الابتعاث.. أضخم مشروع تعليمي بقياده الملك عبد الله

شمل 26 دولة.. ولجنة خماسية لتقييم حاجة البلاد سنويا من التخصصات

يبلغ عدد السعوديين المبتعثين نحو 150 ألف طالب وطالبة يدرسون في 26 دولة
TT

يحزم الشاب فهد الحازمي حقائبه هذه الأيام للسفر إلى ولاية كاليفورنيا بأميركا ليبدأ حضور الدورات التأهيلية لدراسة الماجستير ضمن المرحلة الثامنة مع 38 ألف طالب وطالبة آخرين تم قبولهم في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي للعام الجاري، وليحقق حلمه بالتخرج ويلحق بزملائه الـ47 ألف طالب الذين تخرجوا خلال سبع سنوات مضت منذ انطلاق البرنامج في 2005.

ويتزامن تحضير طلاب المرحلة الثامنة مع موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز المعلن عنها أمس، بتمديد برنامج الابتعاث الخارجي لمرحلة ثالثة حتى عام 2020.

الحازمي (23 عاما) خريج جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في هندسة البرمجيات، وهو من المبادرين السعوديين الذين نشطوا في مجال التقنية، إذ أسس موقعا لإثراء المحتوى العربي على الإنترنت عبر الترجمة بطريقة محترفة، ويقول ضاحكا «نتفاءل كطلاب بتمديد البرنامج، سيتاح لابن جيراننا البالغ من العمر 11 عاما أن يلتحق بالبرنامج وأن يدرس ويتلقى تعليمه في أميركا أو كندا، وهذا حلم بالنسبة لكثير من شبان العالم».

وخلص شبان عادوا من الدراسة وآخرون يعكفون عليها، إلى وصف برنامج البعثات السعودي بكرة الثلج المعرفية التي تتسع لتطال كل القارات والدول المتقدمة والدول الناشئة النامية.

ولم يكن اختيار الطلاب وقبولهم في آخر مرحلتين من البرنامج محض صدفة وحسب، بل تتخذ الوزارة جملة تحسينات لتزيد من معايير القبول بحسب الدكتور سعد الضويان المستشار في وزارة التعليم العالي.

ويبلغ عدد السعوديين المبتعثين نحو 150 ألف طالب وطالبة يدرسون في 26 دولة، وفقا للدكتور خالد العنقري وزير التعليم العالي.

في غضون ذلك، كشف مصدر مطلع في وزارة التعليم العالي لـ«الشرق الأوسط» أمس، عن تقييم تنفذه الوزارة عبر لجنة مكونة من خمس جهات حكومية، ينصب عملها على اختيار التخصصات والتشاور حول حاجيات سوق العمل السعودي وملاءمتها مع المخرجات التي تتكئ عليها إضافة أو العدول عن أي تخصص تعتمده خلال برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي.

وقال المصدر الذي فضل حجب اسمه إن اللجنة تضم إلى جانب وزارة التعليم العالي، وزارة الخدمة المدنية ومجلس الغرف ووزارة العمل ووزارة الاقتصاد والتخطيط. واستشهد المصدر بتخصص حديث أضيف خلال المرحلة الثامنة وهو «الملاحة البحرية».

وأضاف المصدر «تتخذ الوزارة جملة إجراءات واسعة قبل تعديل أي تخصص، وهو عمل ترنو من خلاله لرفع الجودة المأمولة من البرنامج، وكل عام يطور البرنامج عبر اللجنة التشاورية».

ويضيف «لا يقتصر التطوير على التخصصات والدول، بل يمتد ليطال المعايير الخاصة بالطلاب الذين يتم ابتعاثهم، وبما أن العملية تطويرية فإن البرنامج يخضع للتقييم الدائم في ناحية اختيار الطالب المبتعث، وتعقد ملتقيات متعددة قبل توجه الطالب إلى الدولة التي يبتعث إليها».

كما شرعت وزارة التعليم العالي منذ إعلان خادم الحرمين الشريفين في 2010 تمديد البرنامج لخمس سنوات، في تنظيم ملتقيات متعددة في مختلف مناطق البلاد تشمل محاضرات وندوات وفعاليات تعمل جميعها على إثراء الطالب فكريا وقانونيا وأكاديميا، وتدفعه ليكون على أهبة الاستعداد ليبدأ مرحلته الأكاديمية الحديثة في بلد يكون في العادة غريبا عليه.

ويعد المستقبل الوظيفي هاجس المبتعثين وأولياء أمورهم والمراقبين للشأن الاقتصادي والاستراتيجي للبلاد، وتتخذ الوزارة يوما للمهنة في غالبية البلدان التي يدرس فيها الطلاب، لتتيح لهم لقاء الشركات والمهتمين بالقطاع الخاص.

