«الجنادرية 28».. نصف مليون زائر في يومين

السفير الصيني يتجول في المهرجان.. أبو مالك عميد الخياطين: المهرجان حمى المهنة من الانقراض

جناح منطقة الباحه «بالجنادرية» (واس)
TT

قدرت اللجنة المنظمة بالمهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية 28» تجاوز عدد الزائرين نصف مليون زائر، وذلك في فترة لا تتجاوز 48 ساعة منذ شروع القرية في فتح أبوابها يوم أول من أمس. وشهد اليوم الثاني في قرية المهرجان حراكا لم يختلف كثيرا عن حراك اليوم الأول، مع ملاحظة اكتمال غالبية الأجنحة.

وزار أمس سفير جمهورية الصين الشعبية لدى المملكة لي تشينغ وين جناح المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني المشارك في المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية 28». وأشاد السفير الصيني بدور المؤسسة في المجتمع، ودون في سجل الزيارات كلمة أشار فيها إلى أن جناح المؤسسة نشاط للشباب في التدريب التقني وحماس في خدمة السعودية.

وأتاح كرسي الأمير متعب بن عبد الله لأبحاث المؤشرات الحيوية وهشاشة العظام التابع لجامعة الملك سعود، لزوار المهرجان، إمكانية التعرف على مرض هشاشة العظام وعلاقته بنقص «فيتامين د»، وإجراء بعض الفحوصات الطبية الخاصة بقياسات كثافة العظام. وأفاد الدكتور ناصر الداغري، المشرف العام على الكرسي، بأن المعرض يحتوي على كتيبات ومطويات ونشرات تعريفية وتوثيقية وتاريخية عن المرض، ومدى انتشاره في المملكة خاصة، ودول الخليج عامة، وعلاقته بنقص فيتامين «د»، المسبب الرئيسي للمرض وغيره من الأمراض المزمنة. وأبان الداغري أن المعرض يحتوي كذلك على جهاز لقياس كثافة العظام لعمل قياسات الكثافة للزوار وإعلامهم بالنتائج لاحقا، متضمنا قائمة عن المواد الغذائية المحتوية على فيتامين «د» ومصادره الطبيعية.

وفي جانب صحي في المهرجان، تنتظر عيادة مكافحة السمنة في جناح وزارة الصحة المشارك بالجنادرية زيارة من لديهم زيادة مفرطة في الوزن من أجل أخذ المعلومات الأولية وقياس الوزن والطول والعلامات الحيوية ومؤشر كتلة الشحوم لتحديد برنامج صحي وغذائي مجاني بالتعاون مع أحد المستشفيات الحكومية، لمساعدتهم للتخفيف من أوزانهم. وأكد المشرف على جناح برنامج مكافحة السمنة الدكتور عبد الكريم الحسين أن جميع المراجعين تتم العناية بهم، خصوصا ممن لديهم زيادة مفرطة في الوزن ويشكلون 30 في المائة من المراجعين. وقال الحسن «بعد أن يأتي المراجع يتم فحصه وأخذ وزنه، وكتابة تقرير عن حالته، ويعطي ورقة مراجعة لمستشفى الإمام عبد الرحمن الفيصل خلال أسبوع لأجل انتظامه في برنامج غذائي وصحي لمدة ستة شهور بمتابعة شهرية، وفي حالة استجاب البدين للبرامج يتواصل حتى يحقق الهدف، وفي حالة عجز البدين عن ذلك يحال لأحد المستشفيات المتخصصة لتحديد ما إذا كان يحتاج لإجراء عملية جراحية»، مشيرا إلى أن ذلك يتم في أضيق الحدود. ويراجع العيادة كل عام ما يزيد على 2500 مراجع تبلغ نسبة من لديهم سمنة حادة منهم نحو 30 في المائة، ومن لديهم وزن زائد 35 في المائة، ومن لديهم سمنة معتدلة 25 في المائة، ومن لديهم وزن معتدل 30 في المائة، فيما تهتم العيادة بمن لديهم نحافة.

وكانت المديرية العامة للسجون حاضرة ضمن أجنحة وزارة الداخلية بالمهرجان من خلال معرض لأعمال يضم لوحات وجداريات رملية ومجسمات نفذها النزلاء والنزيلات ضمن برامج أعدتها المديرية العامة للسجون لهم، بالتعاون مع بعض مؤسسات المجتمع الحكومية والأهلية.

وتهدف المديرية من هذا الوجود السنوي إلى إشراك النزيل في هذه المناسبة الوطنية، ضمن برنامج دمج السجين بمجتمعه، الذي دأبت السجون السعودية على ترسيخه في واحدة من رسائلها المجتمعية، وإبراز الجهود التي تبذل في سبيل تأهيل وتدريب النزلاء على الحرف اليدوية المختلفة كأعمال المنحوتات الصخرية واللوحات الفنية والتصاميم المختلفة، وشغل وقت فراغ النزيل أثناء قضاء محكوميته بما يعود عليه بالفائدة وعلى المجتمع بالنفع.

ومما يميز المعرض هذا العام عن سابقيه احتوائه على قسم يمثل الأجنحة المثالية بسجون المملكة، باعتبارها أجنحة توفر برامج خاصة لحسني السيرة والسلوك من السجناء، لتحفيز البقية ليكونوا ضمن سجناء هذا الجناح. كما يحوي المعرض لوحات ذات أبعاد ثلاثية ومنحوتات صخرية تحمل صور قادة هذه البلاد، وأخرى لإبراز مقدرات هذا الوطن من أماكن مقدسة وظواهر عمرانية، إلى جانب المعروضات المختلفة لأعمال النزيلات، والمتمثلة في مشغولات يدوية وبعض الملبوسات واللوحات الفنية، وقطع الأثاث البسيطة.

