«الأسر المنتجة».. غياب التمويل والتعقيدات يحرمان السعودية من توفير 400 مليون دولار سنويا

إحصاءات: 50% من هذه الأسر يمثل إنتاجها مصدر الدخل الرئيس لها

جانب من الملتقى والمعرض الوطني الثاني للأسر المنتجة الذي أقيم في جدة أخيرا («الشرق الأوسط»)
TT

لا تنحصر العقبات التي تواجه الأسر المنتجة على التعقيدات التي تفرضها جهات حكومية على مشاريعها الصغيرة، بل تتعدى ذلك إلى غياب التدريب الفني والتسويق الجيد ما يؤدي إلى تشابه منتجات تلك الأسر وإيجاد نوع من المضاربة في السوق تتسبب في تعطيل بيعها، إضافة إلى غياب الدعم الذي أسهم في بقاء المبادرات والبرامج مجرد أفكار فقط بحسب خبراء في هذا المجال تحدثوا إلى «الشرق الأوسط».

في هذه الأثناء، أكد مشاركون في الملتقى والمعرض الوطني الثاني للأسر المنتجة الذي أقيم في جدة أخيرا، أن تفعيل دور الأسر المنتجة وتطوير أدائها سيسهم في توفير أكثر من 1.5 مليار ريال سعودي (400 مليون دولار) تمثل حجم واردات الصناعات اليدوية للمملكة سنويا.

وانتقد مدير مشروع «كلنا منتجون» في الغرفة التجارية الصناعية في جدة فيصل باطويل، التعقيدات الحكومية وطول الفترة اللازمة لإتمام إجراءات مشاريع الأسر المنتجة. وقال باطويل لـ«الشرق الأوسط»: «هناك الكثير من المبادرات والبرامج التي بقيت مجرد أفكار فقط لأنها لم تجد الدعم الرسمي».

ودلل على ذلك بمبادرة سيدة أعمال سعودية تملك مصنعا يتولى خياطة الزي الخاص بالعاملات في وزارة الصحة مقابل 15 مليون ريال سنويا، وافقت على مشاركة الأسر المنتجة معها في المشروع وحصولهم على نصيب في رأس المال، لكن التعقيدات الرسمية عطلت إبصار المشروع النور حتى الآن.

وأكد أن 600 أسرة منتجة تفاعلت مع برنامج «كلنا منتجون» الذي أطلقته غرفة جدة قبل 3 أعوام، وتم انتخاب لجنة مكونة من 11 أسرة اجتمعت على مدار 1000 ساعة عبر 130 اجتماعا، ولم تتدخل الغرفة في صياغة الأفكار، وتوصلت إحصاءات البرنامج إلى أن 50 في المائة من هذه الأسر يمثل إنتاجها المصدر الرئيس لها، في حين أن 25 في المائة يعتبر عملهم هو مصدر الدخل الثاني، بينما 15 في المائة من خريجات الجامعة لديهن أفكار إبداعية ولا يردن الدخول في «معمعة» الإجراءات الحكومية وتعقيدات الحصول على تصريحات.

ولفت باطويل إلى أن المعوقات التي تواجه الأسر المنتجة، تؤكد أن المشكلة ليست في جهة بعينها بل إن التعامل مع الأسر المنتجة والمشاريع الصغيرة لم يتوفر له التنسيق المطلوب بين أي من الجهات ذات الشأن والمستفيدين، مستشهدا ببرنامج المئوية الذي لم يقدم خلال عام ونصف أي موافقة لدعم أي من مشاريع الأسر المنتجة أو المشاريع الصغيرة، وتابع: «الدعم المقدم من قبل الجهات المعنية بالأسر المنتجة ضعيف جدا ولا يتوافق مع الاحتياجات الأساسية فكيف بإقامة مشروع».

إلى ذلك، أكد مدير حاضنة الأعمال في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن خالد الزامل وجود خلط واضح بين مسألة معالجة الفقر ومفهوم بناء اقتصاد حر قائم على المشاريع الصغيرة، لافتا إلى أن هذا الخلط أدى إلى اختلاف زاوية الرؤية بين تصرفات القائمين على العمل وطلبات المستهدفين.

وفرّق بين القائمين على مشاريع توفرت لهم رؤوس أموال نظرا لأنهم من أصحاب الطبقة الغنية في المجتمع فضّلت العمل من المنزل، وبين سيدة أقامت مشروعا ليعفها وأبناءها، ولم يتوفر لها رأس المال نتيجة ظروف معيشية قاسية، معتبرا أن توفير تسهيلات مشاريع أصحاب الطبقة الغنية يختلف عن التسهيلات التي تقدم لمن لم تجد لقمة العيش وعملت على مشروع يسترها وأبناءها.

