«الجنادرية 28».. حركات الإسلام السياسي والتنوير العربي وإخفاق «النهضة» تتصدر الأنشطة الثقافية

أقدم حضارة تحل ضيفا على المهرجان.. والمرأة تسجل تكريمها الأول

تنطلق فعاليات مهرجان الجنادية اليوم وبأيام مخصصة للرجال فقط على أن تفتح أبوابها لاستقبال العائلات بدءا من يوم الاثنين المقبل وحتى نهاية المهرجان (واس)
TT

يدخل المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) عامه الـ28 برعاية صاحب فكرة المهرجان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وسط نجاحات تحققت في هذا الحدث الثقافي والحضاري الذي تبناه الحرس الوطني منذ ثلاثة عقود، كما يدخل المهرجان في ظل أحداث سياسية وفكرية يشهدها العالم العربي، محققا ملحمة فكرية وحراكا ثقافيا سنويا، حيث ساهمت هذه المؤسسة العصرية الحضارية في تنمية العنصر البشري وأوجدت حراكا في بنية المجتمع عبر رحلة الثراء الإنساني والإبداع، ومع كل هذه النجاحات التي حققها المهرجان أصبحت الجنادرية حدثا تجاوز محيطه المحلي إلى العالمي مسجلا ذات الحضور والتنافس الذي اكتسبته المهرجانات المماثلة ووضعت اسمها على خارطة المهرجانات العالمية مثل مهرجان «كان» و«أصيلة» و«قرطاج» وقبلها «المربد». كما يؤكد المهرجان أن حضور السعودية كرقم مهم في على مستوى العالم لا يقتصر على الجوانب الدينية والاقتصادية والسياسية، بل يتعدى ذلك ليشمل الجانبين الثقافي والفكري.

وفي سابقة تعد الأولى من نوعها في تاريخ المهرجان، يتم هذا العام تكريم الدكتورة ثريا عبيد عضو مجلس الشورى السعودي، المدير التنفيذي السابق لصندوق الأمم المتحدة للسكان (2001 - 2010)، وهو ما يسجل للمهرجان تقديره للمرأة ونجاحاتها بعدما اقتصر التكريم طوال المهرجانات الماضية على الرجال الذين كان لهم حضور مميز.

وتطل الصين لهذا العام على المهرجان بحضارتها العريقة الممتدة لما يربو على خمسة آلاف عام، إذ تم اختيارها ضيف شرف المهرجان، والتي تشارك بعنوان «الصين تتألق جمالا» بحسب لي تشينغ، سفير جمهورية الصين الشعبية لدى السعودية، الذي أعرب عن أمله بظهور المشاركة الصينية في المهرجان بشكل يرضي تطلعات المتابعين وزوار المهرجان، مشيدا بالحضارة الإسلامية وما أسهمت به في المجالات الثقافية والعلمية، معتبرا مشاركة بلاده ترتكز على إبراز الصورة القديمة والحديثة التي تربط الحضارة الصينية مع الحضارة الإسلامية.

ويستذكر المهرجان في عامه الـ28 عنصرين كان لهما حضور في هذا الحدث السنوي اللافت، وهما الأمير بدر بن عبد العزيز - رحمه الله - الذي رحل قبل انطلاق المهرجان بيومين، ومعه تم إرجاء الحفل الخطابي الذي كان من المفترض أن يتم مساء أمس الأربعاء، والشيخ الراحل عبد العزيز التويجري الذي كان له إسهامات بارزة في نجاح المهرجان.

ويعد سباق الهجن البداية الفعلية لمهرجان الجنادرية، ووصل عدد المشاركين فيه إلى نحو 1200 مشارك لكل الأشواط، يمتطون هجن الجزيرة العربية أو الهجن المهجنة أو الهجن السودانية.

