المرأة سلاح جديد لعصابات التهريب والاتجار في المخدرات

على غرار استعانة «القاعدة» والجماعات المتطرفة بها

رجال مكافحة المخدرات خلال تفقد محتويات حقيبة مليئة بالمخدرات
TT

بعد استعانة الفئة الضالة والجماعات المتطرفة خلال السنوات الماضية سواء في السعودية أو في العالم بالمرأة لدواع تتعلق بالتخفي وسهولة التنقل، شرع مروجو المخدرات في السعودية ومنطقة الخليج عموما في الاستعانة بالمرأة في الترويج، وإن على نطاق ضيق، وهذا ما أكده عبد الإله الشريف، مساعد مدير عام مكافحة المخدرات للشؤون الوقائية، بوجود حالات تورط للنساء في عمليات تهريب والاتجار بالمخدرات. إلا أن الرقم بحسب الشريف يعتبر بسيطا جدا.

وبحسب إحصائيات وزارة الداخلية السعودية، أفاد الشريف بأن عدد من تم القبض عليهن من النساء خلال عمليات القبض والمداهمة للأشهر الـ8 الماضية هو ثلاث نساء (سعودية واحدة، واثنتان من الجنسية السورية). وبحسب مساعد مدير عام مكافحة المخدرات فإن الإرهاب يعد قرينا للمخدرات، حيث قال «لا شك أن المرأة تستغل في التهريب من خلال إغرائها»، مشيرا إلى إعداد المديرية العامة لمكافحة المخدرات برامج للتوعية بخطورة التغرير بالنساء وتحذيرهن من استغلالهن في جرائم الاتجار بالمخدرات.

من جانبه، قال الدكتور فايز الشهري، أمين اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات (السابق)، إن «أساليب تهريب المخدرات لا تستثني ولا تحرم أي رموز دينية أو العرض والشرف، مما دفع بالمهربين إلى استغلال خصوصية المرأة واستغلالها لترويج المخدرات، ولم يتوقف الأمر على المخدرات بل تم استغلالها في تجارة الدعارة والتطرف الديني». وأضاف الشهري أن «الوعي العام ارتفع في الآونة الأخيرة في السعودية بسبب تكثيف حملات التوعية من قبل وزارة الداخلية إلى جانب ارتفاع مستوى التعليم في البلاد، ولم يعد الضحية ضحية بالفعل المباشر بل إن هناك استغلالا لظروف معينة سواء من الطمع والرغبة في الثراء أو ضعف القيم والأخلاق».

وبين الشهري أنه من خلال الرصد والمتابعة تبين أن عصابات المخدرات تحاول خلق سوق لها في السعودية، وتستغل كل الطرق لتمرير هذه البضاعة إلى الداخل، وتجند الكثير من الوسائل لزيادة عدد المتعاطين مستغلة بذلك النمط الاستهلاكي من قبل الأفراد، إلا أن الطابع الديني والمحافظ لا يزال أكبر رادع، وحرم العصابات من خلق تجارة للدعارة المرتبطة غالبا بتجارة المخدرات.

وأشار أمين اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات السابق إلى أن العصابات تستغل المرأة في ترويج المخدرات وتمريرها عبر منافذ التفتيش الأمني، إلا أن الأنظمة والتعليمات تؤكد على تفتيش المرأة عند الاشتباه فيها إلى جانب استخدام التقنية التي استطاعت الكشف عن المخدرات مهما كانت طرق إخفائها، مقترحا أن تتم زيادة عدد المفتشات النسائية في المنافذ الحدودية لمراعاة خصوصية المرأة والقيام بإجراءات التفتيش المطلوب للحد من استغلالها في تهريب الداء الفتاك.

من جانبها، أكدت اسما فخري، خبيرة مكافحة المخدرات في مكتب دول مجلس التعاون الخليجي (الإمارات) ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، على هامش الندوة الإقليمية الثانية لمكافحة المخدرات وتبادل المعلومات أن قضية تهريب المخدرات والاتجار بها لا تختلف من حيث الجنسين، مفيدة بلجوء العصابات إلى تطوير أدوات ووسائل التهريب بعد انكشاف عدد منها، الأمر الذي يفتح الباب صوب استغلال النساء والتغرير بهن في هذا المجال وبالأخص في ظل اعتبار منطقة الخليج محطة عبور مهمة لعصابات المخدرات.

وشددت على ضرورة تفعيل دور المرأة في مجال مكافحة المخدرات والمشاركة في عمليات الضبط والمداهمات وتأهيل خبيرات في مجال مكافحة المخدرات لتمكينها من لعب دور في الحد من عمليات التهريب، منوهة بأن ارتباط النساء كمهربات وتاجرات للمخدرات إنما يعود إلى ارتباطهن بجرائم الاتجار بالبشر والتي يقع أغلب ضحاياها من النساء.

