المنشآت الصغيرة والمتوسطة تواجه الانقراض لغياب التمويل

الخبراء يعولون على الدعم المتنامي للأعمال

عزوف البنوك عن التمويل من أكبر المعوقات التي تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة
TT

ما زالت خطوات إعادة هيكلة ومساعدة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في السعودية، التي تستحوذ على نحو 90 في المائة من المنشآت العاملة في البلاد، تواجه جملة عراقيل، تتمثل في التمويل والإدارة الداخلية والتسويق، إلا أن التحرك ما زال يراه البعض يسير ببطء شديد في ظل التقدم والنمو الاقتصادي الذي تعيشه البلاد.

وعلى الرغم من أن الجهات الرسمية تحذر على الدوام مما يواجه المنشآت قبل عقد من الزمن، وقبل انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية، وذلك بإطلاق أول ندوة تدرس واقع ومشكلات المنشآت الصغيرة والمتوسطة عام 2003.

وأثمرت الخطوة دعم صندوق التنمية الصناعية السعودية عبر برنامج «كفالة»، مع البنوك المحلية، و«صندوق المئوية»، وبرنامج «عبد اللطيف جميل لخدمة المجتمع»، إلا أنها ما زالت قليلة، خاصة أن تلك المنشآت الصغيرة تستحوذ على 90 في المائة من مجمل القطاع الخاص لتستمر في مواجهة كثير من العراقيل للحصول على التمويل، بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط».

ويشير المهندس أسامة المبارك رئيس برنامج «كفالة» لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة المكلف، إلى أن عدد المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة بلغ حتى العام الحالي، 1.3 مليون منشأة، وبلغت نسبة المؤسسات التي لا تزال تمارس نشاطها حتى الآن 71 في المائة، فيما بلغ عدد المنشآت التي تم إغلاقها 29 في المائة.

وأشار المبارك إلى أن 84 في المائة من المنشآت الصغيرة والمتوسطة توظف بين 1 إلى 4 عمال، في حين 13 في المائة منها توظف من 5 إلى 19 عاملا، و3 في المائة من المنشآت الكبيرة يبدأ عدد العمال فيها من 20 عاملا فأكثر، موضحا أن 99 في المائة من تلك المشاريع يمتلكها سعوديون.

وأوضح رئيس برنامج «كفالة» أن منطقة الرياض تستحوذ على أعلى نسبة من المنشآت؛ حيث بلغت 25 في المائة، تليها منطقة مكة المكرمة بنسبة 24 في المائة، ومن ثم المنطقة الشرقية، مبينا أن النسبة تتوافق مع التركيز السكاني في المناطق، وأشار إلى أن نسبة المؤسسات الفردية من مجموع تلك المنشآت تصل إلى 85 في المائة، فيما بلغت نسبة الشركات نحو 9 في المائة.

وحول أنشطة تلك المنشآت، بيَّن أن نشاط التجارة يأتي في مقدمتها بنسبة 48 في المائة، فيما يليه نشاط الصناعة التحويلية بنسبة 11 في المائة، ومن ثم نشاط الخدمات بنسبة 10 في المائة.

وأشار المبارك إلى أن هناك تحديات ما زالت تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة، من بينها الوصول إلى المصادر التمويلية، وتخوف البنوك من تقديم الدعم لتلك المنشآت.

من ناحيته، يشير سلطان السلطان رئيس قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة بالشركة السعودية للمعلومات الائتمانية (سمة)، إلى تحديات تقف أمام نمو المنشآت الصغيرة والمتوسطة في مختلف أنحاء العالم، من بينها تكلفة رأس المال، والتضخم الاقتصادي، والإجراءات الحكومية التي تختلف من دولة إلى أخرى.

وقال السلطان: «إن قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في السعودية يلعب دورا فاعلا في الاقتصاد، لكنه يحتاج إلى رفع مستويات شفافية الاقتصاد، والحد من تباين المعلومات وتطوير نموذج اقتصادي يتناسب مع السعودية، من خلال تأسيس شراكات بين الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الكبرى. كما يحتاج القطاع إلى توفير معلومات ائتمانية دقيقة ومحددة ومحدثة».

كما أكد السلطان على ضرورة السعي إلى تغيير سلوك جهات الإقراض، وجعله يعتمد على السوق وليس على الضمانات المقدمة، إلى جانب مساندة أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة في إدارة النقد والالتزام نحو الدائنين.

من جهته بين راكان العيدي العضو المنتدب لشركة «انديفور» السعودية أن هناك عقبات تقف أمام وصول الشركات المتوسطة والصغيرة إلى مصادر التمويل، مثل قبول الفشل من بعض رواد الأعمال، إلى جانب ضعف الإمكانات الإدارية، وعدم وجود نماذج يحتذى بها، أو يمكن الاستفادة من خبراتها في مجال ريادة الأعمال.

بينما أكدت رانيا سلامة رئيسة لجنة شابات الأعمال أن هناك عزوفا من قبل البنوك عن تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وقالت: «تبين من خلال الدراسات والإحصائيات الأخيرة أن هناك مشكلات عدة تواجه شابات الأعمال وتجعل البنوك تعزف عن تمويل مشاريعهن».

وأضافت: «بين التقرير الصادر مؤخرا حول مشاريع شابات الأعمال أن أغلب تلك المشاريع غير مؤهل، لذلك فإنها لا تجد الدعم الكافي من البنوك، كما أن هناك ضعفا في المهارات الشخصية لدى الفتيات، سواء في التأهيل والقدرة على العمل التنافسي، والثقة بالنفس وخوض التحديات».

