الأمطار والغبار يفرضان تغييرا في سيناريوهات السعوديين لعطلة الربيع

«المرور» يستنفر.. و«الأرصاد» تحذر.. والكساد يطغى على الأنشطة الترفيهية

التقلبات الجوية تسببت في احجام المواطنين على التنزه خلال الأيام الماضية (تصوير: خالد المصري)
TT

غبار متقطع، وأمطار غزيرة، ورؤية شبه معدومة، وتقلبات جوية متناقضة.. لحظات عاشت وتعيش تفاصيلها بعض مناطق السعودية هذه الأيام، أثرت في الحياة العامة، وفرضت تغييرا في خطط السعوديين لعطلة الربيع، كما تسببت في تعطيل مرافق سياحية ظلت تنتظر إجازة الربيع لترفع أرباحها منذ فترة طويلة، كما تسببت الأجواء في تقطع أداء سيارات الأجرة التي توقف بعضها عن العمل، وظل بعضها عالقا في مياه الأمطار.

وعلقت بعض المطاعم التي تقدم الوجبات المحلية أنشطتها، إضافة إلى كساد أصحاب الشاليهات والاستراحات الترفيهية التي غالبا ما يلجأ إليها سكان العاصمة، ما يعني أن تقلبات الجو أعادت صياغة الأماكن ورسم خريطة المناطق، والتي من الممكن أن يقضي المتنزهون فيها إجازة الربيع التي أصابها الشلل بعد أن أجبرت الحالة الطقسية المتنزهين على ملازمة منازلهم ومتابعة تقلبات الطقس.

وأكد فهد المسعود، صاحب مجمع استراحات، أن موسمهم بالكاد بدأ بتحقيق الأرباح بعد قرب رحيل فصل الشتاء، إلا أن موجة الغبار التي غشت معظم مناطق المملكة منذ أيام، عادت وأجبرت زبائنهم على المكوث في المنازل وعدم الخروج إلى الاستراحات التي تضررت بشكل كبير من الأجواء الحالية التي عطلت الحياة العامة للسكان، خصوصا أنها أتت في وقت حساس، وهي عطلة الربيع التي ينتظرها الجميع بفارغ الصبر، خصوصا أصحاب الاستراحات الذين ظلوا ينتظرونها، وأن البعض قام بتأجيرها قبل بدء الإجازة، إلا أنه تفاجأ بإلغاء الحجز والخروج بمكسب العربون الذي لا يتجاوز الـ30 في المائة من إجمالي قيمة الإيجار.

ويتوقع المسعود ألا تستمر الأجواء على ما هي عليه، رغم استمرارها منذ 4 أيام على التوالي، مؤكدا أن البعض يعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإلكترونية لتحديد الأجواء المستقبلية، التي غالبا ما تهول الأمور وتبشر بقدوم موجات أعتى من الحالية، وهي جميعها خالية من الصحة والمضمون، إلا أن لها أثرا سلبيا على إيراداتهم، باعتبار أن تجارتهم تتم عبر الحجز المسبق وليس الاستئجار الفوري، مشيرا إلى أن هناك عروضا قوية يقدمونها لا تتناسب مع الموسم، إلا أنهم يريدون الخروج من الموسم بأعلى سقف ممكن من الإيرادات.

ويشير صالح الخنفري، الذي يمتلك مجموعة من المخيمات في متنزه الثمامة البري يؤجرها لعشاق الرحلات البرية؛ إلى فراغ المخيمات تماما من الزوار، ويقول: «اقتلعت العواصف بعض الخيام والتجهيزات، وتسببت في اتساخ كثير منها وتعطيلها، وحولتها إلى مرافق غير قابلة للعمل، بل سيعاد تجهيزها ومعالجتها، وقضت على الرحلات البرية في عطلة الربيع، التي طالما كانت منجما لتحقيق الأرباح وجني الإيرادات منذ سنوات طويلة، بحكم صحو الأجواء واعتدال الطقس».

ويضيف الخنفري أن بعضا ممن حجزوا مخيمات في وقت مسبق اتصلوا به وأبلغوه بعدم مجيئهم، وأن مكاسبه من هذه الخطوة هو أخذ العربون الذي لا يتجاوز الـ50 ريالا، في الوقت الذي تسببت فيه هذه الموجة بخسارة كبيرة قدرت بـ8 آلاف ريال، بشكل مبدئي، مرشحا هذا الرقم للارتفاع في حال استمرت هذه الموجة، مشيرا إلى أن القادم للمتنزهات البرية يرى آثار الغبار على الأماكن الترفيهية هناك التي أصبحت شبه مهجورة، ما له آثار اقتصادية عليهم باعتبارهم يعملون في موسمين في العام فقط الشتاء والربيع.

