ذوو الاحتياجات الخاصة: عاقبوا الجهات التي لا تنفذ قرارات دعمنا وهيئوا لنا بيئة مشتركة

«الشؤون الاجتماعية» لـ «الشرق الأوسط»: تفعيل «المجلس الأعلى للمعاقين» تحت الدراسة

أصدرت الحكومة عددا من القرارت الملزمة لتقديم رعاية أفضل للمعاقين مثل الإعفاء من رسوم الاستقدام والدعوة لتسهيل تنقلهم على الطرقات وداخل الأجهزة الحكومية، إلا أن بعض الجهات تتجاهل تنفيذ تلك القرارات، وفي الصورة طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة في أحد مراكز التدريب في السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

تتجه وزارة الشؤون الاجتماعية لتفعيل دور «المجلس الأعلى للمعاقين»، الذي أقر منذ أكثر من 10 سنوات، ليكون مرجعا لتلك الفئة ويعمل على حماية حقوقهم ويوفر الرعاية والتأهيل لهم، كما كشفت الوزارة عن توجه جديد تسعى إلى تنفيذه بالتعاون مع جهات أخرى، يستهدف دمج فئة ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع سواء من ناحية التوظيف والتعليم والعلاج، بناء على توجيهات الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة مؤخرا بأن تكون المنطقة صديقة للمعاقين.

وبين لـ«الشرق الأوسط» عبد الله آل طاوي، مدير عام الشؤون فرع وزارة الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة، أن قرار إنشاء المجلس الأعلى للمعاقين ليس إشاعات، بل هو ضمن الخطط التي تعمل وزارته على تفعيلها خلال الفترة المقبلة، وقال: «القرار من ضمن الخطط الجاري تطبيقها قريبا»، لافتا إلى تفعيل بعض القرارات التي صدرت بحقهم رغم تأخرها، كقرار إعفائهم من رسوم الاستقدام الخاصة بالسائق والخادمة والممرض لهم، إلى جانب صرف السيارات الخاصة بهم دون رسوم.

ولفت آل طاوي إلى أن وزارته معنية بكل ما يخص ذوي الاحتياجات الخاصة، ومسؤولة عنهم، مبينا أن البعض من هذه الفئة يتم تقديم الدعم لهم عن طريق مراكز التأهيل، والبعض الآخر يقدم لهم إعانات وهم في منازلهم، لافتا إلى أن أكبر دعم يقدم في مجال التوظيف هو ما يخص فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، وقال: «أكبر دعم في التوظيف هو ما يقدم لتلك الفئة، حيث يتم احتساب الفرد منهم بأربعة أشخاص».

وكشف آل طاوي عن استحداث برامج جديدة لذوي الاحتياجات الخاصة، من بينها برنامج «اكتشاف مواهب ذوي الاحتياجات الخاصة»، ويهدف إلى التعرف على ما تمتلكه تلك الفئة من مواهب مبكرا ومساعدتهم على تنميتها وتقديم الدعم لهم بالتعاون مع الجهات الخاصة.

وحول كيفية آلية دمجهم في المجتمع في ظل عدم تهيئة البيئة لهم، لفت آل طاوي إلى أن هناك توجهات جديدة في جميع الجهات لتهيئة البيئة لتلك الفئة، خاصة بعد مبادرة الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة لتكون المنطقة صديقة للمعاق، وقال: «من ضمن بنود تلك المبادرة ألا تعطي (الأمانة) أي ترخيص لأي منشأة سواء مبنى أو مسجد أو غير ذلك إلا إذا تم تجهيزها بمرافق وممشى خاص للمعاق».

جاء ذلك في الوقت الذي طالب فيه ذوو الاحتياجات الخاصة بضرورة تفعيل القرارات الصادرة بشأنهم منذ عشرات السنين، مستنكرين تأخير تنفيذها، ومبدين اعتراضهم على الآلية التي يتعامل بها المعنيون في تنفيذ القرارات معهم.

وأكدوا أن أسباب تأخير القرارات الخاصة بهم يرجع إلى عدم وجود جهة تتابع التنفيذ والتطبيق، متسائلين عن غياب وزارة الشؤون الاجتماعية كونها الجهة المسؤولة عنهم، وقالوا خلال حديثهم لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كانت وزارة الشؤون الاجتماعية هي الجهة المعنية والمسؤولة عن ذوي الاحتياجات الخاصة، فلماذا تترك الجهات الأخرى تتخبط بنا وتهمل قراراتنا؟».

