«السياحة والآثار» تتوقع نمو النشاط السياحي في جدة 15% بنهاية 2013

مدير «هيئة السياحة» في منطقة مكة: جدة تستحوذ على 25% من إجمالي الأسواق والمراكز التجارية في السعودية

جدة بوابة الحرمين الشريفين تحظى باهتمام حكومي جسدته التنمية المتواصلة للمشاريع السياحية («الشرق الأوسط»)
TT

تعد السياحة اليوم قطاعا اقتصاديا مهما يُسهم بفعالية متزايدة في الناتج الإجمالي لكثير من دول العالم، وذلك لما لها من دور في تنمية الموارد الوطنية وتوفير فرص العمل، بالإضافة إلى الأهمية الاجتماعية والثقافية، وانطلاقا من هذه الأسس، وإيمانا من السعودية بهذا الدور الذي يقوم به قطاع السياحة، فقد حرصت القيادات في البلاد على أن يكون للمملكة دور فعال ومؤثر في هذا المجال، وذلك بما يتوافق مع الثوابت والقيم والتقاليد التي يتميز بها المجتمع السعودي.

وقد جاء دخول السعودية هذا المضمار في الوقت المناسب، وذلك لما تمتلكه من مقومات وخصائص تؤهلها لأن تكون في مصاف الدول السياحية الكبيرة وتضعها على قدم المساواة مع كثير من البلدان التي قطعت شوطا في هذا الطريق، ولتحقيق ذلك تم إنشاء الهيئة العامة للسياحة والآثار، لتقوم بهذه المهمة، وتكون هي المسؤول الرئيس عن قطاع السياحة والآثار في البلاد.

وأوضح محمد بن عبد الله العمري المدير التنفيذي للهيئة العامة للسياحة والآثار في منطقة مكة المكرمة في حديث خاص مع «الشرق الأوسط»: «منذ إنشاء الهيئة العامة للسياحة والآثار، حقق هذا القطاع قفزات نوعية هائلة في كثير من الاتجاهات، التي من أهمها التنظيم والتأسيس، بالإضافة للوعي والتثقيف المجتمعي فيما يخص السياحة والآثار، وهو ما تطلب شراكة كبيرة بين كل القطاعات ذات الصلة العاملة في المجتمع، مع التركيز على دور الفرد السعودي، حيث إنه العنصر الذي يصنع السياحة وإليه تتوجه».

وأضاف: «بودي أولا أن أسلط الضوء على بدايات إنشاء الهيئة، حيث أنشئت بقرار مجلس الوزراء في أبريل (نيسان) 2000، ثم صدر أيضا قرار لمجلس الوزراء في مارس (آذار) 2008 ليصبح اسمها الهيئة العامة للسياحة والآثار، وذلك بعد ضم قطاع الآثار والمتاحف إليها، ومنذ تدشينها، جعلت رؤيتها تتمثل في تحفيز حركة السياحة، والعمل من خلال شراكات متعددة لتحقيق تنمية سياحية مميزة، ذات منافع اجتماعية وثقافية وبيئية واقتصادية، انطلاقا من قيمها الإسلامية وأصالة تراثها العريق».

وحول الدور التي تقوم به الهيئة، أوضح العمري: «تشرف الهيئة على عدة قطاعات، منها قطاع الإيواء السياحي (الفنادق والشقق المفروشة والمنتجعات) ووكالات السفر والسياحة ومنظمو الرحلات والموافقة على مزاولة الأنشطة والمهن السياحية، وتحديد الأماكن السياحية، وسبل المحافظة عليها، بالإضافة إلى الإرشاد السياحي، ومنح تراخيص مزاولة المهنة للمرشدين السياحيين بعد اعتمادهم، ودعم المشاريع السياحية، وتقديم التسهيلات اللازمة لها، بالإضافة إلى مسؤوليتها الكاملة على قطاع الآثار والمتاحف، ولعل من المهم أن يعلم النشء أن الحركة السياحية في المملكة تنهض على أسس أصيلة متعددة، وأهمها ما يتصل بقيمة الثراء الثقافي والتنوع الجغرافي والتاريخي، بالإضافة إلى الإيمان المطلق بأن السياحة عامل فاعل في حركة التطوير التي تقودها الدولة لتعزيز النمو الحضاري في الوطن، وتعزيز المعطيات الاقتصادية فيه، وذلك من خلال الالتزام الكبير بثوابت الوطن وأنظمته».

