6 جهات حكومية تشرف على تصحيح أوضاع الجالية البورماوية

الملك عبد العزيز داوى جراحهم ومنحهم هوية «مجاور للعبادة»

عدد من أبناء الجالية البرماوية أمام مقر لجنة تصحيح أوضاعهم (تصوير: أحمد حشاد)
TT

كتبت السعودية تاريخا جديدا في تصحيح أوضاع الجالية البورماوية، من خلال تعديل الإجراءات النظامية التي بموجبها أعلنت وزارة العمل أن نسبة السعودة في المؤسسات العمالية هي 4 من الجالية البورماوية مقابل السعودي الواحد.

وبدأت مؤشرات التعديل بإشراف 6 جهات حكومية على جميع الإجراءات بغية كفالة الجالية لتصحيح أوضاعها، حيث ذكرت مصادر أمنية أن أفراد الجالية البورماوية بدأوا بالتوافد تمهيدا لاستكمال إجراءاتهم بغية تصحيح أوضاعهم، حيث حُددت أعدادهم من قبل الجالية لتجربة تطبيق الإجراءات، حتى يتم استقبال أعداد أكبر في الأسابيع المقبلة.

وقال الشيخ أبو الشمع عبد المجيد، شيخ الجالية البورماوية: «بدأنا استقبال 150 أسرة يوميا ولمدة 3 أيام كنوع من التجربة، لمعرفة وقياس حجم الأسر التي قد نستطيع استقبالها في اليوم، والحمد لله كان الترتيب جيدا، وتم احتواء الأسر البورماوية الـ150 في خلال ثلاث ساعات ونصف الساعة تقريبا».

وأضاف أبو الشمع أن المؤشرات الأولى في تصحيح الأوضاع جيدة وممتازة، و«من الممكن أن نتجاوز رقم 500 أسرة في اليوم، لأنه متى ما كان التنظيم واستيعاب الراغبين في تعديل أوضاعهم من الجالية البورماوية جادا، فسيفضي ذلك إلى السهولة في العمل»، متوقعا أن يتم الانتهاء من تصحيح أوضاع جميع البورماويين في السعودية قبل انتهاء المدة المحددة لذلك، وهي 90 يوما، أو 3 أشهر».

وعن آلية التصحيح والخطوات التي يتبعها الشخص من الجالية البورماوية حتى يتم الانتهاء من تصحيح وضعه، قال أبو الشمع: «هناك خطوات كنا قد اتخذناها قبل بدء إجراءات التصحيح، وهي خطوات قد نطلق عليها مسمى (الإعلام) أو (المعرفة بخبر التصحيح)، حيث عمدنا إلى عدة خطوات لنصل إلى كل أفراد الجالية البورماوية في السعودية».

وأشار أبو الشمع، قائلا: «بدأنا في الاتصال الشخصي بأبناء الجالية، عن طريق مجلس الحي، للتنسيق في كيفية الذهاب إلى الخيمة التي نصبت لإجراءات التصحيح والموعد المحدد لذلك، بالإضافة إلى أنه وضعنا موقعا على الشبكة العنكبوتية، ووضعنا فيها الأسماء المحددة التي سوف تذهب إلى الخيمة لتصحيح أوضاعها، وهناك خطوات أخرى سهلت علينا الوصول إلى كل بورماوي، وإعلامه بموضوع التصحيح».

أما فيما يتعلق بآلية التصحيح، قال أبو الشمع: «أول خطوة، عندما يأتي الشخص إلى الخيمة يتم تطعيمه، ومن ثم الكشف عليه طبيا، ومعرفة ما به من أمراض، وإعطاؤه العلاج المناسب لحالته المرضية، ومن ثم يتم توجيههم بحسب الألوان الموجودة في الخيمة، التي تعنى بالتقسيم السكني للبورماويين في دولتهم في (أراكان)، ومن بعدها يحصل الشخص البورماوي على استمارة تحديد الهوية مختومة بختم شيخ الجالية البورماوية، حيث سيتم الاتجاه إلى إدارة الجوازات هو وكفيله لاستكمال الإجراءات اللازمة في هذا الشأن».

