مداولات في «الشورى» لإنشاء صندوق سيادي ونظام لمكافحة التعدي على الثوابت الإسلامية

المجلس يشرع غدا في شهره الثاني من دورته الجديدة بالتحضير لجملة قضايا تمس الهم الاجتماعي والاقتصادي

جانب من جلسات مجلس الشورى المنعقدة خلال الشهر الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

كشف لـ«الشرق الأوسط» أعضاء ورؤساء لجان في مجلس الشورى السعودي عن قرارات «يتم إعدادها على نار هادئة» حتى تنضج تحت قبة المجلس بنجاح، يتصدرها شروعه في إجراء مداولات واجتماعات تعقد بشكل دوري مع متخصصين من القطاعين العام والخاص من أجل إنشاء صندوق سيادي لإدارة فوائض الميزانية السعودية.

وتتحرك بين أروقة لجان المجلس جملة تعديلات ومشاريع لأنظمة يغلب عليها ملامسة الشأن العام والهموم الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، تتضمن نظاما لجباية الزكاة، ونظاما لمكافحة الاعتداء على الثوابت الإسلامية، فضلا عن تعديلات تطال 30 بندا في نظام العمل، وتعديل نسب التحصيل في قروض صندوق التنمية العقاري، والتأمين ضد التعطل عن العمل، كما يعكف أعضاء في المجلس على التقدم بتعديلات تخص نظام الخدمة المدنية، ونظام هيئة التحقيق والادعاء العام.

وقال لـ«الشرق الأوسط» الدكتور عيسى الغيث القاضي وعضو مجلس الشورى، حول مشروع نظام جباية الزكاة، إنه يختلف عن التوصيات السابقة التي كانت تندرج ضمن التقارير التي تعرض على المجلس من قبل مصلحة الزكاة والدخل.

وقال الدكتور الغيث إن المشروع معد من الحكومة (هيئة الخبراء بمجلس الوزراء) ومرسل للمجلس لإكمال اللازم بشأنه كالعادة وفقا للاختصاص، وأضاف: «لقد سبق منذ ستة أشهر تشكيل لجنة خاصة لمراجعة مشروع النظام، وقد أعيد تشكيل اللجنة في الدورة الحالية، وتم تشريفي بضمي لهذه اللجنة، وباشرت عملها ووضعت جدولا مكثفا لاجتماعاتها، وتوافق الزملاء من التشكيل السابق على إضافة الأراضي لمشروع النظام، واللجنة حاليا تعمل على صياغة طريقة جباية زكاة الأراضي، وعند الانتهاء من هذا النظام واعتماده وتطبيقه بشكل عاجل وحازم وعادل، فسوف يعالج مشكلة تضخم أسعار الأراضي في السعودية، حيث بلغت أرقاما فلكية، وتسببت في ارتفاع الإيجارات والمساكن، وأعاقت حل مشكلة الإسكان، وبطأت من نمو العمران السكاني، ولن يعالج ملف الإسكان إلا بقرارين حاسمين؛ الأول مكافحة احتكار الأراضي السكنية المعدة للتجارة داخل النطاق العمراني، والثاني فرض زكاة الأراضي على الواجبة جباية زكاتها، وما سواها فيجوز وضع الرسوم عليها لتسريع تطويرها لمعالجة مشكلة الإسكان».

وفيما يتعلق بمشروع تنظيم الهيئة العامة للأوقاف أكد الدكتور الغيث أن اللجنة المتخصصة للشؤون الإسلامية والقضائية «درسته أكثر من مرة، وقدم فيه أعضاء اللجنة جهدا نذكره ونشكره، ومع أنني عضو باللجنة نفسها فإنني ممن صوت بأن يذهب إلى لجنة خاصة؛ لكوني لم أكن حين إعداد المشروع ضمن أعضاء المجلس، وبالتالي فنحتاج للاطلاع عليه لمزيد من الدراسة والتأمل، إضافة لقصد رفع الخلاف، وللتوافق العام بين أعضاء المجلس، وللاستفادة من جميع الأعضاء في اللجان المتخصصة الأخرى الذين سينضمون للجنة الجديدة الخاصة بإعادة النظر في مشروع التنظيم، ولكن أتمنى أن تشكل هذه اللجنة بشكل سريع، وتمارس أعمالها حالا، وأن تكثف اجتماعاتها لتسريع هذا المشروع الوطني».