من جهته، أوضح مدير المعرض الرائد عبد الله الحربي أن المديرية العامة للسجون تسعى خلال مشاركاتها في مثل هذه المناسبات الوطنية لدمج السجين بمجتمعه وإبراز الدور الإصلاحي الذي تقوم به. وأبان في تصريح لوكالة الأنباء السعودية أن إدارته حريصة على التجديد في كل عام، لا سيما أن نزلاء ونزيلات السجون يقدمون أعمالهم ومنتجاتهم طوال العام، عبر برامج معدة بهذا الشأن. واستعرض الحربي مشاركاتهم في مهرجان الجنادرية، حيث يكملون هذا العام 15 سنة، كمشاركة ثابتة ضمن أجنحة وزارة الداخلية، حيث بدأت متواضعة من خلال خيمة تحوي بعض الأعمال القليلة لنزلاء السجون.

وكشف الرائد الحربي أن هذه المعروضات قابلة للبيع، مؤكدا إعداد خطة لهذا الخصوص، بحيث يستفيد النزيل ماديا من بيع أعماله، ومعنويا عند إحساسه بتقدير المجتمع لعمله.

ومن الأمثلة الرائعة للدلالة على مدى أهمية المهرجان الوطني للتراث والثقافة في حفظ الموروث الشعبي ما قاله لـ«الشرق الأوسط» أبو مالك أو «عميد الخياطين» كما يناديه زبائنه، حيث يتكئ على كرسي بسيط في جناح منطقة نجران، ليستعرض ما أفناه منذ ما يربو على 65 عاما من عمره بين القماش والإبرة، بعد أن احترف هذه المهنة وأصبح يعطي دروسا لأبناء منطقته في نجران التي يمثلها في فعاليات الجنادرية لهذا العام.

ويتحدى «أبو مالك» بحياكته للثياب أعتى حائكي العالم، حيث إن الخبرة مكنته من أن يخيط ثوبا كاملا وهو مغمض العينين لأنه على حد قوله يعرف أين تسير الإبرة عندما تكون في رحم القماش، مؤكدا أن «الجنادرية» منذ أن بدأ وهو لم يفوت على نفسه الفرصة في الالتحاق به، مبديا سعادته البالغة عندما يشارك فيه، وأنه يعد الأيام منتظرا قدومه للمشاركة في فعالياته. وأضاف أن هذه المهنة ورثها من عائلته أبا عن جد، حيث إنها ليست جديدة عليه ولن تنقطع عنده، إذ إنه ورثها منذ فترة ليست بالقصيرة لأبنائه وعدد من أحفاده الذين يساعدونه في محله العتيق الواقع في أحد الأحياء الشعبية في منطقة المخبأة إحدى محافظات نجران، والقابع في المكان نفسه منذ 60 عاما.

وحول الأوضاع الحالية لمهنة الخياطة الشعبية ومدى تأثرها بالثورة الصناعية، أكد أنه يحقق مكاسب مضاعفة ولم يتأثر بالصناعات الخارجية لأن محله معروف جدا في نجران، والعجز الكبير الحاصل في عدم تلبية طلبات جميع الزبائن ما هو إلا دليل على كثرة طلبات الزبائن الذين لم تجذبهم الصناعات الحديثة بسبب معرفتهم بجودة صناعته.

وعن عدد الطلبات التي ترده إليه شهريا أوضح أن عددها كبير جدا يفوق استيعاب المحل أضعاف المرات، حيث إن الزبون يأتي لتسلم ثوبه بعد شهر من تفصيله، وذلك لكثرة الطلبات على الرغم من عمله هو وثلاثة من أبنائه في المحل، مقدرا عدد الثياب التي يفصلها المتجر في الشهر بـ20 ثوبا تحاك جميعها بالطريقة القديمة الإبرة والقماش، دون الاستعانة بماكينات الخياطة، لأن تفصيل الثوب يدويا يستغرق وقتا طويلا يتجاوز اليومين، ويفرق عن الصناعة اليدوية بالجودة العالية، إذ إنه يستطيع العيش لسنوات طويلة من دون أن يتضرر أو يتغير.

ويعرف محمد مالك أنواع الملابس التي يخيطها، والتي تعد من الملابس التقليدية والشعبية في منطقه نجران، مثل المكمم والمذيل والمعضد والمزند، والتي أصبح بعضها ثوبا تاريخيا لا يلبس إلا في المناسبات والأفراح، مبينا أن أسعار ملابسه تتراوح بين 150 ريالا و400 ريال، وتختلف باختلاف نوع وجودة القماش، وكمية الزري والزركشة الموجودة عليه، كاشفا عن أمنيته أن تدرب وزارة العمل عددا من الشباب ليقوموا بوراثة هذه المهنة العتيقة منهم التي لا تحتاج إلى جهد كبير ومكاسبها كبيرة ومضمونة، كما أنها أفضل بكثير من العديد من الوظائف المكتبية، مبديا خوفه من انقراض هذه الحرفة في يوم من الأيام نتيجة الإهمال وسطوة العمالة الأجنبية عليها.