منطقة مكة: إخضاع 150 حيا عشوائيا لأضخم عملية تطوير في السعودية

الأمير خالد الفيصل لـ «الشرق الأوسط»: المشاريع لم تتأخر وأجريت لها بعض التعديلات

الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة
TT

يعتبر مشروع تطوير الأحياء العشوائية الذي بدأت الحكومة السعودية تنفيذه في مدينتي مكة المكرمة وجدة مطلع العام الماضي (2012)، أضخم المشاريع السعودية التي يتوقع أن تحدث نقلة نوعية في حياة ساكني هاتين المدينتين، ومن المقرر أن يمتد تطوير الأحياء ليطال مدينة الطائف أيضا.

ولا يقتصر مشروع التطوير على البنية التحتية، كما هو متوقع، بل يمتد إلى إصلاح أوضاع ساكني هذه الأحياء، خصوصا أبناء الجالية البرماوية الذين يقيمون إقامة دائمة وبشكل غير نظامي أو عشوائي.

وفي حين بدأ مشروع تطوير البنى التحتية في بعض أحياء المنطقة مطلع عام 2012م، لا يزال بعضها الآخر ينتظر انتهاء الترتيبات التي تسبق مرحلة العمل.

أكد أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز، أن هذه المشاريع بدأت بعد دراسة وافية وشاملة.

وأضاف أن إمارة منطقة مكة المكرمة تقدمت بمشروع لمعالجة هذه الظاهرة، ووافق خادم الحرمين الشريفين عليها، وأمر بإنشاء لجنة وزارية برئاسة الأمير نايف بن عبد العزيز (رحمه الله)، وعضوية وزراء البلديات والمالية والعمل، إضافة إلى أمير منطقة مكة المكرمة لدراسة هذه المشكلة ووضع الحلول العاجلة الكفيلة بمعالجتها، ثم أضيف إلى هؤلاء الوزراء المعنيين وزراء آخرون، هم وزير العدل ووزير النقل ووزير المياه والكهرباء، نظرا للعلاقة المباشرة لهم بهذه المدن وتنميتها.

ولفت إلى أن مشروع تطوير الأحياء العشوائية مشروع عالمي، وأصبحت تترقبه دول العالم، مشيرا إلى أن هذا المشروع يهتم ببناء وتطوير الإنسان قبل المكان.

وأوضح الأمير خالد الفيصل لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا المشروع العملاق سيحول هذه المناطق إلى مناطق تنموية مميزة بعد الانتهاء منه، مؤكدا أن التأني سمة هذا المشروع، وأن التعديلات التي تتضح وتظهر يجري عملها خلال تنفيذ المشروع، إذ إن كل حي له ظروفه المختلفة عن الحي الآخر، معتبرا أن هذه ميزة للمشروع، فأي تعديل مناسب يتم إجراؤه أثناء تنفيذ المشروع.

وقال الأمير خالد الفيصل: «المشاريع لم تتأخر، ولكن بعضها أجريت له بعض التعديلات»، مستشهدا بمشروع تطوير حي الرويس الذي أجّل في وقت سابق، وأضيفت بعض الخيارات أمام المالكين لتصبح 5 خيارات، وسيجري العمل على المشروع من جديد قريبا.

ولفت أمير منطقة مكة المكرمة إلى أن مشروع تطوير العشوائيات الذي يجري تنفيذه في منطقة مكة المكرمة، يعتبر المشروع الوحيد من نوعه في العالم كله، وليس له مثيل في أي مكان وهو محل الاهتمام والدراسة.

وتابع: «الإنسان يشكل أهم أهداف التطوير، فلدينا مئات الآلاف بل الملايين سيتأثرون، لذلك يجب أن نكون حذرين في التنفيذ»، مشيرا إلى أن غاية المملكة أن تكون الأولوية للمواطن السعودي في الاستفادة من كل هذه المشاريع، ولكن تأخذ بعين الاعتبار كرامة المقيم، إذ يوجد عشرات الآلاف، بل وصلوا إلى مئات الآلاف ممن يقطنون هذه الأحياء من دون هوية ومن دون عمل، وأصبح هناك تحدّ كبير، لأن المسألة ليست إعادة تخطيط هذه الأحياء، وليست إزالة بعض المنشآت عليها، أو فتح شوارع، أو إقامة بعض المرافق الحكومية والخدمية فقط.