وبينت أنهن بحاجة إلى توجيه شابات الأعمال بشكل أفضل من خلال تقديم دورات مكثفة لهن، كما لفتت إلى سعيهن - حاليا - إلى إقناع شابات الأعمال بإقامة تكتلات حتى يتمكنّ من مساندة بعضهن ويضمنّ استمراريتهن.

وبالعودة إلى المبارك، فقد بين أن إدارة برنامج «كفالة» اعتمدت منذ عام 2006، وحتى الربع الأول من عام 2013، نحو 5253 كفالة، استفادت منها 3159 منشأة صغيرة ومتوسطة في مجالات الصناعة والتجارة، وخدمات المال والأعمال، والخدمات الاجتماعية والشخصية، بقيمة إجمالية للكفالات بلغت 205 مليارات ريال، مقابل تمويل مقدم من البنوك المشاركة في البرنامج بلغت قيمته 5.2 مليار ريال.

وأوضح المبارك أن هناك تفاعلا كبيرا من البنوك المشاركة في البرنامج، والدليل على ذلك زيادة قيمة التمويل المقدم من البنوك بكفالة البرنامج من 1.2 مليار ريال عام 2011 إلى 1.7 مليار ريال عام 2012 بزيادة بلغت نسبتها 38 في المائة. وقال خلال فعاليات معرض ازدهار للمشاريع الصغيرة والمتوسطة الذي انطلق أمس في فندق «جدة هيلتون»: «إن برنامج (كفالة) يضع حدا أعلى لرأسمال الشركات الصغيرة والمتوسطة قدره 30 مليون ريال»، منوها بأنه يقدم 80 في المائة من قيمة التمويل بما لا يتجاوز 1.6 مليون ريال.

وعن مستقبل الأعمال، يشير فهد الحمادي، وهو عضو مجلس إدارة غرفة الرياض إلى أن المرحلة المقبلة أمام تلك المنشآت تتطلب تهيئة القطاعات الاقتصادية في البلاد على المستويين الخاص والعام، مشددا على ضرورة إعادة النظر في كثير من الأنظمة القائمة بما يتلاءم مع المرحلة المقبلة؛ حفاظا على تلك المنشآت، وقال الحمادي: «إن أهم المشكلات التي تواجه المنشآت الصغيرة، حسب الدراسات التي أجرتها الغرفة التجارية قبل عدة سنوات، تتمثل في إصدار التأشيرات بنسبة 81 في المائة، تليها العمالة الماهرة بنسبة 78 في المائة، ومشكلات العمل وتوظيف السعوديين بنسبة 74 في المائة، ومشكلات التمويل والمنافسة والتقليد والتسويق والتستر.

ويشير الحمادي إلى خلو المنشآت من تعريف خاص يمكن به مخاطبة تلك المنشآت للأجهزة الحكومية، مضيفا: «على الرغم من وجود المنشآت الصغيرة، فإنها ما زالت شبه غائبة حتى من ناحية التعريف بتلك المنشآت»، مشيرا إلى أن التعريف السائد لها في السعودية هو المنشأة التي يقل العاملون فيها عن 20 عاملا، ويقدر حجمها بأقل من مليون ريال، ولا تزيد مبيعاتها على 5 ملايين ريال.

وشدد الحمادي على ضرورة إنشاء جهاز رسمي مرتبط بمجلس الوزراء لرعاية وإدارة شؤون المنشآت الصغيرة، خاصة أن هذه المنشآت تسهم بنسبة 38 في الناتج المحلي، وتوظف نحو 82 في المائة من الأيدي العاملة، بالإضافة إلى ضرورة تسهيل وتوضيح عملية الإقراض من الجهات الممولة لأصحاب المنشآت، وتوحيد وتقليص جميع الإجراءات الحكومية الداعمة للمنشآت الصغيرة ودعم الاستثمار المحلي، وإيجاد فرص استثمارية صغيرة، والاهتمام بحق الامتياز التجاري «الفرنشايز».

وشدد المجتمعون في جدة على ضرورة دعم الشركات الكبرى بإنشاء صناديق لدعم أصحاب المؤسسات على غرار صندوقي عبد اللطيف جميل والبنك الأهلي والصناديق الأخرى، وخلق ونشر روح الريادة في المناهج التعليمية، وأهمية التأهيل والتدريب لأصحاب المنشآت الصغيرة، وإنشاء حاضنات الأعمال للمنشآت الصغيرة في كل القطاعات الاقتصادية، وإيجاد تعريف موحد للمنشآت الصغيرة والمتوسطة لتعزيز خدماتها.

وعلى الرغم من تنامي سطوة الشركات العملاقة في ميدان الاقتصاد العالمي بشكل عام، وفي الدول الصناعية الكبرى على وجه الخصوص، فإن المنشآت الصغيرة والمتوسطة ما زالت تستحوذ في مجملها على أكبر نسبة من أعداد المنشآت القائمة في تلك الدول، بحسب ورقة عمل مقدمة في اللقاء.

ويؤكد الخبراء أن نسبتها في أي من تلك الدول لا تقل عن 85 في المائة، إن لم تكسر حاجز الـ90 في المائة. ويمنح الاقتصاديون أهمية كبرى للمنشآت الصغيرة والمتوسطة باعتبارها المحور الأساسي في حركة الأعمال والتجارة، وتمثل ترسا أساسيا في أي صناعة كبرى تستهدف التألق، فضلا عن كونها القناة التصديرية الرئيسة لدى بعض الدول.