«الأربطة» ينبوع خير لا ينضب في الحجاز

أمانة مكة المكرمة: لدينا مشروع لتأهيل 62 رباطا تستوعب 4700 محتاج

62 رباطا في جدة تنتظر الترميم وتأوي نحو 4700 محتاج (تصوير:عبد الله بازهير)
TT

الأربطة الخيرية.. حينما نتحدث عنها نستذكر ضيافة أهل هذه الديار على مر السنين لملايين الحجيج الذين جاؤوها طالبين غفران ربهم، فمثلما بئر زمزم يروي ظمأ العطاشى كانت هذه الأربطة غوثا للفقراء والمحتاجين وكذلك معاهد يتناوب على دروسها طلبة العلم من كل حدب وصوب.

الروايات التاريخية بمجملها تقول إن تلك الأربطة في المنطقة الغربية موجودة منذ عهود قديمة ولها حكاية جميلة مع الزمن، كانت في ما مضى مركزا لتجمع العلماء وكذلك أماكن للراحة بالنسبة للمسافرين، ولكنها تحولت مع مرور الزمن إلى دور لرعاية الأرامل والمطلقات وكبار السن، ومن تقطعت بهم السبل في هذه المنطقة.

وبدأت الجهات الرسمية في مدينة جدة بالتفكير للاستفادة من تلك المباني والبحث في إمكانية إعادة تأهيلها، وهو ما أكده لـ«الشرق الأوسط» المهندس سامي نوار مدير إدارة السياحة والثقافة بأمانة جدة الذي كشف عن مشروع لإعادة تأهيل 62 رباطا قد تصل طاقتها الاستيعابية لإيواء 4700 محتاج من المدينة، ويضيف أيضا أنه سيتم مراعاة المواصفات الهندسية الحديثة في طريقة الترميم مع الأخذ بعين الاعتبار إجراءات السلام والبيئة الصالحة لكبار السن.

ولهذه الأربطة تأثيرها الاجتماعي فهي تمثل درسا عمليا للتكافل الاجتماعي بين الناس، فمهندس نوار يرى فيها بأنها رمز اجتماعي يعرفه ويقدره سكان الحجاز، فهي مساكن وقفية أوقفها أهل الخير منذ مئات السنين ولا يزال فيها روح العطاء.

ويقول مدير إدارة السياحة والثقافة أيضا إن رباط الصومال والهنود ونصيف والنوري وغيرها من الأربطة التي مر على وجودها أكثر من أربعمائة عام كانت ملاذا وملجئا للتجار الراحلين إلى عروس البحر الأحمر. وعلى الرغم من تفاخره بهذه الذكريات التاريخية إلا أنه صمت قليلا، وفي عينه أسف شديد ثم قال: «على الرغم من ما قدمته فإن رباط شحاتة والميمني يعد من أقدم وأكبر الأربطة ولكنه للأسف تعرض للهدم وإما إزالة».

على الرغم من صمودها أمام نوائب الدهر فإن تأثيرها بدا يخف في هذه الفترة، ففي حي المظلوم والشام غالبية السكان يجدون حرجا في الحديث عن ساكني تلك الأربطة؛ لأنها تحولت إلى أماكن للفقراء والباحثين عن مأوى يحميهم من قساوة الأيام.

في مكة المكرمة يوجد ما يزيد على مائتي رباط تتمركز حول المسجد الحرام والأحياء المحيطة به، جزء كبير منها أزيل بفعل التوسيعات التي أجريت على الحرم المكي.

المؤرخ الدكتور حسين شافعي يؤكد أهميتها في تعزيز التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع المكي بالإضافة إلى دورها البارز والحافل في الجوانب العلمية، فقد كانت تقام في الأربطة حلقات علمية موسعة يحضرها العلماء وطلاب العلم كانت الأربطة تغذي الوافدين إليها بالتعليم الديني، وتوفر لهم غذاء روحيا.

فتاريخها يشهد بأنها في العصور السابقة كانت ملاجئ للفقراء يبحثون فيها عن طعامهم وكذلك يقدم إليهم فيها مساعدات مختلفة، كما استغلت كمراكز للتعليم الصوفي فلها أدوار اجتماعية وسياسية مهمة بحسب الدكتور شافعي.

