«الطب البديل» خيار يتزايد بين المرضى السعوديين.. والرقابة «متواضعة»

الأعشاب والخلطات الشعبية تتصدر قائمته الدوائية.. وسط تحذيرات من خطورتها

التداوي بالأعشاب والخلطات الشعبية يفضله العديد من المرضى لمواجهة أوجاع أمراضهم («الشرق الأوسط»)
TT

تعاني هديل 29 عاما من آلام حادة في المعدة، مما اضطرها للذهاب لأكثر من طبيب، وتم تشخيص حالتها بأنها تعاني من مشكلات في القولون العصبي، وفي أكثر من سنة وصف لها ما يقارب خمسة أدوية، وكل مرة كانت تقوم باستخدامها وفقا لما وصفه الطبيب، إلا أنها لم تشعر بأي تحسن، حتى إن آلامها قد زادت ولم تعد تتحملها، فوصفت لها صديقتها أحد المعالجين بالطب البديل بعد أن قامت هي بالتداوي من خلاله وبالفعل استجابت للعلاج وتماثلت للشفاء.

وقالت هديل: «عندما لجأت للطب البديل في أقل من شهر بدأت أشعر بتحسن، والعلاج عبارة عن أعشاب وعقاقير بسيطة وليس منها أي ضرر حتى وإن لم تنفعني، على عكس الأدوية التي يصفها لي الأطباء في كل مرة، والتي من المؤكد أن لها آثارا جانبية على المدى البعيد خاصة وأنني لم أشعر بتحسن بعد استخدامها».

هديل لم تكن الحالة الوحيدة التي اتجهت إلى الطب البديل، قناعة منها أن الطب الحديث غير قادر على معالجة آلامها، إضافة إلى أن الأعشاب لا ضرر من كثرة استخدامها، فهناء العلي، 23 عاما، لجأت لاستخدام أعشاب ومواد طبيعية لعلاج بشرتها مما يعرف بحب الشباب، وذلك بعد أن جربت الأدوية التي كان يصفها لها أطباء الجلدية ولكن دون نتيجة - وفقا لقولها.

وقالت: «جربت كثيرا من الأدوية التي وصفها الأطباء على مدى خمس سنوات، إلا أن بشرتي ما زالت تعاني من الحبوب والبثور، فلجأت إلى الطب البديل، الذي كان يصيب مرة وأخرى يخيب، إلا أنني قررت الاستمرار لأن جميعها مستحضرات طبيعية وعشبية فلن يكون منها أي ضرر».

من جهتها أكدت الدكتورة سهى الحاج أخصائية أمراض جلدية بمركز الطبابة الدولي، أن لا أحد ينكر أهمية الأعشاب في العلاج، لا سيما وأن الدواء بدأ من النباتات، وقالت: «هذا أمر لا نختلف عليه»، وقالت: «نحن الأطباء قبل استخدام أي عشبة دواء نقوم باستخلاص المفيد منها وطرح غير المفيد».

وأضافت: «ولكن في حالة استخدام طب الأعشاب كما نرى اليوم فإن المريض لا يقوم باستخلاص الضار منها، لذلك نجد أن ضرر استخدامها أكثر من نفعها»، مؤكدة أن الأطباء ضد استعمال الطب الشعبي أو البديل «بطريقة عشوائية»، باستثناء الأعشاب البسيطة كالنعناع والبابونج والزهورات التي ليس لها أضرار، «ولكن الاستخدامات الكبيرة والمضرة لتلك الأعشاب هي التي نشدد على مراقبتها ومنعها».

وقالت لـ«الشرق الوسط» للأسف غالبا ما تأتيني حالات لديها مشكلات في البشرة وللأسف تكون متقدمة لأنها بدأت بالعلاج الذاتي مستخدمة الأعشاب وبعض المواد الضارة، هناك نسبة كبيرة من عدم الاستفادة وزيادة الضرر جراء استخدام هذه المواد».

وفي السياق ذاته بينت الدكتورة جيهان محمد استشاري أمراض الدم بمستشفى الملك فهد العام بجدة، أن الطب البديل يعد أحد العلوم المهمة التي أثبتت فاعليتها، إلا أنها استنكرت في الوقت ذاته استغلال بعض الممارسين للمرضى من خلال الإعلان عن بعض الأعشاب والنباتات التي تدعي قدرتها على علاج بعض الأمراض المزمنة أو التي تستغرق وقتا طويلا.