وطالب الجهات المشرّعة بالتمييز بين مشاريع الأسر المنتجة التي وُجدت في الأصل لأصحاب الدخل المحدود لمعالجة أوضاع فقرهم، وبين مشاريع السيدات أو الشابات المقتدرات التي تدخل في بناء الاقتصاد الوطني.

وذكر أن وزارة العمل اعتبرت أن الأسر المنتجة تعمل من أجل مكافحة الفقر، والدليل على ذلك أنها اشترطت في تمويلها أن تكون مسجلة في الضمان الاجتماعي، بينما تطالب الجهات الأخرى بالمرونة، مشددا على أن هذا الخلط يتطلب ضرورة تحديد الفرق بين الإبداع والحاجة.

وكشف الزامل عن وجود 29 جهة تدعي أنها تمول وتدعم الأسر المنتجة، في حين أن الكثير من المنتمين لهذه الفئة يؤكدون أنه لا يصلهم شيء على أرض الواقع ما يعني أن هناك خللا في مسألة الدعم والرعاية.

وأشار إلى عدد من المعوقات الرئيسة التي تواجه الأسر المنتجة، من أهمها عدم وجود أنظمة أو لوائح أو جهة مرجعية تعود إليها، وهو الأمر الذي أوجد خلطا كبيرا في المفاهيم، وأسهم في إيجاد معايير مختلفة داخل المنطقة الواحدة، ففي منطقة القصيم على سبيل المثال، وتوجد سوق دائم لعرض منتجات الأسر المنتجة في مدينة عنيزة بينما لا يوجد الشيء نفسه في بريدة، لافتا إلى أن هناك مشكلة كبيرة أيضا في آليات التسويق وعدم توفر أماكن محددة لمزاولة النشاط والمشكلات التشغيلية وقصور الدور الإعلامي.

واعتبر مستشار التنمية الإدارية وإدارة الأزمات الدكتور محمد سليمان، أن الجهات الحكومية القائمة على مشاريع الأسر المنتجة تتخبط بشكل ملحوظ، لأن كل جهة تلتزم بقوانينها، مؤكدا أن اللجنة التي أمر بتأسيسها أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل ستحل المشكلة بشكل كبير وتنهي التضارب الواقع بينهم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، أن دعم الأسر المنتجة لا يأتي من خلال التمويل فقط، بل من خلال التشجيع والتحفيز لها مع التركيز على التدريب لصقل مهاراتها أيضا، حتى تحقق عنصر الجودة، مشيرا إلى وجود مشكلتين تواجهان هذه الفئة تتمثلان في التدريب الفني والتسويق، وضرورة تبسيط الإجراءات والبعد عن التعقيدات الحكومية.

وأكد أن المشكلات الإدارية من مسؤولية الجهات القائمة على مشاريع الأسر المنتجة، وليست من مسؤولية الأسر المنتجة، لافتا إلى أن دور الأسر المنتجة يتوقف على التدريب والحرفية والإنتاج فقط، وهذا سبب نجاح التجربة الآسيوية والهندية والصينية وتحقيقها نسبة مشاركة في الاقتصاد الوطني تعدت 50 في المائة.

وشدد على دور الجهات المعنية بمشاريع الأسر المنتجة وتحملها الجزء الإداري التنظيمي والجزء التنفيذي والإنتاجي ثم الجزء التسويقي، داعيا الحاضنات أو كل شركة قابضة إلى التكفل بمشروع واحد، لتوفير كافة المنتجات في السوق المحلية وعدم الاعتماد على منتجين أو ثلاثة فقط.

وتطرق إلى أن استمرار العمل على منتج واحد كما حدث في مشاريع الأسر المنتجة التي اعتمدت على إنتاج الغذاء والعباءات والإكسسوارات أوجد نوعا من المضاربة في السوق تسبب في تعطيل بيع المنتج نظرا لوفرته بشكل مبالغ فيه في المكان نفسه.

ورفض سليمان احتكار المرأة مشاريع الأسر المنتجة، واستبعاد الرجال عنها، خصوصا أن كثيرا من الحرف اليدوية تتطلب وجود الذكور، مشيرا إلى بعض المشاريع المربحة مثل الاستفادة من مخلفات النخيل التي ينتج عنها 15 منتج غائبة عن الساحة لأنها تتطلب وجود ذكور للعمل فيها، إلى جانب عدد من المشاريع الأخرى التي غابت عن ساحة الأسر المنتجة السعودية وظهرت في بلدان أخرى.

وطالب بإشراك ذوي الاحتياجات الخاصة أيضا في مشاريع الأسر المنتجة، من خلال تدريبهم وإتاحة الفرصة لهم لإقامة مشاريع خاصة بهم تحت إشراف جهة خاصة، مضيفا أن الكنز المفقود هو «الأيدي العاملة»، التي إذا دخلت دائرة الإنتاج ستحصد عائدا ماديا أكبر، يضيف إلى الاقتصاد الوطني.