وزاد بالقول إن مجلس الشورى يعالج هذه المشكلة وغيرها عبر اختصاصين اثنين للمجلس؛ أحدهما موضوع «التشريع» عبر سن الأنظمة تأسيسا وتعديلا، وهذا ما نعمل عليه حاليا في مشروع نظام جباية الزكاة الذي يشمل زكاة الأراضي، وثانيهما موضوع «الرقابة» عبر دراسة التقارير السنوية للأجهزة الحكومية، ومن ضمنها مصلحة الزكاة والدخل، وحينما يعرض التقرير على المجلس فهناك من يقدم توصيات إضافية بهذا الشأن، إضافة لتوصيات اللجنة المتخصصة المقدمة للتقرير ابتداء لمناقشته، وهناك من يقدم مناقشات شفوية تدون في محضر الجلسة، وتسلم للجنة المتخصصة مع المناقشات التحريرية الإلحاقية، ولإكمال اللازم بشأنه والرد عليه في جلسة لاحقة، وكان من ضمن التوصيات والمناقشات السابقة على تقرير مصلحة الزكاة والدخل التوصية بزكاة الأراضي، ولكن الآن بعد ورود مشروع نظام جباية الزكاة للمجلس، وتخصيص لجنة خاصة به، والعمل على إدراج زكاة الأراضي ضمن النظام، فلا حاجة حاليا للتوصيات بهذا الشأن؛ لكونه قد تحقق فعلا، ويجري العمل عليه، ونسأل الله التوفيق الإعانة».

وتضم اللجنة بحسب مصادر 3 أعضاء من اللجنة الإسلامية، منهم الرئيس ونائبه والشيخ عيسى الغيث، و7 آخرين من لجان أخرى متخصصين في الاقتصاد والمحاسبة والإدارة وغيرها.

ومنذ الأسبوع الماضي، وضعت اللجنة خطة عمل للاجتماع بشكل أسبوعي كعمل مكثف إلى حين إنجاز المشروع.

وفي سياق آخر، أكد الدكتور سعد مارق رئيس اللجنة المالية بمجلس الشورى، أن لجنته طالبت بأن تكون نسبة الخصم من راتب المستفيدين من القروض 20 في المائة، عوضا عن خصم مبلغ 1600 ريال الجاري حاليا. وتبرر اللجنة ذلك بأن يستفيد قليل الراتب بألا يذهب جزء كبير من دخله الذي يخصم منه ما يتراوح بين 40 و50 في المائة، وفي المقابل يتطور مستوى التحصيل للبنك من أصحاب ذوي الدخل العالي، وبالتالي تزداد فرص التمويل لمزيد من المستفيدين.

وقال الدكتور مارق إن الطريقة الحالية غير عملية ولا تحقق مساواة بين صاحب الدخل العالي وصاحب الدخل المنخفض.

كما رصدت اللجنة مشكلة أخرى تتعلق بالمقترضين من صندوق التنمية العقاري لشراء «الشقق السكنية»، وتتمثل فيما يسمى الفرز، ويفصل الدكتور مارق بالقول: «إذا تقدم أحد المواطنين لشراء شقة فإن البنك العقاري لا يقبل، وكتابات العدل والبلديات تقتسم السبب، ويجب عليهم التعجيل، ويجب إصدار الصكوك بشكل مسبق، لأن المواطن والمطور العقاري سيحجم عن الدخول في هذا النوع من العقار»، لافتا إلى ضرورة وجود آلية سريعة للفرز تتيح «بمجرد ما يرغب شخص لديه مجموعة شقق سكنية معروضة للبيع أن يمنح صكوكا ليتمكن من البيع بشكل أسرع، وهذه المشكلة ستكون جزءا من حلول للسكن».

وفيما يتعلق بصندوق الفائض من الميزانية، قال الدكتور مارق لـ«الشرق الأوسط» إن الفكرة تكمن في إيجاد صندوق يتناسب مع مستقبل السعودية ووضعها في المؤسسات المالية الدولية، ويدار باستقلالية، ويرتبط مباشرة بمرجعية المجلس الاقتصادي الأعلى.

