«تلقيح النخيل».. ينعش الحركة التجارية لمزارعي الأحساء

إنتاج التمور وفر فرص عمل للمرأة والرجل

جانب من عملية تلقيح النخيل
TT

تعيش مدينة الأحساء في هذه الفترة من العام تجارة موسمية متميزة مرتبطة بشكل كبير باقتصاد المملكة، حيث ينتشر كثير من البسط التي يفترشها باعة «لقاح النخيل» في القرى الشمالية والشرقية من المحافظة في هذه الأيام بالتزامن مع حلول موسم تلقيح النخيل، وينعش ذلك حركة التجارة في تلك المنطقة التي تضم كثيرا من مزارع النخيل، وتوفر هذه السوق الموسمية مصادر رزق لكثير من أبناء تلك المنطقة.

ويقول مزارعون عاملون في هذا المجال إن شركات ومصانع من دول مجلس التعاون توجد بكثرة في هذا الموسم بالأحساء مما أكسبها شعبية كبيرة بجودة منتجاتها، لا سيما أن تلك الشركات، تستخدم حبوب اللقاح في عدد من الصناعات الغذائية مثل ماء اللقاح الذي يستخدم نكهة تضاف إلى الشاي تكسبه طعما يفضله كثيرون، وغيرها من المواد الغذائية الأخرى.

ويحرص سكان الأحساء على الاحتفاظ بالغلاف الخارجي لطلع النخيل لإمكانية الاستفادة منه في إنتاج ماء اللقاح، ويتم استخراجه عن طريق التقطير، حيث يمكن أن يستفاد منه في إضافة نكهة للشاي، كما يستخدم علاجا لبعض الأمراض التي تصيب المعدة أو الصدر، ولجأ عدد من المزارعين إلى تلبية حاجات السكان من ماء اللقاح من خلال إنشاء معامل صغيرة داخل مزارعهم.

وترتفع أسعار اللقاح في هذا الموسم بشكل متفاوت حيث تتراوح قيمة السف في البداية من 80 إلى 150 ريالا، وبعد ذلك يبدأ تنبيت رطب الخلاص الذي يبدأ في مثل هذه الفترة؛ إذ يرتفع قيمة السف إلى 300 ريال نظرا لكثرة أعداد نخيل الخلاص في الأحساء.

ويصف مزارعو النخيل هذا الموسم بـ«التنبيت»، حيث يتزامن مع بدايات دخول نجم «سعد الذابح» حيث يتم البدء بتلقيح النخيل البواكير.

ويتحدث عبد الحميد الحليبي شيخ سوق التمور المركزية في الأحساء عن هذه العملية الموسمية قائلا: «نشاط الرياح السطحية (الهادئة) التي تشهدها حاليا كل مدن وقرى الواحة أعطت مؤشرا مريحا للمزارعين»، مؤكدا أن «هذه الرياح تعمل على تلقيح أشجار النخيل، لا سيما في الحيازات الزراعية المتقاربة»، لافتا إلى أن «الوقت الحالي معروف لدى جميع مزارعي النخيل في الأحساء بأنه موسم (تلقيح) النخيل على اختلاف أصنافه».

بدوره، ينقل المزارع محمد النصيف مخاوف المزارعين من تعرض نخيلهم إلى هبوب عواصف شديدة في موسم التلقيح، وما يصاحبه من عدم إتمام التلقيح بصورة جيدة، وتنتج عنه أضرار في المحصول، وتصبح الثمرة غير ناضجة «شيص»، وسقوط بعض النخيل جراء تلك العواصف، وكذلك العواصف الحارة في الصيف التي قد تتسبب في إلحاق الضرر بالمحصول وجودته.

يقول المزارع خالد بن محمد المغربي عن عملية التلقيح، إن النخلة تترك لمدة 120 يوما من وقت انتهاء موسم الصرام، لكي تكون جاهزة لموسم التلقيح، بعدها تبدأ عملية العمار للنخيل، أو ما يعرف لدى الفلاحين (بالندار والتحويض) وهي عملية تنظيف التربة للنخلة وتزويدها بالسماد، ثم تأتي مرحلة الشحاط والبطاط، والشحط هو نزع الخوص اليابس، بينما البط يتمثل في قطع الكرب، بعد ذلك تأتي مرحلة الجنامة وهي نزع الشوك من السعف، سواء باليدين أو «المحش» لكي تكون جاهزة للتنبيت، ويتم تلقيح النخيل بالنبات أو ما يعرف عند الفلاحين بـ«السف» بحيث يؤخذ من السف ثمانية إلى تسعة شماريخ أو عذوق وتوضع في «الهرا»، بعد أن ينشق اللحاء وتوضع تلك الشماريخ في الوسط ومن ثم تغطى بالليف وتربط بالخوص، ويصبح بعدها عذقا.

ويؤكد طارق بن علي المغربي أن جودة المحصول للنخلة تعتمد على نجاح إجراء عملية التلقيح في مثل هذه الأيام وإتمام الإخصاب خلال الأيام المقبلة، لافتا إلى أن عملية التلقيح تتم طبيعيا بواسطة الرياح التي تحمل حبوب اللقاح إلى الإناث القريبة منها، إلا أنها غير اقتصادية، لأنها تتطلب أعدادا متساوية من النخيل المذكر والمؤنث بالمزرعة، في الوقت الذي يسعى فيه المزارع إلى كمية أكبر من الإنتاج، فيلجأ إلى تقليل نخيل الذكور قدر الإمكان، واستخدام الطرق غير الطبيعية في التلقيح، حيث إن نخلة واحدة ذكرا تنتج حبوب لقاح تكفي لـ25 نخلة مؤنثة.

