رئيس المساحة الجيولوجية: الربع الخالي لم يعد خاليا.. وهناك فرق ميدانية للتنقيب عن النفط والغاز والمياه

الدكتور زهير نواب حذر في حوار مع «الشرق الأوسط» دول الخليج من مخاطر تسربات «المفاعل الإيراني» عند الزلازل

الدكتور زهير نواب رئيس هيئة المساحة الجيولوجية السعودية (تصوير: سلمان المرزوقي)
TT

دعا الدكتور زهير نواب، رئيس هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، دول مجلس التعاون الخليجي إلى وضع خطط وبرامج لمواجهة أي تسرب أو إشكالات قد تحدث مستقبلا من المفاعل النووي الإيراني نتيجة أي زلازل تزيد على 8 درجات بمقياس ريختر. وأكد نواب في حوار مع «الشرق الأوسط» أن «الربع الخالي لم يعد خاليا، حيث توجد هناك فرق للبحث عن البترول والغاز وفرق من وزارة المياه للتنقيب عن المياه والاستفادة منها». وإلى تفاصيل الحوار:

* حذرتم مؤخرا من خطورة مفاعل إيران على دول الخليج، وضرورة وضع خطة لإمكانية تسربه في حالة وقوع زلازل؟ ما مدى المخاطر؟

- أولا، المفاعل الإيراني بوشهر في إيران موجود في منطقة «حزام زلازل غير آمنة»، لكن المسؤولين في إيران صرحوا بأن هذا المفاعل يستطيع تحمل هزة أرضية قوتها 8 درجات على مقياس ريختر. المتخصصون يعرفون أن المقصود بهذا الكلام أنه إذا ما حدثت هزة أرضية قوتها 8 درجات مركزها تحت المفاعل، فإن تأثيرها سيكون مباشرا على المفاعل.

لكن، لو كانت 8 وهي بعيدة عن مركز القوة للمفاعل فستكون أقل من الـ8 درجات. نحن نأخذ كلام المسؤولين الإيرانيين باعتباره مسلما به.. ولا يحق لأي دولة خليجية أو في العالم، أن تقوم بفحص الموقع، فإيران تعتبره أرضا سيادية ولن تسمح لأحد بأن يقوم بأي فحص. هذا كلامهم، نحن نفترض أنه كلام صادق.. هي منطقة إيرانية وبها مواطنون إيرانيون.. وأي زلزال سيؤثر عليهم أكثر مما يؤثر على غيرهم.. فلا بد أنهم أخذوا المعايير هذه بشيء من الجدية والمصداقية. أما نحن، فنتخوف من حدوث هزة - لا سمح الله - أكثر من 8 درجات ومركزها تحت المفاعل تحديدا، فما المصير الذي ينتظر هذا المفاعل؟ وما الاحتياطات الموجودة لدى الإخوة في إيران للتدخل السريع ومعالجة المشاكل التي قد تطرأ، وخصوصا أننا جيران ولا نبعد عن المفاعل أكثر من 200 كيلومتر. ومن هذا المنطلق، على دول مجلس التعاون أن تسارع بإنشاء هيئات متخصصة لوضع الاستراتيجيات للأحوال البيئية وسلامة المواطنين، والإجراءات الواجب اتخاذها من الجهات المختصة مثل الدفاع المدني أو وزارة الداخلية، وتكون هذه الطرق والإجراءات موجودة ومدروسة وتوزع على الجهات والتجمعات.

* هل تعني أنه من الممكن عمل مشروع أو أي حل آخر لمنع أو احتواء هذه الكارثة لو وقعت ذات يوم؟

- هناك إجراءات محددة تقوم بها هيئات متخصصة، من تحضيرات وتثقيف المواطنين، إلى عمل برامج توعوية ودارسات في المدارس الابتدائية والثانوية لتثقيف الناس، مثلما يحصل في اليابان. وعندما حدثت كارثة تسونامي وضرب المفاعل (تحت الأرض)، عمدوا إلى إجراءات تعلموها مسبقا، يعرفها الطلاب وعناصر الدفاع المدني وقوات الطوارئ والمواطنين أيضا. هذه الإجراءات أصبحت جزءا من الثقافة في اليابان، وهذا ما نحتاجه عندنا في السعودية ودول مجلس التعاون. يجب أن يحدث تحرك متخصص في الاستعداد فيما لو حدث حادث كبير من هذا النوع.

