بعد 800 عام.. المرأة تعود محاضرة داخل الحرمين الشريفين

فاطمة المروازي آخر محدثة قدمت «إجازات» وأشهر عالمة اعتلت «كرسي» الإفتاء

د. السديس ود. بكري يوقعان اتفاقية الاستفادة من الكوادر النسائية (تصوير: أحمد حشاد)
TT

بعد 800 عام، أعادت اتفاقية بين جهتين حكوميتين أمس المرأة إلى الحرمين الشريفين كمحاضرات للدروس الشرعية وإلقاء المحاضرات والدروس والإرشاد والتوجيه لمرتادات المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف.

وبحسب مسؤولين بارزين في الرئاسة العامة لشؤون الحرمين وجامعة أم القرى، فإن اتفاقية وقعت ظهر أمس، قادت نحو إشراك الكوادر النسائية الأكاديمية في إعطاء دروس لقاصدي المسجد الحرام والنبوي، فضلا عن إعداد «منصة» لترجمة الكتب والبحوث والدراسات الأكاديمية لتقديمها لزوار الحرمين الشريفين من جميع ضيوف العالم.

وأشار الدكتور بكري عساس، مدير جامعة أم القرى لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه سيتم الاستفادة من الخبرات والكوادر النسائية التي تحملها جامعة أم القرى وتسخيرها لخدمة الحرمين، حيث سيعكف كادر متكامل من الأكاديميات بمختلف اللغات على القيام بمحاضرات لزوار البيت الحرام والمسجد النبوي على حد سواء.

من جهته قال الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس، «إن هذه الاتفاقية تأتي امتدادا للحراك التطويري للرئاسة وتعزيزا للشراكة الفاعلة مع كل مؤسسات المجتمع المدني والحكومي للنهوض بخدماتها وإيمانا من دور الرسالة التي تؤديها الرئاسة».

وقال السديس إن الدراسة ستخدم الجانب العلمي والبحثي والأكاديمي لتحقيق الأهداف الكبرى من خلال إجراء الدراسات العلمية والاستشارية والمعرفية والتقنية والشرعية والفنية والإعلامية والدراسات المتعلقة بأبحاث الحج والعمرة والتدريبية والأبحاث المتعلقة بتنظيم إدارة الحشود والمشاركة في اقتراح الخطط الاستراتيجية والتطوير والهيكلة الإدارية.

وأبان السديس «إننا نمضي قدما نحو العناية بمجال الترجمة في كل ما يصدر عن الرئاسة من الخطب والدروس باللغة العربية إلى اللغات الأخرى والتعاون في مجال التدريس والتعليم بين منسوبي الرئاسة والجامعة من خلال إتاحة الفرصة لمنسوبي الجامعة بالتدريس في الحرم والمسجد النبوي الشريف وكذا استفادة الجامعة من خبرات وأئمة وعلماء الحرمين».

ونوه الرئيس العام لشؤون الحرمين إلى أهمية الاستفادة من طلاب الدراسات العليا في الترجمة وكذلك التعاون في مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي وكراسي البحث والتعليم والمجلات العلمية المحكمة وكذا مواصلة طلاب معهد الحرم المكي وكلية الحرم المكي والجامعة المنتظرة في الحرمين الشريفين تعليمهم في الجامعة ودعم مكتبة الحرم المكي ومكتبة المسجد الحرام وتبادل الرسائل العلمية بين الجانبين.

وأبان السديس أن هناك ندوة ستقام في القريب العاجل بالتعاون بين الجانبين عن المسجد الحرام وفضائله وأحكامه سيعلن عنها في حينه، لافتا النظر إلى أن الرئاسة لديها عناية خاصة بالأخوات النساء لما للمرأة المسلمة من مكانة في الشريعة الإسلامية ولأنها تعمر المسجد الحرام في حجها وعمرتها فلها علينا حق بأن نقوم برسالة التوجيه والإرشاد، مشيرا إلى أنه سيكون هناك تعاون مع منسوبات هذه الجامعة في التعاون والتنسيق في إلقاء المحاضرات والدروس والإرشاد والتوجيه لمرتادات المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف.