وزاد: «في المقابل، فإن أنماط الابتكار في السياحة السعودية متعددة، وذلك من خلال مختلف الأنشطة والبرامج، ومن أمثلة ذلك البرامج التثقيفية (مثل السياحة تثري وابتسم)، وكذلك الشراكات المتعددة مع الجهات المعنية، وتعدد وسائل التواصل مع الأفراد والجهات، وعقد الملتقيات والمؤتمرات السياحية الدولية، ودعم المشاريع الاستثمارية، وإنشاء المراكز البحثية السياحية، وتنفيذ الأنظمة الإدارية الجديدة، كالمشاركة بالوقت والإدارة غير المركزية».

وفي الجانب السياحي في التعليم السعودي بين العمري: «في هذا الإطار وضمن الأنشطة المتعددة للثقافة السياحة التي اعتمدتها الهيئة لتثقيف أبنائنا الطلاب في المدارس يأتي برنامجا (السياحة تثري وابتسم)، وذلك من خلال عدد كبير من الأنشطة التوعوية والتثقيفية والتدريبية التي أقرتها الهيئة بعد رصد مستوى الوعي السياحي في السعودية، وأبرز الموجهات التي تتحكم فيه، بهدف تقديم السياحة كصناعة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية، وتصحيح المفاهيم الخاطئة حولها، وترسيخ المفاهيم الإيجابية، ومساعدة أفراد المجتمعات المحلية على تركيز جهودهم في تطوير ذاتهم واستثمار إمكاناتهم».

واستطرد: «كما فعلت هذه البرامج الشراكة المتينة بين الهيئة ووزارة التربية والتعليم، وذلك بهدف تواكب الجهود من جميع الجهات والأفراد لتطوير النشاط السياحي وتوطينه، وتهيئة البيئة الحاضنة والداعمة له، وقد تم تنفيذ عدد من الأنشطة والفعاليات ضمن هذا البرنامج، وحصل هذا البرنامج على جائزة (يوليوس) للإبداع السياحي المقدمة من منظمة السياحة العالمية. الأنشطة اللاصفية بأبعادها المختلفة، ومنها الزيارات والرحلات وبرامج المراكز الصيفية، يمكن أن تُصمم وتُنفّذ بطريقة تخدم أهداف قطاعي السياحة والتعليم على حد سواء، بالإضافة إلي خدمة الأهداف التي تحقق تربية تسهم في تعزيز الثقافة السياحية الإيجابية».

وسلط العمري الحديث على أهم المدن السياحية؛ مدينة جدة (عروس البحر الأحمر) مدينة الجمال والفن والثغر الجميل في الجزء الغربي من السعودية، ويزيدها شرفا كونها بوابة الحرمين الشريفين، والمنتجع المفضل لعشاقها، وقال: «مدينة باتت من أكثر المدن السعودية شهرة، فهي تحتضن مرافق ومنشآت سياحية متطورة كالفنادق والشقق المفروشة والمنتجعات، والمطاعم التي تقدم ألوانا مختلفة من الأطعمة، إضافة إلى المراكز الترفيهية والمتاحف الأثرية والعملية والتاريخية، متاحف التراث، ومن جانب آخر تحتوي جدة على نحو 350 مركزا وسوقا تجارية، وبذلك تمثل ما يقرب من 25 في المائة من إجمالي الأسواق والمراكز التجارية بالمملكة، وكما أن جدة تعرف بالمتحف المفتوح، وذلك لوجود أكبر عدد من المجسمات الجمالية (360 مجسما) صممها فنانون عالميون في فن النحت، فجدة لم تبدأ من فراغ؛ فكل حجر فيها يحتفظ لذاته بحكاية، وكل زائر لها بالتأكيد كان له فيها مواقف لا تنسى، حتى حجارتها تكاد تنطق وتعبر عن نفسها تلقائيا، أيادي أبنائها البررة الندية التي هذبت حجارتها ورصّتها لتخرج بناء شامخا ولوحات خلابة هي شواهد لن تمحى على مر الأيام والعصور».