وأوضح يحيى السميري، من ذوي الاحتياجات الخاصة ويعمل موظفا بوزارة الصحة، أن الحديث عن دمج ذوي الاحتياجات الخاصة كثر في الفترة الأخيرة، متسائلا كيف يتم الحديث عن الدمج دون تهيئة البيئة لذلك! وقال: «كيف يقولون إنهم سيساعدوننا وهم أول من وضع العوائق أمامنا».

وأضاف: «نعلم أنه من الصعب تهيئة جميع الأماكن، ولكن على الأقل يتم إلزام المنشآت الحكومية والقطاعات الخاصة بتلك الاشتراطات وفرض العقوبات في حال عدم التزامها التطبيق، مؤكدا أن تأخير تطبيق قرار تهيئة البيئة العمرانية الصادر منذ أكثر من 20 عاما لم يطبق لأن هذا القرار لم يعزز بعقوبة، وبالتالي لا يمكن أن نلزم أحدا تطبيقه لأنه لا يوجد مادة قانونية تسمح للمعاق بأن يقاضي صاحب المبنى إن لم تتوافر فيه الاشتراطات.

واستطرد السميري في سرد معاناته عند الذهاب لأداء صلاة الجمعة في المسجد غير المهيأ لذوي الاحتياجات الخاصة، إذ لا يوجد موقف لسيارته، كما أنه لا يوجد مصعد أو منزلق لعربته، حتى إن دورات المياه لا تتسع لدخول كرسيه المتحرك، وقال: «نحن لا نطالب بأن تتوافر تلك الاشتراطات في جميع المساجد، على الأقل يقومون بتوفيرها في المسجد الرئيسي للحي حتى نتمكن من أداء صلاة الجمعة على الأقل» مستنكرا «عدم توافر مترجم للغة الصم في المساجد أثناء خطبة الجمعة».

وبين السميري أنه تم صدور أكثر من مشروع لتهيئة البيئة العمرانية لذوي الاحتياجات الخاصة، من بينها مشروع «تيسير» في جدة ومشروع «الوصول الشامل»، إلا أنه اعتبرها مجرد نسخ للقرار الصادر قبل 20 عاما دون تطبيق.

وأشار إلى قرار «رعاية المعاقين» الصادر عام 2000 الذي يندرج تحته عدة بنود، أهمها تهيئة وسائل النقل العامة، والنقل الجماعي، والطائرات وحتى الأرصفة لذوي الاحتياجات الخاصة، وللأسف لم تطبق، وقال: «للأسف، لا أحد يتخيل مدى معاناتنا وإحراجنا عندما يتم حملنا أمام الناس حتى نصعد أو ننزل من الطائرة، هذا بالنسبة لنا كرجال فما بالك بالنساء».

وأضاف: «جميعنا يعلم مدى اهتمام الغرب بالمعاقين، خاصة في وسائل النقل، التي عادة ما تكون مهيأة لخدمتهم أثناء إنشائها، فلماذا عندما تأتينا تلك المواصلات تأتي غير مجهزة لنا، الأمر الذي يعني أن المسؤولين لدينا يطلبونها وفقا لمقاييسهم هم، وليس لمواصفات ومقاييس الغرب التي تكون مجهزة لخدمة المعاق أو المسن».

كما أبدى السميري استياء من استثناء ذوي الاحتياجات الخاصة من نظام الترقيات بطريقة غير مباشرة، قائلا: «المعروف في نظام الترقيات أن هناك محفزات للترقية وأولويات للشخص الذي يأخذ دورة في معهد الإدارة العامة، ففي حال كان الموظف معاقا، سواء أعمى أو أصم أو يعاني إعاقة حركية - فلن يتمكن من أخذ دورة في المعهد لسبب بسيط وهو أن معهد الإدارة العامة أصلا غير مهيأ ولا مجهز للمعاقين من ناحية وسائل التواصل بطريقة برايل ولغة الإشارة»، وأضاف: «أنا من الأشخاص الذين تأخرت ترقيتهم لهذه الأسباب».

من جهتها، بينت سارة الغامدي، الناشطة في مجال حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، أن الموظفات السليمات غالبا ما تواجههم بعض المعوقات في مجال العمل، فكيف بالفتيات من ذوي الاحتياجات الخاصة، مؤكدة أن الصعوبات تكون مضاعفة بالنسبة لهم.