وحول ما إذا كان هناك تنسيق مع وزارة العمل في تحديد المهن المناسبة لأبناء الطائفة، قال أبو الشمع: «لدينا نحن في الجالية قاعدة بيانات كاملة لكل أبناء الجالية، حيث يتم الجلوس مع الأبناء بعد بلوغهم السن التي يسمح لهم بالعمل فيها، ومعرفة توجهاتهم المهنية ومهاراتهم، ومن ثم يكون هناك تنسيق مع مكتب العمل لإيجاد الفرص الوظيفية المناسبة لأبناء الجالية البورماوية التي يتم الاستفادة منها في تحقيق أهدافهم المنشودة».

قصة الجالية البورماوية ونزوحها إلى مكة المكرمة مرت بتراجيديا طويلة شهدت انعطافات الدم، والتهجير، والاغتصاب، حتى العاصمة المقدسة التي داوت جراح الطائفة البورماوية، المتخمة بالويلات والثبور، حيث قامت السعودية باحتواء عدد كبير منهم، وسمحت لهم بالعيش وفق أوراق رسمية سعودية تكفل لهم حرية التنقل والعمل والحياة الكريمة.

أكمل الدين إحسان أوغلي الأمين لمنظمة التعاون الإسلامي السابق، وقبيل انتهاء رئاسته، صرح بتخاذل المجتمع الدولي إزاء ما يتعرض له مجتمع بورما، إزاء عدم قيامه بأي تحرك لإيقاف المذابح والانتهاكات والظلم والتطهير العرقي الذي تمارسه حكومة ميانمار ضد المسلمين في إقليم أراكان.

وفي سياق متصل، قال الدكتور علي الأنصاري، باحث في العلاقات الدولية في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن الشعب البورماوي مر بتعرجات سياسية وعرقية خطيرة ما أنصفه إلا السعوديون قيادة وشعبا، مؤكدا أن التاريخ كان شاهدا على آلات القتل والتشريد للمسلمين في ميانمار (المعروفة سابقا باسم «بورما»)، من قبل الديكتاتورية العسكرية بقيادة الجنرال ثان شوي، وهي شخصية طائفية محتقنة دينيا، تعطي أوامرها دائما بإبقاء المجلس العسكري الحاكم رقابة صارمة على الشعب البورمي، مستندة على قمع حرية الصحافة، والحد من الوصول إلى شبكة الإنترنت، واستخدام تكتيكات، مثل حالات الاختفاء والتعذيب، والاغتصاب المنظم، والإعدام خارج نطاق القانون للتعامل مع المعارضين.

وأضاف الأنصاري: «كل من عارض الحزب الحاكم كان مصيره القتل والإرهاب، حيث تقود السيدة أونغ سان سو كي حزب المعارضة المحظور، مع حكومة الائتلاف الوطني لاتحاد بورما، وهي ذاتها التي حصلت على الانتخابات الرئاسية الديمقراطية الفاشلة في ديسمبر (كانون الأول) من عام 1990، ومنذ ذلك الوقت، ظلت تلك السيدة واحدة من المعارضين الذين رزحوا تحت الإقامة الجبرية من قبل المجلس العسكري».

وأشار أستاذ العلاقات الدولية إلى أن ميانمار على الأرجح نحو 55 مليون نسمة، على الرغم من أن تعداد الأرقام بها أمر لا يمكن الوثوق به، نظير حالات التشريد والعنف والاضطهاد، مؤكدا أن ميانمار هي مصدر كل من العمال المهاجرين (عدة ملايين في تايلاند وحدها)، واللاجئين (مجموع اللاجئين البورميين أكثر من 300 ألف شخص في تايلاند المجاورة، والهند، وبنغلاديش، وماليزيا).

وأفاد الأنصاري بأن الحكومة في ميانمار تعترف رسميا بـ135 مجموعة عرقية، نحو 68 في المائة. الأقليات كبيرة تشمل شان 10 في المائة، كايين 7 في المائة، راخين 4 في المائة، والصينية العرقية 3 في المائة، الاثنين 2 في المائة، والهنود العرقية 2 في المائة، هناك أيضا أعداد صغيرة من كاشين، الأنجلو الهنود، والذقن.