وأضاف: «اجتمعنا بمجموعة من القطاع الخاص تمثله الغرف التجارية وصندوق الاستثمارات العامة، والمقترح مقدم من مجموعة من الأعضاء، اثنان منهم تم اختيارهما لمناصب حكومية، وهما الدكتور ماجد المنيف أمين عام المجلس الاقتصادي الأعلى، والدكتور عبد الله عبد القادر نائب رئيس مكافحة الفساد، وإلى جانبهما عضوان ما زالا في المجلس، وهما الدكتور سعد مارق ويوسف الميمني».

وزاد: «هذا الموضوع طرح للنقاش مسبقا، لكن اللجنة قطعت شوطا في الدراسة، وعقدت سلسلة اجتماعات مع المتخصصين، من جهات أخرى، الهدف منها إيجاد طريقة لتأسيس صندوق مستقبلي لضمان تدفق الأموال في حال تأثرت أسواق النفط، وهذا المشروع يطرح بشكل لا يؤثر على المشاريع التنموية في المملكة».

متابعا: «إن الصندوق لا يلغي الموجود من الصناديق الاستثمارية، إذ يوجد في البلاد صناديق استثمارية ناجحة، كصندوق الاستثمارات العامة، ولها تجارب جيدة.. وقد ساهمت هذه الصناديق في التنمية المحلية»، لافتا إلى أنه لا يزال مقترحا محل دراسة، بعدما وافق المجلس على ملاءمة دراسته، وكلفت لجنة الشؤون المالية بتنفيذ هذه الدراسة.

أمور أخرى تناقشها اللجنة من ناحيته أفصح لـ«الشرق الأوسط» الدكتور محمد آل ناجي، وهو رئيس لجنة الموارد البشرية، عن شروع اللجنة في رفع نظام التأمين ضد التعطل عن العمل، بعدما درسته اللجنة، التي شرعت منذ وقت سابق في دراسة تعديلات على 30 بندا في المواد أو الفقرات بنظام العمل في السعودية، وقال: «سبق أن استضافت اللجنة وزير العمل ونائبه ومجلس الغرف التجارية ورئيس اللجنة العمالية ومندوب التأمينات الاجتماعية»، مضيفا أن النظام يدرس في اللجنة تعديلات مقترحة وردت، وتدرس التعديلات في نقاط تتعلق بعدد ساعات العمل في الأسبوع، وتعديلات أخرى حول عدد أيام العمل في الأسبوع، وإجازة الأمومة، إلى جانب تعديلات مقترحة على حصول الموظف على إجازة في حالة الزواج، أو وقتما يرزق بمولود، فضلا عن ورود حالة وفاة لأحد الأقارب.

وأكد الدكتور آل ناجي أن الأسبوع الجاري سيشهد عملية التصويت في المجلس بشأن ضوابط هروب المستأجرين وبذممهم إيجارات متبقية، وذلك بعد الملاحظات التي وردت من الأعضاء حيال النظام.

وتأتي التحركات التي تجريها اللجان بعدما انقضى الشهر الأول من الدورة السادسة التاريخية، التي تشارك فيها المرأة كعضو بنسبة 30 في المائة من إجمالي أعضاء «الشورى».

وشهد الشهر الأول الذي شهد تشكيل اللجان المتخصصة، وإنشاء لجان لدراسة أنظمة ومقترحات منفصلة تضاف إلى اللجان المتخصصة في المجلس، حراكا بدا مثمرا وعكس حماسا لدى أعضاء جدد، وآخرين سابقين، ومشاركات في كل جلسة من قبل الأعضاء النساء.

ومع ذلك، فإن المجلس يترقب أداء أفضل. دليل ذلك قول الدكتور عبد الله آل الشيخ رئيس المجلس في إحدى الجلسات بشكل لطيف: «لقد حصلت تجاوزات اليوم.. ربما لأننا في البداية». في إشارة إلى مداخلات شهدتها إحدى جلسات المجلس لم تتطرق إلى النقطة التي كانت موضوع المناقشة من قبل إحدى النساء الأعضاء.

وعقد المجلس خلال الشهر الأول ثماني جلسات، شهدت الأولى والثانية اللتان كانتا مغلقتين أمام الصحافة، تعريفا بأعمال المجلس وعمليات اختيار وتحديد اللجان.

ويصف الدكتور الغيث المجلس بالميدان، والعضو بالفرس، والمجال مفتوح أمام الجميع، فالعضو النشيط يستطيع إنجاز عمل عدة أعضاء، وأن يبدع ويخدم العباد والبلاد، ويكون عند حسن ظن ولي الأمر الذي شرفه وكلفه بهذه المهمة.