لم تكن هذه الأربطة بعيدة عن التنظيم فقد كانت أشبه بمؤسسات تعمل وفق أنظمة إجرائية متبعة، وفي غالبها كانت تسير وفق نهج عملي موحد، فقد كانت تجمع معلومات حول طالب السكن في الأربطة تتضمن التعرف على ظروفه الاجتماعية والصحية وكذلك وضعه القانوني في البلاد من حيث شرعية إقامته. فالقائمون عليها يحظرون السماح لمخالفي أنظمة الدولة بالسكن فيها، ويقول الدكتور شافعي إنه يجري التأكد من الجوانب السلوكية من خلال الحصول على توصية ممن يوثق بتزكيتهم مثل القضاة والعمد وأئمة المساجد، وتوقيع الساكن على شروط الإقامة في الرباط، التي تشمل جوانب تنظيمية وأخرى سلوكية.

جمعية الإحسان المشرفة على أربطة جدة هي أبرز المؤسسات القائمة على دعم هذه المراكز الاجتماعية، تؤكد إشرافها على 60 رباطا يقطنها 4700 شخص أغلبهم مسنون لا يستطيعون الحركة والتنقل.

وقد صرح طلال أبو صفية مدير تنمية الموارد البشرية في الجمعية بأنهم يسعون لتوفير خدمات طبية للأسر التي تسكن تلك الأربطة، وكذلك توفير تأمين صحي خاص بها، وما يستدعي العمل على ذلك بحسب أبو صفية إصابة الكثيرين بأمراض مزمنة.

تقوم الجمعية على إنشاء المزيد من الأربطة والمبرات الخيرية المخصصة لحالات الأرامل والمسنين والإشراف على القائمة منها، وتقديم الدعم والمساعدة لها بالمشاركة مع الجهات الحكومية والأهلية، وإنشاء وترميم المرافق التي يحتاجها المسنون في مساكنهم ودور عبادتهم والمشاركة لتخطيط البرامج ومشاريع المسنين الوطنية.

واستكمالا لدورها الإنسان تقوم «الإحسان» بالاستفادة من قدرات وخبرات ممن لهم خبرة في هذا المجال حيث يتم إشراكهم في أنشطة اجتماعية مثل مراكز الأحياء وكذلك وتشجيع الجهود الرامية لعمل البحوث المتخصصة في مجالات الشيخوخة من قبل الجامعات، وتحقيق الأمان والاستقرار لحالات المسنين الذين لا عائل لهم.

يشكو مدير تنمية الموارد البشرية في الجمعية المشرفة على أربطة جدة من عدم تعاون بعض القطاعات الصحية، فهو يرى أن المشكلات التي تواجهها الجمعية في هذا الإطار كبيرة، لكن المساعدات الصحية المقدمة قليلة جدا فبعض المستشفيات والمراكز الصحية لا تقدم خصومات أكثر من 10 في المائة، مضيفا أن هذه النسبة لا تغطي المشاكل الصحية التي يعانيها المسنون.

تقسم محافظة جدة هذه الأربطة إلى ثلاثة أقسام وتشمل أولها، 12 رباطا لا تصلح للسكن لأنها غير مستخدمة وتحتاج إلى ترميم، ثم يأتي في المرتبة الثانية أكثر من 23 رباطا مشغولة بالمستفيدين وبحالة إنشائية جيدة، لكنها بحاجة لإصلاحات معمارية وكهربائية. ويبقى 22 رباطا بحسب محافظة جدة مشغولة بالمستفيدين وبعضها يتم تأجيره لشركات استثمارية. وتوزع عملية الإشراف على هذه الأربطة على ثلاث جهات هي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والجمعيات الخيرية، وكذلك يشرف الأهالي على بعض تلك الأربطة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه يوجد مركزان لإيواء المعاقين بمحافظة جدة، إضافة إلى برامج أخرى مثل برامج الإعانات المادية والمعنوية وصرف أجهزة طبية لمساعدة المعاقين. ويرى الخبراء في هذا المجال ضرورة حصر هذه الأربطة وفقا لنوعية الخدمات التي تقدمها سواء كانوا معاقين أو مسنين أو غيرهم من الفئات، لكي يسهل التعامل معها وتقديم المساعدات المناسبة لها.