«التفحيط».. ظاهرة استعصت على الأجهزة المعنية ووضعت الطرقات السعودية بين الأخطر عالميا

المسؤول الأكبر عن تسجيل المملكة 7 آلاف وفاة و13 مليار ريال خسائر سنوية

رغم كل الجهود الحكومية والتوعية المبذولة للحد من تفاقم انتشار ظاهرة التفحيط بين الشباب السعودي فإن الشوارع تشير إلى غير ذلك (تصوير: خالد الخميس)
TT

يستفيق سكان السعودية صباح كل يوم على عناوين مفجعة تتصدر الصحف ووسائل الإعلام تحمل أرقاما حول عدد ضحايا الحوادث المرورية التي تحدث في الغالب بسبب مخالفات يرتكبها بعض السائقين المتهورين بدعوى الإثارة والبحث عن المتعة عن طريق الاستهانة بحياة الآخرين في طرقات المدن السعودية، أو ما يسمى محليا بـ«ظاهرة التفحيط».

وتشير آخر الإحصائيات المعلنة إلى خسارة المملكة أكثر من 13 مليار ريال سنويا نتيجة الحوادث المرورية، حيث تحصد حوادث السير في السعودية أكثر من 7 آلاف شخص كل عام، ووصل عدد الحوادث المرصودة في العام المنصرم لأكثر من 544 ألف حادث مروري تسببت في وفاة 7153 شخصا، وإصابة ما لا يقل عن 40 ألف مصاب، بمعدل 64 حادثا كل ساعة، وبمعدل 20 قتيلا في اليوم.

فيما يقدر جهاز المرور بالبلاد التلفيات في المركبات بـ9 ملايين و400 ألف مركبة، انعكس أثرها على الطاقة الاستيعابية للطرق، وبالتالي ازدياد الزحام المروري، يضاف لذلك ثقافة الاستهتار المنتشرة لدى الكثير من الشبان، الذين يعتبرون «التفحيط» موهبة يمكن ممارستها، مما يجعل الأرقام المذكورة تتزايد يوما بعد يوم.

ورغم سعي الجهات المختصة للبحث عن حلول لهذه الظاهرة الخطيرة، سواء من خلال إقرار عقوبات تصل إلى السجن في بعض الأحيان، وكذلك فرض غرامات مالية للجم هذا التهور الذي يقود إلى مآس في البلاد، فإن الواقع يقول إنها في تزايد.

وفي هذا الإطار أعلن اللواء عبد العزيز أبوحيمد المدير العام لإدارة مرور منطقة الرياض أن دراسات تجرى لإقرار أحكام تعزيرية صارمة ورادعة لمعاقبة «المفحطين»، وقال أبوحيمد إن المرور رصد تدنيا في بلاغات «التفحيط» في منطقة الرياض. وعزا ذلك إلى ما تم إقراره مؤخرا من صلاحيات أكثر حزما للحد من هذه الظاهرة. وأضاف أن وزارة الداخلية - ممثلة في جهاز المرور - تعمل على القضاء على ظاهرة التفحيط منذ أعوام عدة، لما سببته من أضرار.

ومع تزايد الظاهرة تم العمل على تنظيم جديد يتيح لرجال المرور في الميدان «استخدام القوة» في التعامل مع عدد من المخالفات الخطرة التي يتم ارتكابها، خصوصا بعدما لاحظت الجهات الأمنية والمرورية انتشار ظاهرة إخفاء أرقام وأحرف بعض لوحات المركبات، وغيرها من الممارسات التي تشكل خطرا أمنيا.

ولأن بعض المخالفين لا يستجيبون لنداء رجال المرور فإن الأمر يحتم توقيفهم بالقوة وعدم تمكينهم من الهرب، لذا صدرت التعليمات باستخدام مركبات المرور السري لمتابعة المخالفات، على أن يتم استخدام أكثر من سيارة لإيقاف المركبات المخالفة.

إلا أن ظاهرة التفرد بالطريق واعتبارها حقا مكتسبا بالنسبة للبعض يقابله التشدد من قبل رجال المرور، حيث يوضح الناطق الإعلامي للمرور في المنطقة الشرقية المقدم علي الزهراني لـ«الشرق الأوسط» أن الظواهر المرورية السيئة التي تسهم في الحوادث المفجعة تشمل القيادة المتهورة والتفحيط والسرعة الزائدة داخل أو خارج المدن.

وزاد: «إن من أهم المخالفات المتسببة بتلك الحوادث، قطع الإشارات المرورية والقيام بالسباق ما بين سيارتين أو أكثر في شوارع المدن، وقيادة صغار السن لعدم خبرتهم أو السائقين الجدد، والسير بالسيارة في عكس الاتجاه، واستخدام الجوال أثناء القيادة، أو الانشغال بأشياء أخرى».