بدوره، أبان حسن الجميعي، اختصاصي علم الاجتماع لـ«الشرق الأوسط» أن المسلمين في ولاية راكين في بورما الغربية تعرضوا لهجمات واعتقالات من الأيام الأولى التي تلت اندلاع العنف الطائفي، بحسب ما أوردته منظمة العفو الدولية، وقد أعلنت حالة الطوارئ في ولاية راخين في يونيو (حزيران)، بعد اشتباكات دامية من البوذيين على المسلمين.

وقال الجميعي: «أدت مأساة مسلمي بورما في عام 1948، حيث دخلت القوات البورمية دولة أراكان، التي تتمتع بحكم إسلامي منفصل، وتمكنت من احتلالها بالقوة عبر سلسلة من المذابح الإجرامية، ومارست أبشع صور التهجير العرقي بطرد أكثر من مليوني مسلم إلى بنغلاديش المجاورة، ولم تسمح بعودتهم حتى الآن، وتفرض السلطات البورمية أبشع صور العزلة على مسلمي بورما، منذ وصول الحكم العسكري الشيوعي إلى سدة السلطة عام 1962».

وأفاد الجميعي: «منذ ذلك التاريخ، قامت بتشريد مئات الآلاف من المسلمين، وسحبت منهم الجنسية البورمية بالادعاء أنهم مستوطنون جاء بهم الاحتلال البريطاني من الدول المجاورة، ووسط التعتيم الإعلامي الشديد، فهناك ملايين المسلمين في أراكان يتعرضون لعملية إبادة ممنهجة وتُغتصب نساؤهم ويقتل أطفالهم، أما القضية الحالية فبدأت منذ أكثر من شهرين، حيث بدأ الموغ (إحدى الطوائف البوذية) في قتل 10 من علماء المسلمين، ثم تسليح عامة الشعب البوذي من مخازن الأسلحة، وبدأ قتل المسلمين، الذين يحظر عليهم حمل السلاح، وحتى الأسلحة البيضاء.

وقال صلاح عبد الشكور، أحد المدافعين عن الجالية البورماوية، إن الأقلية المسلمة لا تزال تواجه أعتى أنظمة الظلم والطغيان والتمييز الديني في تلك المنطقة، حيث لا تسمح الحكومة ببناء المساجد والمدارس وترميمها ورفع الأذان فيها أو إقامة أي محاضرات أو ندوات أو نحر الأضاحي، كما لا تسمح الحكومة بالتنقل من قرية إلى قرية أخرى، فضلا عن منطقة إلى منطقة، إلا بورقة رسمية صعب المنال.

وأشار عبد الشكور فيما يختص بالجانب التعليمي، إلى أنه لا تسنح لأبناء المسلمين الفرصة لإكمال الثانوية إلا 5 في المائة، والجامعة إلا بنسبة 1 في المائة، ولا يُسمح لهم بالسفر إلى الخارج للتعليم، وأما حق الوظيفة للمسلمين في أراكان بورما، فلا يوجد مطلقا في أي مجال؛ سواء في التعليم أو في العسكرية أو غير ذلك، في ظل انتشار الفقر والغلاء في أراكان بورما نتيجة البطالة وفرض الرسوم الهائلة على الأنشطة التجارية في ميانمار.

وقال عبد الشكور إن هذا الوضع المتأزم الذي تصاعد فجأة يدعونا لأن نطلق صرخة مدوية في وجه العالم الإسلامي على وجه الخصوص للقيام بواجب النصرة لهؤلاء المسلمين، ونستصرخ كل المنظمات والهيئات الإنسانية والحقوقية، ونناشد رابطة العالم الإسلامي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرهما من المنظمات المهتمة بقضايا المسلمين لكي يؤدوا دورهم وواجبهم تجاه هذا الظلم المتنامي.

وزاد بالقول: «على العالم أجمع أن ينصر هذا الشعب، ويؤازر هذه الأقلية المسلمة، كي لا تمحى من الوجود، وصيحة أخيرة في أذن كل إعلامي مسلم؛ بأن لا يدع هذه القضية تمر كما مرت قضية (الأراكانيين الروهانغ) منذ بدايتها دون أن تصل إلى سمع العالم وأذنه، ودون أن تؤثر في مجريات الأمور، حتى شُرّد شعب مسلم بكامله؛ فالقضية قضية دين وشعب مسلم يتعرض لإبادة واضطهاد ممنهجين».