وزارة النقل تتعهد بملاحقة منظمي الرحلات السياحية «العشوائية» لزيارة الآثار

مدير إدارة الطرق لـ «الشرق الأوسط» : أدعو السياح للتعامل مع المرشدين المرخصين من «هيئة السياحة»

تنطلق معظم الرحلات السياحية المخالفة للأنظمة وغير المرخصة من مكة والمدينة، وفي الصورة عدد من الحجاج يستقلون سيارة «بك آب» من الحرم إلى أحد المواقع التاريخية في مكة بطريقة غير قانونية وعشوائية (تصوير: أحمد حشاد)
TT

تعهدت وزارة النقل في السعودية بملاحقة حملات الرحلات السياحية العشوائية والمخالفة للأنظمة، والمتعلقة بالمواقع التاريخية والأثرية، والقائمين على أنشطة تنظيم تلك الرحلات السياحية، وسط أرقام غير رسمية تحدثت عن أن السعودية تخسر ما يزيد على مليار ريال سنويا جراء غياب مأسسة حقيقية للقطاع.

وكشف لـ«الشرق الأوسط» مدير إدارة الطرق والنقل بمنطقة مكة المكرمة رئيس لجنة متابعة النقل المهندس محمد توفيق مدني، عن جهود حكومية لانتشال القطاع من العشوائية، مشيرا إلى أن الاهتمام بالرحلات السياحية المنظمة أمر من الموضوعات الجديدة على المجتمع السعودي، والذي - غالبا - ما يأخذ فترات زمنية مختلفة إلى حين الإيمان بالفكرة الأساسية الكفيلة بتنظيم تلك الرحلات والحد من عشوائيتها، بنشر هذا الفكر المبني على أسس علمية ممنهجة.

وأشار مدني إلى تضافر الجهود لثلاث دوائر حكومية لتعميق مفهوم الرحلات السياحية المنظمة، وهو ما أفضى إلى وجود رحلات خاصة بالنقل السياحي، وأصبح في مدن سعودية، خصوصا العاصمتين المقدستين، مرشدون سياحيون تحت مظلة الهيئة العامة للسياحة والآثار، وكل تلك الجهود تأذن بانطلاقة جديدة للنقل من شأنها أن تحد من العشوائية.

ودعا مدير إدارة الطرق والنقل بمكة إلى التعامل مع المرشدين المدربين المعتمدين والمرخصين من هيئة السياحة والآثار، مؤكدا أن الوضع الراهن عشوائي والجهات الحكومية تسعى جاهدة إلى استعادة الأمور بسن أنظمة تعاقب أي تجاوزات أو مخالفات بالمواقع التاريخية والأثرية، وأنشطة تنظيم الرحلات السياحية في مكة المكرمة، وآليات العمل المشتركة مع الفرق الميدانية التابعة للجهات ذات العلاقة لضبط المخالفين وتطبيق الغرامات والعقوبات وفق اللوائح والأنظمة حسب الاختصاص.

وقال مدني: «إن قرار المنع كان تدريجيا وراعى جوانب كثيرة، من أهمها محاولة جذب الراغبين في هذا المجال للاستثمارات وإيجاد عدد كاف بديل للكفاءات المدربة ووسائل النقل المصرحة لخدمة الزائرين والحجاج والمعتمرين، ودراسة التجاوزات الناتجة عن ممارسة أنشطة النقل وتنظيم الرحلات السياحية دون الحصول على تراخيص (الرحلات العشوائية) واستخدام وسائط نقل غير مرخصة، وقيادة وسائط النقل العامة من أشخاص غير مرخص لهم».

وأوضح خالد باهية، رئيس حملة «باهية» بالمدينة المنورة للرحلات السياحية لـ«الشرق الأوسط» أن شركته تنظم رحلات لـ73 موقعا تاريخيا داخل المدينة، بعدما أخذت «باهية» كارت الدخول للتعريف بالرحلات السياحية من هيئة السياحة والآثار، وشيوخ وعلماء المدينة وعالمي الآثار والحضارة والتاريخ، في وقت تم التجهيز لهذه الرحلات أكثر من تسعة أشهر؛ من أجل التأكد من ماهية الأماكن بشكل عملي ومدروس، والتأكد كذلك من حقيقة السرد التاريخي. وزاد: «حدثت هناك مناقشات مستمرة، أفضت إلى الاتفاق ومن ثم التوثيق».

وأضاف أنه تم التنسيق مع جميع الفنادق وتسيير الرحلات السياحية في جميع آثار المدينة، لتبدأ من الساعة التاسعة صباحا وحتى الثالثة عصرا بخمس لغات: الإنجليزية، العربية، الأوردية، الفرنسية، والفارسية، بعد استقطاب مترجمين مختصين في مجال الرحلات السياحية، موضحا أن «الرحلات عبارة عن كتب تاريخية تسرد بشكل قصصي وبأهداف تعريفية، كمعركتي أحد وبدر، وسيناريو المعركة، وأهميتهما في الإسلام والحضارة».