* كيف تعلقون على حديث بعض الخبراء الذين يرون أن المفاعل النووي قد يتسبب ذات يوم في كارثة مائية؟

- هناك تضخيم لهذا الأمر ويحدث عن طريق وسائل الاتصال المختلفة ويتم تداوله بحسن نية، لكن كثيرا من أخبارها غير صحيحة.

* لكن هذا الحديث لم يكن مجرد رسائل، بل حديث لأحد المتخصصين على إحدى القنوات الفضائية؟

- أنا لست الشخص الذي يفيد الآخرين في هذا الموضوع، هل يقصد أن تتلوث مياه الخليج بشيء من المياه الثقيلة التي فيها إشعاعات. لا أعرف المقصود تحديدا، وإن كنت متخصصا بالجيولوجيا ولي علاقة بالهزات والزلازل لا أرى ذلك، وكثير من العلوم تخضع لمدارس مختلفة وأفكار مختلفة، قد يعتقد ذلك أحدهم.. ويرى غيره خلاف ذلك نتيجة بيانات محددة.. ولكن، لا أشاطره هذا الرأي.

* هناك شائعة تداولها الناس في أبريل (نيسان) الماضي عن احتمال حدوث زلزال مدمر، فما القصة؟

- هذا حديث قيل إنه صادر عن وكالة الجيولوجيا الأميركية وإن الزلزال قوته 10 درجات بمقياس ريختر، وسيقع ما بين 25 و30 أبريل وستتعرض له منطقة الخليج. وفي هذا السياق، أقول إنه لا توجد وكالة اسمها وكالة الجيولوجيا الأميركية على الإطلاق.. وهو كلام غير صحيح.. يحتمل أن يكون هناك خطأ في الاسم.. ولك أن تتصور حجم الدمار الذي يحدثه زلزال بقوة 10 درجات وهو آخر معيار في مقياس ريختر.. نقول مثلا قامت القيامة. لا أحد يستطيع أن يتصور مدى الدمار الذي يحصل من هزة أرضية بقوة 10. الأمر الآخر أنه كثر الحديث أو السؤال متى تجيء هزة أرضية. من الناحية العلمية، من المعروف أن الكرة الأرضية فيها أحزمة محددة، والزلازل محصورة بين هذه الأحزمة وموجودة في مناطق محددة ومعروفة، لكن قوة الهزة الأرضية تنتشر إلى مناطق بعيدة. والإحساس والشعور بالهزة، قد يصل إلى بعد 700 كيلومتر رغم بعده عن موقع الهزة وعدم وجود هذه المنطقة في منطقة زلازل. اليوم المحدد للهزة مضى، ونحمد الله أنه لم تقع أي هزة.. وعلى الناس أن يدركوا أن التوقعات ليس معناها أن شيئا مؤكدا قد يحدث.

* لكن، ألا توجد مؤشرات تسبق الزلزال ليتسنى للجهات المراقبة تحذير الناس وتنبيههم؟

- الزلزال نتيجة حركة الصخور في باطن الأرض. وباطن الأرض ديناميكي، ليس جامدا، ومتحركا دائما، فنحن متأكدون، ونسجل الزلازل بصفة يومية في أماكن متعددة من العالم، بما في ذلك الجزء الغربي من السعودية نسجلها يوميا لكنها ضعيفة، فهي جزء من حركة الأرض وتكوينها، وهي أشياء أوجدها الله، فقد تكون محنة أو منحة ونعمة. كثير من صخور البراكين فيها فوائد للناس كبيرة.

* يتردد أن مدينة جدة، وبعد الأمطار المتوالية في أعوام مضت، باتت تتكئ على موقع ضعيف وأرضية هشة مهددة بالزلازل، ما صحة هذا الافتراض؟

- غير صحيح، أرضية جدة هي أرضية جدة، لكن قد يكون الذي حصل أن جدة وقد كانت محاطة بسور، ويسكنها 100 ألف إلى 300 ألف فقط لم تكن تمر عليهم السيول التي تأتي من شرق جدة والأودية التي تتجه نحو أبحر والكراع والسلامة وجنوب جدة. تهطل الأمطار وتذهب إلى البحر ولا تمر على جدة لأنها كانت صغيرة جدا، واليوم جدة رسميا يقطنها 3 ملايين شخص وغير رسمي نحو 4.5 مليون نسمة، وامتدت إلى أكثر من 120 كيلومترا من الشمال للجنوب. ويقطع جدة اليوم أكثر من 11 واديا لم تكن تقطعها في السابق.