ويقول الزهراني: «إن ما لم يذكر من مخاطر يرتكبها بعض الشباب يمكننا أن نتجنبها إذا تذكرنا قوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)».

ومن اللافت أن نسبة كبيرة من المتورطين في هذه الحوادث، بحسب الناطق باسم مرور الشرقية، هم من فئة الشباب الذين يقودون سياراتهم بسرعات جنونية، بالإضافة إلى عدم التزامهم بقواعد السير والمرور، مضيفا: «ينتج عن ذلك خسائر لا تعوض بثمن، وتظهر هذه الإحصاءات أن السرعة هي السبب الأول في وقوع هذه الحوادث التي يكون ضحيتها عشرات المواطنين سنويا، ومئات المصابين بعضهم يتشافى والبعض الآخر يحمل معه عاهة مستديمة».

وعلى حد وصف الزهراني فإن من أبرز أسباب ظاهرة زيادة الحوادث المرورية وجود جوانب مهمة متعلقة بشخصية الشاب نفسه، وأداء الأسرة ومؤسسات المجتمع المدني تجاه الشباب، إذ إن غياب الرقابة الأسرية عن ملاحظة سلوك أبنائها أفرز ظواهر سلبية، مثل تجاوز السرعة المسموح بها وعدم الانضباط بالقواعد المرورية والاستهتار بحقوق السائقين الآخرين والمارة، وتتحمل الأسرة دورا مهما في توجيه أبنائها ومتابعتها لهم.

ويشير المتحدث الإعلامي باسم شرطة المرور في المنطقة الشرقية إلى استهتار بعض الآباء بسلامة الآخرين من خلال سماحهم لأبنائهم غير الحاصلين على رخصة السياقة، بقيادة السيارة.

وأضاف: «البعض الآخر يكافئ ابنه بآخر موديلات السيارات الرياضية المهيأة بمحرك قادر على التسارع في وقت قصير جدا».

ويحث الزهراني على أهمية تعميق الوعي بالثقافة «المرورية» لدى السواق والشباب، وتنشئة الأطفال والناشئة في وقت مبكر على السلوك السليم، لكيفية التعامل مع الطريق، وأن لا يقتصر ذلك على الأسس النظرية فقط، بل يتعدى إلى الممارسة العملية.

ويقول أحد الشباب الذين التقتهم «الشرق الأوسط» إن تهور الشباب في السياقة نتيجة سعيهم لتحقيق المتعة وإرضاء الذات، وبعضهم يصرح أنه يعيش فراغا يدفعه إلى قضاء وقته مع «لعبة الموت» حين يتسابقون بسيارتهم أو دراجاتهم النارية، من دون اعتبار للقواعد المرورية، ويعكس ذلك قصور المؤسسات المعنية بشؤون الشباب عن الوصول إلى هذه الفئة المهمة واحتضانها لهم، وتقديم البرامج الثقافية والرياضية التي تفيدهم وتبعدهم عن شبح الحوادث المرورية.

ويرى البعض أن إدارة المرور تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية في مراقبة الخارجين عن أنظمة المرور، وعدم التساهل مع المخالفين، ويعتقد أن الحملات المرورية التي تقوم بها الإدارة لضبط المخالفين غير منتظمة، ولا تشمل جميع المناطق.

ويحرص الكثير من الشبان المتهورين في قيادتهم في حال رؤيتهم لسيارات شرطة المرور الالتزام والانضباط؛ خوفا من العقوبة، لكن عدم تغطية جميع الطرق في المملكة يراه آخرون فرصة يمكن استغلالها لممارسة هوياتهم المنبوذة من المجتمع.

ورغم المبادرات الحكومية الهادفة للحفاظ على الأرواح وخفض معدلات الازدحام على شوارعها، فإن طرق المملكة العربية السعودية تصنف بين الأخطر على مستوى العالم، حيث بلغت معدلات حالات الوفاة الناجمة عن حوادث الطرق 19 حالة في اليوم، بحسب أحد الخبراء في قطاع الطرق.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن سكان منطقة الخليج معرضون للموت بحوادث السيارات أكثر بسبع مرات من نظرائهم في المملكة المتحدة، ويأتي العامل الأساسي في حوادث الطرق السلوكيات المتهورة والطائشة للسائقين الشباب أصحاب النسبة الأعلى على الطرق في المنطقة، الذين تقودهم غرائز ودوافع قوية للسرعة الجنونية.