«قاضي تنفيذ» بسلطات للإصلاح بين المتنازعين خارج المحاكم

مستشار قضائي لـ «الشرق الأوسط»: خادم الحرمين سبق التوقعات بإضافات قضائية غير مسبوقة

تنظيم مركز المصالحة يخفف العبء على المحاكم («الشرق الأوسط»)
TT

اعتبر الدكتور محمد العيسى وزير العدل، بعد اقرار تنظيم مركز المصالحة الذي أقره مجلس الوزراء أمس الاثنين كأحد البرامج التطويرية لمنظومة العدالة، أنه يمضي في سياق البدائل الشرعية للإصلاح والتسوية كمقصد مهم من مقاصد الشريعة لتحقيق المزيد من التواد والتآلف بين أفراد المجتمع ولتخفيف العبء على المحاكم في قضايا يمكن تسويتها من خلال عمل مؤسسي.

ويأتي تنظيم الصلح والتحكيم بهدف تقديم الدعم والإسناد للخطة الشرعية في تسوية المنازعات القضائية بإشراف عدد من طلبة العلم الشرعي والدعاة، وتحت مظلة وزارة العدل وعضوية الكثير من الجهات الحكومية من بينها وزارة التجارة، والشؤون الاجتماعية، وذلك في إطار مشروع الملك عبد الله لتطوير القضاء.

إلى جانبه، أكد لـ«الشرق الأوسط» الدكتور صالح اللحيدان المستشار القضائي الخاص، أن خادم الحرمين الشريفين وما تمليه عليه مسؤوليته الكبرى نحو القفز بآليات الحكم العادل بين كافة أطياف الوطن، سعى حثيثا على أن يكون القضاء مستقلا استقلالا تاما، خصوصا مع المعطيات المتناثرة والقضايا المتداخلة وما يدخل بين هذا وذاك من طول نظر في القضايا وما يترتب عليه من ألم المدعي أو المدعى عليه، ولذلك حرص خادم الحرمين على أن يتم الأمر خارج المحكمة أو داخلها بصلح، دون اللجوء إلى ما قد يوصل إلى المحاكم، الأمر الذي قد يؤثر على المدعي أو المدعى عليه أو قد يؤثر سلبا على مجريات النظر القضائي.

وأضاف المستشار القضائي: «ولقرب خادم الحرمين الشريفين من العمل القضائي وما يعرض عليه من مثل هذه الأمور وملاحظته ارتفاع نسب القضايا، كقضايا الخلع والطلاق والعضل وعدم استيفاء بعض موجبات القضاء، فقد تم إصدار هذا القرار المتمثل بـ(مركز المصالحة)»، مطالبا المواطنين بعدم التعجل على نتائج هذا القرار إلا بعد تفعيله من خلال آليات متعددة منها ما يتعلق بوزارة العدل ومنها ما يتعلق بمجلس القضاء الأعلى ومنها ما يتعلق بكافة المحاكم التي تعرض عليها القضايا بين حين وآخر.

وزاد: «هناك صورة مصغرة كنت قد رأيتها قبل سنوات عندما كنت مستشارا قضائيا، وهي صورة لجان إصلاح ذات البين، واليوم أرى أن خادم الحرمين الشريفين سبق التوقعات بإضافات غير مسبوقة فيما يتعلق بالصلح في كافة مسارات القضايا، وهذا (حسب علمي) سوف يتم تفعيله من قبل أخي محمد العيسى وزير العدل، كونه شابا طموحا ويعرف عمله الذي يقوم به».

واستطرد: «من خلال تحريري لكتاب (حال المتهم في مجلس القضاء) كنت قد تناولت أشياء من هذا القبيل ويمكن أن يكون هذا الكتاب داعما لاكتشاف الموهبة القضائية وحمايتها خاصة إذا كان المدعي أو المدعى عليه لديه قصور جبلي يجعله لا يستطيع أن يؤدي ما له، فيقع في دائرة التهمة وهو بريء والقاضي ليس له إلا الظاهر، معتبرا أن الموهبة القضائية ستساهم جزما في وضع الصلح موضع المؤاخذة ووضع الصلح موضع التأنيب والمجازاة»، ويرى الدكتور اللحيدان أن يكون القرار الجديد الذي لقي صدى كبيرا، أن يفعل على هيئة مستقلة في كل محكمة، مرتبطة ارتباطا مباشرا بالمسؤول الأعلى.

إلى ذلك تتكلف مكاتب الصلح المختصة بالنظر بكافة المنازعات القضائية التي يجوز الصلح فيها باعتبارها الجهة الأولى للنظر واستقبال القضايا وفي حال التوصل إلى حكم (تسوية مصالحة) فإنه يعد بمثابة سند تنفيذي يتم إحالته إلى قاضي التنفيذ لتطبيقه دون اللجوء إلى القضاء العادي.

