلت هذه البلاغات ما معدله 53% من مجمل البلاغات الواردة للجمعية. وكانت الفتيات أكثر تعرضا للعنف مرتين من الأولاد «57 فتاة مقابل 25 ولدا»، وكان الأب هو المسبب للعنف والعنف الجسدي، ومن ثم الحرمان من الأوراق الثبوتية هو الأكثر شيوعاً.

وفي السياق ذاته، أوضح الدكتور هادي بن علي اليامي المشرف العام على هيئة حقوق الإنسان بعسير، أن هيئة حقوق الإنسان بالسعودية تعمل جاهدة على نشر الثقافة الحقوقية المتعلقة، سواء بالمرأة، أو الرجل، أو الطفل.

وأضاف اليامي: «من ضمن البرامج المعتمدة من قبل الهيئة هي زيارة المحافظات والقرى ونشر الوعي الثقافي الحقوقي بين أبناء المجتمع، خاصة في ظل القضايا وأنواعها، والتي ترد إلى جميع فروع الهيئة بالسعودية».

وزاد: «كما أن هناك بنوداً معينة حددت بدقة، تتلخص في تصنيف القضايا، وحصرها، والبحث في مسبباتها؛ لتفادي وقوعها، وللحد من نتائجها السلبية على المديين القصير والبعيد».

وقال الدكتور اليامي: «نحن كفريق عمل نركز كثيراً على طرح أهم القضايا التي تواجه مجتمعنا، بتنفيذ محاضرات ومطويات توزع داخل المدارس والدوائر الحكومية والخاصة، إلى جانب الحرص على حضور جميع الفعاليات التي تكون النسبة الأعلى في التواجد من نصيب الأسر، فهي تعد المستهدف الأول ضمن برنامج نشر ثقافة حقوق الإنسان، وهذا لتفادي تفاقم قضايا العنف، والحد من تبعاتها قدر الإمكان، وحفاظا على كرامة الفرد الذي يعد القاعدة الأساسية للمجتمع».

وحول دور الإعلام في نشر تلك القضايا ذكر الدكتور اليامي أنه من غير المستحب نشر قضايا أسرية حساسة على صفحات ورقية تتداولها أطياف المجتمع المختلفة، فهذا - حسب قوله - يفاقم من حجم القضية، ويخل بخصوصية الشاكية التي لجأت بسبب الضغوط النفسية إلى الإعلام. كما أن بعضهن يجهل ما قد يقدم لهن من مساعدة عبر القنوات والجهات الخاصة بحمايتهن وحفظ كرامتهن دون التشهير بهن وبأسرهن وأطفالهن.