الأمطار تعمق مفهوم العمل التطوعي.. وعوائق تمنع تحوله إلى عمل «مؤسسي»

الشباب السعودي أثبت نجاحه في تأدية الخدمة المدنية والمسؤولية الاجتماعية

مجموعة من فتيات وشباب جدة خلال إحدى الحملات البيئية السابقة («الشرق الأوسط»)
TT

أدت الأحداث التي تعرضت لها السعودية خلال الأعوام القليلة الماضية، خصوصا تلك المرتبطة بالأمطار والسيول، إلى ظهور جيل من الشباب المتطوع، أثبت جدارته في مجال العمل التطوعي، على الرغم من عدم وجود منهج أو برامج تدريبية يسير من خلالها أو مظلة ينتمون إليها، وبات من الطبيعي مشاهدة فريق تطوعي جديد في أي حدث يقدم خدمات نابعة من الإحساس بالمسؤولية والإنسانية.

وليد الصالح الطفل ذو الـ9 أعوام، لفت الأنظار إليه كأصغر متطوع يشارك في تقديم المساعدة والمساندة لضحايا سيول تبوك الأخيرة، ولم تكن تلك المشاركة الأولى له في الأعمال التطوعية بل شارك في أكثر من عمل منذ عامين، إلى أن أصبح عاشقا للأعمال التطوعية وحب الخير.

وذكر عبد العزيز الشمري المسؤول عن فريق «حنا أهل» التطوعي في مدينة تبوك أن السيول التي ضربت تبوك منذ 3 أشهر، خلّفت جيلا من الشباب التطوعي القادر على تقديم المساعدة في أصعب الظروف، مبينا أن عدد الفرق بلغ أكثر من 200 متطوع ومتطوعة في وقت قياسي.

وأضاف أن الأمطار التي هطلت على تبوك خلّفت كثيرا من الأحياء المتضررة، وكان هناك حاجة ملحة لوجود أيدٍ إغاثية عاملة في الميدان إلى جانب الجهات الحكومية، فجرى تشكيل فريق إغاثي للأسر المتضررة التي أصبحت بلا مأوى.

وقال الشمري لـ«الشرق الأوسط»: «كان هناك تلفيات كثيرة إلا أننا استطعنا في وقت قياسي جمع قاعدة بيانات للأسر المتضررة، وتمكنا من إيوائهم من خلال التواصل مع أصحاب الشقق المفروشة وحتى قصور الأفراح، والجهات المانحة والداعمة ماديا، وتعاون الشباب لتوصيل الفرش والأغطية والطعام لكل أسرة تم توفير المأوى لها، وجرى إمداد جمعية الملك عبد العزيز الخيرية بمتطوعين، لأن جهود أعضاء الجمعيات والدفاع المدني لا تكفي وقت الكوارث».

وأشار إلى أن الفريق تمكن من إعادة ترميم المنازل المتضررة بعد أن قام مجموعة من الشباب بالمسح الميداني للمنازل وأنشأوا إحصائية، فكان هناك منازل تالفة بالكامل وبعضها يحتاج إلى ترميم وإصلاح سواء سباكة أو كهرباء أو إخراج الطين وغيره، كما جرى توقيع عقود مع أصحاب الشقق المفروشة لمدة عام لتقيم فيها الأسرة المتضررة حتى يتم إعادة وترميم منازلهم.

ومع مرور الوقت، حرص فريق «حنا أهل» التطوعي على تطوير أعضائه وتأهيلهم من خلال إخضاعهم لدورات تدريبية، إلا أنهم لا يزالون في حاجة إلى المزيد من الاهتمام من قبل المؤسسات والجهات الحكومية بحسب الشمري، وقال: «ما ينقص الفرق المتطوعة الآن إيجاد لجنة متخصصة للمتطوعين بحيث يكون هناك أيدٍ عاملة جاهزة للنزول إلى الميدان بنظام وقت الحاجة من خلال وجود قاعدة بيانات كاملة لهم وأقسام للعناية بهم».

وكان للسيول التي ضربت جدة عام 2010 أثر واضح في بروز الخير الكامن في عقول وقلوب شبابها وبناتها، كما كان لها دور كبير في تجمع أهل الخير والمجموعات التطوعية وتعارفهم بمختلف المناطق، وفق محمد المكوار المتطوع في مجموعة «وساطة الخير» في جدة، الذي أكد أن هناك كثيرا من المجموعات التطوعية ظهرت بعد حملة إنقاذ جدة في السيول الأولى، جمع بينها التعاون والتكاتف على فعل الخير، ولذلك استمرت في المجتمع ولم تتوقف إنجازاتهم.

وأكد المكوار لـ«الشرق الأوسط»، أن الأعمال التطوعية لا تقتصر على منطقة معينة، فالخير موجود في كل مدينة وقرية بالمملكة وإن خفي فهو يظهر جليا في الأزمات، وقال: «العقبات تعتبر من المحفزات للشباب والفتيات، وهي التي أظهرت الفرق التطوعية التي نفخر بها الآن».