وكانت قد فعلت وزارة العدل في وقت سابق عددا من الدورات الاجتماعية للعاملين في مكاتب الصلح لبحث أهم الخيارات الاستراتيجية في الإسناد والدعم والتأهيل لهذه المكاتب بالتعاون مع جامعات وبيوت خبرة دولية إلى تزويد الاختصاصيين الاجتماعيين بالنظريات العلمية الحديثة في العلوم الاجتماعية لدعم مكاتب الصلح والتوفيق، مع الاطلاع على المفاهيم العلمية الحديثة في مجال التطبيقات المهنية للصلح في القضايا الأسرية نظرا لأهمية وجود الممارس الاجتماعي إضافة للركيزة الأساسية في مكاتب الصلح وهو الإرشاد الشرعي بهدف إصلاح ذات البين من خلال الاطلاع على عمق الإشكالات، واعتبار الصلح خيارا شرعيا متاحا للجميع ـ غير إلزامي ـ كما يتم توثيق وثيقة الصلح من قبل القضاء من أجل رقابتها من الناحية الشرعية.

ونصت فكرة الاقتراح التنظيمي لوزارة العدل على إنشاء لجنة أو أكثر للتوفيق والمصالحة في محاكم الدرجة الأولى، أو في منشآت عدلية مستقلة عن المحاكم، تشعر الجميع بعد انتهاء المصالحة بأنهم لم يصلوا في نزاعهم للمحاكم، وتتكون من مختصين وتزويدها بالعدد الكافي من الموظفين، وحسب فكرة الوزارة فإن اللجان تختص بإجراء التسوية التي من شأنها إنهاء المنازعة صلحا إذا كانت تخرج عن نطاق القضاء المستعجل ونطاق قضاء التنفيذ والأوامر الوقتية، وكان موضوعها مما يجوز الصلح فيه، ولم تكن الحكومة طرفا فيها، لكونه يتعلق بالحق العام والحق العام لا تجوز المصالحة عليه.

وتنهي اللجنة إجراءات التسوية خلال شهر من تاريخ قيد الطلب لديها، وعند الحاجة لزيادة المدة يرفع رئيسها طلبا للمحكمة يحدد فيه المدة الكافية، على ألا تتجاوز مدة التسوية ثلاثة أشهر، ولا يقبل الطلب إذا كان بسبب مماطلة أحد الخصوم، بل ولا يجوز تكراره ما لم يتفق أطراف المنازعة على خلاف ذلك، وإذا توصلت الدائرة إلى تسوية النزاع كليا أو جزئيا، تقدم إلى رئيس مكتب الصلح محضرا بذلك، موقعا عليه من أطراف المنازعة أو من وكلائهم، يرفق به اتفاق التسوية الموقع من طرفي النزاع للتصديق عليه.

ونص مشروع وزارة العدل على أن جلسات التسوية سرية ولا يسمح لأحد حضورها إلا بموافقة أطراف النزاع أو من ينوب عنهم، وأنه يحق للجنة التوفيق والمصالحة الانفراد بكل طرف من أطراف النزاع على حدة، مع اتخاذ ما تراه مناسبا للإصلاح بتقريب وجهات النظر، بهدف الوصول إلى حل ودي، ويجوز لها إبداء رأيها في النزاع، مع عرض الأسانيد الشرعية والنظامية، والسوابق القضائية.

، وغيرها من الإجراءات التي تسهل أعمال التسوية، وأكد مقترح الوزارة على أن إجراءات التسوية سرية، ولا يجوز الاحتجاج بها، أو بما تم فيها من أقوال أو تنازلات من طرفي النزاع أمام أي محكمة، أو أي جهة كانت.

ونص مقترح الوزارة على أنه يجوز بقرار منها الترخيص لمختصين بافتتاح مكاتب خاصة لإجراء التسوية، وتصدر التراخيص بمزاولة مهنة التوفيق والمصالحة بعد القيد في جدول خاص، وتكون مدته خمس سنوات قابلة للتجديد، وتصدر وزارة العدل لائحة تبين الأحكام والشروط والأتعاب المتعلقة بهم، ونص المشروع المقترح على أنه يشترط فيمن يتولى التسوية سواء كان موظفا أو مرخصا له أو غيرهم، أن يكون من المشهود له بالنزاهة والأمانة والقدرة على الاضطلاع بهذه المسؤولية، من خلال سجله العلمي وعمله المهني، ولم يسبق أن حكم عليه بحد أو تعزير في جرم مخل بالشرف أو الأمانة، أو صدر بحقه قرار تأديبي بالفصل من وظيفة عامة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره.