«التنمر» ينمو في مدارس التعليم السعودية وسط تحذيرات المختصين

تحرك حكومي للاستعانة بـ«برامج التدخل» للحد منه

ظاهرة «التنمر» تتخذ أشكالا متعددة وتكثر في الأوساط الذكورية («الشرق الأوسط»)
TT

تتخذ ظاهرة التنمر والسلوك العدواني بين الأقران بمدارس التعليم العام منحى خطيرا، بعد تعدد حالاته المسجلة، يأتي ذلك وسط تحذيرات أطلقها اختصاصيون نفسيون وتربويون من انتشار الظاهرة بين الطلاب والطالبات على حد سواء، خاصة في المرحلة المتوسطة، منادين بضرورة تعاون الأسرة إلى جانب المدرسة للحد منه، والقضاء عليه لا سيما أن تبعاته وأضراره تستمر لمراحل لاحقة.

وشدد الدكتور خالد طه اختصاصي نفسي على أهمية معالجة ظاهرة التنمر في سن مبكرة قبل أن يتمكن من الأطفال، مبينا أن خطره قد يمتد إلى مراحل عمرية متلاحقة، وقد يصل إلى الأسرة والمجتمع وليس على مستوى المدرسة فقط، وقد يصعب علاجه في حالات متأخرة.

وأوضح طه أن أسباب التنمر تكمن في إهمال الأسرة للطفل؛ مما يؤدي إلى تدني مستواه الدراسي، فيسعى لتعويض ذلك الفشل أو التقصير من خلال السلوك العدواني، إضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بضعف مهارات الطالب الاتصالية مع غيره، أو عدم قدرته على الاندماج مع المجتمع.

وتعد ظاهرة التنمر من المشكلات التي تزيد في مجتمع الذكور عن الإناث، من خلال أشكال متنوعة، وتتمثل في المجتمع الذكوري بالاعتداء النفسي، كالسيطرة واحتكار الألعاب أو الأدوات المدرسية والألفاظ البذيئة، فيما تظهر لدى الإناث بالإيذاء اللفظي والإشاعات، إلا أنها امتدت لتصل إلى الإيذاء البدني لدى بعضهن.

وأوضحت ابتسام أبو صفية المرشدة الطلابية في المرحلة المتوسطة، أنه خلال السنوات الأخيرة باتت تشهد سلوكيات عنيفة من قبل بعض الطالبات تجاه الأخريات، تتعدى الألفاظ السيئة وتصل إلى الضرب والعنف الجسدي بينهن.

وزادت «للأسف المشكلة تتفاقم وتزيد سنة تلو الأخرى بين الطالبات، وقد تصل أحيانا إلى عوائلهن»، لافتة إلى أن هناك محاضرات وندوات تنظم للطالبات، تتمحور حول خطورة تلك الظاهرة وأثرها السلبي، كما أن المدرسة تقوم بتنظيم ملتقيات للأمهات؛ لتوضيح هذه الظاهرة وخطورتها على الطالبات والمجتمع، من خلال التطرق للأسباب واستعراض بعض الحلول.

من جهتها لفتت الدكتورة نورة القحطاني أستاذ أصول التربية المساعد بجامعة الملك سعود، إلى ضرورة أن يساهم المجتمع بكافة هيئاته للبحث بالشكل المطلوب والكافي حيال ظاهرة التنمر المنتشر بين الطلاب والطالبات، وإيجاد برامج تدخل مدرسي لمنعه وإيقافه.

وقالت القحطاني «قمت بإجراء دراسة مسحية على طلاب وطالبات المرحلة المتوسطة بمدينة الرياض، للتعرف على حجم ظاهرة التنمر بين طلاب وطالبات المدارس الحكومية والأهلية، وما هي العوامل التي تساعد على انتشارها، كما تطرقت إلى خصائص الطالب المتنمر والطالب المتنمر عليه».

وكشفت دراسة القحطاني التي تعتبر الأولى من نوعها على مستوى الوطن العربي والمحلي، إلى أن أسباب الظاهرة تتمثل في أسلوب التربية الخاطئ للأبناء، إضافة إلى غياب التوجيهات السلوكية الواضحة من الوالدين، وعدم الإحساس بالأمان والاستقرار العاطفي في الأسرة والنزاع المستمر بين الوالدين.