يأتي المطر ويذهب إلى البحر ولا أحد يتابعه، لكن أيضا من الناحية الطبيعية أنه مع التوسع والخدمات، قام البعض بالبناء في بطون الأودية، وتمدد العمران إلى مناطق خطيرة، والمطلوب تهيئة بنية تحتية تستطيع أن تمنع السيول عن المرور في هذه الأودية، وهذا ما تم الآن معالجته في السنوات الأربع الماضية في جدة.

* كيف تفسر الهبوط الذي شهدته مبان ضخمة في حي الحرمين بجدة؟

- هنا نقول إن التوسع الحضري وعدم وجود بنية تحتية سليمة وراء ما حدث. فالدولة صرفت مئات الملايين لمشاريع الصرف الصحي واتضح أنها غير سليمة، لذلك كان الصرف الصحي عن طريق حفر البيارات، وهذه أشبعت أرضية جدة بمياه تهاجم الخرسانة والبنية التحتية وتعمل على تآكلها وتقلل من عمرها الزمني والافتراضي، بحيث أصبحت التربة مخلخلة، والأرض مليئة بالمياه، وارتفع منسوب المياه في باطن الأرض، فلو حفرت مترا فستجد مياها في أرض جدة، هذه كلها ساهمت في التأثير على قوة تحمل المباني وعلى سلامتها.

* الآن وبعد تنفيذ جملة من مشاريع درء السيول في مدينة جدة؟ بموقعكم ودوركم.. ما توقعكم لما ستكون عليه الأمور لو هطلت أمطار غزيرة مرة أخرى؟

- الأمطار منحة إلهية، وتأتي على درجات متفاوتة، وحسب الدراسات لها شدة تكرارية، بعضها كل 5 سنوات بشدة معينة، وأمطار كل 20 سنة، وأمطار كل 50 سنة، ونقرأ تعليقات لبعض كبار السن يقولون إن هذا السيل جاء قبل 50 سنة، والأمطار التي هطلت على جدة قبل 3 سنوات كانت دورة لـ50 عاما، وقبل هذه الفترة كانت حدود جدة شارع فلسطين. كل الأودية التي فاضت ذهبت للبحر ولم يتضرر منها أحد في ذلك الوقت، هناك شدة مطرية كل 100 سنة وكل 200 سنة وهذه أقوى وأقوى وأقوى، وهناك شدة مطرية، نسأل الله ألا تتكرر، وهي طوفان سيدنا نوح الذي أغرق الأرض. ونحب أن نقول للناس إن الشدة المطرية لـ30 سنة أو 50 سنة لو تكررت، بإذن الله، مع الإجراءات التي تمت والأموال التي ضختها الدولة في إصلاح البنية التحتية، إن شاء الله لن يكون لها الضرر نفسه الذي حدث إطلاقا.

* قبل سنوات طويلة، تحدثنا معك حول ملف الربع الخالي ومحدودية البحث والتنقيب فيها، وقلت إن أعمالا بحثية ستجرى قريبا؟ الآن وبعد هذه السنوات؟ ماذا حدث؟

- نعم.. قامت هيئة المساحة الجيولوجية بالرحلة العلمية الأولى للجزء الشرقي من الربع الخالي في عام 2007، وكانت رحلة علمية كبيرة شاركت فيها الجامعات والإدارات، وصدر كتاب عن هذه الرحلة، وتم مؤخرا موافقة المقام السامي على تنظيم الرحلة العلمية الثانية للجزء الغربي من الربع الخالي، وانتهينا من هذه الرحلة قبل شهرين، والآن في مجال تجميع المعلومات من العلماء الذين شاركوا في هذه الرحلة والذين غطوا عددا كبيرا من التخصصات العلمية والجغرافية والبشرية، واستغرقت 13 يوما، ونتائجها سوف تعلن وتوزع على الجهات التي شاركت في الرحلة؛ وهي: مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ووزارة المياه، وزارة الزراعة، وبعض الجامعات، إضافة إلى بعض الخبراء من خارج المملكة. ونحن دائما نقول إن الربع الخالي كان خاليا، ولكن لم يعد خاليا الآن، هناك فرق الآن للبحث عن البترول والغاز، وهناك فرق من وزارة المياه وأصبحوا يستفيدون من المخزون المائي الموجود في الربع الخالي لبعض المدن القريبة على الأطراف، حيث باتت تستفيد من هذه المياه وسحبت إليها، ويوجد مركز لدراسات الصحراء في جامعة الملك سعود، ويوجد لدينا إدارة متخصصة لدراسة الصحارى لدراسة الربع الخالي والنفوذ والدهناء، وهذه تمثل جزءا كبيرا من السعودية ويجب معرفته، وقد كان معنا في الرحلة الأخيرة وزير البترول، شارك في جزء منها وكنا نسير معا، وكان يقول لي: هل ترى هذه الرمال التي نخطو فوقها، كنا ننظر لها على أنها نوع من العائق وليست لها فائدة، وأعتقد أنها ستكون ثروة كبيرة للمملكة، وما نسمعه الآن عن استخدامات الرمل والاستفادة منها في التقنية وأشياء كثيرة جدا يجعلنا نثق بأنها ستكون ثروة للأجيال القادمة إن شاء الله.