وبين المدير التنفيذي للهيئة العامة للسياحة والآثار في منطقة مكة المكرمة: «من أجمل ما يميز جدة كورنيشها، الذي يمتد بطول الساحل لما يزيد على 48 كيلومترا (35 كلم منه تحتوي مرافق وخدمات عامة)، ويملك أحدث التجهيزات الرفاهية والمناظر الرائعة للبحر الأحمر، وعند المشي على الكورنيش باتجاه مركز المدينة، يمكن مشاهدة أعلى نافورة في العالم؛ نافورة الملك فهد الرائعة التي ترتفع قرابة 262 مترا عن سطح البحر، وتعتبر جدة أيضا هي من أهم المدن الاقتصادية في الشرق الأوسط، وكذلك هي مدينة قابلة لأن تكون مدينة المؤتمرات والمعارض بكل جدارة، وخصوصا أن 2013 هو مؤشر قوي لانطلاقة كبيرة لسياحة قطاع المؤتمرات والمعارض الواعد في مدينة جدة، الذي أصبح يقود صناعة السياحة محليا، ويثبت، عاما بعد عام، جدارته بالمكانة المرموقة التي يحتلها على خريطة السياحة السعودية، ولعل النجاحات التي حققتها جدة خلال هذا العام من تنظيم مهرجانات ومتلقيات ضخمة وكبرى لخير دليل على ذلك، من أبرزها منتدى جدة الاقتصادي، مهرجان (هيا جدة)، مهرجان (السفر والسياحة.. بوابة العبور للسياحة)، ملتقى (شباب مكة 3)، و(مهرجان جدة 34 غير) التي سنعيش فعالياتها خلال هذا العام».

وفي هذا السياق، نجحت العروس في احتضان كثير من المعارض والمؤتمرات الكبيرة، وتحقق سنويا إنجازات غير مسبوقة في هذا المجال، وذلك يدفع بصناعة الخدمات، وفي مقدمتها صناعة السياحة، إلى النمو والتطور لمواكبة التطور السريع للسياحة المحلية في المنطقة، وأصبحت جدة بدورها محطة رئيسة للسياحة في وطننا الحبيب، حيث إن المؤشرات، وبحسب المدير التنفيذي للهيئة، تفيد بأن جدة من المتوقع أن تحقق نسبة نمو في قطاع السياحة لهذا العام في فترة موسم الصيف مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي بنحو 15 في المائة، فعروس البحر الأحمر (تسير بخطى واثقة ومتسارعة في سبيل تطوير الخدمات والمنتجات السياحية، وتتميز بفرص طيبة للغاية للوجود بموقع استراتيجي، كبوابة للحرمين الشريفين، بالإضافة إلى الجو المعتدل والمناطق التاريخية والأثرية وشبكة الخدمات والبنى التحتية التي يتم تحديثها وتطويرها والعمل بها بشكل مستمر، مما جعل المدينة أشبه بخلية نحل، وورش عمل لا تهدأ.

وهنا يرى العمري ضرورة تسليط الضوء على الطبيعة الاجتماعية لجدة، فقلما يناقش هذا الموضوع عند الإشارة لمدينة جدة، وقال: «إنها لعبت منذ سنوات مبكرة، بحكم موقعها، دور الناقل الوسيط لمكة المكرمة والمدينة المنورة، وتعاظم دورها بعد ظهور الإسلام، وكان الحج والزيارة يمثلان موردا رئيسا لها، ومع تعاقب قدوم الحجاج كل عام تنشط فيها الحركة التجارية وتفتح أمام أهلها أبوابا من الرزق، وكانت قبل افتتاح قناة السويس توزع البضائع الواردة من الهند وغيرها إلى بلاد العرب، خاصة مصر والسودان».

وأضاف: «إن عام 1367 كان نقطة تحول جذري في كيان العروس جدة فهو العام الذي بدأ فيه هدم سورها بما كان يرمز إليه من خوف وعزلة وانطواء، فانطلقت المدينة من سورها توسعا ونهوضا حتى غدت في طليعة مدن هذا الكيان الكبير، فانجذبت إليها أعداد هائلة من القاطنين الجدد الذين عشقوها بلا حدود، وروح الأسرة الواحدة هي القلب النابض والسر الحقيقي على تميز جدة عن سواها، فلا غرابة أن يكون لهذا التقارب الاجتماعي صوره ودلالاته، ولعل في مقاعد بيوت جدة القديمة وجلساتها ما يجسد جانبا من تلك الصورة بكل ما تضمنته من تواصل وحميمية وتعاضد وإنسانية».

واختتم العمري: «ستظل جدة العروس جميلة، متجددة، جذابة، مع الأزمان في تفاؤل وخير وعطاء تترجمه تطورا وبناء، وذلك بقيادة الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة رئيس مجلس التنمية السياحية بالمنطقة، وجهود الأمير مشعل بن ماجد محافظ جدة رئيس اللجنة السياحية بجدة، واهتمام الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، ونتمنى أن ترتقي خدماتنا السياحية الداخلية إلى مستوى تطلعات المواطنين والمقيمين، وأن تضاهي الخدمات السياحية الخارجية في جميع وجهاتنا السياحية المحلية من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب».