زوار معرض الرياض الدولي ينتصرون «للكتاب الورقي» و«القراءة الحرة»

مسؤولون وأدباء لـ «الشرق الأوسط»: ازدحام المعرض ألغى مقولة «أمة اقرأ لا تقرأ»

TT

انتصر زوار معرض الرياض الدولي للكتاب الورقي ومدة أهميته وقيمته رغم كل الضجيج الذي يقال عن إن الكتاب الإلكتروني والثورة المعلوماتية وعدم حب العرب للقراء تجعل منه معرضا للاستعراض، بعد أن تدفق السعوديون ومعهم الآلاف من المقيمين والزائرين للعاصمة السعودية الرياض، إلى مركز الرياض للمؤتمرات والمعارض بالآلاف أطفالا ونساء وشيوخا ومن كل طبقات المجتمع.

اكتظاظ ممرات المعرض وساحاته الخارجية كانت وفق مسؤولين وأدباء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، خير دليل ورد على أن عبارة «الكتاب الورقي إلى زوال في عهد الكتاب الإلكتروني»، وكذلك شعار (أمة اقرأ لا تقرأ)، هي شعارات صنعناها لأنفسنا وأنها غير واقعية.

ومع أن الكثير ممن زار المعرض أقروا بتأثر الكتاب الورقي بالنقلة التكنولوجية والإلكترونية في عالم القراء، إلا أنهم لا يزالون يعتقدون أن قراءة الكتاب تظل وجبة مهمة في حياة الإنسان مهما تعددت الشواغل والأعمال وتضاءلت فسحات الزمان لممارستها، مدللين على ذلك بزيادة الإقبال على معرض الرياض للكتاب. ويأتي ذلك رغم أن أول تقرير عربي للتنمية الثقافية صدر عن مؤسسة الفكر العربي في القاهرة‏ أبان أن معدل القراءة 4 في المائة، في ظل تقرير آخر يتحدث عن أن نصيب القراءة لدى القارئ العربي لا تتعدى فقط الـ6 دقائق.

في بداية حديثها، أوضحت الشاعرة والكاتبة الدكتورة أشجان هندي، أستاذة الأدب في جامعة الملك عبد العزيز، أن معرض الرياض للكتاب جاء هذه المرة بالجديد من حيث تنويع المعروضات من خلال إضافة كتب لدور نشر غربية عالمية، إلى جانب ما تم توسيعه في رقعة مساحات أجنحة المعروضات.

وأكدت أن هذا المعرض يدلل على أن الكتاب ما زال صامدا أمام التقنيات الحديثة، مبينة أنه مهما تطورت التقنية الجديدة في مجال رقمنة الكتب والمكتبات، إلا أنه من الصعوبة بمكان التيقن بأن الكتاب إلى زوال، مشيرة إلى أن العلاقة الحميمية بين القارئ والكتاب الورقي منذ آلاف السنين يصعب بترها بسهولة.

ولفتت هندي إلى أن الحديث عن نهاية أو تلاشي الكتاب الورقي من سوق المكتبات وسقوطه من اهتمامات القراء لم يحن بعد، مدللة على ذلك بزيادة الإقبال الكبير لزوار المعرض لدرجة الزحام في الممرات، مستصعبة اختفاء المراجع والمجلات العلمية الورقية، ما يعني برأيها أن الكتاب الورقي، سواء كان أدبيا أو ثقافيا أو فكريا أو علميا، باق حتى إشعار آخر.

وشددت هندي على ضرورة تأسيس مراكز أبحاث لدراسة حالات وتحديات صناعة الكتاب العربي محليا وعربيا، مبينة أن معظم دور النشر العربية تعاني ضعفا في الإمكانات.

وقالت يبلغ عدد مجمل الكتب التي تصدرها البلاد العربية خمسة آلاف كتاب في العام، في الوقت الذي تصدر فيه أوروبا نحو 50 ألف كتاب في العام، أما في أميركا وكندا فيصل العدد إلى أكثر من 150 ألفا، ما يعني ضرورة الاهتمام بهذه المراكز لصناعة الكتاب العربي ليسهم في الارتقاء بالثقافة ونهضة الأمة العربية. من جهتها، أكدت فاطمة الحسين، مديرة المكتبة النسائية ومكتبة الطفل في فرع مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالمربع في الرياض؛ أن معرض الرياض للكتاب لهذا العام كان رائعا ومنظما ويمثل عرسا ثقافيا، مبينة أن طرقات المعرض تكاد تكون مغلقة تماما من شدة زحام الزوار، وهناك إقبال متزايد من مختلف الأعمار.

وقالت: يبدو أن المسؤولين عن إدارة هذا المعرض بذلوا جهدا كبيرا وأخذوا بكل الملاحظات التي قدمت عنه خلال الأعوام الماضية، ما أظهره بهذا الشكل الجميل، حيث أثرى أجنحته المختلفة بكم كبير من شتى أنواع الكتب، من حيث التيارات الفكرية والنظرية والعلوم التطبيقية، آخذا في الاعتبار كتبا لكل الأعمار.

