«الأوقاف».. نشاط خيري يعرقله الإهمال وضعف المبادرات الحكومية والأهلية

محدودية المجالات أهم المعوقات.. و«الصحة» و«التعليم» آفاق جديدة

تكرست الأعمال الخيرية للأوقاف بالسعودية في الاهتمام ببناء المساجد في ظل غياب أوجه أخرى بالمجال الاجتماعي كبناء المدارس والمستشفيات («الشرق الأوسط»)
TT

تعاني الأوقاف في السعودية مصاعب عدة تأتي في مقدمتها محدودية المجالات الخيرية التي تسهم الموارد المالية للأوقاف في دعمها، وأرجع عدد من المختصين والمتابعين تلك المحدودية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالسعودية، محملينها عدم التوسع في فتح آفاق خيرية أمام رؤوس الأموال الراغبة في التبرع، لافتين إلى أن أهم المجالات التي لم يلتفت إليها في أنشطة الأوقاف محليا المستشفيات والمدارس، في وقت انحصرت فيه الأوقاف على بناء المساجد وحلقات تحفيظ القرآن الكريم.

وأوضح عبد الله فراج الشريف، مفكر وباحث إسلامي، أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لا تقوم بدورها على أكمل وجه، وقال: «ما وصل للوزارة من أوقاف تأخذه وما لم يصل إليها لا تطالب به، ولذلك نجد كثيرا من الأوقاف التي تركها أصحابها قد هلكت واندثرت، خاصة ما كان منها خارج المملكة».

وأضاف: «بما أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تعتبر الجهة الرسمية في السعودية، فالمنوط بها أن تعد برامج تشجع على الأوقاف المستحدثة على أوجه من البر التي أهملها الناس؛ كإنشاء المستشفيات، أو المساكن والنوادي، فهذه جميعها تندرج تحت الأوقاف». واستشهد الشريف بأنه في الماضي كانوا يخصصون أوقافا للخادم الذي يكسر الأواني ويأخذون من تلك الأوقاف ثمن الآنية، مؤكدا أن الوقف لا يقتصر على المساجد فقط، وقال: «كرست وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية جل اهتمامها على إنشاء المساجد، لدرجة أننا بتنا نرى في الحي الواحد قرابة أربعة مساجد».

وبين أن في مدن وأحياء المملكة ما يكفي من المساجد، لكن لا بد من العناية والاهتمام بها وصيانتها بشكل دوري، وليس فقط القيام ببنائها، مطالبا بالاهتمام بالأوقاف الموجودة خارج المملكة والتي تعاني السلب والإهمال والاندثار.

وأضاف: «إلا أن الأوقاف غير الفردية كالذي يوقف أوقافا للحرم أو لأبناء السبيل أو لطلاب العلم، فللأسف هذه الأوقاف قد ضاع منها الكثير، خاصة ما كان خارج المملكة، ولم يطالب بها أصحابها، وضاعت، وما بقي منها فهو مهمل للآن».

ولفت إلى أن الأوقاف داخل المملكة تعاني أيضا الاستغلال، فقال: «حتى الأوقاف داخل المملكة للأسف استغلت استغلالا سيئا، فأحيانا نجد أن هذه الأوقاف قد أوكلت إلى أناس باعوها وأخذوا أسماءها وهم لا يملكون منها شيئا، حتى الأربطة وللأسف تعاني الإهمال بشكل كبير».

وأشار إلى وجود أوقاف فردية يرجع الاهتمام والعناية بها إلى أهلها الذين يحرصون على تعيين مسؤول عنها يعنى بأمرها ونظافتها وصيانتها وأداء حقوقها، وقال: «هؤلاء يحرصون على ألا تندثر تلك الأوقاف، فيخصصون جزءا من أموالهم ودخولهم للعناية بها، وهذا النوع من الأوقاف لا خوف عليه».

وفي السياق ذاته، استنكر عدد من أهالي محافظة الطائف ما تعانيه المساجد التابعة لوزارة الأوقاف من الإهمال، سواء في النظافة والصيانة، فمن مسجد عم الرسول، صلى الله عليه وسلم (مسجد العباس)، الذي يعتبر معلما أثريا لزوار الطائف ويحرص كثير من زوار المنطقة على دخوله وأداء الفرائض، إلا أنه يفتقد العناية».

ووصفه بعض السكان بأنه بات كالجمعية الخيرية المعنية بتوزيع الصدقات، كما يشكو مسجد الملك فهد من إهمال المرافق وقلة الصيانة، وطالبوا بضرورة النظر في وضع المساجد التابعة لوزارة الأوقاف جميعها التي أصبحت تسيء لمدينة الطائف وتخوفوا من نزوح المصلين من المساجد التي تمثل معلما من معالم المدينة.

وأشار محمد العواد الذي اعتاد الصلاة بمسجد العباس، إلى أن قداسة المسجد والتاريخ الإسلامي الذي يجسده ومقابر الشهداء التي سجلها التاريخ، من المؤسف أن تكون بهذا الحال، فكثير من زوار المحافظة يحرصون على زيارته وأداء الصلاة به، لكن افتقار المسجد للنظافة والصيانة جعلهم يهجرونه.

ولفت محمد السعيد إلى مسجد البلدية الذي يظل أياما وأحيانا أسابيع والمرافق مغلقة لعدم توافر المياه فيه، مطالبا وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالنظر في صيانة مساجدها.