من جانبه، حدد حسين القحطاني، المتحدث الإعلامي باسم الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة السعودية، مسببات تقلبات الأجواء بأنها مرحلة انتقالية طبيعية تحدث عند خروج فصل الشتاء ودخول الصيف والفصل الذي يفصل بينهما، وهو فصل الربيع الذي لا يتجاوز الشهرين، وغالبا ما يشهد رياحا نشطة وسحبا ماطرة في مشهد تتصارع فيه الأجواء بشكل سنوي، إلا أن الجديد في هذا العام هو زيادة معدل الأتربة بسبب الجفاف وضعف المسطحات الخضراء.

وحول توقعاتهم للأجواء خلال هذه الأيام، لفت القحطاني إلى التغيرات التي عادة ما تكون مفاجئة لا يمكن التنبؤ بها، إلا أنها تستمر إلى ما يقارب 20 يوما، وأن أكثر المناطق المتضررة هي الوسطى والشرقية والشمالية، لافتا إلى أنهم جهة تسجل التغيرات وفق معطيات عالمية وليست توقعات طويلة، مشيرا إلى أن توقعاتهم لا تتجاوز مدتها 5 أيام.

وبين طه هلال، مدير مطعم «تفاحة الهنا»، أنهم يعتمدون في مبيعاتهم على قسم العائلات، إلا أن ما تسببت فيه الأجواء السائدة منع هذه الشريحة المهمة من تحقيق إيراداتهم لعدم زيارة المطعم نتيجة انعدام الرؤية، وخوف هذه العائلات على صحة أطفالهم، وذلك بإخراجهم في أجواء مليئة بالغبار والأتربة، ما أجبرهم على الجلوس في منازلهم، خصوصا أن جلسات العائلات التي يوفرها المطعم تعتمد في تصاميمها على تناول الطعام في الأماكن المكشوفة وعلى الهواء الطلق، إلا أن الأجواء محت تماما هذه الفكرة، وأجبرت إدارة المطعم على إغلاق هذه الخدمة حتى اعتدال الجو وعودة الأجواء إلى طبيعتها، وهو ما سيلقي بظلاله سلبا على الإيرادات في نهاية المطاف.

واشتكى حزام القحطاني، الذي يمتلك مجموعة من سيارات الأجرة، من توقف التنقلات خلال الأيام الماضية، الأمر الذي ألقى بظلاله سلبا على إيراداتهم العامة بسبب قلة العمل وتعرض السيارات للعطل أو الغرق، لافتا إلى أن أي عطل يظهر على السيارة يتحملونه مباشرة دون أن يغطيه التأمين؛ لأنه يندرج تحت بند سوء الاستخدام، مبينا أنه اضطر إلى إيقاف العمل في بعض المناطق، ما اضطره إلى تكبد خسارة الاستحقاق اليومي عن كل سيارة، والبالغ 150 ريالا.

وأضاف أن الرابح الأكبر هو سائق الأجرة الذي ينقل الزبائن بسيارته الخاصة، حيث إنهم يستخرجون الأرباح بعد أن يفرضوا رسوما أعلى للتوصل، لافتا إلى أنه لن يضحي بسلامة العامل والسيارة بإخراجها في هذه الظروف المناخية السيئة التي ستنعكس عليهم سلبا بشكل أو بآخر.

في حين بين سلطان العجمي، الذي يعمل في القطاع الخاص، أنه بسبب عطل في سيارته الخاصة اضطر للاستعانة بسيارات الأجرة طوال الأسبوع الماضي، لافتا إلى أن الحصول على سيارة أجرة في الأيام العادية من أسهل ما يكون، بل إنه يتفنن في وضع السعر الذي يعتقد أنه مناسب لأجرة توصيله إلى منزله، إلا أن ما حدث من تدهور في الأجواء قلب الآية رأسا على عقب، حيث اختفت سيارات الأجرة من الشوارع بشكل مفاجئ، لافتا إلى أن معظم الموجودين من قائدي المركبات هم من السعوديين الذين لم تثنهم التقلبات الخطيرة للأجواء عن مواصلة طلب الرزق، خصوصا أن معظمهم يمتلك سيارة الأجرة، بعكس الأجانب الذين يتبعون الشركات ويتوجسون خيفة من أي ضرر قد يلحق المركبة.