وحول العوامل المدرسية التي تؤدي إلى التنمر، بينت القحطاني أنها تتمثل في الافتقار إلى سياسات تأديبية وجزاءات واضحة تجاه سلوكيات المتنمر، وعدم وجود برامج لحل النزاعات تتبناها المدرسة يدرب عليها أعضاء هيئة التدريس، إلى جانب ضعف الإرشاد الطلابي وعدم فعالية دور الاختصاصي الاجتماعي في مواجهة الظاهرة.

وأوضحت أستاذ أصول التربية المساعد بجامعة الملك سعود أن للطلبة المتنمرين خصائص وصفات تتمثل في الغرور وقوة الشخصية، والرغبة في إبراز القوة ولفت الانتباه وحب الاستعراض، إلى جانب تحقيق الهيبة والنفوذ وسط جماعة الأقران.

فيما تتصف شخصية الطالب المتنمر عليه بصغر السن أو ضعفه بين زملائه، واستسلامه للمتنمر رغم تميزه الأكاديمي، إضافة إلى قصوره في مواجهة المواقف الصعبة، ومهارة الاعتماد على الذات خاصة أن جوانب ضعفه تكون معروفة عادة لدى المتنمر.

وتختلف أنماط التنمر الجسدية الشائعة بين الطلاب والطالبات، فتتمثل في مجتمع الطلاب بالركل والدفع والتجاذب والحبس، إضافة إلى سرقة النقود، فيما تتمثل بين الطالبات في سرقة بعض الممتلكات أو إتلافها، أو شد شعر الضحية ودفعها بقوة.

وحول الآثار الناتجة عن التنمر بينت أن تدهور الحالة النفسية للضحية، والخوف والقلق والرهبة من المدرسة تعتبر من الآثار السلبية التي تصيب المتنمر، إضافة إلى فقدان الضحية لتقديرات الذات الذي قد يمتد لمراحل عمرية لاحقة، وانعدام التعاطف والاحترام بينهم.

وحول الإجراءات التي تتبعها المدرسة عادة لمواجهة التنمر، أوضحت القحطاني أنها لا تتعدى الفصل، أو قد تتمثل في فض النزاع بين الطلاب، وتوبيخ المتنمر منفردا أو أمام الطلاب، وأحيانا تكتفي المدرسة بالإصلاح بين الطرفين وإنهاء المشكلة وديا.

وشددت على أهمية الاستعانة ببرامج التدخل العالمية الملائمة لمنع التنمر بين الطلاب والطالبات، من بينها برنامج ألويس لمكافحة التنمر، والذي يمكن تطبيقه على مستوى المدرسة والفصل والمستوى الفردي لمواجهة هذه الظاهرة، والتقليل من آثارها على المتورطين فيها.

وأشارت إلى أن ظاهرة التنمر قد حظيت باهتمام كبير بين المهتمين في جميع دول العالم، كإنجلترا وغيرها من دول أوروبا الغربية، وأميركا الشمالية، وأستراليا، ونيوزلندا، إذ يعد أكثر أشكال العنف والعدوان انتشارا في المدارس، وله آثاره السلبية على نفسية الطلاب، وعملية التعلم، والمناخ العام للمدرسة. وقالت: كشفت دراسة قام بها ألويس وسولبرج عام 2002 في مدينة بيرجن بالنرويج أن 10% من التلاميذ كانوا من ضحايا التنمر بشكل مباشر، في حين كان 80% منهم قد لاحظوا نوعا من أنواع التنمر في بعض الأوقات يحصل داخل المدرسة.

وفي دراسة أجريت عام 2011 بألمانيا كشفت أن ظاهرة التنمر تحدث في سن أصغر خاصة في المدارس الابتدائية، وأنه تم تصنيف ما يقارب 10% من الأطفال على أنهم متنمرون و17% كضحايا له، و17% على أنهم متنمرون وضحايا في نفس الوقت.

ويعود تنامي الاهتمام بظاهرة التنمر في المدارس وتطور الدراسات حولها إلى عدد من الأسباب منها الآثار المدمرة لهذه الظاهرة على ضحايا التنمر، وإلى وعي الأهالي بالظاهرة، وضغطهم على المدارس لوقفه، ووسائل الإعلام للتوعية به.