المتاحف الخاصة في السعودية.. بين الحاجة للدعم وشروط الاستثمار الصعبة

الهيئة العامة للسياحة والآثار: توظيف المرأة في قطاع المتاحف قريبا

قصر المقر للحضارات الإسلامية في محافظة النماص من الداخل حيث يحوي كميات كبيرة من الأثار والتحف الفنية العتيقة (واس)
TT

أبدى ملاك متاحف خاصة في السعودية استياءهم من قلة دعم الجهات الحكومية لنشاطهم الذي يهدف في الأساس إلى حفظ الموروث الثقافي والاجتماعي للبلاد، مشيرا إلى أن أصحاب المتاحف الخاصة يبذلون جهودا ذاتية للحفاظ على مقتنياتهم وممتلكاتهم الأثرية والثمينة، من خلال تنسيقهم مع بعض شركات القطاع الخاص والتي تسعى لتوفر لهم زوارا سواء من خارج المملكة أو من داخلها بمبالغ رمزية بسيطة - وأحيانا قد تكون زيارات مجانية، حتى يتمكنوا من القيام بأعمال الصيانة والنظافة لمتاحفهم على الأقل.

ودعا عدد من ملاك تلك المتاحف إلى رفع مستوى الاهتمام بنشاطهم وتقديم الدعم المادي والفني والإرشادي لهم، وكذلك توفير السبل اللازمة لعرض متاحفهم أمام العامة (استثمارها) دون أن يضطروا إلى خسارتها أو تسليمها إلى جهات أخرى، والتخفيف من القيود والشروط التي تضعها الهيئة العامة للسياحة والآثار في هذا الإطار.

ففي حين اعتبر حمود المعيلي الذي يملك متحفا خاصا في منزله أن المتاحف في أي دولة من دول العالم تعتبر عاملا من عوامل الجذب السياحي لها، استنكر عدم حصولهم على الاهتمام والدعم الكافي لمتاحفهم بالمملكة لا سيما وأن تلك المتاحف تضم بين جنباتها مقتنيات تعد شاهدا على العصور القديمة والنهضة الحضارية بالمملكة.

المعيلي بين أنه يتلقى زيارات لمتحفه الخاص الموجود في منزله دون مقابل، بهدف نشر ثقافة المتاحف لدى المجتمع السعودي، إلى جانب التعريف بتاريخ الآباء والأجداد، من خلال هذه المقتنيات التي تقع منذ زمن في منزله.

وقال: «لم أفكر في استثمار المتحف أو حتى استغلاله بفرض رسوم على الزوار، خصوصا وأن ثقافة زيارة المتاحف لا تزال في بدايتها لذلك استقبل الزيارات سواء من أهل المنطقة أو من الطلاب والطالبات دون رسوم، وربما في السنوات القادمة نفكر بالجانب التجاري».

ولتحقيق هدفه قرر المعيلي إنشاء موقع إلكتروني في محاولة منه لنشر مقتنيات متحفه الخاص عبر الإنترنت إلى جانب التنسيق مع الأشخاص والجهات التي ترغب بزيارة متحفه على أرض الواقع، مشيرا إلى أن الموقع يحظى بعدد زيارات كبير من داخل وخارج المملكة من قبل المهتمين بالمتاحف وغيرهم.

وفي ذات الوقت قرر القائمون على متحف مدينة الطيبات الذي يرجع لعبد الرؤوف خليل بجدة والمقام على مساحة 10 آلاف متر مربع ويضم 12 مبنى، إنشاء موقع إلكتروني من المتوقع صدوره خلال الأسبوع القادم، يضم أدوار المتحف الأربعة وصورا لجميع مقتنياته، إلى جانب التعريف بمؤسس المتحف ومقاطع فيديو للمدينة.

وبينت خلود أن عدد الزيارات سنويا يصل إلى ثلاثة آلاف شخص، إلى جانب الزيارات الخاصة التي تأتي إلى المتحف دون مقابل كنوع من التعاون بينهم وبعض الجهات.

وأشارت إلى أن قيمة الدخول للشخص الواحد تصل إلى 50 ريالا في حين يدفع مجموعة الطلاب 25 ريالا ثمن زيارتهم للمتحف بهدف التعلم، مبينة أن تلك المبالغ الرمزية تعود على أعمال الصيانة والنظافة حيث لا يوجد دعم آخر من قبل الجهات الحكومية لهذه الأعمال حيث يتحمل تكاليف الصيانة أبناء الشيخ عبد الرؤوف خليل.

وفي ذات السياق بين عبد العزيز العرب الذي يملك زاوية صغيرة خاصة في منزله يضع فيها مقتنياته بمساحة 75 مترا مربعا، لذا لا يمكنه استقبال أعداد كبيرة من الزوار، حيث يصل عدد زواره لعشرة أشخاص، ولفت إلى أنه لم يفكر في الاستثمار بهذه المقتنيات التي يرى أنها من حق الشعب ولا بد أن يتعرفوا عليها ويشاهدوها.

وقال: «حتى وإن فكرنا في الاستثمار فشروط الهيئة العامة للسياحة لمنح أصحاب المتاحف الخاصة تراخيص صعبة، حيث تتمثل في وجوب أن يقدم صاحب المتحف طلبا للهيئة العامة للسياحة والآثار مزود بصورة لكل قطعة موجودة وكتابة نبذة عن هذه القطع وتوضيح سعرها». وأضاف: «الأمر الذي يعني حاجتي لعدة سنوات للانتهاء من ذلك خاصة وأن أغلب أصحاب المتاحف يمتلكون أكثر من 5000 قطعة، مطالبا بوجود آلية أسهل للحصول على ترخيص للاستثمار».