ووفقا المغربي، فإن أول ما يبدأ تنبيته من أصناف النخيل كالتالي: الطيار ثم الغر والمجناز والشيشي والشبيبي والخنيزي، ويأتي بعدها نخيل الخلاص والشهل وأم رحيم والخصاب والهلالي.

ويوضح المزارع عبد الرحمن بن إبراهيم أن عملية التنبيت تتم بطريقتين؛ الأولى يكون بعض أنواع السف وبودرة التلقيح كثيرة، فتؤخذ تلك البودرة وتوضع في قطعة قماش، ويتم ضرب القماش على عذق النخلة بحيث يسقط جزء من البودرة داخل العذق وبذلك تتم عملية التنبيت. أما الطريقة الثانية، فهي عدم لف العذق نهائيا، وتسمى تلك الطريقة «بياض» أي إن العذق يبقى أبيض لا يُلف ويبقى مكشوفا، ولكن هذه الطريقة غير مجدية لأن المطر حينما يسقط، فإنه يزيل اللقاح لأنه ليس هناك شيء يحميه، على العكس من تلك الطريقة التي يلف فيها العذق بالليف.

وينزع الليف من العذوق بعد شهر تقريبا حينما يكبر حجم العذق وينتفخ، ثم يوضع على السعف حتى لا ينكسر نتيجة لثقله وذلك حين يكتمل نموه، وهذه تسمى عند الفلاحين بـ«التحدير»، وبعد التحدير تبدأ الثمار تكبر شيئا فشيئا لتصبح بحجم الرطب فتسمى «خلال» وتكتسي باللون الأخضر، ومن ثم يبدأ لونها يميل إلى اللون الأصفر أو الأحمر، وبعد ذلك تتحول إلى رطب، يتم جنيه، أو ما يعرف عند المزارعين بـ«الخراف»، وبعض النخيل الآخر الكبير تتحول ثمرته إلى تمر مثل الخلاص، والشيشي، والرزيز، حيث يتم كنزه في أكياس بلاستيكية.

وأضاف المزارع خالد المغربي أن «عملية التنبيت في حد ذاتها فن وليس كل فلاح أو مزارع يعرف أسرارها، وهناك فلاحون معروفون في كل بلدة أو قرية، ومتخصصون للقيام بهذه المهمة. أما في الوقت الحاضر، ففي معظم المزارع، أصبحت العمالة الأجنبية هي التي تقوم بعملية تنبيت النخلة أو تسحيتها أو بطاطها، وربما بعضهم لا يتقن العملية تماما».

وشهدت أسعار التمور في المملكة خلال الموسم الماضي ارتفاعات تجاوزت في بعض الأحيان نسبة 100 في المائة، وتنتج مزارع النخيل السعودية أكثر من 470 صنفا من التمور، وتتركز أغلبها في القصيم، والمدينة المنورة، والأحساء. ويصنف السعوديون على أنهم الشعب الأكثر استهلاكا للتمور على مستوى العالم، حيث يبلغ معدل استهلاك الفرد 29 كيلوغراما في العام، وتستهلك السوق السعودية سنويا 600 ألف طن من التمور، فيما يبلغ الإنتاج حاليا مليون طن، وتقوم الحكومة بالسماح بتصدير كميات كبيرة من التمور على شكل صدقات وتبرعات إلى البلدان الفقيرة، بالإضافة إلى وجود كمية للتصدير التجاري تتجاوز 130 ألف طن حاليا، التي تأمل الجهات المعنية بهذا المجال إلى رفعها لتصل إلى 300 ألف طن.

ومن اللافت أن الحكومة السعودية عمدت إلى استثمار هذه التجارة في توفير فرص عمل للعاطلين في المملكة، الأمر الذي جعل إحدى الجمعيات المحلية تلجأ لتأسيس محفظة برأسمال يقدر بـ20 مليون ريال، لتفتح المجال أمام شباب الأعمال السعوديين لخوض تجربة الاستثمار في القطاع الزراعي.

وساهمت هذه التجارة في توفير فرص عمل لكثير من الشبان والفتيات في السعودية، حيث وفرت فرص عمل للمرأة في مصانع التعبئة والتغليف، التي تتوافق مع طبيعة المرأة وخصوصيتها، بالإضافة إلى افتتاح أسواق تمور نسائية.

وأقيمت في مدن سعودية مختلفة صناعات جديدة تعتمد على التمور، مثل استخدامها في صناعة بعض المنتجات كالحلويات والبسكويت والآيس كريم والخل، وكل ذلك من وجهة نظر مستثمرين في هذا المجال يقولون إنه يساهم في القضاء على البطالة.

يذكر أن سوق التمور في الأحساء تعتمد على عدة مصانع في عملية التعبئة والتغليف؛ منها مصنع التمور التابع لهيئة الري والصرف الذي تصل طاقته الإنتاجية إلى عشرة آلاف طن، بالإضافة إلى مصانع أخرى، إلا أن العديد من المستهلكين يفضلون تعبئة التمور يدويا، حيث تعبأ بأوزان مختلفة وفقا لحاجة السوق.

وبحسب إحصاءات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، فإن السعودية تأتي في الترتيب الثالث ضمن كبار منتجي التمور على مستوى العالم بعد مصر وإيران.