سعوديات.. قصص نجاح تبدأ من «التجارة المنزلية»

البضائع التركية والمأكولات الشامية تتصدر مشاريع الاستثمار

لم تنتظر المرأة السعودية قوائم الوظائف الحكومية وفرص القطاع الخاص لتبادر بإطلاق تجارتها المنزلية للقضاء على بطالتها («الشرق الأوسط»)
TT

يوما بعد يوم، يزيد الضغط على الجهات الحكومية بفعل الزيادة السكنية التي ينجم عنها زيادة المطالبين بتوفير فرص عمل لهم من المواطنين، وخصوصا النساء، إلا أن قصص الكفاح والنجاح التي تجد لها صدى في أنحاء المملكة لمواجهة البطالة من قبل سيدات المنازل والفتيات العازبات.

سعاد الطويرق ربة منزل بدأت تروي لنا قصتها بابتسامة حية توحي بسعادتها الغامرة لهذه التجربة، وتقول إن هذا المشوار بدأ أثناء سفرها إلى تركيا؛ عادت وفي حقيبتها مجموعة من الهدايا لأقربائها وقريباتها، تكلفة تلك الهدايا عليها جعلتها تفكر في جلب المنتجات التركية وبيعها في مدينتها حيث تسكن، فهي تجد فارقا كبيرا في السعر بين السوق المحلية والأسواق التركية.

سألناها عن كيفية نجاحها في استيراد تلك المنتجات على الرغم من الحواجز الاجتماعية المفروضة عليها كونها سيدة، فتحدثت عن نجاحها في تنظيم علاقة تجارية مع أصحاب عدد من المحال التجارية بتركيا، ومن خلالهم تمكنت من جلب بعض البضائع البسيطة، وتستكمل حديثها قائلة: «استطعت تكوين علاقات جدية مع أصحاب تلك المحال التجارية حتى أتمكن من طلب بعض الحاجيات المحددة ليتم إرسالها لي بعد أخذ ثمنها من الزبونة لسداد قيمة البضاعة وإرسالها».

تضيف سعاد أيضا على الرغم من البداية الصعبة لكل عمل تجاري لكن بعد أن نصل لمرحلة من النجاح نجد أن تلك التجارب تستحق المجازفة المدروسة، فهي ترى أن المرأة السعودية تستطيع أن تفتح لها مورد دخل جديدا من مثل هذه الأعمال، دون أن تبتعد عن أسرتها وبيتها، وتفيد سيدة الأعمال المبتدئة بأن الخصوصية التي فرضها علينا المجتمع يمنعنا من ممارسة التجارة بشكل علني؛ فهناك أيضا شروط وأنظمة تحتم على المرأة بسيطة التعليم البقاء بين أسوار منزلها تنتظر راتب الزوج الذي أصبح لا يكفي حتى منتصف الشهر».

بعيدا عن عمليات التجارة الخارجية التي تقيمها سعاد الطويرق، شدنا حكاية المعلمة بإحدى المدارس الأهلية زينب ياسر، التي بدأت بشراء المنتجات الأردنية والفلسطينية والسورية، وأخذت تقوم ببيعها على جيرانها وبعض المحال التي تعرفها.

السيدة المتفاخرة بنجاحها في التوفيق بين عملها كمعلمة في مدرسة وسيدة أعمال منزلية تقول إنها في البداية اقتصر نشاطها التجاري على بيع بعض المنتجات الأردنية والفلسطينية، وسابقا السورية، ومن تلك المنتجات «زيت الزيتون الطبيعي والمخللات والأجبان الشامية وما يدعى بالمونة في بلاد الشام». والذي زاد من الطلب على تلك المنتجات هو أنها منتجات طبيعية ومن مزارع مصدريها.

وتفيد زينب بأن ما عزز تجارتها وشجعها على الاستمرار هو علاقتها بإحدى جاراتها من الجنسية الأردنية حيث تقوم الأخيرة بزيارة أبنائها في الأردن، وعند عودتها للسعودية تجلب معها بعض المنتجات الشامية، وترسل جارتها لها هدية بسيطة من تلك المنتجات «كحق لجيرتها».

وتقول المعلمة التي زاوجت بين التجارة ومهنة التدريس: «كنت أقدم بعض من تلك (المونة) لصديقات، وأبدين إعجابهن بالطعم اللذيذ الصحي، فبدأن يطلبن مني أن أوفر لهن بعض تلك المأكولات وبكميات كبيرة، وفعلا أصبحت أوفر المطلوب بدفع قيمته للجارة، وبعد إيصاله لي أحدد سعر كل منتج دون أن ألحق بنفسي أي خسائر قد تخل بالعملية التجارية التي أمارسها».

ربما تكون الفرص أمام أعيننا ولا نراها، هكذا ترى الدنيا «ربة المنزل» عائشة عسيري التي ابتكرت لها منتجا تقوم على تصنيعه وتسويقه في بلدتها، السيدة التي أرهقتها متابع الحياة تقول إنها استغلت حب نساء منطقة عسير لبعض أنواع الحلي القديمة المصنعة من أنواع معينة من الحجر المرصوص وبدأت بتصنيعها على شكل حلي وإكسسوارات جميلة يرتدينها في المناسبات، وتضيف قائلة: «من المفارقات الجميلة أن ما كان قديما مصدرا للتباهي من قبل جداتنا، هو ما يفتن اليوم الفتيات، وأصبحن يتنافسن عليه بشدة، حيث بات شكلا من أشكال الموضة الجديدة».

تعلقت عائشة كأي فتاة بأمها لذلك ترى فيها قدوتها التي شجعتها على المسير في ذلك الطريق للتغلب على مصاعب الحياة، وعن ذلك تقول السيدة: «عشقي لوالدتي خلق لدي الرغبة في صنع بعض من تلك الحلي لها، وبعد إعجاب من هن حولي من قريبات وتشجيعهن لي تقدمت في تلك الحرفة، وأصبحت أصنع منها الكثير وبأشكال وألوان مختلفة حتى تطور الأمر ليكون صناعة الحلي، وفق التصميم الذي ترغب فيه الزبونة، ومن هنا تمكنت من تكوين قاعدة تجارية أشارك بها من خلال المناسبات النسائية والتراثية، حتى أصبح انتشار اسمي في المنطقة أوسع».

في تلك الأحياء والشوارع، نجد الكثير من القصص فيها النجاح وفيها الإصرار بقدر ما تواجه هذه الشريحة من المجتمع صعوبات في للتغلب على نوائب الزمن، من صناعة الحلي في المنزل إلى تأسيس الشركات والمؤسسات؛ مسافات لكنها كلها محطات على طريق النجاح، بحسب فاطمة الفلقي سيدة الأعمال التي أصبحت الآن تمتلك مشاعل واستوديو تصوير، وبكل فخر تقول: «المرأة السعودية تستطيع أن تمارس كثيرا من النشاطات في ظل أنظمة وقوانين مساعدة، فهي قادرة على منافسة الرجل في التجارة وتحقيق أرباح مرضية وعالية تمكنها من خوض غمار التجارة النسائية العالمية».

وفي نهاية الحديث معها تقول سيدة الأعمال الفلقي إنه لو أجريت دراسة حول سيدات الأعمال اللاتي يمارسنا أعمالهن من المنزل، فإن عددهن يفوق عدد سيدات الأعمال المعلن عنهن والمعروفات في الأوساط الاستثمارية، ولكانت تلك السيدات ساهمن بمشاركة المرأة السعودية المستثمرة، وزدن من قوة الاقتصاد السعودي بشكل عام.