وذكر أن الإنجازات التي تحققت على أيدي متطوعين كثيرة وتختلف بحسب أهداف كل مجموعة تطوعية والفئات المستفيدة من أعمالهم، وعن مجموعة وساطة الخير التي ينتمي إليها، أوضح أنها تعنى باحتضان أسر محتاجة أو منكوبة تعرضت للسيول وخسرت منزلها أو رب الأسرة، وتقوم بدراسة حالتها والتثبت من وضعها، ثم الإعلان عنها لأهل الخير عن طريق «فيس بوك» و«تويتر»، ومن ثم يتكفلون بهم مباشرة، موضحا أن هناك 55 أسرة ضعيفة مكفولة شهريا بكل احتياجاتهم.

ولم تقيد الأعمال التطوعية المتطوعين في منطقة معينة، بل جعلتهم يتشاركون من مختلف المناطق لتقديم المساعدات والدعم للمتضررين، خصوصا وقت الأمطار والسيول، إذ اشترك أكثر من 100 شاب وفتاة في حملة «تبوك مثل جدة»، التي انطلقت في مبنى هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، بهدف جمع التبرعات العينية والمادية لأهالي منطقة تبوك المتضررين جراء الأمطار الغزيرة.

ونظم فريق «متطوعون بلا حدود» الذي أسهم بشكل كبير في تقديم المعونات للمتضررين من سيول جدة سابقا، حملة تحمل عنوان «تبوك مثل جدة»، التي تستهدف تقديم يد العون لأهالي مدينة تبوك الذين تضرروا من السيول التي هطلت الفترة الماضية، إذ أطلقوا المبادرة من خلال «هاشتاق» في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» يحمل اسم «تبوك مثل جدة» ليجذب اهتمام الشباب والفتيات للمشاركة في الحملة التطوعية.

وأوضح جمال المندري رئيس برنامج «متطوعون بلا حدود» في هيئة الإغاثة الإسلامية، أن مجموعة من المتطوعين بجدة قاموا بطرح مبادرة لإعانة أهل تبوك في محنتهم، ووافقت هيئة الإغاثة الإسلامية على إقامة الحملة فورا واستقبال المتطوعين والمساعدات.

وعلى الرغم من السنوات البسيطة التي ظهرت فيها الأعمال التطوعية، فإن الإنجازات التي تحققت على أيدي المتطوعين لا يمكن تجاهلها، بحسب عبد الله السليمان، إمام وخطيب جامع النقاء في جدة مقدم برنامج سفراء الحب. وقال السليمان: «لو أقمنا مقارنة بيننا وبين المجتمع الغربي الذي عرف ثقافة الأعمال التطوعية منذ زمن، سنجد أننا قدمنا أشياء كثيرة في وقت قليل، من بينها الإنجازات التي تمت أثناء سيول جدة حيث أعاد المتطوعون ترميم البيوت في 24 ساعة».

وأضاف أن الولادة الحقيقة للفرق التطوعية تعتبر السيول التي أصابت جدة، وأضاف السليمان: «تعد جدة الانطلاقة الحقيقية للفرق التطوعية، حيث وصل عددها الآن إلى قرابة 40 فريقا، منها التابع للحاضنات أو الذي يعمل بطريقة نظامية وغير تابع للحاضنة، كما أن هناك كثيرا من الفرق التطوعية الموجودة في مناطق المملكة كالرياض والمنطقة الشرقية».

وأكد وجود دور كبير لمواقع التواصل الاجتماعي وبرامج الهاتف الذكي في نشر ثقافة العمل التطوعي والاستدلال على المحتاجين، لافتا إلى أن التواصل عبر المواقع الإلكترونية وبرامج الهاتف الذكي بين الفرق التطوعية ينقسم إلى 3 أقسام، الأول يبدأ من «فيس بوك» وهو المكان الذي تنطلق منه المبادرة ويتم نشرها لأصدقاء الشخص المبادر بالعمل التطوعي وبدورهم يقومون بنشره لأصدقائهم، وبذلك ننتهي من مرحلة تعريف الناس بالمناسبة.

في حين أن المرحلة الثانية عبر برنامج «تويتر» الذي أصبح موقعا شخصيا للفرق التطوعية، ويوفر عليهم دفع مبالغ مادية مقابل إنشاء موقع، حيث يقوم المتطوع بإنشاء صفحة تعريفية بـ«تويتر» يقدم فيها مبادراته بكتابة 140 كلمة، ويتم نشرها لجميع المتابعين.

وتتمثل المرحلة الثالثة عن طريق برامج الهاتف الذكي كـ«الواتس أب»، الذي جعل التواصل بين الفرق التطوعية مريحا جدا، حيث يقوم مديرو الفرق بإنشاء مجموعة ويطرحون من خلالها أفكارهم ويناقشونها، وقال: «نحن الآن نطبقها في عدة مواضيع».

