السيول تعيد تقصير المقاولين إلى الواجهة.. وتوقعات بخسائر ضخمة لشركات التأمين

«الدفاع المدني» في الباحة وضع سد العقيق تحت المراقبة القصوى وأطلق صافرات إنذار

TT

أعادت السيول التي اجتاحت مناطق عدة في السعودية، إلى الواجهة، قضية محاسبة من كان لهم دور في حدوث أضرار كبيرة في ممتلكات مواطنين ومقيمين، إضافة إلى دور شركات التأمين في التعويض عن المتضررين.

وأدت الأمطار الغزيرة إلى وفاة 24 شخصا، وفقدان 4 آخرين في أنحاء المملكة خلال الأسبوع الماضي، كما غمرت مياه السيول عددا كبيرا من المنازل، ما أجبر 4544 شخصا على مغادرة بيوتهم المتضررة، وابتلعت بعض الأودية مئات السيارات في مختلف المناطق، وانهار سد تبالة في محافظة بيشة الذي تبلغ قدرته التخزينية 68 مليون متر مكعب، ما دفع فرق الدفاع المدني إلى إجلاء ساكني 9 قرى، وغرقت أحياء في محافظة الطائف، كما شهدت بعض محافظات منطقة الرياض أمطارا غزيرة أدت إلى غرق مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في محافظة الزلفي، وتضرر طرق في محافظة الأفلاج.

وأمام هذا الواقع، أكد متخصصون في مجال البناء والتأمين، أن 4 جهات تتحمل المسؤولية عن الأضرار التي أصابت مباني وسدودا في بعض المناطق، تتمثل في الجهة مالكة المشروع، والمصمم، والمقاول، والمشرف الاستشاري على المشروع، داعين إلى أن تكون تلك الجهات تحت طائلة المساءلة والحساب، إذ لم تسجل أي واقعة بإلزام المقاول أو الجهة المنفذة دفع تعويضات لمتضررين.

وأشاروا إلى أن الدولة تتكفل بتقديم التعويضات للمتضررين من السيول، كما تحملت في وقت سابق دفع التعويضات من أضرار السيول في جدة وتبوك، إضافة إلى أنها تقدم المأوى المؤقت والإعاشة لمن تضررت منازلهم، فيما لم يتم تسجيل تعويضات مالية من قبل شركات البناء أو التأمين على المركبات.

وقال رئيس اللجنة الوطنية للمقاولين فهد الحمادي لـ«الشرق الأوسط»: «هناك إشكالية وخلل واضح في مثل هذه المشاريع الكبيرة؛ لعدم مراعاة النظرة المستقبلية في تنفيذها، فنتج عنها أنها لم تكن قادرة على استيعاب مثل هذه السيول، فكيف الحال إذا حدث طوفان تفوق شدته السيول بثلاثة أضعاف».

وفند كيفية محاسبة المقصر في هذه المشاريع بمعرفة نوع الخلل، فإن كان من التصميم يعفى المقاول، وإن كان التصميم متوافقا من النظرة المستقبلية ولديه القدرة على استيعاب السيول تتم محاسبة الإشراف والمقاول والجهة المنفذة التي تبحث وفق مناقصاتها عن أقل الأسعار، ما يجعل المقاول يقلص المصاريف بإيجاد مهندسين أقل خبرة وجدارة في تنفيذ مشاريع السدود والجسور.

واستبعد أن يفرض على شركات المقاولات أو المصممين دفع تعويضات مالية للمتضررين إن ثبت التقصير عليهم، وذلك لأن المشروع عائد لجهة حكومية هي صاحبة المشروع والمسؤولة عنه.

وتابع الحمادي: «المسؤولية تقع على الأضلاع الأربعة، بدءا من الجهة مالكة المشروع، والمصمم، والمقاول، والمشرف على المشروع»، لافتا إلى أن عددا من مهندسي التصميم يعتمدون على مكاتب خارجية في تصميم مشاريع كبرى لفارق التكلفة وتدني الأسعار.

إلى ذلك، اعتبر الخبير في قطاع التأمين مدير شركة «توكل لوساطة التأمين» محمود عيسى، أن المشكلة تكمن في عدم وجود منتج واضح المعالم من شركات التأمين الوطنية والعاملة في المملكة تحت اسم «ضد السيول»، سوى ما طرحته إحدى الشركات، ولا يتضمن التعويض سوى إصلاح المركبات المتضررة، مشددا على أهمية إلزام هذه الشركات بإيجاد منتج جديد يخدم مالكي المركبات بعد أن سجلت المملكة تكرارا في حوادث السيول خلال الأعوام الأخيرة.

وأكد أن الدولة وحدها تتحمل تعويض أصحاب المركبات المتضررة، ولم يسجل سابقا أن عوضت شركة تأمين مواطنا أو مقيما تعرضت مركبته لتلفيات جراء السيول، مشيرا إلى أن تقدير حجم خسائر أصحاب المركبات غير ممكن الآن؛ لأن لجان حصر الأضرار لا تزال تعمل، لكنه قدرها بملايين الريالات.

على الجانب الآخر أشرقت الشمس على مختلف المناطق السعودية أمس، بعد أسبوع ملبد بالغيوم التي حملت أمطارا غزيرة إلى غالبية المحافظات، وأدت إلى سيول جارفة أجبرت 4544 شخصا على ترك منازلهم، وخلفت 24 غريقا، و4 مفقودين خلال أسبوع، وفق حصيلة أعلنت عنها المديرية العامة للدفاع المدني التي أكدت أنها ستستمر في تنفيذ خطة انتشار وتمركز لوحداتها الميدانية في المواقع المتضررة من الأمطار والسيول؛ تحسبا لأي بلاغات عن انهيارات صخرية أو انحراف حركة المياه في الأودية عن مسارها الطبيعي، ومواصلة عمليات البحث عن المفقودين.