وبالعودة إلى مدير جامعة أم القرى فإن التعاون بين الجانبين والذي سيستمر بمشيئة الله تعالى لمدة خمس سنوات يتضمن إجراء البحوث العلمية والدراسات الاستشارية العلمية والتقنية في مجالات الدراسات والمشاركات والاستشارات العلمية والشرعية والفنية والإعلامية وإجراء الدراسات المتعلقة بأبحاث الحج والعمرة وتنفيذ البرامج التدريبية والإيفاد الداخلي والأبحاث المتعلقة بتنظيم وإدارة الحشود.

وأضاف عساس أن الاتفاقية ستطرح وكذلك في اقتراح الخطط الاستراتيجية وترجمة ما يصدر من الرئاسة باللغة العربية إلى اللغات الأخرى إلى جانب السماح للطلبة السعوديين وغيرهم للمشاركة في الترجمة.

بدوره قال الدكتور نبيل كوشك، وكيل جامعة أم القرى للأعمال والإبداع المعرفي، إن مذكرة التعاون التي وقعت بين الجامعة والرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، هي خطوة تسبق توقيع العقود النهائية بين الطرفين، والتي على ضوئها سيحدد المبالغ المالية التي ستصرف على هذه الاتفاقية.

وقال كوشك: «إن معهد الإبداع المعرفي سيتبنى الكثير من الأفكار والمقترحات في الآليات والتقنيات التي تقدمها الرئاسة في خدماتها للمسجدين الحرام والنبوي الشريف، الأمر الذي سيعود بالنفع على مرتادي الحرمين الشريفين، من خلال تسهيل وتيسير الكثير من الخدمات المقدمة لهم».

بدوره علق الدكتور عدنان الحارثي، عميد كلية المكتبات في جامعة أم القرى لـ«الشرق الأوسط»، بأن التاريخ حمل معه أمثلة عظيمة لنساء عالمات ومحدثات قدمن الدروس والفتاوى والمواعظ والإرشاد منذ عصر صدر الإسلام داخل أروقة الحرمين الشريفين.

واستدل الحارثي بالسيدة عائشة بنت أبي بكر، رضي الله عنها، حين ألقت خطبة في داخل المسجد الحرام، وكانت في حجرة بيتها داخل المسجد النبوي تلقي الدروس والمواعظ.

وضرب الحارثي مثلا بالعالمة فاطمة المروازي من القرن السابع الهجري، في المدينة المنورة وكان لها الإسناد العالي، وكان لها مكان في داخل الروضة النبوية الشريفة، وكانت محدثة شهيرة يقصدها طلبة العلم من فارس والأندلس والمغرب العربي، ومصر واليمن.

وأفاد الحارثي بأن العالمات اللائي زخر بهن التاريخ كثر وفي عصور مختلفة بيد أن القرن السابع حركة أكبر، مؤكدا والحديث لـ«الحارثي»، أن جل طلبة العلم الذين قدموا للاستفادة وطلب العلم كانوا من الرجال.

ولم يخف بدور سعد الشريف، أستاذ التاريخ الإسلامي في تعليم مكة المكرمة لـ«الشرق الأوسط» أن كتب التاريخ من تراجم وسير ومصادر طبقات ذكرت أن مشيخات وكتب إثبات وفهارس ومعاجم، استدلت أن نسوة كثيرة تلقين التعليم والدراسة والتدريس في أروقة الحرمين الشريفين، وحظين بـ«الإجازة» من كبار علماء الأمصار، مشيرة إلى أن تلك كانت عادة مكية ولف عليها المكيون في إعطاء الإجازات لبناتهن عن طريق علماء وعالمات في مختلف العصور.

وعن شواهد من تلك السير، دلف الشريف نحو فاطمة بنت أحمد الحرازي في ثنايا القرن السابع الهجري، والتي تعرف بـ«محدثة» الحرمين، ومسندة مكة لأنها تولت التدريس في داخل الحرم المكي الشريف، حيث لم تكتفِ بذلك فقط بل تولت إعطاء دروسها في الحرم النبوي الشريف، وعرف عنها أنها بمثابة «الجامعة» المخولة بإعطاء الإجازات لطلاب وطالبات العلم.

واستطرد الشريف في ذكر زمرة من المحدثات كفاطمة بنت إبراهيم البطايحي المتوفاة سنة 711 للهجرة، وكريمة المروزية المتوفاة 463 للهجرة، المحدثة المعتمدة لصحيح البخاري في ذلك العصر.