ويقول عبد الرحمن الزامل رئيس الغرفة التجارية الصناعية في الرياض إنه في حفل المبتعثين السعوديين المنعقد نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي: وجدت شركات سعودية وأخرى مختلطة وبنوك ليطلعوا على مسيرة 800 طالب تخرجوا من كندا، وهذا دليل اهتمام من قبل القطاع الخاص بمخرجات الابتعاث، وهذا لا يعني عدم استقطاب خريجي الجامعات المحلية، لكن القطاع الخاص أكثر حاجة للقيادات الفنية الإدارية.

وقبل أن يدخل إلى قاعة المحاضرة بخمس دقائق، قال أحمد الكعبي، وكيل كلية إدارة الأعمال للتدريب وخدمة المجتمع في اتصال هاتفي: «هذا البرنامج أتاح فرصة واسعة لنعود منخرطين في سوق العمل». وعاد الكعبي (30 عاما) مكملا دراسة الماجستير في إدارة الأعمال متخرجا بمعدل 3.58 من جامعة أميركية في عام 2009، في حين بدأ دراسته منذ 2006.

ويؤكد الكعبي أن مخرجاته الفكرية جاءت موازية لتطلعه العلمي، إذ تؤثر العادات والتقاليد العلمية والفكرية الإيجابية في حياة الطلاب.

ونتج عن برنامج البعثات الخارجية نماذج سعودية ناجحة امتزجت سريعا في سوق العمل، وأخذ الشبان والفتيات العائدون في بدء مستقبلهم الوظيفي بفكر أوسع عن ذي قبل.

وما إن عاد الشاب مازن الضراب، وهو خريج ماجستير التسويق والتجارة الإلكترونية، من جامعة غرب أستراليا أنشأ شركتين في التجارة الإلكترونية والتسويق الإلكتروني، ونجح الشاب حتى على صعيد الانتشار بين رصفائه التقنيين، إذ حاز على جائزة هديل الحضيف للتدوين، من خلال مدونته الشخصية التي تهتم بالتقنية ومستجداتها.

يقول الضراب «طريقة الدراسة وتعامل الجامعة مع الطالب كانا علامة فارقة بالنسبة إلي، والطالب في الجامعات يدفع إلى التفكير والابتكار أكثر من الحشو، وكثير من الأساتذة لا يعتمد على الاختبارات التقليدية بقدر ما يعتمد على الواجبات والمهام، إلى جانب الاختبار المنزلي». ويضيف «هناك أيضا تركيز التعليم على العمل ضمن فريق ما ينمي دور العمل الجماعي واحترامه»، مستطردا «كما أن معاهد اللغة التي سبقت انخراطنا في الدراسة الأكاديمية كانت تركز كثيرا على العروض التقديمية، والمناظرات، وكيفية إجراء الحوار من خلال الحديث عن مواضيع وعناوين متعددة»، ويعلّق «حزمة الأفكار الجديدة هذه تعد مختلفة كليا بالنسبة لنا».

وفي جانب مماثل، يقول بدر الحقيل، وهو مبتعث في ولاية كولورادو الأميركية، إنه اكتشف في غربته التعليمية عادات الآخر وطريقة تفكيره وتعوّد على اتباع النظام في كل شؤون الحياة، متأملا أن تنتشر تلك الثقافة في بلده على مختلف الأصعدة، ويؤكد اكتسابه من خلال اللغة مهارات متعددة في الاتصال مع الآخر.

ومن غرب العالم إلى شرقه، تحديدا في ماليزيا، التي تخرج منها نحو ثلاثة آلاف طالب سعودي، يقول مشعل الطامي، وهو مدير الشؤون الثقافية بالملحقية الثقافية السعودية في ماليزيا، إن أهداف برنامج الابتعاث للخارج لا تقتصر على التحصيل العلمي، بل في زيادة تفاعل الطلبة المبتعثين مع الثقافات الأخرى، ما ينتج بدوره توسيع مداركهم الثقافية ورفع مستوى مهاراتهم التحليلية، الذي يؤثر على شخصية الطالب.

ويقول الطامي: ترفع تجربة الطالب نسبة الوعي عبر تفاعله مع المجتمع واحترام الأنظمة والقوانين، إلى جانب احترام الآخر مهما كان لونه أو جنسه أو ديانته، وتؤثر المكتسبات التي يجنيها الطالب إيجابيا على المجتمع وقتما يعود إلى وطنه، بعيدا عن العنصرية والمناطقية، وقد يكون لمخرجات هذا البرنامج دور في ذلك.