من جهة أخرى، فاجأت نورا فالكاو، مديرة المعهد الوطني لإساءة استعمال المخدرات بالولايات المتحدة الأميركية، بتأكيدها خلال إلقائها ورقة العمل الخاصة بشأن الإدمان وتأثيره على الجنسين، أن تأثير المخدرات وضررها على الرجل أكبر مما تحدثه لدى المرأة نتيجة هرمون الاستروجين لدى النساء بخلاف الرجل الذي يعد مقاوما للآثار الجانبية التي قد يخلفها الإدمان.

من جانبها، أوضحت مديرة الشؤون النسوية في المديرية العامة لمكافحة المخدرات أمل خاشقجي أن المرأة أثبتت أهميتها في مكافحة المخدرات وأصبحت عضوا مهما في فرق المداهمات، حيث عينت المديرية العامة لمكافحة المخدرات مؤخرا 100 مفتشة سعودية برتب عسكرية في مختلف مناطق المملكة لمرافقة فرق الدهم، مؤكدة أن برنامج «سفيرات مكافحة المخدرات»، والذي أطلقته إدارة الشؤون النسوية بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات بالتعاون مع جامعة الملك سعود قبل 3 أشهر، لقي نجاحا كبيرا، وتعتزم الإدارة إطلاق نسخة أخرى على نطاق أوسع للإعلاميات ليصبحن سفيرات لمكافحة المخدرات في المملكة.

وفي سياق متصل، خلصت التوصيات التي قدمتها أوراق العمل في الندوة الإقليمية الثانية لمكافحة المخدرات وتبادل المعلومات بالعاصمة السعودية الرياض، إلى ضرورة الاهتمام بالبرامج المخصصة للاكتشاف المبكر للتعاطي عند النساء، والدعوة إلى إنشاء مراكز للرعاية النهارية وإعادة التأهيل.

كما دعت التوصيات إلى الاهتمام بتفعيل الخط الساخن في مراكز وزارة الصحة ومستشفياتها العامة للتدخل السريع، ووضع استراتيجية تتناوب على تطبيقها كل الجهات المعنية التي تمنح تراخيص الجودة مثل «الآيزو» في المؤسسات الحكومية والخاصة ليكون من شروطها توضيح سياسة المؤسسات في وقاية العاملين من تعاطي المخدرات.

وذهبت التوصيات للتأكيد على ضرورة إزالة بعض المعوقات التي تقف أمام الإعلام في تأدية دوره الاجتماعي، وتنمية مهارات الاتصال، وتدعيم الحوار كإجراء وقائي لمكافحة المخدرات بين النساء على وجه الخصوص. وأضافت التوصيات ضرورة طلب العمل على برامج متخصصة للحوار مع المتعافين من الإدمان لضمان عدم عودتهم، بالإضافة إلى تحقيق الأمان الاجتماعي والنفسي عن طريق الحوار وبالتالي تحقيق الأمن الفكري. وطالبت التوصيات بتقييم الوضع الحالي لواقع المخدرات حتى يسهم الإعلام في توجيه السياسات والبرامج ويسهم في تأدية وظيفته بشكل أفضل.

وشددت التوصيات على الاهتمام بالتنسيق بين القطاعات المختلفة لتشكيل ما يسمى فرق عمل وطنية للحد من المخدرات، ومتابعة المعايير الدولية المنصوص عليها للوقاية من المخدرات، والوصول لتطوير تلك المعايير للوصول لتنفيذ برامج وقائية بجهود متكاملة ومتناسقة تستند إلى الأدلة لتصبح فعالة وتتسم بالكفاءة.

وفي سياق ذي صلة، أوضح الدكتور عبد الحفيظ المالكي، المختص في شؤون المخدرات بالسعودية، أن هناك تحالفات مشبوهة بين تنظيم القاعدة وتجارة المخدرات وغسل الأموال والجريمة المنظمة لتمويل أعمالها، موضحا أنه بالنظر إلى بعض ما ورد في البيانات السابقة لوزارة الداخلية حول المضبوطات لدى أفراد الفئة الضالة من الأموال الطائلة، والأسلحة المتنوعة والمتطورة، ووسائل الاتصالات الحديثة، والمتفجرات ومواد صنعها التي تقدر بالأطنان، يتكشف مدى تورط تلك الفئة الضالة في عمليات المخدات وغسل الأموال.

وتشكل المرأة بطبيعة تكوينها الاجتماعي وسط بيئة محلية تنتهج المحافظة أحد السبل التي يتم من خلالها التغرير بالنساء لترويج المخدرات ونشر أفكار تنظيم القاعدة، وكشفت العديد من العمليات الأمنية التي قامت بها السلطات السعودية عن تورط عدد من النساء السعوديات في عمليات لوجيستية لتلك الفئة الضالة.

