إبداعات أبناء تبوك.. طبق طائر لخدمة الأرض والإنسان

يساعد في البحث عن المفقودين جراء السيول ومتابعة الحجاج

العمل جرى بمشاركة عدد من الطلاب المميزين والموهوبين في جامعة تبوك («الشرق الأوسط»)
TT

انتهت سيول تبوك، وبعدها بأيام ظهر عمل إبداعي جديد لأبناء جامعتها من خلاله تُطرح حلول لمواجهة مثل هذه الأزمات في المستقبل، معلنين أمس إطلاق أطباق طائرة «من دون طيار» تستعين بالطاقة الشمسية للتزود بالطاقة خلال مهماتها.

البروفسور صلاح الدين حافظ عمر، المشرف على وحدة الموهبة والإبداع بجامعة تبوك، أعلن أمس الانتهاء من تصميم وتصنيع أول منظومة متكاملة في العالم لتلك الطائرات لخدمة أغراض سلمية بمشاركة عدد من المبدعين من أبناء الجامعة.

قصة النجاح هذه لم تكتمل بين عشية وضحاها، بل استغرقت خمسة أعوام حتى اكتمل حلم هؤلاء المبدعين المشاركين في هذا العمل، وبحسب أقوال البروفسور عمر فإن المنظومة يمكن استخدامها في عمليات مختلفة مثل الرصد والتحكم لحل مشكلات بيئية وصحية، وكذلك تسهم هذه المنظومة أيضا في حل مشاكل السيول وتساعد فرق الإنقاذ في البحث عن المفقودين وفي الري والزراعة.

ومن الغايات التي وجدت لأجلها هذه المنظومة المحمولة جوا يقول رئيس الوحدة المشرفة إن باستطاعتها مراقبة الحجاج من ذوي الاحتياجات الصحية وكذلك تحديد أماكنهم لسرعة إنقاذهم. وتنقسم هذه المنظومة لعدة أقسام، أولها جزء المراقبة والتحكم في السيول والمساعدة بجهود الإنقاذ، ويتكون هذا القسم من طائرة «من دون طيار» أطلق عليها المشاركون في المشروع اسم «سهم 2» وتقوم بتغطية ورصد مساحات واسعة من الأرضي خلال فترة زمنية قصيرة، وبحسب المشرف على المشروع فإن الطبق الطائر «شهاب 1» يمكنه مراقبة الأحياء والمساحات المحدودة لأغراض مختلفة.

البروفسور عمر يقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن المشاركين في المشروع أخذوا بعين الاعتبار الظروف الجوية التي تمر بها المملكة، لذلك تم تصميم الطائرتين لتحمل ظروف الطقس والعمل في الأجواء الماطرة، حيث تم تزويدهما بكاميرات عالية الجودة وبعيدة المدى. وفي الظروف المناخية المتغيرة تحدث بعض الكوارث، وتعجز الجهات البحثية عن العثور على الضحايا بفعل قوة عوامل الطبيعة، لذلك يؤكد مشرف المشروع أن اللجنة التي أنتجت هذه المنظومة حرصت على تزويد الأطباق الطائرة فيها برادارات قادرة على اختراق التربة وكاميرات حرارية للتعرف على أماكن وجود الأشخاص أو السيارات المدفونة تحت طمي السيول أو الانهيارات الطينية، وتستعين هذه المنظومة كذلك بشبكة أرضية موزعة في المناطق التي تشهد مثل هذه الأزمات.

يوفر المشروع أجهزة لقياس سرعة المياه واتجاهاتها، ويتم استخدام المنظومة في السيطرة على بوابات متحركة مرتبطة بمحطات أرضية مركزية لديها القدرة على توجيه السيول والسيطرة على اتجاهات المياه، للتخفيف من نسبة الكوارث في الأحياء السكنية. كما تزود الأطباق الطائرة «من دون طيار» مركز التحكم بالمنظومة بخرائط حديثة بصفة مستمرة للأماكن التي تشهد السيول أو الكوارث الطبيعية، بعد الحصول عليها بواسطة الأقمار الاصطناعية.

أما الجزء الثاني من المنظومة فبحسب البروفسور صلاح الدين حافظ عمر فإنه تم تصميمه لخدمة الحجيج، حيث يتضمن ثلاثة أقسام، أولها يختص بمتابعة الحالات الصحية الحرجة، فهو مجهز لإعطاء إشارة للجهات المعنية في حال حدث مكروه لأحد المرضى الذين تتم متابعتهم، ويزود الجهات الصحية بتقارير حول حالة الحجاج بصفة مستمرة.