وفي المقابل، برر سلطان القعيضب وهو سائق تاكسي، أسباب فرضهم أسعارا مرتفعة بالقول لم نجبر أحدا على الركوب، والمسألة لا تتجاوز كونها عرضا وطلبا، ويضيف: «هذه الأوقات تعد بالنسبة إلينا موسما استثنائيا في جني الأرباح، خصوصا أننا نخاطر ونخرج في وقت قد يعرضنا ومركباتنا للخطر، بعكس الآخرين الذين تواروا عن الأنظار»، مشيرا إلى أن لكل شيء ضريبة – على حد قوله وأنهم وضعوا الضريبة المناسبة في ظل الظروف المناخية السيئة، لافتا إلى أنه وقبل سنوات قام بتوصيل أحد الزبائن بمبلغ 20 ريالا، إلا أن هذه التوصيلة كلفته 6 آلاف ريال بعد أن تسللت المياه داخل محرك سيارته.

وحول مخالفته القوانين، أكد أنه لم يخالف القوانين، وأنه صاحب عرض إن قبل به الراكب وإلا فليبحث عن غيره، كاشفا عن أنه استفاد كثيرا من موجة الغبار التي حركت سوق سيارات الأجرة، موضحا أن أحدا لم يتذمر، وأن الجميع يدفع ليبحث عن مكان آمن في ظل تقلبات الأجواء.

وكشف العميد عادل الشليل، مدير الإدارة العامة للعلاقات والإعلام في الأمن العام؛ عن أن هناك ارتفاعا محدودا للحوادث، وهو أمر طبيعي نتيجة تقلبات الأجواء، موضحا أن المرور يعمل في الوقت الراهن بخطة خاصة تتلخص في تكثيف وجود الدوريات للحد من الحوادث وتسريع سهولة التنقلات وتسيير الأمور، وأن مثل هذه الخطط موجودة للتعامل مع أي طارئ قد يحدث، لافتا إلى أن لقائد المركبة دورا مهما في حركة السير، مهيبا الجميع التقيد بالأنظمة الخاصة بالقيادة في مثل هذه الظروف وأهمها السرعة.

وفي سؤال عن تضرر الطرق، أكد العميد الشليل عدم تسجيل طرق تضررت من جراء الأمطار أو الغبار، وأن الحركة اعتيادية، لذلك لم نغلق طرقا ونفتح أخرى؛ لأن الموضوع تحت السيطرة، وإن مجرد إجراءات احترازية تكفي لذلك، مبينا أن الوجود الأمني يشهد كثافة بشكل دوري عند حدوث الإجازات للضبط العام.

من جانبه، يرى بدر التميمي، وهو موظف يعمل في القطاع الحكومي، أن الغبار أعاد صياغتهم للإجازة من جديد، حيث إن الخطة التي أحكمها مع أصدقائه تتلخص في قضاء عدة أيام من الإجازة في أحد المخيمات البرية في متنزه الخرارة، إلا أن الغبار لخبط حساباتهم وأجبرهم على التنزه في الأسواق والمتنزهات المغلقة التي توفر جوا مغايرا عن الجو الخارجي، لافتا إلى أنه يعرف الكثير من الأصدقاء الذين تبدلت خططهم بشكل مشابه، ما يعني أن الغبار أثر مباشرا في هيكلة قضاء الإجازة لدى كثير من المواطنين.

وكانت الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة قد أعلنت في وقت سابق تأثير كتلة هوائية باردة مصحوبة برياح شمالية نشطة مثيرة للأتربة والغبار تحد من مدى الرؤية الأفقية من يوم السبت الماضي على مناطق الجوف، تبوك، والحدود الشمالية، ويستمر تأثيرها على وسط وشرق المملكة في وقت متأخر من يوم الأحد حتى اليوم الثلاثاء، كما يشمل تأثيرها منطقتي المدينة المنورة ومكة المكرمة، بما فيها السواحل، وتنشط كذلك الرياح السطحية على البحر الأحمر (الجزء الشمالي والأوسط) والخليج العربي، ثم تعاود بعد ذلك درجات الحرارة الارتفاع التدريجي على معظم مناطق المملكة.