وتابع الأمير خالد الفيصل: «اتفقنا مع وزارة العمل على إيجاد فرص وظائف، وقررنا كذلك أن تستقبل الشركات الكبيرة التي تنفذ المشاريع في هذه المنطقة هؤلاء الشباب في أعمال تحقق الفائدة لهم ولهذه البلاد، وهذه كانت رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وهذا هو مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتصحيح وضع هؤلاء، وهذا هو تعهد من هذه الدولة للمقيمين في كنفها، بعد أن أقاموا بيننا فلهم حق علينا بأن نحتضنهم».

وكانت الجهات المنفذة لمشروع تطوير العشوائيات في حي الرويس أجّلت العمل في المشروع، لأنها أضافت 5 خيارات للمواطنين الذين يملكون منازل ومباني في هذا الحي، ستتيح لهم فرصا أكبر؛ سواء بالبيع أو المشاركة في مشاريع تطوير هذه المنطقة.

يأتي ذلك في وقت حددت فيه دراسة بحثية صدرت في جدة، واستندت إليها شركة جدة للتنمية في أغسطس (آب) من عام 2011م، نحو 140 هكتارا من مساحة جدة بالمناطق العشوائية؛ 66 في المائة من البنايات في تلك المناطق رديئة، وتقع معظمها في المناطق المحيطة بالمنطقة المركزية للمدينة، وبين منطقة البلد والمطار القديم وقصر خزام.

وأكدت الدراسة أن هذه الأحياء العشوائية غير المخططة تتشكل من المباني الحديثة البناء دون تصريح، أو الناتجة عن تعدٍّ على الأراضي الخالية، ويقطنها أكثر من مليون نسمة من سكان جدة، أي ما يعادل ثلث السكان.

وصنّفت الأحياء العشوائية إلى 4 فئات، منها: أحياء عشوائية غير مخططة جاذبة لمطورين من القطاع الخاص بسبب جدواها الاقتصادية، وأحياء عشوائية غير مخططة غير جذابة للمطورين من القطاع الخاص بسبب انخفاض جدواها الاقتصادية، إضافة إلى المناطق التي توجد فيها إمكانية التحسين والتطوير باستخدام مواردها الخاصة، والمناطق التي تحتاج إلى صيانة وتجديد فوريين.

وكان المتحدث باسم اللجنة التنفيذية لمشروع معالجة وتطوير الأحياء العشوائية في منطقة مكة المكرمة الدكتور سامي برهمين، أكد في وقت سابق لـ«الشرق الأوسط»، أن عدد الأحياء العشوائية في كل من مكة المكرمة وجدة والطائف يصل إلى 150 حيا، منها 70 حيا في مكة المكرمة، و60 حيا في جدة، إضافة إلى نحو 20 حيا عشوائيا في الطائف، تعاني جميعها التهالك العمراني وانعدام المرافق العامة والخدمات وقلة النفاذية وطرق الربط بالنسيج العمراني بالمدن الرئيسة.

وأضاف برهمين أن الأحياء العشوائية تمثل 25 في المائة من مساحة الكتلة العمرانية في العاصمة المقدسة، وتبلغ مساحة عشوائيات جدة نحو 53 كلم، وتمثل 6 في المائة من الكتلة العمرانية لمحافظة جدة، في حين تبلغ مساحة عشوائيات الطائف نحو 400 كلم موزعة على قرى جنوب شرقي وشمال غربي مدينة الطائف.