وأشار إلى أن هذه المعارك تسلب عقول الطلاب بشكل خاص وتؤثر في شخصيتهم الإسلامية فتكون لديهم المعرفة والآفاق المتجددة، وقد استفاد من هذا البرنامج عشرة آلاف طالب، حيث تقوم المدارس بالحجز مبكرا لكي لا يحدث تعارض، مبينا في السياق ذاته أن باكستان والهند ومصر وتركيا هي أكبر المجموعات التي تسير رحلاتها عبر «باهية».

إلى ذلك كشفت أرقام غير رسمية أن السعودية تخسر أكثر من مليار ريال سنويا نتيجة عشوائية رحلات الحج والعمرة السياحية؛ الأمر الذي أثار حفيظة المسؤولين والمستثمرين في السعودية، حيث طالبوا بتفعيل قرار مجلس الوزراء بضرورة تحرك السائح في جميع مدن البلاد دون عراقيل، مؤكدين أن المدن الصغيرة والقريبة من العاصمتين المقدستين لم تستفد بشكل جوهري من عائدات الحج والعمرة سياحيا.

وقال خالد القارحي، أحد المرشدين السياحيين في العاصمة المقدسة: «إن الرحلات السياحية الدينية تلقى طلبا كبيرا من الزوار والمعتمرين، والجهات الحكومية المسؤولة لا تسهل عمل منظمي الرحلات السياحية بشكل جيد، فيضطر بعضهم إلى عملها بأساليب غير مهنية وخارجة عن المعتاد».

هذا وتعد السياحة في السعودية من القطاعات الناشئة في الدولة، وتعتبر السياحة الدينية أهم ركائزها، كونها مهد الحضارة الإسلامية يجعلها محل جذب سياحي، حيث يقصد المسجد الحرام والمسجد النبوي الملايين من المسلمين لأداء فريضة الحج ومناسك العمرة، وباتت تلقى دعما متزايدا من الحكومة السعودية ممثلة في الهيئة العامة للسياحة والآثار والتي من بين أهدافها تطوير وتأهيل المواقع السياحية والتراثية، والارتقاء بقطاع الإيواء ووكالات السفر والخدمات السياحية، وتطوير الأنشطة والفعاليات في المواقع السياحية، فضلا عن تنمية الموارد البشرية السياحية. وتسعى الهيئة لاستكمال مهمتها نحو تحويل السياحة إلى قطاع اقتصادي يسهم بفعالية متزايدة في الناتج الإجمالي، ودعم الاقتصاد الوطني.

وأسهم قطاع السياحة السعودي في تطور الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تجاوزت 7.2% سنة 2011. فيما تجاوزت نسبة توظيف السعوديين فيه 26% من مجموع العاملين في القطاع السياحي، والبالغ عددهم 670 ألف وظيفة مباشرة، كما أسهم هذا التوظيف بما نسبته 9.1% من إجمالي القوى العاملة بالمملكة بالقطاع الخاص. ووفقا لبيانات منظمة السياحة العالمية فإن حصة المملكة العربية السعودية من عدد الرحلات السياحية إلى منطقة الشرق الأوسط قد بلغت 32%.

سنة 2008 أعلنت منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة عن اعتبار موقع الحجر مدائن صالح كموقع تراث عالمي، وبذلك يصبح أول موقع في السعودية ينضم إلى قائمة مواقع التراث العالمي. وفي سنة 2010 أضيفت الدرعية إلى القائمة.

وبالحديث عن هذين الموقعين التاريخيين فإن مدائن صالح أو مدينة الحجر، والتي تقع في محافظة العـلا التابعة لمنطقة المدينة المنورة، وتحتل موقعا استراتيجيا على الطريق الذي يربط جنوب الجزيرة العربية ببلاد الرافدين وبلاد الشام ومصر، تعتبر أهم موقع أثري في السعودية.

والحجر اسم ديار ثمود بوادي القرى بين المدينة المنورة وتبوك، ويقال: الحجر كانت تعرف بمدائن صالح أو قرى صالح. وتقع الحجر على بعد 22كم شمال شرقي مدينة العلا ـ عند دائرة عرض 47ـ26 شمالا، وخط طول 53ـ37 شرقا ويطلق الحجر على هذا المكان منذ أقدم العصور، ويستمد الحجر شهرته التاريخية من موقعه على طريق التجارة القديم الذي يربط جنوب شبه الجزيرة العربية والشام، ومن أصحابه المعروفين بقوم ثمود الذين جاء ذكرهم بالقرآن وبأنهم لبوا دعوة نبي الله صالح، ثم ارتدوا عن دينهم، وعقروا الناقة التي أرسلها الله لهم آية.