وعلى مدى ثلاثة عقود، شهدت أرض الجنادرية زيارة الملايين من محبي التراث، والراغبين في معرفة الحرف اليدوية القديمة التي وصلت إلى نحو 300 حرفة، والاستمتاع بألوان الفنون الشعبية التي تقدمها أكثر من 20 فرقة محلية، إلى جانب الاطلاع على معروضات أكثر من 60 جهة حكومية وخاصة، والمشاركات الخليجية التراثية في لوحات فنية مختلفة تبرز عمق الرسالة الثقافية بين الماضي المشع والحاضر بكل تجلياته.

ثقافيا، نظم المهرجان ما يقارب 78 محاضرة، و229 ندوة ثقافية، و56 أمسية شعرية، شارك فيها أكثر من خمسة آلاف أديب ومفكر من داخل السعودية وخارجها، عدا عن طباعة 349 كتابا أبزرت تاريخ البلاد وتراثها العريق، وبلورت فعاليات مهرجان الجنادرية وأنشطته المختلفة. وحرص منظمو المهرجان على التفاعل مع الأحداث التي يشهدها العالم، حيث تضمن البرنامج الثقافي جملة من القضايا التي تتناول الشأن العربي في بعديه السياسي والفكري من خلال القضايا العربية وحركات الإسلام السياسي، وحركة التنوير في العالم العربي وإخفاق النهضة، حيث يطرح مفكرون عرب وعالميون رؤاهم حول هذه القضايا.

ويتضمن النشاط الثقافي الذي ينطلق اليوم برعاية الأمير متعب بن عبد الله رئيس الحرس الوطني رئيس اللجنة العليا المنظمة للمهرجان، ندوة عن السعودية والتوازن الدولي من خلال محاور الإسلام والطاقة والسلام. حيث يدير الدكتور عبد الرحمن الشبيلي من السعودية الندوة التي تحتضنها قاعة الملك فيصل للمؤتمرات ويشارك بها الدكتور خوزيه ثابتيرو من إسبانيا، والدكتور نزار مدني وزير الدولة للشؤون الخارجية، والدكتور عبد الله التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، والدكتور فرانسيس لاماند من إسبانيا، والباحث البريطاني باتريك سيل.

وتشهد قاعة مكارم بفندق «ماريوت» يوم غد الجمعة ندوة تتناول محاور الموضوعية، والمصداقية، والمهنية، من خلال موضوع «القضايا العربية في البرامج الحوارية السياسية»، حيث يدير الدكتور فهد الطياش من السعودية الجزء الأول من الندوة، بمشاركة كل من قينان الغامدي الصحافي السعودي ورئيس تحرير سابق لثلاث صحف سعودية، والدكتور سعود كاتب أستاذ الإعلام في جامعة الملك عبد العزيز، وعلي حمادة وبولا يعقوبيان من لبنان، والمصري حسن معوض مقدم البرامج السياسية بقناة «العربية».

ويدير الجزء الثاني من الندوة ذاتها محمد رضا نصر الله من السعودية بمشاركة كل من الدكتور علي شويل القرني، والدكتور عبد الملك الشلهوب، وكلاهما من السعودية، إلى جانب الروائي الكويتي محمد السنعوسي، واللبناني مرسيل غانم.

ويشهد يوم السبت القادم ندوة بعنوان «حركات الإسلام السياسي: الثابت والمتحول في الرؤية والخطاب»، يدير الندوة في جزئها الأول، الدكتور محمد الحلوة، ويشارك الكاتب الإماراتي الشاب سعيد حارب والكاتب المصري الدكتور ضياء رشوان والدكتور عبد الحميد الأنصاري من قطر، وعبد الله البريدي من السعودية، والدكتور عبد الرحيم علي من مصر. وتتحول إدارة الجلسة في الجزء الثاني من الندوة إلى الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، بمشاركة الدكتور المصري علي السمان، والدكتور عبد الرحمن الزنيدي من السعودية، والدكتور سعد الدين إبراهيم، والكاتب والمفكر العراقي الدكتور رشيد الخيون.