وفي السياق ذاته، ولضمان نجاح برنامج «جدة بلا عشوائيات»، وضعت أهداف استراتيجية رئيسة أربعة، بحسب شركة «جدة»، تقوم على اتفاقيات بين شركة «جدة للتنمية والتطوير العمراني» وشركائها، تشمل إصلاح أو ترميم أو تطوير عدد من الأحياء العشوائية الحالية التي لها أهمية استراتيجية بالنسبة لأعمال التطوير في المستقبل، إضافة إلى الاستفادة من الدعم الحكومي واهتمام القطاع الخاص لتشكيل شراكات بين القطاعين، وتمويل وتنفيذ استراتيجيات تجديد الأحياء العشوائية غير المخططة. وتوفير حل إسكاني مقبول ميسر للمواطنين، وتمكين جدة من استيعاب الاحتياجات الإسكانية المستقبلية للسكان ذوي الدخل المنخفض، بغض النظر عن جنسياتهم أو أصولهم، والإسهام في تعزيز صورة جدة كمدينة راقية توفر نوعية حياة رفيعة لكل المواطنين، بما في ذلك دمج المجتمعات المحلية في الأحياء العشوائية اجتماعيا وجغرافيا في النسيج الحضري والاجتماعي الرئيس.

يذكر أن شركة «جدة للتنمية والتطوير العمراني» تأسست عام 2007 بموجب مرسوم ملكي، وهي شركة عامة أنشئت بغرض الدخول في شراكات تنموية مع المستثمرين في القطاع الخاص، وتركز الشركة بشكل رسمي على التطوير والتجديد الحضري والإسكان، مستهدفة الأحياء العشوائية غير المخططة بغرض تحقيق هذه الأغراض، وتقوم الشركة بتملك الأراضي العامة التي تملكها الأمانة.

وفي سياق حل مشكلات الأحياء العشوائية وتصحيح أوضاع ساكنيها، بادرت إمارة منطقة مكة المكرمة بتنفيذ مشروع تصحيح أوضاع الجالية البرماوية بعد أن حصلت على موافقة الجهات العليا.

وقال المدير العام لفرع وزارة الخارجية في منطقة مكة المكرمة رئيس فريق الدراسة المبدئية السفير محمد أحمد طيب: «إن عملية تصحيح وضع مجهولي الهوية من الجالية البرماوية تكون عبر منحهم إقامات نظامية من دون رسوم وتمكينهم من الاستفادة من كل الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية والتعليمية، والإجراء عملية غير مسبوقة على مستوى العالم».

وأضاف أنه على الصعيد الدولي سخرت المملكة دبلوماسيتها بقيادة وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل للدفاع عن قضية هذا الشعب المسلم أمام المحافل الدولية، لتمكينهم من استعادة حقوقهم الوطنية، وتم بسبب هذه المساعي زيادة توعية المجتمع الدولي بقضية شعب الروهينغيا.

وقال الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز عن هذا الأمر: «أتوجه بكلمتي وبمشاعري وبفخري وباعتزازي لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، الذي لم يتوانَ عندما رفعت إليه المقترحات، وكان هذا هو أول مقترح ومشروع أرفعه لمقامه بعد تشرفي بمسؤولية خدمة هذه المنطقة إنسانا ومكانا، وكان عن تصحيح أوضاع المقيمين في الأحياء العشوائية ومعالجة وتطوير هذه الأحياء في مكة المكرمة، فأمر خادم الحرمين بتشكيل لجنة وزارية مهمتها تطوير الأحياء العشوائية، ومن أهم عناصرها تصحيح أوضاع أبناء الجالية البرماوية، ونفتخر بأن مشروع تصحيح أوضاع هذه الفئة من إخواننا، وتصحيح وتطوير ومعالجة أوضاع الأحياء العشوائية هي تجربة فريدة في العالم».

ولفت إلى أن من ضمن ميزات هذا المشروع أنه لا يقتصر فقط على إعادة تخطيط وبناء وعمران هذه الأحياء بطريقة عصرية، وإنما يعالج مشكلة الإنسان في هذه الأحياء، وعندما يتسع هدف المشروع ليعالج مشكلة أكثر من 400 ألف إلى 500 ألف إنسان معالجة إنسانية وصحية واجتماعية معالجة عملية، عندما يشمل هذا المشروع كل هذه العناصر، فإنه يمثل القيم والأخلاق الإسلامية التي يتميز بها إنسان المملكة قيادة وحكومة وشعبا.