وأشارت إلى وجود بعض عيادات الطب البديل غير المرخصة، كما أن هناك بعض الأشخاص الذين يقومون بمعالجة الناس من منازلهم، مؤكدة أن هذه العيادات تهدف للمتاجرة بمرض الأشخاص وتستغل حاجتهم للعلاج، وحذرت من الأدوية العشبية المركبة التي يقومون ببيعها للمرضى دون التأكد من مدى صحتها وفائدتها، لا سيما وأنها تسبب مضاعفات قد تؤثر على حياة المريض بشكل سلبي جدا.

ويوافقهم الرأي الدكتور وائل عواد استشاري أمراض نساء وولادة في مستشفى الحرس الوطني بجدة، حيث بين أنهم كأطباء ليسوا ضد العلاج باستخدام الأدوية العشبية أو الطب البديل، مبينا أنه طب معروف ويدرس في جامعات عالمية، ولكن للأسف أغلب الممارسين والذين أساءوا للطب البديل هم أناس لم يقوموا بدراسته ويعملون في هذه المهنة دون أن يكون لديهم دراية كافية به.

وأشار إلى أن الطب البديل بحاجة إلى أن يقنن قبل استخدامه، والتأكد أن من يقوم بممارسته جدير بذلك، وقال: «الفرق بين الطب الحديث، والطب البديل أن الأول عند وصف أي أدوية نجد داخلها روشتة توضح كيفية الاستخدام كما تبين المخاطر أو الأعراض الجانبية لذلك الدواء، بينما الطب البديل لا يوضح ذلك وهناك كثير من الأعشاب أضرارها أكثر من نفعها».

وحذر عواد من الانسياق خلف مروجي الأعشاب عبر القنوات التلفزيونية والوسائل الإعلامية، والتي يدعون أن لها قدرة على علاج الأمراض المستعصية، مؤكدا أن هذه الأعشاب لم يتم إجراء أي دراسة عليها ويتم الترويج لها ويستخدمها كثير من الأشخاص.

من جهتها أكدت لينا مسلم مسؤولة قسم تسجيل الأدوية في مركز المسند للاستشارات الصيدلانية، والمختص باستخراج تراخيص لشركات الأدوية العشبية وأدوية التجميل الخارجية من قبل هيئة الغذاء والدواء السعودية والسماح لدخولها لأسواق المملكة، أنه خلال السنتين الماضيتين أصبح هناك حصر كبير للأدوية التي تدخل السعودية خاصة العشبية منها، كما أن الفسح لتلك الأدوية بات صعبا جدا، موضحة أن هيئة الغذاء والدواء مؤخرا قامت بفتح أكثر من منفذ لها لمنع دخول الأدوية خاصة العشبية منها والتجميلية دون رقابة.

وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «نلاحظ أن الأدوية العشبية أصبحت قليلة جدا في الأسواق السعودية، خصوصا بعد أن تم سحب نسبة كبيرة منها لعدة أسباب من بينها أن بعض إجراء تحليلات لتلك الأدوية تأكد أن لها أضرارا جانبية وكانت نتائج التحليل سلبية، وبعضها لم تكن مطابقة للاشتراطات، وبعضها لم تكن مسجلة رسميا، كما أن هناك بعض الأدوية التي يتم سحبها من بلد المنشأ وبالتالي تقوم هيئة الغذاء والدواء بسحبها من الأسواق السعودية».

إلا أن خبراء الطب البديل أكدوا أن أكثر من 60 في المائة من الأمراض العصرية التي أثبت الطب الحديث فشله في علاجها تمكن الطب البديل من علاجها، كما أوضح الدكتور جابر الحسن خبير العلاج بالطب البديل لـ«الشرق الأوسط» أن «60 في المائة من حالات القولون وأمراض القلب وتصلب الشرايين وبعض أمراض السرطان يمكن علاجها بالأعشاب».

وأضاف: «للأسف انتشار الطب البديل بالشكل العشوائي الذي نراه اليوم جعله محاربا من البعض، على الرغم من أن هناك كثيرا من الأمراض التي يمكن أن تعالج من خلاله»، واستطرد: «لذلك بدلا من محاربته نطالب نحن بضرورة وجود تشريعات وتشديد الرقابة على ممارسيه حتى لا يظلم الجميع ويحكم على الطب البديل بأنه من أمور الشعوذة كما نسمع من البعض، وأن ضرره أكثر من نفعه».

كما طالب الحسن الذي تعلم التداوي بالأعشاب منذ 15 عاما، واكتسب المهنة من والده وقام بعد ذلك بتنمية هذا الجانب من خلال دراسته في الخارج، بضرورة الاهتمام في الوطن العربي بالطب البديل وفتح أقسام في الكليات والجامعات لتدريسه، وإجراء البحوث الخاصة ضمن مراكز أبحاث تعنى بهذا النوع من الطب كما هو الأمر في كثير من الدول الغربية.