وتبحث ندوة يوم الأحد «حركة التنوير في الوطن العربي.. وإخفاق النهضة»، يديرها في الجزء الأول الدكتور عبد الله الفيفي بمشاركة الدكتور سعيد العلوي من المغرب، ومن السعودية يشارك الدكتور محمد الدحيم، والدكتور يوسف مكي، إلى جانب الدكتور هاشم صالح من سوريا.

ويدير الندوة في جزئها الثاني إبراهيم التركي بمشاركة الدكتور فتحي التريكي من تونس، والدكتور سعيد السريحي من السعودية، وعلي حرب من لبنان، والدكتور سليمان الضحيان من السعودية، والدكتور عبد الله السيد ولد أباه من موريتانيا.

وفي صباح الاثنين تقام ندوة بعنوان «اللغة العربية وتحديات الهوية»، يديرها الدكتور محمد المطلق ويشارك فيها مرزوق بن تنباك، والدكتورة وسمية المنصور، وغريد الشيخ، والدكتور عبد العالي الدغريري، والدكتور أحمد الضبيب، والدكتور عبد الله عسيلان. كما يشهد اليوم ذاته ندوة بعنوان «رأس المال الوطني والادخار والتنمية المستدامة»، يديرها الدكتور عبد الله العبد القادر ويشارك فيها الدكتور عبد العزيز الدخيل والدكتور محمد بن جديد والدكتور عبد العزيز العتيبي، بينما ستقام في فترة المساء ندوة بعنوان «الفساد المالي والإداري.. والتنمية المستدامة في الوطن العربي»، ويدير الندوة الدكتور خليل الخليل ويشارك فيها محمد الشريف رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، واللواء عبد الله السعدون، والدكتورة أميرة كشغري، والدكتورة حسناء القنيعير، والدكتور محمد الرميحي. كما ستقام في اليوم ذاته ندوة بعنوان «الصين وآفاق العلاقة مع العالم العربي»، يشارك فيها الدكتور شوي تشنغ قوه والدكتور بنغ يولينغ وتشونغ إن لين وتشونغ جيكون.

وسيحظى محبو الشعر بنصيب وافر من القصائد في «الجنادرية 28»، حيث ستقام ثلاث أمسيات شعرية في ثلاث مناطق من المملكة، أولاها الأمسية الشعرية «فصيح» في النادي الأدبي في الرياض بعد مغرب يوم الاثنين القادم، يدير الأمسية مفرح الشقيقي ويشارك فيها أحمد الشهاوي ومحمد حبيبي وعقيل اللواتي وراشد العيسى وعلي الحازمي وسعد الرفاعي.

وفي نادي المدينة المنورة الأدبي تقام أمسية شعرية بعنوان «فصيح»، يديرها صالح المحمود ويشارك فيها الشعراء خالد الأنشاصي ومحمد العطوي وصالح الزهراني ومحمد أبو شرارة وغرم الله الصقاعي.

وفي نادي الباحة الأدبي تقام أمسية شعرية يديرها مسفر العدواني ويشارك فيه الشعراء كريم معتوق ومروان أبو العزم ونواف الحكمي ومحمد الجلواح.

كما أن المرأة على موعد مع أمسية شعرية نسائية «فصيحة» في جامعة الأميرة نورة يوم الاثنين المقبل، بعنوان «قراءات شعرية»، تشارك فيها الشاعرات مناهل العساف، وهاشمية موسوي، وفاطمة القرني، وهند المطيري.