هذه المنظومة تتضمن طبقا طائرا من دون طيار يطلق عليه «شهاب 1»، وساعة يد يرتديها الحاج عند بدء شعائر الحج، وهذه الساعة تقوم بتقديم بيانات صحية حول حالة الحاج، وهي بحسب البروفسور عمر مرتبطة بالأقمار الصناعية حيث تسهل عملية تتبعها من خلال شريحة اتصال لا سلكي بها. وبناء على تلك البيانات تقوم المحطة الأرضية بالتحقق من أقرب سيارات الإسعاف المتوافرة لكي يتم إرسالها إلى المريض.

وتقع على عاتق المنظومة أيضا مراقبة النفايات الخطرة على صحة الحجاج، ويتم ذلك من خلال كاميرا فائقة الأطياف صغيرة الحجم تزن أقل من أربعة كيلوغرامات تغطي مجالا دقيقا جدا للأشعة المرئية والقريبة من تحت الحمراء وتغطي نحو 250 شريطا من الأطياف في هذا النطاق. وتمتلك هذه الكاميرا القدرة على التمييز بين المواد البيولوجية والكيماوية والمعادن الضارة حتى لو كانت مدفونة تحت التراب، وكل ذلك بفضل رادار يخترق التربة متناهي الصغر يزن أقل من 3 كيلوغرامات ويرسل البيانات فورا من الجو لأقرب محطة أرضية للتعامل مع هذه المشكلة.

ويحاول القائمون على هذا المشروع إنهاء تصميمه بتقنيات عالية للاستفادة منه قدر الإمكان، لذلك فإن القائمين عليه يقولون بأنه يمكن الاستفادة من الطبق الطائر «شهاب 1» في محاربة الحرائق التي قد تشتعل بسبب الحرارة الشديد خلال موسم الحج من خلال زرع كاميرات حرارية في خيام الحجاج وربطها بمحطة أرضية، وكذلك تزويد الخيام برشاشات مياه يتم ربطها مع المنظومة السابقة بالأقمار الصناعية وربطها بالجهات المعنية لسرعة التعاطي مع الحرائق.

الجزئية الثالثة من المشروع يرى البروفيسور عمر أن لها أهمية بالغة، لأنها تختص بقياسات البيئة والرصد، وتعمل من خلال طائرة من دون طيار تسمى «سهم 2» وتستخدم أشعة الليزر في قياس بيانات الجزيئات العالقة بالجو بدقة عالية جدا بما في ذلك حجم جزيئات الماء العالقة بالسحب حيث يقيس الجهاز حجم الجزيئات وعدد الجزيئات لكل حجم باستخدام تكنولوجيا الليزر.

وتستطيع المنظومة بحسب فريق العمل التمييز بين جزيئات الماء والثلج في السحب للجزيئات، وتزن هذه المنظومة 18 كيلوغراما، وتستخدم في قياس التلوث البيئي من عوادم السيارات في الهواء وكذلك رسم خريطة السحب وتحليل بياناتها.

ويمكن أن تسهل نتائج هذا العمل عملية تحديد مسارات السيارات التي تسير في الصحراء والطرق الوعرة وكذلك للطائرات التي تطير على ارتفاعات منخفضة، أو الانتفاع من نتائج عمل هذه المنظومة في إنشاء الطرق وخطوط السكة الحديدية.

ومن الأجهزة التي تخدم هذه المنظومة التي تعتبر الأولى من نوعها على المستوى المحلي الروبوت «الدخيل 1» والروبوت «المستكشف 1»، وهما يعملان بالطاقة الشمسية، ويستعان بهما لنقل الصور لاسلكيا من الأماكن الخطرة وكذلك يستخدمان في تحديد درجة الخطورة لتحديد أساليب الإنقاذ المتبعة.

ويمكن القول إن هذا المشروع يتيح المجال أمام أفق واسع للانفتاح على التكنولوجيا المتطورة لخدمة الأغراض السلمية في المجتمع، فبحسب المشرف على لجنة الإبداع والموهبة في جامعة تبوك البروفسور صلاح الدين حافظ عمر، فإن هذه المنظومة يمكن استخدامها في عمليات الري في الأراضي الزراعية ورش المبيدات الحشرية وكذلك إنقاذ الحجاج وتتبع حالات الأرصاد الجوية وفي حل عدد كبير من المشاكل التي تواجه مجتمعنا».