* بالحديث عن المخزون المائي، يتردد أن المملكة ستواجه مستقبلا أياما عصيبة مع توفير المياه؟ فما تعليقك؟

- الكلام عن وجود أزمة مياه ليس جديدا، هذا كلام قديم جدا، يعني من أيام آبائنا وأجدادنا الذين كانوا يعانون شح المياه ويقولون إنهم كانوا يستخدمون نوعين أو ثلاثة أنواع من المياه في مدينة جدة، وكان هناك شيء اسمه الكنداسة كانوا يحضرون المياه منها للشرب، ولا يخفى ذلك على الناس، ويجب أن يكون الناس أذكياء ويعرفوا أننا نعيش في منطقة صحراوية في الأصل، منطقة شحيحة في المياه، ليست لدينا أنهار أو بحيرات ولا ثلوج، فمنذ أجدادنا ونحن نعيش في مشكلة شح المياه، لكن اليوم أي مواطن لا يشعر بشح المياه، أتذكر أنهم كانوا يوما واحدا في الأسبوع يغسلون الملابس، والآن أصبحوا يغسلون في المنازل يوميا، استخدام الفرد السعودي قبل 50 سنة لم يكن يصل إلى 40 أو 30 لترا في اليوم، والآن أصبح السعودي من أكثر الناس تبذيرا في استخدام المياه، فنصيب الفرد أكثر من 240 لترا يوميا، والرسول صلى الله عليه وسلم حرص على عدم التبذير في استخدام المياه - في معنى الحديث - حتى لو كنت على نهر جار.

نحن في نعمة كبيرة، فأسعار المياه تعتبر متدنية بالنسبة لتكلفتها والصعوبة التي تواجهها، لكن لا نشك في أن الله أعطى الإنسان العقل والفكر ليتغلب على الظروف القاسية ويبتكر ويكتشف، فأنا أعتقد أنه صحيح أننا في منطقة صحراوية وجافة، لكن أعتقد أن وسائل الحصول على المياه تتعدد وتتحسن، وطريقة الاستهلاك يتم فيها عمليات الترشيد.

* ماذا عن الاكتشافات الأخيرة التي وجدتموها وآخرها اكتشاف مناجم للذهب في منطقة الباحة؟

- هذا أحيانا من تضخيم الحدث، صحيح أن فرق المسح الجيولوجي والتنقيب عن الثروات المعدنية في هيئة المساحة الجيولوجية اكتشفت مواقع للذهب في منطقة الباحة، وتعمل بصفة مستمرة في البحث عن الذهب وغيره من المعادن، لكن الاكتشاف هو أول الخيط ولا يعني أن الموقع الذي تم اكتشافه سيكون منجم ذهب، لأنه يحتاج إلى دراسات مكثفة، ويطرح أو يسمح بأن يعطى لمستثمر أعمال رخص كشف، وهذه تعطي المستثمر حقوقا لإجراء كثير من العمليات الاختبارية والتجريبية ،لأننا لا نستطيع أن نقوم بهذه الأعمال على مساحة مليوني كيلومتر مربع هي مساحة المملكة، لأنها عمليات مكلفة، وأيضا في العالم كله المستثمر هو من يقوم بهذه العمليات التكميلية، إذا وصل إلى مرحلة الوثوقية يتقدم بطلب الحصول على رخصة استغلال هذا الموقع، عندها قد يكون مؤهل هذا الموقع ليكون منجما.