السعودية: «الإسكان» بين تفاؤل التمويل العقاري وشح الأراضي

صندوق التنمية لـ «الشرق الأوسط»: القروض الإلكترونية في انتظار تحديد الأولويات

تشير التقارير إلى أن نحو 40% من سكان السعودية يمتلكون منازل.. وفي الصورة عمال بناء في أحد الأحياء الجديدة شرق جدة
TT

تشكل قضية تأمين السكن للمواطنين أحد أبرز التحديات التي تواجه وزارة الإسكان بالسعودية، وسط مؤشرات تقدر حاجة البلاد إلى توفير نحو 2.55 مليون وحدة سكنية حتى عام 2020، في وقت تظهر فيه مؤشرات سوق العقار حجم الاستثمارات العقارية محليا بـ440 مليار ريال لعام 2010.

ارتفاع أسعار الأراضي يعد من أبرز التحديات التي تواجه توفير المساكن في البلاد، وتمثل الأرض ما نسبته 60 في المائة من أزمة المساكن الحالية، كما أن عدد الوحدات السكنية المستأجرة من قبل الأسر السعودية في البلاد بلغ حتى نهاية عام 2010 نحو 1.1 مليون وحدة سكنية، بينما تقدر عدد الوحدات السكنية الشعبية بـ844 ألف وحدة سكنية، في حين أن دخل 60 في المائة من السعوديين يقل عن مستويات 8700 ريال شهريا.

وفي الوقت الذي تقدر فيه الأوساط العقارية بالسعودية حاجة الأفراد من الوحدات السكنية بنحو مليون وحدة سكنية سنويا، وبحجم تمويل إسكاني بنحو 117 مليار ريال لاستغلال مساحة 110 ملايين متر مربع من الأراضي الصالحة للاستثمار لمواجهة النمو السكاني المتزايد، أعلن صندوق التنمية العقاري عن اعتماد صرف تمويل بأكثر من 10 آلاف قرض لبناء ما يقارب 12 ألف وحدة سكنية.

وكشف محمد بن علي العبداني مدير عام صندوق التنمية العقارية في بيان، أمس، عن دفعة قروض جديدة تشتمل على تقديم 10090 قرض لبناء ما يقارب 12100 وحدة سكنية بمدن ومحافظات ومراكز المملكة المشمولة بخدمات الصندوق، وبحسب أولوية تقديم القرض.

وأوضح العبداني أن «قيمة هذه الدفعة بلغت 5.45 مليار ريال، تمثل الدفعة الثانية من القروض المعتمدة في ميزانية العام المالي 2012»، مطالبا المواطنين الذين صدرت الموافقة على إقراضهم بمراجعة فروع ومكاتب الصندوق لإنهاء إجراءات الرهن وتوقيع العقود ومباشرة البناء.

وزاد العبداني: «إن ما يحظى به الصندوق من دعم متواصل من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده الأمير سلمان بن عبد العزيز، أثمر زيادة في عدد ومبالغ القروض التي تتم الموافقة عليها»، مشيدا بالمتابعة المستمرة للصندوق من قبل الدكتور شويش بن سعود الضويحي رئيس مجلس إدارة الصندوق وزير الإسكان.

بدوره، أوضح حمود العصيمي، المتحدث الرسمي باسم صندوق التنمية العقاري لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا حاليا عدد من الدفعات سيتم الإعلان عنها خلال العام الحالي، التي تصل إلى 6 دفعات، وقد تم الإعلان عن دفعتين منها، حيث بلغ حجم التمويل العام الماضي نحو 62 ألف قرض، ونطمح أن ترتفع هذه الأرقام خلال 2013، نظرا لكثير من العوامل التي تساهم في زيادة ضخ الصندوق للأفراد من خلال إيرادات الصندوق وبداية السداد للمقترضين بعد المكرمة الملكية، فلدينا حاليا دراسة القرض المعجل الذي سيساهم أيضا في تقليص أرقام الانتظار».

وحول أرقام الطلبات الإلكترونية وتوقيت إدراجها في قائمة الانتظار، أشار العصيمي إلى أن «هناك معايير كثيرة تدرس من عدة جهات لمعرفة الأوليات، من خلال ربط المعلومات من عدة جهات لتحديد أولويات الأفراد، في ظل حرص الوزارة على تحديد وتدقيق الأولويات، خاصة أنه خلال التقديم وصل مئات الألوف من الطلبات خلال 36 ساعة، ومن الصعوبة تحديد تلك الأرقام بشكل سريع».

من جهته، قال عبد الله الأحمري رئيس لجنة التثمين في الغرفة التجارية بجدة لـ«الشرق الأوسط»: «كل ما تم إعلانه خلال الفترة السابقة من أرقام عقارية؛ سواء من قبل القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، يعد من المقدمات التي ستيسر أزمة الإسكان, وعلى سبيل المثال فقد أعلنت محافظة جدة عن ضخ 110 آلاف وحدة سكنية جديدة في مدينة جدة، ضمن مشاريع وزارة الإسكان وشركة جدة للتنمية والتطوير العمراني والقطاع الخاص، وستقوم وزارة الإسكان ببناء 15 ألف وحدة سكنية جديدة، وكذلك يقوم القطاع الخاص ببناء 6800 وحدة سكنية، لذلك فهناك تفاؤل بحل مشكلات الإسكان خلال الأعوام الـ8 المقبلة، بعد أن وصلت أسعار العقار إلى أرقام خيالية».

