انعدام الثقة بين القطاع الخاص والشباب يعوق تقدم برامج التوطين

الشثري: وزارة العمل بصدد إطلاق مبادرات لحماية أصحاب العمل من تعسف الموظفين

أطلقت وزارة العمل جملة من المبادرات للتقريب بين طالبي العمل وأصحاب الشركات.. وفي الصورة عدد من السعوديين والسعوديات خلال أحد لقاءات التوظيف (تصوير: خالد الخميس)
TT

المغريات العملية أمام الشباب تجعلهم منساقين لأقرب فرصة عمل تمثل لهم أمانا وظيفيا، واستقرارا طويلا في العمل، فعلى الرغم من توافر العديد من فرص العمل المخصصة للسعوديين فإن التقوقع في «بطالة مقنعة» هو السمة الغالبة، أو في أفضل الأحوال «التسرب» غير المبرر من العمل في جهة من القطاع الخاص من دون إخطار مسبق لصاحب العمل.

ويرى المهندس منصور الشثري، رئيس لجنة الموارد البشرية بغرفة الرياض، أنه توجد حالة من عدم الثقة بين الطرفين، فالشاب السعودي يتطلع للوظيفة الحكومية الرسمية، واتجاهه للقطاع الخاص يأتي بعد عدم استطاعته في الحصول على وظيفة حكومية، وأن راتبه ضعيف ولا يكفي لبناء مستقبله مما يصيبه بالإحباط الذي ينعكس على أدائه الوظيفي. وبالمقابل يشرح الشثري وجهة نظر صاحب العمل الذي يرى أنه لا يمكن الاعتماد عليه لأنه غير منضبط وظيفيا وغير ملتزم بعقد عمله، حيث يمكن أن يغادر وظيفته من دون إنذار مسبق.

وحول سؤاله عن كيفية حماية حق صاحب العمل، قال رئيس لجنة الموارد البشرية لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف لا يوجد حتى الآن نظام فعال لحماية أصحاب العمل من التسرب الوظيفي، سواء للسعوديين أو الوافدين، لكن وزارة العمل ستطلق عدة مبادرات قريبا لمعالجة هذه الظاهرة».

وكحل مقترح، يجد المهندس الشثري أن تثقيف الشباب بالسعودية بثقافة العمل بالقطاع الخاص مهمة، ويقول «يجب شرح الصعوبات التي ستواجه الشاب في بداية طريقه بالعمل في القطاع الخاص، الذي يمنحه تسلق السلم الوظيفي بشكل أسرع بكثير من القطاع الحكومي، وإقناعه بأن أمانه الوظيفي ومستقبله في أدائه وانضباطه وتطوير نفسه سيجعله محط أنظار أصحاب العمل لتقديم عروضهم له بامتيازات عالية، وبالمقابل يجب على أصحاب الأعمال تحسين امتيازاتهم الوظيفية للشباب السعودي لتشجيعهم على الاستمرار في العمل لديهم، بالإضافة لتحسين بيئة أعمالهم».

إياد الرشيد، نائب الرئيس للتسويق والمبيعات في شركة الأغذية المبتكرة، يعتقد أن عدم احترام السعوديين العاملين في القطاع الخاص هو لعلمهم المسبق أنه لا عقاب يطالهم في حال لم يلتزموا، مشيرا إلى أن أعلى نسبة تسرب من العمل في القطاع الخاص هي في قطاع المطاعم أكثر من أي قطاع آخر، مضيفا «بعد تسجيل العامل السعودي في التأمينات الاجتماعية أحيانا يعمل لدينا لمدة نصف ساعة ويترك العمل في حينه».

قلة الرواتب ليست أحد الأسباب المرجحة للتسرب الوظيفي في مجال المطاعم، خصوصا بعد رفعها إلى 4500 ريال سعودي، وإنما بيئة العمل فيها والتي لا تزال عائقا لتوطينها بعاملين سعوديين، كونهم يرونه عملا جزئيا ولا يمثل بداية لسلم وظيفي. واختتم الرشيد «أناشد وزارة العمل لتخصيص برنامج نطاقات مخصص للأفراد، فلو عمل شخص في القطاع الخاص يسجل ذلك داخل سيرته الذاتية ولا يستطيع العمل داخل منشأة أخرى إلا بعد إخلاء الطرف من الجهة السابقة».

ومن الملاحظ أن ضعف الثقافة القانونية أحد الجوانب التي طغت على حيثيات العلاقة العقدية بين العامل وصاحب العمل، فجهل العامل بحقوقه المقررة بنظام العمل السعودي قد يكلفه الكثير من الخسائر في التعويضات، أو حقوقه المقررة في حالة العجز الكامل أو الجزئي في الإصابات المرتبطة بالعمل.

وفي السياق ذاته، لمح فايز الأحمري، المستشار القانوني لشركة مجموعة «عذيب القابضة»، إلى أن أغلب المختصين بالأنظمة يتلقون طلب استشارات خاصة في حماية حقوق العامل لكونه الطرف الأضعف في علاقة العمل بينه وبين صاحب العمل. وأشار إلى أن «نظام العمل السعودي» صدر بهدف تنظيم كل تفاصيل العلاقة العمالية حماية لأطرافها ورغبة في ديمومتها بما ينعكس إيجابا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي بشكل عام، إلا أن الوضع القائم حاليا لا يظهر أي تقدم محرز لتحقيق هذه الغاية وبالذات في مجال توطين الوظائف.

وعند سؤاله عن تضرر أصحاب العمل بعدم التزام العاملين السعوديين بعقود عملهم المبرمة معهم، وقيامهم بترك العمل من دون إخطار مسبق، أشار المستشار الأحمري إلى أن ذلك يعد من المؤشرات المهمة على ضعف بيئة العمل في القطاع الخاص، وأن العمل في هذه البيئة ليس الخيار الأول بالنسبة للسعوديين، ولا يعدو كونه مسارا اضطراريا للكثير منهم، مما يوجب على الجهات المختصة تقصي أسباب ذلك ومعالجة مواطن الخلل، التي سبق أن أشار إليها أكثر من مختص، وإعادة النظر في برامج التوطين والتحفيز المطبقة حاليا في السعودية.

واستند المستشار القانوني إلى أن النظام أشار في مادته الرابعة والسبعين إلى أن عقد العمل ينتهي في حالة اتفاق الطرفين على إنهائه مع اشتراط أن تكون موافقة العامل كتابية، أو في حالة انتهاء المدة المحددة في العقد ما لم يكن العقد قد تجدد صراحة وفق أحكام النظام، أو في حالة بلوغ العامل سن التقاعد المحددة في النظام، أو في حالة القوة القاهرة التي تمنع أحد أطرافه من تنفيذ العقد لسبب لا يعود إليه، وأخيرا في حالة رغبة أحد الطرفين في إنهاء العقد إذا كان غير محدد المدة، بناء على سبب مشروع يجب بيانه بموجب إشعار يوجه للطرف الآخر كتابة قبل الإنهاء بمدة لا تقل عن ثلاثين يوما إذا كان أجر العامل يدفع شهريا، وبمدة لا تقل عن خمسة عشر يوما في الحالات الأخرى.

وأشار النظام صراحة إلى أنه في حال عدم تقيد الطرف الذي أنهى العقد - سواء كان العامل أو صاحب العمل - بالمدد المشار إليها أعلاه فهو ملزم بأن يدفع للطرف الآخر تعويضا معادلا لأجر العامل عن مدة الإشعار أو المتبقي منها، أما إذا قام أحد الأطراف بإنهاء العقد لسبب غير مشروع فقد أعطى النظام للطرف الذي أصابه ضرر من هذا الإنهاء الحق في تعويض تقدره هيئة تسوية الخلافات العمالية كجهة تقاض مختصة.

وأوضح المستشار الأحمري أن نظام العمل أكد على واجبات العامل وصاحب العمل في مقابل بعضهما البعض، وأعطى صاحب العمل صلاحية إيقاع جزاءات تأديبية على العامل في حال إخلاله بالتزاماته الواردة في العقد أو واجباته الواردة في نظام العمل، إلا أن هذه الصلاحيات قد أحاطها النظام بعدد من الأحكام التي تهدف إلى منع إساءة استغلالها والحيد عن غايتها، حيث حدد النظام أشكال هذه الجزاءات التي تبدأ بالإنذار وتنتهي بالفصل في الحالات المقررة في النظام، كما أكد على عدم جواز قيام صاحب العمل بإيقاع جزاء على العامل غير وارد في النظام أو في لائحة تنظيم العمل التي يجب أن تقر من قبل وزارة العمل، وغير ذلك من القيود والمدد التي تحقق هذه الغاية، لذلك فإن أي إجراء يقوم به صاحب العمل عند إخلال العامل بأحد التزاماته لا بد أن يكون وفق أحكام نظام العمل ذات العلاقة وأحكام لائحة تنظيم العمل المعتمدة من قبل وزارة العمل.

واعتبر النظام العقد قائما ولو كان غير مكتوب، وفي هذه الحالة نص النظام على أن للعامل وحده دون صاحب العمل إثبات العقد وحقوقه التي نشأت عنه بجميع طرق الإثبات، ومع كل ذلك فإن الأولى تحرز العامل ومطالبته بكتابة عقد العمل لحفظ حقوقه نظرا لصعوبة إثبات بعض الحقوق عند عدم وجود عقد عمل مكتوب، خصوصا في حال كان الاتفاق يقضي باستحقاق العامل لمميزات خاصة، حيث إنه في حال وقوع نزاع بشأن ذلك وعجز العامل عن الإثبات فإن الأحكام العامة في نظام العمل هي الأولى بالتطبيق.

وزير العمل عادل فقيه قال في مايو (أيار) 2012 إن عدد السعوديين في القطاع الخاص لا يزال متواضعا، إذ إن هناك اثنين سعوديين فقط من بين كل 10 عاملين في القطاع الخاص، مشيرا إلى أن عدد العاملين الوافدين في البلاد تجاوز 7 ملايين عامل. وقال فقيه حينها إن 448 ألف مواطن ومواطنة عاطلون عن العمل، مقابل 8.4 مليون عامل وافد يعمل 6.9 مليون منهم في القطاع الخاص.

وبين فقيه سعي وزارته لتطوير آليات رقابة السوق من تعزيز منظومة التفتيش وتطوير برنامج نطاقات ومكافحة التستر وترحيل المخالفين إلى جانب تصحيح الوضع التنافسي عبر تطوير أنظمة التحويلات المالية وحماية الأجور ورفع تكلفة العمالة الوافدة، فضلا عن إعانة الباحثين عن العمل عبر برنامج «حافز» ورفع كفاءة التدريب من خلال تقديم المهارات الأساسية وإطلاق برامج التجسير وبناء اشتراكات استراتيجية مع القطاع الخاص والمعاهد الدولية.

واستعرض مسيرة برنامج «نطاقات» والنتائج التي حققها حتى الآن، ثم استعرض مبادرات عمل المرأة حيث كشف عن أن نسبة الباحثات عن العمل في «حافز» 86 في المائة، 29 في المائة منهن جامعيات، بينما أقل من 5 في المائة من الرجال جامعيون، وبين أن غالبية النساء يفضلن العمل في قطاع التعليم فيما أظهر الرجل ميلا أكثر للعمل في القطاع الحكومي.