وبحسب علم الآثار، فقد سكنت مدينة الحجر من قبل المعنيين الثموديين في الألفية الثالثة ق.م، ومن بعدهم سكنت من قبل اللحيانيين في القرن التاسع ق.م، وفي القرن الثاني ق.م احتل الأنباط مدينة الحجر، وأسقطوا دولة بني لحيان واتخذوا من بيوت الحجر معابد ومقابر، وقد نسب الأنباط بناء مدينة الحجر لنفسهم في النقوش التي عثر عليها. ولكن مدينة الحجر تحتوي على كمية هائلة من النقوش المعينية واللحيانية التي تحتاج لدراسة رموزها وفكها، ومناطق العلا وديدان والخربية هي آثار لحيانية وأقدمها ربما يعود إلى 1700 ق.م حسب الكتابات، وقد دمر جزء منها بزلزال، وأما مدينة الحجر فهي آثار المعينيين والتجار الثموديين الأوائل القادمين من جنوب الجزيرة العربية.

وقد أثبت لدى الباحثين أن الأنباط هم أول من استوطن الحجر (مدائن صالح)، وقاموا بتعميرها ويرى الباحثون أن أصل الأنباط من الجزيرة العربية، وذكر المؤرخ ديودور الصقلي أن الأنباط كانوا بدوا رعاة لا يعرفون الزراعة أي أنهم غير مستقرين، وأنهم لا يشربون الخمر، وأرضهم أغلبها صخرية وعرة. ومن المعلوم أن الأنباط قد أسسوا مملكة ضخمة امتدت من عاصمتهم البتراء (سلع) شمالا إلى الحجر (مدائن صالح) جنوبا، ولقد كان أقدم دليل يشير إلى وجود الأنباط يعود إلى القرن التاسع الميلادي، ولقد كان بداية نشأة مملكتهم في مدينة سلع المسماة حاليا بالبتراء، وهي العاصمة السياسية للأنباط. وبعدها قرروا السيطرة على طريق التجارة القديم، فأسسوا عاصمتهم التجارية (الحجر). ومن أبرز معالم مدائن صالح قصر الصانع وجبل اثلب وقصر البنت والقصر الفريد.

أما الدرعية فهي واحة تاريخية من واحات وادي حنيفة استقطبت الاستقرار الحضري منذ أقدم العصور، وتحتل منطقة انعطاف وادي حنيفة مكونة منطقة العوجاء الاسم التقليدي الذي عرفت به الدرعية. تتميز الدرعية بالمظاهر الطبيعية الجميلة كالروافد والشعاب والأراضي الخصبة وكلها معالم خلابة من التراث البيئي الذي يرتبط بتجربة الإنسان الحضارية في الاستقرار والبناء والتعمير، ويظهر المنجز الحضري من الدور السكنية وأنظمة الري والقنوات والأنفاق والقرى الزراعية بالدرعية ومحيطها الجغرافي. الدرعية اسم مكان نسب لأهله، فهي حصن الدروع، والدروع قبيلة استوطنت وادي حنيفة وحكمت الحجر والجزعة، ودعا أحد حكامها «ابن درع» ابن عمه مانع المريدي - من عشيرة المردة من بني حنيفة، للقدوم من عروض نجد شرق الجزيرة إلى مرابع وادي حنيفة، وسكن القادمون ما بين غصيبة والمليبيد، وبتاريخ قدومهم يؤرخ لتأسيس الدرعية عام 850هـ-1446م. سرعان ما احتلت الدرعية الصدارة على الطريق التجاري من شرق الجزيرة إلى غربها، إضافة إلى تحكمها في طريق الحج إلى مكة المكرمة، فامتد سلطانها على عدد من قرى وادي حنيفة وبلغ نفوذها إلى ضرماء في الجهة الغربية من جبل طويق وإلى أبا الكباش شمال الدرعية. وبظهور دعوة الإصلاح في ربوعها - بعد أن احتضن حاكمها الأمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى (1157 - 1233هـ-1788 - 1818م) دعوة الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب - بدأت صفحة جديدة في تاريخ الدرعية، حيث أصبحت أقوى مدينة في بلاد نجد تحمل رسالة الإصلاح وتحقق الكثير من النجاحات وقوى مركزها السياسي والعسكري والديني وتدفقت عليها الثروة، وتقاطر التجار على أسواقها وغدت منارة للعلم والتعليم وتوافد عليها طلبة العلم من جميع الأقطار.

وقد تم قبل نحو 3 أعوام وتحديدا في 31-7-2010 تسجيل موقع حي الطريف بالدرعية التاريخية ضمن قائمة التراث العمراني العالمي باليونيسكو.