وتأتي محاكمة هيلة القصير ضمن ما بات يعرف إعلاميا بقضية نساء القاعدة، حيث شرعت المحكمة الجزائية المتخصصة بجدة في النظر في التهم الموجهة من المدعي العام إليها في 31 يوليو (تموز) 2011، حيث جاء في صحيفة الدعوى أنها امرأة سعودية تعد أحد أخطر العناصر «النسائية» في تنظيم القاعدة الإرهابي، متهمة بالانضمام لتنظيم القاعدة وإيواء بعض المطلوبين أمنيا، وتجنيد عناصر لتنظيم القاعدة الإرهابي وتمويل الأعمال الإرهابية وحيازة أسلحة لاستخدامها في الجرائم الإرهابية، وكذلك شروعها في الخروج لمواطن الفتنة والقتال من دون إذن ولي الأمر والمشاركة في مساعدة وتنسيق وتزوير بطاقات هوية شخصية للراغبين في الخروج والقتال في مواطن الفتنة والقتال.

وكانت السلطات الأمنية قد ألقت القبض على هيلة القصير في منطقة القصيم عام 2010، فيما صدر عليها حكم قضائي «ابتدائي» في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2011 من المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض، يقضي بسجنها 15 سنة من تاريخ توقيفها ومنعها من السفر لمدة 15 سنة بعد خروجها من السجن.

ومنذ أن صدرت نشرة «صوت الجهاد» التابعة لتنظيم القاعدة عام 2003 حتى اختفت بفعل الضربات الأمنية المتتالية للتنظيم في السعودية، كان الصوت النسائي فيها شبه معدوم، ما عدا مجلة «الخنساء»، التي ما إن صدر عددها الأول حتى اختفت حيث كانت تقودها «أم أسامة» - مصرية الجنسية - وكانت تنادي النساء بنصرة المجاهدين في مهام لا تتجاوز الطبخ والدعم المادي فقط، وهو ما دفع بنساء أعضاء تنظيم القاعدة إلى الظهور من خلال بعض المواقع الإلكترونية تحت أسماء مستعارة، ولم تتبين هويتهن إلا بعد القبض على أو قتل أزواجهن.

وفاء الشهري وهيلة القصير كانتا من أشهر الشخصيات النسائية المتطرفة، بسبب الإعلان عن شخصيتيهما، إلى جانب زوجة المطلوب قائد تنظيم القاعدة سابقا في السعودية صالح العوفي، والذي لقي حتفه على يد قوات الأمن في السادس من أبريل (نيسان) عام 2005. ومنذ عام 2006 تقريبا، انتهى الحديث عن الدور النسائي في تنظيم القاعدة، عدا استخدام الإرهابيين الذكور للأزياء النسائية للتخفي، إضافة إلى تقارير أمنية عن استخدام بعض الإرهابيين لزوجاتهم أو أمهاتهم للسفر بهن إلى دول مجاورة بهدف شراء الأسلحة وتهريبها.

أول عودة للدور النسائي منذ ذلك الوقت جاءت على يد وفاء الشهري، زوجة سعيد الشهري نائب قائد تنظيم القاعدة في اليمن حاليا، حيث تجسدت تلك العودة في نداءات لزوجات الإرهابيين من أجل اللحاق بأزواجهن إلى اليمن مناصرة لهم. وكانت وفاء الشهري قد غادرت مسكن والدها بحي النسيم شرق الرياض إلى اليمن يوم العاصفة الترابية التي شهدتها العاصمة السعودية، وحجبت الرؤية كليا، مما أدى إلى اختفائها مع أبنائها الثلاثة، لتظهر بعد ذلك في اليمن ضمن حوار بث عبر الإنترنت بأحد المواقع القريبة من «القاعدة في جزيرة العرب»، وأطلقت على نفسها اسم «أم هاجر الأزدية».

يشار إلى أن إحصائيات صادرة في وقت سابق عن مستشفيات الأمل في عدد من مناطق السعودية كشفت عن أن نسبة مدمنات المخدرات ارتفعت إلى 20 في المائة عنها في الأعوام الماضية، وقدرت تلك الإحصائية عدد حالات الإدمان بين النساء السعوديات بـ320 حالة، جرى علاج 290 حالة منها، فيما بقيت 30 حالة تحت العلاج، وبينت تلك الإحصائيات أن النسبة العظمى من الحالات دون الـ15 عاما، وبلغت هذه الشريحة 30 في المائة من مجموع الحالات، بينما بلغت 20 في المائة للحالات التي فوق 20 عاما.