وأضاف الأحمري: «لقد مررنا بالركود الذي يسبق الهبوط في الأسعار، فالأطراف قد حصل فيها الانخفاض، وسيطال داخل النطاق العمران، كون وزارة الإسكان تعهدت بوضع رسوم على الأراضي البيضاء، وهذا سيحقق (العقار في متناول الجميع)، وسيلجأ الجميع حينها للبحث عن التمويل بعد الحصول على قطعة أرض، بعكس حالات الارتفاعات الماضية التي لم يستطع أصحاب الدخل المتوسط والضعيف فيها الحصول على مساحة لبناء مسكن، ولكن إن تم الانخفاضات ستتغير الرؤية، لكون الفرد في حالة تملكه أرضا سيقوم ببنائها على الفور، ولو بالتدرج».

وبين رئيس لجنة التثمين في الغرفة التجارية بجدة: «أما الدخل المحدود فوزارة الإسكان لديها برامج من خلال إعطائهم قروضا، ونحن نعول كثيرا على صندوق التنمية العقاري الذي من الضروري أن يضخ أكبر الأرقام المعلنة أمس، فالمواطنون متعطشون لتلك القوائم، التي وصلت إلى أكثر من 600 ألف مواطن، فعليه أن ينهي هذه القوائم التي امتدت لسنوات طويلة لصرف القروض التي تساهم في بناء وحداتهم، خاصة أن جميعهم يمتلكون الأراضي التي كانت شرطا للتقديم على الصندوق، إضافة إلى التعاون من وزارة الشؤون البلدية والقروية التي بدأت إيصال الخدمات لبعض المخططات لإعطاء المواطنين فرص الاستحواذ على الأراضي، خاصة لمن لا يمتلك قطعة أرض ليقوم ببناء وحدة سكنية من خلال قرض صندوق التنمية العقاري».

وشملت القروض العقارية عددا من المناطق والمحافظات السعودية، التي وصلت إلى نحو 23 مدينة ومحافظة في جميع أطراف السعودية، في وقت بلغت فيه القروض المقدمة للصندوق عبر الموقع الإلكتروني نحو 1.7 مليون قرض، ولم تدرج في قوائم الانتظار إلى الوقت الراهن.

من جهته، كشف فضل البوعينين الخبير الاقتصادي لـ«الشرق الأوسط» عن «10 آلاف قرض مقارنة بـ600 ألف قرض سكني تحت قائمة الانتظار، مما يعد نسبة بسيطة لا تكاد تذكر. إذا أردت أن تقضي على هذه الأزمة فمن المفترض أن تكون النسبة المنفذة على الأقل 10 في المائة من الطلب الكلي لضمان انتهائها خلال الـ10 أعوام المقبلة، لذلك من الأفضل وضع خطة زمنية للقضاء على الـ600 ألف طلب من قبل الصندوق».

واستطرد: «إن احتياج السعودية، بحسب ما هو معلن، نحو مليون وحدة سكنية سنويا؛ فوزارة الإسكان قد تعهدت بالإنجاز ولم تبين التوقيت، لذلك لا بد من تنفيذ العمل الاستراتيجي بتوقيت لا يتجاوز الـ5 أعوام، كما هو في بعض الدول المجاورة التي ساهم وقت التنفيذ والانتهاء في زيادة الإنجاز، فنحن في السعودية لدينا القدرة العالية لعمل أكثر من ذلك».

وأضاف البوعينين: «من المفترض أن يهدف الصندوق لتلبية رغبات المواطنين، بل إن الصندوق من الممكن أن ينفذ من خلاله 600 ألف منزل في مدة زمنية لا تتجاوز 3 سنوات، وهو ما لا تستطيع وزارة الإسكان تنفيذه من خلال تمويل المواطنين الذين لا يزالون تحت قوائم الانتظار, فقيمة السكن تمثل 60 في المائة من قيمة العقار كاملا، وبالتالي فهم بحاجة إلى 40 في المائة من قيمة الوحدة العقارية لبنائها، خاصة أنهم يمتلكون الأراضي».

وزاد: «يبقى بعد ذلك مواجهة الطلبات المتزايدة من خلال الترتيب والتنظيم من قبل وزارة الإسكان، وتدشين المباني الجاهزة التي يزداد الطلب عليها، ولا بد أن نعلم أن صندوق التنمية ما هو إلا صندوق يتم تمويله من قبل الدولة، فنحن بحاجة استراتيجية للقضاء على أزمة الإسكان من خلال فريق عمل من عدة وزارات، كالمالية ووزارة التخطيط ووزارة الشؤون البلدية، يقومون بحل أزمة الإسكان خلال الخمس سنوات، بدعم مباشر من ولي الأمر بتحويل فوائض الميزانية إلى صندوق التنمية، ومن ثم إلى بنك للإسكان، ولا بد أن ندرك أن أهم المشكلات الحقيقية في أزمة الإسكان ليست التمويل فقط، بل إن هناك أمرين؛ أولا ارتفاع قيمة الأراضي، وثانيا شح الأراضي بسبب الاحتكار، فإن لم تتم معالجتها فحن بحاجة إلى الدور الحكومي في المساعدة بتوفير الأراضي ليستطيع أصحاب الدخل العادي أن يقوموا بالبناء، من خلال مقدرتهم الذاتية، لذلك من الضروري توحيد الجهود والقيام بدراسة كاملة لمعرفة الأسباب والحلول المثالية للأزمة الحقيقية، خاصة أن كثيرين بحاجة إلى وحدات سكنية جاهزة، لذلك فعند ارتفاع سقف القرض العقاري ارتفعت الشقق من 300 ألف ريال إلى 500 ألف ريال، لذلك لا بد من دراسة تقوم بها جهات متخصصة من قبل الشركات الكبرى المعنية بإجراء الدراسات عالميا ومعالجة الأزمات، كما هو حاصل في كندا، وبعد الدراسة توضع الحلول وتلزم الوزارات بتطبيقها».