كما تشترط الهيئة العامة للسياحة والآثار أن يشتمل مبنى المتحف الخاص على قاعات فسيحة مضاءة ومكيفة بالكامل لا تقل مساحة القاعة الواحدة عن أربعين مترا مربعا وأن لا يقل ارتفاع السقف عن ثلاثة أمتار. وأن يكون للمتحف مدخل رئيسي للدخول وآخر للخروج، هذا إلى جانب مخارج للطوارئ، وبين أن هناك اشتراطات أخرى يصعب تنفيذها بالنسبة لنا كأصحاب المتاحف الخاصة.

ووفقا لإحصائيات الهيئة العامة للسياحة والآثار الأخيرة فإن عدد المتاحف الحكومية التابعة للهيئة 28 متحفا، وجاري العمل على تجهيز أكثر من 17 متحفا في عدد من المدن، كما أن المتاحف الخاصة بلغ عدد ما تم ترخيصه 130 متحفا ممن انطبقت عليهم الشروط والمعايير التي وضعتها الهيئة العامة للسياحة والآثار.

في المقابل كشف مصدر مسؤول في الهيئة العامة للسياحة والآثار عن سعي الهيئة لإدخال العنصر النسائي للعمل في قطاع المتاحف، مشيرا إلى أن قلة العاملات في هذا القطاع بالوقت الحالي، واللاتي يقتصر عملهن في المتحف الوطني، وأن عملهن مستقبلا سيتمثل في استقبال الزوار من طالبات المدارس للتعليم العام والعالي، وكذلك المجموعات النسائية، من خلال تخصيص أقسام نسائية في المتاحف التي تقوم الهيئة بتطويرها.

من جهتها بينت خديجة التي تعمل في الإرشاد السياحي منذ ثلاث سنوات كمرشدة سياحية في متحف عبد الرؤوف خليل، أن عمل الإرشاد السياحي ممتع، إذ يجعل الإنسان يكتشف كل يوم معرفة جديدة، إلا أن ثقافة العمل الإرشادي في المملكة بالنسبة للفتيات لا تزال ضعيفة جدا وغير مقبولة، مرجعة ذلك إلى طبيعة المجتمع السعودي الذي لا يزال يرفض بعض الوظائف للمرأة خاصة المختلطة.

وقالت: «عمل المرشدات السياحيات في المتاحف السعودية ما زال غير مرغوب بسبب العادات والتقاليد المجتمعية، وهناك بعض خريجات السياحة اللاتي يرغب بالعمل إلا أن أسرهن ترفض مجال الاختلاط»، وأضافت: «لأنه لا يوجد مرشدات من الممكن أن يستمروا في العمل بذلك المجال لسنوات طويلة»، مشيرة إلى أنها قامت خلال سنوات عملها بتدريب الكثير من الفتيات داخل المتحف ولكن لم يستمروا في العمل.

إلا أن عبد الرحيم صالح الذي يعمل في مجال المتاحف بالسعودية منذ أكثر من 15 عاما، أشار إلى اهتمام الشباب والفتيات مؤخرا بالعمل في المتاحف كمرشدين سياحيين لافتا إلى وجود الكثير من الاتفاقيات بينهم والأقسام السياحية في الجامعات والكليات، إضافة إلى اتفاقيات لتدريب الطلاب على الإرشاد السياحي، إلى جانب تخصيصهم لدورات تدريبية خاصة بالعاملين في ذلك المجال، مبينا أن نسبة الشباب العاملين في هذا المجال أكبر من الفتيات.

كما يرى أن هناك تطورا كبيرا طرأ على ثقافة المتاحف في السعودية خاصة خلال الخمس سنوات الماضية، وقال: «شهد قطاع المتاحف في السعودية تطور ملموس خلال الخمسة سنوات الماضية، فبعد انتقال المتاحف من مظلة وزارة التربية والتعليم إلى مظلة الهيئة العامة للسياحة والآثار، شهدت نقلة نوعية ملموسة».

واستطرد: حيث قامت الهيئة العامة للسياحة والآثار بتقديم الدعم المعنوي على الأقل لأصحاب المتاحف، كتوعية المجتمع بماهية المتاحف الموجودة بالمملكة وأماكن وجودها والتعريف بمقتنياتها، من خلال البروشورات والإعلانات التي تقوم بها من فترة لأخرى ومن خلال الفعاليات والأنشطة التي تقيمها بشكل مستمر على مدار العام.

كما لفتت المرشدة السياحية إلى أن ثقافة المجتمع السعودي بالآثار والمتاحف لم تصل لمرحلة تجعلهم يخصصوا جزءا من وقتهم لزيارة المتحف كباقي الدول العربية على الأقل، «ولكن قد نصل لتلك المرحلة في ظل الجهود التي تقوم بها الهيئة العامة للسياحة والآثار والإعلانات الخاصة التي يقوم بها أصحاب المتاحف.

وأشارت إلى وجود زيارات من قبل الجاليات الأجنبية في المملكة للمتحف والتي تحرص على الاطلاع على التراث السعودي الذي يبهرهم جدا، كما تجذبهم القطع النادرة الموجودة في المتحف والتي تتحدث عن الحضارة الإسلامية ككسوة الكعبة ومراحل كتابة القرآن الكريم والأسلحة القديمة، إضافة إلى المسكوكات الموجودة منذ عهد الرسول والصحابة. كما لفتت إلى أن المتحف مفتوح أمام الطلاب الباحثين حيث نوفر لهم جميع المعلومات التي تخص أبحاثهم.