وأضافت الحسين: «هذا المشهد يطمئننا في مكتبة الملك عبد العزيز خصوصا أن المكتبة تفتح أبوابها للقراء على مختلف مذاهبهم الفكرية والثقافية والتعليمية صباح مساء، وتقدم وجبة القراءة للجميع النخبوي والعادي».

وزادت: «كما أنه يساعدنا على الاستمرار في ملتقى كتاب الشهر في أول كل شهر عربي لتقديم وجبات قرائية من مختلف صنوف المعرفة الإنسانية والعلمية والفكرية». وعن العنصر النسائي من القراء، أوضحت الحسين أن القارئات السعوديات في زيادة مستمرة، موضحة أن عدد القارئات اللاتي يحضرن ملتقى كتاب الشهر يؤكد ذلك. وأكدت أن هذا الإقبال من زوار المعرض يدلل على أن الكتاب الورقي سيظل سيد الموقف حتى إشعار آخر، مبينة أنه ما زال يسهم في إنضاج تجربة القراء عبر مسيرة ممارسته لهواية القراءة. أما الدكتور فهد العليان، مدير المشروع الثقافي لتجديد الصلة بالكتاب في مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض؛ فأكد أن معرض الكتاب هذا العام كان بمثابة سوق ثقافية كبيرة يؤمها الناس من كل حدب وصوب، ما يعني أن مقولة «أمة اقرأ لا تقرأ» لا محل لها من الإعراب.

ولفت إلى أن المعرض جاء ثريا ومتنوعا بكل صنوف كتب المعرفة والثقافة والفكر والعلوم ولكافة شرائح المجتمع، ما يعني أن قراءة الكتاب الورقي تمر بحالة جيدة من خلال هذا الإقبال الذي يشهده معرض الكتاب هذا العام.

وزاد العليان أن المعرض بهذا الشكل يؤكد أن صلة القارئ بالكتاب الورقي لن تنتهي مهما تعددت وسائط القراءة الأخرى، الأمر الذي يحفز دور النشر على الاستمرار في صناعة ونشر الكتاب. وقال: «أنا عند موقفي من أن الكتاب لن يموت كما أن القراءة لن تنتهي، ولذلك فإن حرص المسؤولين على المعرض في السعودية سيساعد على تثبيت هذه الحقيقة».

وأوضح أنه من منطلق عمله في المشروع الثقافي لتجديد الصلة بالكتاب، فإن الكتاب كان دائما موضع الاهتمام لدى القراء على مختلف مذاهبهم الفكرية والثقافية والأدبية، مؤكدا أن الكتاب ما زال رافدا مهما في نهضة المجتمع بكل أطيافه وشرائحه، مشيرا إلى أن هذا المعرض يعزز الهدف من مشروع تجديد الصلة بالكتاب.

الروائي والكاتب والإعلامي خالد خضري اتفق مع سابقيه على أن معرض الرياض للكتاب لهذا العام كان غير سابقيه من حيث التنظيم والتجديد والتنويع، مبينا أن هذا الإقبال من قبل الزوار لهذا المعرض بمثابة استفتاء لبقاء الكتاب الورقي. وأضاف أن المنجز الثقافي والأدبي السعودي ليس له من وسيط منافس أكثر من الكتاب الورقي على الأقل في الوقت الراهن، مبينا أنه سيستمر في التدفق من معرض إلى آخر ومن بلد إلى آخر على مدى ليس من الزمن بالقصير، مشيرا إلى ضرورة تضافر الجهود للتغلب على التحديات التي تواجه صناعة ونشر الكتاب الورقي مع تطوير وسائل تخزينه وتوزيعه وتسويقه، متوقعا زيادة مبيعات المعرض لهذا العام عن سابقه.

وقال خضري: «إن زوار المعرض على مختلف أعمارهم يجددون ثقتهم بالكتاب الورقي حسب اهتماماتهم، فالقارئ النخبوي يبحث عن كتاب نخبوي يشبع رغبته، والقارئ الناقد يتجول في مضمون الكتاب ليرى ما يمكن أن يثيره من أدوات ومذاهب نقدية، فيما القارئ العادي يتجول بين عنوان وآخر حتى يجد ضالته، سواء كانت رواية أو كتابا دينيا أو ديوانا شعريا أو إلى ما ذلك من اهتمامات».

ونوه بأن المعرض أصبح قبلة لتسويق الكتاب أيضا بجانب ما يقام على هامشه من فعاليات ومحاضرات وندوات ثقافية وفكرية واجتماعية، مبينا أن بعض القراء يجدون في المعرض ضالتهم التي بحثوا عنها لوقت طويل في المكتبات دون العثور عليها.