يسلك فؤاد السليماني وهو معلم يعمل في مكة المكرمة يسكن في أعلى مرتفع بمحافظة الطائف، طريق «عقبة الهدا» غدوة وعشيا، في طريقه إلى مدرسته الواقعة في مدخل العاصمة المقدسة، ويتجاوز في أسوأ الأحوال وقته حتى بلوغ المدرسة 50 دقيقة.
بيد أن السليماني (33 عاما) لن يسلك الطريق إلى عمله مجددا، ولمدة أربعة أشهر، ستتضاعف مدة الطريق إذ سيخضع للصيانة باستثناء يومي عطلة الأسبوع، وسيستبدل المعلم أغنية أبو بكر سالم التي تقول «يا مسافر على الطايف طريق الهدا»، بأغنية الجسمي الحديثة «متى متى» مواساة لنفسه، ومعاناته الوقتية على حد قوله.
المهندس عمر الحسيني مدير فرع وزارة النقل بالطائف قال لـ«الشرق الأوسط» إن أبرز أعمال الثانية، تتمثل في تنظيف مجاري السيول من الأتربة والصخور التي تقع على الطريق وقت هطول الأمطار.
وريثما تنتهي أعمال الصيانة، قد يسلك الناس الطريق آلاف المرات، دون أن يتمقلوا في كيفية شق الصخور والأعمال التي وصفت قبل نصف قرن من الزمان بالمستحيلة، والتي استحالت على شركات أجنبية لم تتواءم كل الميزانيات الضخمة التي منحت لها مع الجهد الخارق الذي سيكلف منشئ الطريق لاحقا.
تختزل طريق الهدا أو «عقبة الهدا» كما يحلو للسكان تسميتها، تاريخا لا تقتصر أهميته في ارتباط الحدث بالملك الراحل فيصل بن عبد العزيز رحمه الله وحسب، ولا بمحمد بن لادن، الذي لم يكن ابنه أسامة الذي سيصبح لاحقا أهم مطلوب دولي سوى طفل ينتظر والده ليصافحه على الأقل، بل تكمن الأهمية في براعة المقاول بن لادن في التنفيذ، وحلوله التي بدأت بالبغال، وانتهت بتفجير الصخور وتمهيد طريق سلسة لا تستغرق 40 دقيقة لعبورها.
وقد يغيب عن كثير من سكان البلاد، أن أسامة بن لادن المطلوب الأول دوليا، وقائد تنظيم القاعدة الذي قضى نحبه في 2 مايو (أيار) 2011 وألقته القوات السرية الأميركية في البحر، كان طفلا يفتقد والده الذي كان مشغولا في بناء الطريق الذي اعتبروه معجزة في ذلك الوقت.
وينقل لورانس رايت وهو باحث متخصص كتب سيرة أسامة بن لادن و«القاعدة»، قصة الهدا التي تبعثرت ضمن أوراق واستشهادات عددا واسعا من المصادر عن حياة أسامة بن لادن، حتى بات يملك قصة تفصيلية رواها في كتابه السارد لقصة «القاعدة» وزعيمها، والمترجم إلى العربية بعنوان «بروج مشيدة».
ويصف تمهيدا للدخول في قصة البناء بالقول «كان الجدار الجبلي شديد الانحدار يتحدى أحدث وأقوى أساليب البناء الحديثة، وكان من الممكن شق طريق عبر صخور باستخدام المتفجرات، ولكن المشكلة الاستراتيجية كانت تكمن في كيفية نقل المعدات، بما ذلك الحفارات، والجرافات والمجارف الخلفية والشاحنات القلابة، إلى جانب آلات تمهيد الطرق اللازمة للبناء بالأساليب الحديثة إلى الموقع. أما الخيار الآخر فإنشاء الطريق على شكل نفق ينتهي كل جزء منه قبل أن يبدأ الذي يليه، وقد دعا الملك فيصل كثيرا من الشركات الأجنبية لتنفيذ المشروع، بيد أن أحدا منهم لم ينجح في التوصل إلى كيفية التنفيذ. حتى مع اعتماد ميزانية ضخمة، ثم عرض محمد بن لادن أن ينشئ الطريق، بل وقدم جدولا زمنيا لتنفيذه».
يضيف «كان الحل العبقري الذي وعده بن لادن - الأب - ، لتوصيل المعدات إلى الموقع هو تفكيك تلك الآلات الضخمة ونقل أجزائها إلى الأعلى على ظهور الحمير والجمال، وعند وصول الأجزاء إلى موقعها أعيد تركيبها وإعدادها إلى العمل».
وينقل الكتاب «أسطورة في الطائف» كانت تقول «لإنشاء ذلك الطريق، دفع بن لادن حمارا للسير على حافة الجبل وأتبعه بنفسه وهو يشق طريقه إلى الأسفل، وكان يرسم طريق مسار الطريق السريع لمدة عشرين شهرا بدأت في عام 1961».
ويتابع «عاش محمد بن لادن مع رجاله على سفح الجبل يعمل معهم يدا بيد ويضع بنفسه الشحنات المتفجرة لشق الطريق. ويضع العلامات على الطريق للجرافات بالطباشير، ومع أنه وضع جدولا زمنيا فقد كان سير العمل بطيئا، وكان الملك فيصل يصل من حين لآخر إلى الموقع ليسأل عن الزيادة المستمرة في النفقات غير الموجودة في الميزانية».
ويصف رابت الطريق ذا الحارتين الذي أنشأه بن لادن، «ينحدر بتؤدة إلى أسفل الجروف الجرانيتية في حلقات طويلة ملتوية، متجاوزا الطيور الجارحة والمحلّقة عبر صخور تكونت في أزمنة جيولوجية مختلفة. وتظهر براعة ومهارة العمال جلية في الجدران الحجرية في الجسور التي تحاكي درب القوافل المجاورة، وبعدما يقترب من ثلثي الطريق أسفل الجبل، استخدم البازلت بدلا من الجرانيت في بناء الطريق ثم الحجر الرملي، ثم يتسع الطريق ويتشعب إلى أربع حارات ويصبح أقل انحدارا».
أصبح الطريق الآن بحسب علي الماربي وهو مهندس تقاعد قبل سنتين من أمانة الطائف «يحتوي ست حارات ومرت عليه أكثر من توسعتين إذ أغلق مرتين قبل ذلك». ويضيف «تحسن الطريق عن ذي قبل بشكل أوسع عندما تمت إعادته وتوسعته ودشنه الأمير خالد الفيصل نهاية يونيو (حزيران) 2009 بتكلفة 218 مليون ريال، كان أغلق 36 شهرا، وفي العادة يستخدم السكان طريق السيل الشهير بمروره بميقات السيل الكبير أو قرن المنازل».
ولا تقتصر الطريق على كونها مرورا للسكان وحسب، ويقول عيسى القصيّر الباحث في تاريخ الطائف تعتبر ملجأ سياحيا للعائلات والشباب، إذ يتفقون على جنبات الطريق خصوصا في المنعطفات المتاخمة لمساحة جانبية في بعض أجزاء الطريق، إذ يطل منظر خلاب إلى هاوية في الأسفل.