وأوضح المدير العام للدفاع المدني الفريق سعد التويجري في بيان أمس، أن غرف عمليات الدفاع المدني في جميع المناطق تلقت على مدار الأسبوع الماضي وحتى منتصف أمس (الجمعة) 42639 بلاغا جراء الأمطار والسيول، كان الجزء الأكبر منها عن احتجاز مياه الأمطار والسيول أشخاصا داخل المركبات بنسبة تزيد على 55 في المائة من عدد البلاغات، ثم الحوادث المرورية بنسبة 30 في المائة، ثم حوادث احتجاز المواطنين في المنازل والاستراحات والأودية بنسبة 10 في المائة تقريبا من عدد البلاغات، إضافة إلى بلاغات عن حوادث تماسات كهربائية، وانقطاع خدمات الاتصالات، وغرق أشخاص بنسبة 5 في المائة من إجمالي البلاغات.

واعتبر أن الاستعداد الجيد لقوات الدفاع المدني المجهزة بكل الآليات والمعدات، كان له أثره في تخفيف الآثار المترتبة على السيول والأمطار إلى أدنى الحدود الممكنة.

وأضاف أن أكثر من 700 فرقة ووحدة ميدانية للدفاع المدني شاركت في مباشرة البلاغات المرتبطة بالحوادث الناجمة عن الأمطار، طوال الأسبوع الماضي، تدعمها 40 طائرة عمودية من أسطول طيران الأمن في أعمال البحث والإنقاذ، وتنفيذ خطط الإخلاء والإيواء، وتوصيل المساعدات الإغاثية ومستلزمات الإعاشة والرعاية الصحية إلى عدد من القرى المعزولة التي تسببت الأمطار والسيول في تضرر الطرق البرية الموصلة إليها.

وأكد التويجري نجاح رجال الدفاع المدني في إنقاذ 6362 شخصا، وإيواء 4544 آخرين، بعد إجلائهم من منازلهم التي تضررت من الأمطار الغزيرة في عدد من المدن والمحافظات، إضافة إلى انتشال جثامين 24 متوفى، واحد منهم في المدينة المنورة، و5 في محافظة العقيق، و3 في محافظة الخرج، و3 في محافظة الأفلاج، وواحد في محافظة الحريق، وواحد في محافظة المجمعة، وواحد في محافظة القويعية، و7 في محافظة الطائف، وواحد في محافظة بيشة، وواحد في خميس مشيط، في حين يتواصل البحث عن 4 مفقودين، واحد منهم في منطقة حائل، و3 في منطقة الباحة، يحتمل أن تكون السيول جرفتهم أثناء وجودهم في عدد من الأودية.

وتطرق إلى أن جميع وحدات وفرق الدفاع المدني ستبقى على أهبة الاستعداد رغم توقف الأمطار على معظم المناطق؛ للتعامل مع أي بلاغات أو حوادث يمكن أن تحصل نتيجة ارتفاع المياه خلف السدود، أو تحرك السيول المنقولة في اتجاهات غير متوقعة، إضافة إلى أعمال حصر وتقدير الأضرار، مشيرا إلى استمرار التنسيق والتواصل مع الرئاسة العامة للأرصاد الجوية لسرعة الاستعداد والاستجابة لأي تغيرات مناخية مفاجئة.

ونوه التويجري بمستوى التنسيق والتعاون بين الدفاع المدني وجميع الجهات الأعضاء بمجلس الدفاع المدني، البالغ عددها 18 جهة، في تنفيذ خطة الطوارئ المعتمدة لمواجهة مخاطر الأمطار والسيول، وتقديم خدمات الإيواء والإعاشة والرعاية الصحية للمتضررين، وحصر الأضرار، مؤكدا استمرار هذا التعاون والتنسيق إلى حين إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل سقوط الأمطار.

ودعا المواطنين والمقيمين إلى أخذ الحيطة والحذر، وعدم المغامرة بالخروج إلى مناطق التنزه في المناطق القريبة من الأودية ومصارف السيول والمستنقعات المائية، وذلك لتجنب مخاطر مخلفات الأمطار من السيول المنقولة، أو تساقط الصخور، أو هبوط التربة، إلى حين استقرار الأوضاع وإزالة مسببات الخطورة.

من جهته أوضح الناطق الإعلامي بمديرية الدفاع المدني بمنطقة الباحة المقدم جمعان بن دايس الغامدي، أنه نظرا لارتفاع منسوب مياه سد العقيق وبداية فيضانه باتجاه مجرى الوادي، فقد تم إطلاق صافرات الإنذار كإجراء احترازي لتنبيه المواطنين والمقيمين من خطر البقاء في مجرى مياه السد، وعدم المجازفة بعبورهم له، أو البقاء فيه، لما قد يسببه ذلك من احتجاز وضرر لهم ولمركباتهم.

وقال: «ولما لجانب التوعية الوقائية من اهتمام بالغ في تنبيه المواطنين وتحذيرهم، فإننا ننصح جميع الأهالي وسكان القرى القريبة من مجرى مياه السد بعدم الخوف والهلع عند سماع أصوات صافرات الإنذار، حيث إن هذا الإجراء هو إجراء احترازي يستخدم فقط لتنبيه الإخوة المعرضين لخطر البقاء في داخل مجرى المياه».