وجددت النجاحات المتتالية التي يحققها المهرجان التأكيد على أن المؤسسة العسكرية الراعية له، المتمثلة في الحرس الوطني، تجاوزت المفهوم السائد عن القطاعات العسكرية، بعدما تحول هذا الجهاز الذي رعاه الملك عبد الله إلى مؤسسة حضارية نجحت في صياغة الجندي السعودي ووسعت مداركه ورفعت مستوياته العلمية والثقافية، وهو ما جعل الحرس الوطني يسجل اسمه كمؤسسة ثقافية عالمية وإحدى مفردات النهضة الحديثة للبلاد، ونبتة ثقافية وتنموية وصانعة للرجال وسط الصحراء، كما غير المهرجان الصورة النمطية المكررة عند الغربيين عن مجتمع الجزيرة العربية.

ولم يتوانَ الملك عبد الله، على مدى نصف قرن، عن بذل جهده وفكره للحرس الوطني، وأثمرت مجهوداته إنجازات وعطاءات ممتدة للجهاز في المجالات العسكرية والأمنية والتعليمية والصحية، إلى جانب العمرانية والثقافية على امتداد مساحة الوطن.

وتفتح قرية الجنادرية أبوابها للزوار لمشاهدة لوحات حركية تعيد صورة الماضي بكل تفاصيله، حيث أقيمت القرية وسط الصحراء، تنمو في وديانها شجيرات العشرق، وتتلاعب بها الرياح مصدرة أصواتا تشبه خلاخيل النساء منبعثة من حبيبات ثمرتها التي أيبستها أشعة الشمس ورياح الخماسين الحارقة، أعاد مهرجانها الأصوات ذاتها من خلال وقع قرع الطبول ونغمات الربابة، آلة العربي التي تموت ويقطع بها سكون الصحراء ويبث فيها غنائياته في أحزانه وأفراحه، معيدا بذلك وقع سير الإبل ورغاءها، في حين أن الحادي يردد شعر الرجز الذي يناسب وقع سير سفينة الصحراء، كما يستذكر المهرجان الذي حمل اسمه من صحراء الجنادرية الرملية واقع البلاد قبل التوحيد وبعده، ويرسم صورة لأصالة الوطن وتراثه ورحلة كفاح الآباء والأجداد.

ويعيد المهرجان سنويا الحديث عن تاريخ الحرس الوطني، إذ جاء اهتمام ورعاية الملك بالمؤسسة متناسبا مع تاريخ أولئك الأبطال الذين أسهموا في صنع تاريخ البلاد في رحلة التوحيد التي قادها الملك المؤسس عبد العزيز، حيث أمر عام 1954 بتشكيل «مكتب الجهاد والمجاهدين» ليضم أولئك المجاهدين الأوائل ويجمع شملهم، وكان هذا المكتب النواة الأولى للحرس الوطني، حيث اقتضت تطورات الأحداث ضرورة تحديث وتطوير مكتب الجهاد إلى شكل جديد، وصيغة جديدة تتوافق مع مقتضيات الواقع، حيث صدر الأمر الملكي قبل 57 عاما بتشكيل الحرس الوطني، وتدافع المجاهدون والأبطال للانضمام إلى هذا التشكيل الجديد (الحرس الوطني).

ومر الحرس الوطني بمراحل تأسيسية متعاقبة، تشكلت فيها أفواج المجاهدين المسلحين بالبنادق والأسلحة الخفيفة، حتى كان عام 1962، حيث شهد الحرس الوطني منعطفا مهما في تاريخه، تمثل ذلك في صدور الأمر الملكي بتعيين الأمير (الملك) عبد الله بن عبد العزيز رئيسا للحرس الوطني، ومعه انتقل هذا الجهاز من مجرد وحدات تقليدية من المجاهدين إلى وحدات عسكرية مسلحة بأحدث ما أنتجته عقلية العصر من أسلحة ومعدات وتقنية حديثة. وقد اعتمد الحرس الوطني في كل مراحل تطوره على القوة البشرية باعتبارها القاعدة الأساسية لأي تنظيم، فالإنسان هو هدف التنمية، وهو بانيها، والمخطط لها، والمستفيد منها، والحاصل على خيرها، فكان الإنسان محور قوة الحرس الوطني ومجال تحديثه وتدريبه وتطويره.