وقالت الغامدي: «غالبا ما تتوارى هذه الفئة عن الأنظار، خاصة إذا كانت إعاقتها ظاهرة، فهي لا تفضل العمل في الوظائف التي تحتاج اتصالا مباشرا مع الجمهور كالكاشيرات أو موظفات الاستقبال، ولن يتمكنوا من العمل إلا إذا تم تأهيلهم وتدريبهم نفسيا وعمليا لوقت كاف حتى يتمكنوا من تجاهل نظرات المجتمع، ويستطيعوا الانخراط في هذه الوظائف والدمج مع المجتمع».

وبينت أن من الأمور التي تمنع المعاقين من الخوض في مجال العمل إلى جانب جهل المجتمع بهم، هو انخفاض الأجور مقابل ساعات العمل الطويلة بالنسبة، متسائلة: «فكيف يتم احتساب ثمان ساعات عمل لهم كالموظف السليم المعافى، مطالبة بالنظر في تقليص ساعات عملهم كونه من الصعب، خاصة على المعاقين حركيا، الجلوس هذه الفترة الطويلة على كرسي متحرك».

بينما بينت آلاء حسن التي تعاني إعاقة حركية وظلت أربع سنوات تتنقل من عمل لآخر بحثا عن البيئة المناسبة إلى أن وجدت أن أفضل مكان تعمل فيه هو مراكز المعاقين، وقالت: «أغلب المراكز التي عملت بها لم تكن مهيأة ومناسبة لي».

وأضافت: «نحن غالبا نفضل العمل في مراكز المعاقين»، مبينة أن تلك المراكز تكون أصلا مجهزة ومهيأة تماما، لأن احتياجاتنا لا نجدها إلا في المراكز الخاصة»، واستطردت «على سبيل المثال، الكراسي الخاصة بالمعاقين تكون سليمة ومناسبة لنا فقط في هذه المراكز، ودون أن أطلب المساعدة أجد من يقدمها لي لأننا نعرف بعضا، ونعرف ما احتياجاتنا، وبما أنني أعمل في مركز معاقين فأنا بالنسبة لهم ليست حالة شاذة ولن ينظروا لي تلك النظرة التي تظهرني كأني كائن غريب».

وبالعودة للناشطة في حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، بينت أن المشكلة التي يعانيها ذوو الموظفين من ذوي الاحتياجات الخاصة هي جهلهم بحقوق المعاق، الذي هو في معظم الأحيان إنسان بسيط، خاصة أنه لم يتلق تعليما كافيا فيكون جاهلا بحقوقه، وقال: «لذلك، أوجه كلمة لجميع المعاقين بألا يسمح للشركات سواء الحكومية أو الخاصة باستغلاله، كونه مصدر قوة للشركة التي يعمل بها، حيث يتم احتسابه بأربعة موظفين».

وأضافت: «غالبا ما يخجل الموظفون من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة المطالبة بحقوقهم كأن تكون البيئة التي يعمل فيها مهيأة تماما، فيجب على المعاق ألا يستحي من المطالبة بذلك من خلال إرسال إيميل رسمي للجهة التي تعمل بها للنظر في كيفية معالجة الأمر».

إلى ذلك، استنكر السميري دمج المعاناة التي تقدمها وزارة الشؤون الاجتماعية بمبلغ 833 ريالا شهريا مع معونة «حافز» التي تقدم للعاطلين عن العمل من ذوي الاحتياجات الخاصة حتى تصبح جميعها 2000 ريال، متسائلا: «كيف يتم صرف معونة للشخص العاطل عن العمل السليم بقيمة 2000 ريال ويتم صرف المبلغ ذاته للمعاقين».

وتشير تقديرات أول مركز تأهيلي للمعاقين بالمملكة إلى أن نسبة المعاقين من إجمالي السكان السعوديين بلغت 0.8%، وأضاف الدعجاني أن (43.7%) من إعاقات السكان السعوديين تعود إلى أسباب خلقية، و(23.8%) إلى المرض، و(8.8%) إلى أسباب متعلقة بالولادة، و(6.9%) إلى أسباب متعلقة بالحمل، و(16.8%) إلى حوادث السير، كما يتوزع المعاقون بين الذكور والإناث، بنسبة (65%) للذكور، و(35%) للإناث، مبينا أن تلك الأرقام جاءت؛ وفقا لتعداد 1429 السكاني بالمملكة، بينما كشفت إحصائية صدرت في 2012 عن وجود 900 ألف حالة معاق في المملكة، بزيادة تقدر بـ8% عن عام 2011. وبلغت نسبة الأطفال بينهم «3838» ألف حالة، بما يعادل 6% من عدد الحالات، وتحتل الإعاقة الحركية النسبة الأعلى بين الإعاقات.