وأشار إلى أنه على الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي خففت كثيرا من العبء خصوصا لمن لديهم ارتباطات كطلاب الجامعات والمدارس، فإن ذلك لا يعني أن نسبة وجودهم وتجمعهم انخفضت، ولكنه أصبح بشكل منظم وموزون. وقال السليمان: «في النهاية، نحن نتعامل مع متطوع وهو شخص لا يمكن إلزامه بالحضور، والمجتمع، حتى وإن باتت ثقافة التطوع موجودة بشكل كبير فيه، فإنه لا يمكن إلزام المتطوعين وفرض مواعيد محددة للحضور».

وبالعودة للمندري، فقد أشار إلى وجود اختلاف واضح بين الأعمال التطوعية منذ نشأتها وحتى الآن، وقال: «منذ عملي في هيئة الإغاثة الإسلامية التي أنشئت على أيدي متطوعين منذ أكثر من 25 سنة لاحظت الفرق، ففي البداية لم تكن العملية منظمة وفق إطار معين، ولكن الآن بدأت هيئة الإغاثة تعمل على تنظيم أداء المتطوعين بحيث تسعى لإدارة المتطوعين وفق عملية احترافية كما تسعى لإدارة المتطوعين بما يحقق الأهداف المشتركة سواء للمتطوعين أو الداعمين والمستفيدين منها».

واستطرد: «اليوم تغيرت الأمور وبات هناك إقبال من الشباب والفتيات، ولمسنا جهود كثير من الجهات خلال الفترة الماضية التي كان لها مساهمات واضحة في نشر العمل التطوعي، وهناك كثير من المؤسسات بدأت تتبنى تدريب وتأهيل المتطوعين، حتى وإن كانت خطوات بدائية، ولكنها في الاتجاه الصحيح وأعطت ثمرات».

إلا أن القائمين على الأعمال التطوعية اعتبروا أن عدم قدرتهم على إلزام المتطوعين بالتقيد بمواعيد عملهم وحضورهم وانصرافهم أمر يعيق تلك الأعمال التطوعية، مما دعاهم لخلق محفزات ومشجعات للمتطوعين بمختلف فئاتهم، لا سيما أن النظام لا يفرض على الأشخاص ولا يلزمهم بساعات تطوع سنوية، كما يحدث في المجتمعات الغربية.

وأكد المندري أن الالتزام في الأعمال التطوعية هو ما يفتقده المتطوعون، وقال: «نسعى لوجود محفزات ومبادرات لتشجيعهم على الالتزام، لأنه بسبب عدم التزام المتطوعين تتعطل كثير من الأعمال»، كاشفا عن سعيهم لإنشاء موقع تطوعي عالمي يرصد جميع الأعمال التطوعية، بحيث يكون لكل متطوع صفحة خاصة، يضع من خلالها مشاريعه وساعاته التطوعية ويتم تحويل تلك الساعات التطوعية إلى قيمة نقدية فيشعر المتطوع كأنه تبرع بمبلغ مادي ويحرص على زيادته.

ويوافقه السليمان الرأي بأن مفهوم العمل التطوعي بات موجودا لدى المجتمع بشكل أكبر، إلا أنه بحاجة للارتقاء به وجعله عملا مؤسسيا، وقال: «نخطط لأن نطلق بعد شهر رمضان منتدى جودة العمل التطوعي، لأن مفهوم العمل التطوعي بات موجودا للناس والفكرة الآن تكون أن نرتقي بالعمل التطوعي، وأن يصبح مؤسسيا».

ومن ناحية الأخطاء التي كانت موجودة في بداية العمل التطوعي، بين السليمان أنها ما زالت موجودة ولكن بنسبة بسيطة، وقال: «على الرغم من أن الجانب السلبي لا يزال موجودا ولكن السواد الأعظم زال، والناس بدأت تشتغل وابتعدنا عن قضية (الشو) الإعلامي بمراحل كثيرة».

كما أكد المكوار أن ثقافة التطوع في المجتمع السعودي انتشرت خلال السنوات القليلة الماضية، على الرغم من الصعوبات التي واجهتهم في البداية من قلة الخبرة وانعدامها أحيانا، ومن الهجمة التي تعرضوا لها من التشكيك في نيتهم وغيرها من العقبات، «لكن نستطيع القول إن ثقافة التطوع في الخدمة المدنية والمسؤولية الاجتماعية قد أثبتت نفسها في المجتمع السعودي».

وأضاف: «نجد الآن بعض المجموعات التطوعية التي طورت نفسها بالتنظيم، وجعلت لنفسها خطة ومسارا وهدفا وغاية، وهذه المجموعات هي التي استمرت ونمت وأصبح لها دور بارز في خدمة المجتمع، مثل مجموعه «يج» تحت إشراف محمد البكري، ومجموعة «غير حياتك» لمؤسسها المهندس هيثم قاري، وأصدقاء «الأيتام وأسرة ترياق»، كما أن هناك أعمالا تطوعية فردية وعائلية كثيرة، وغالبها لا يعلن عنه.