من جانبها، أوضحت وزارة الأوقاف والدعوة والإرشاد بمحافظة الطائف أن الوزارة تشرف على ما يقارب 1777 مسجدا حكوميا و450 مسجدا خاصا، وجندت موظفيها لخدمتها. وأشارت إلى وجود مراقبين من قبل الإدارة مختصين بالمتابعة المستمرة على صيانة ونظافة المساجد، ويقومون برفع تقارير دورية عن مدى مستوى الخدمة المقدم.

وبالعودة إلى الشريف الذي لفت إلى وجود نماذج رائعة في مجال الوقف قامت بها المؤسسات التعليمية في السعودية كجامعة الملك عبد العزيز وجامعة الملك سعود، مشيرا إلى أن ذلك باب من أبواب البر، وقال: «في الغرب استفادوا كثيرا من أوقاف هذه الجامعات، وهناك جامعات كبرى في العالم تقوم فقط على تلك الأوقاف».

من جهة أخرى، عكفت الجامعات السعودية مؤخرا على توظيف فكرة وجود أوقاف خاصة بها لدعم مسيرتها التعليمية، من شأنها أن تحقق جملة من الأهداف، خصوصا أن البحوث العلمية تحتاج إلى إمداد مادي لا محدود حتى تتمكن من محاكاة الجامعات العالمية التي تقوم بتقديم كثير من البحوث والدراسات.

وبين خالد عمر الفين، مدير إدارة علاقات المتبرعين بأوقاف جامعة الملك عبد العزيز بجدة، أن بناء نماذج للأوقاف التعليمية من شأنه أن يعزز دور الجامعات في تطوير الأرضية العلمية والثقافية، كما من شأنه أن يعزز القدرات المالية للجامعة.

كما بين أنهم يسعون لأن يصبح الوقف العلمي بأصوله الثابتة والمتغيرة وضوابطه الشرعية المعتمدة، ركيزة في تطوير ودعم المشروعات البحثية وتمويل الدراسات العلمية والتطبيقية، بهدف معالجة المشكلات الاقتصادية والعلمية والإسهام في تنميتها.

وأشار إلى أن الوقف العلمي بجامعة الملك عبد العزيز سجل سابقة إدارية مبتكرة في طريقة الأوقاف، مبينا أنه تم لأول مرة تنظيم الأوقاف وإدارتها بأسلوب الشركات المساهمة في القطاع الخاص.

وقال: «أنشأنا جمعية عمومية خاصة بإدارة الأوقاف تتكون من جميع الواقفين الذين لا تقل قيمة مساهمة كل واحد منهم عن 250 ألف ريال أو ما يعادلها من عقار أو سهم وغيره، ويكون لكل عضو صوت واحد عن كل 250 ألف ريال يتبرع بها للوقف».

وأضاف: «كما تم إنشاء مجلس النظارة الخاص بالوقف بحيث يكون لديه أوسع السلطات وكل الصلاحيات لإدارته والإشراف العام على شؤونه وسير عمله، ويتكون المجلس من 15 عضوا؛ أربعة من داخل الجامعة وثلاثة من الإدارات الحكومية وثمانية من أهل العلم ورجال الأعمال، بهدف تحقيق مزيج فريد من الخبرة والمعرفة».

واستطرد: «خصصنا لجنة للاستثمار يقوم مجلس النظارة بتعيين أعضائها التسعة، بحيث يكون 78 في المائة من أعضائها من خارج الجامعة، وتضم اللجنة مجموعة من رجال الأعمال البارزين وأهل الاختصاص في التمويل والاستثمار الذين يقومون بدراسة الفرص الاستثمارية لتحقيق عوائد مجزية وتنمية رأسمال الوقف العلمي».

وحول نمو الإيرادات المالية لبرنامج الاستقطاع الشهري بين أنها نمت منذ إنشاء الوقف عام 2007 حتى عام 2012 بما يقارب 12 في المائة، وبلغت نسبة المشاركين في البرنامج 61 في المائة من الطالبات، و34 في المائة من الطلاب، في حين بلغت نسبة الموظفين 5 في المائة.

وأشار إلى أن التبرعات النقدية للوقف العملي في جامعة الملك عبد العزيز بلغت العام الماضي 13 في المائة، وبلغ حجم العائد الاستثماري 20 في المائة، وبين أن الأداء الاستثماري يختلف من عام لآخر، حيث تقوم لجنة الاستثمارات بدراسة الخطة الاستثمارية كل عام وتعنى بتوجيه أصول الوقف، خصوصا أن الأوقاف عادة لا تدخل في استثمار خطر، بل تدخل في استثمارات معدومة المخاطرة.

وقال: «تم الانتهاء من مرحلة البناء والتشطيب للشقق الفندقية الوقفية وجار حاليا إدخال الكهرباء ومن ثم نقوم بتسويقها للبدء بتشغيلها الاستثماري».

وأشار إلى دور الوقف في دعم وتمويل كثير من البحوث العلمية، حيث ساهمت عائدات الأوقاف في دعم ما يقارب 17 بحثا علميا في مجالات مختلفة بين منذ عام 2008 حتى عام 2012، من بينها بحث لتقييم إمكانية استخدام مياه البحر في تنمية محاصيل علف مقاومة للملوحة والحد من التلوث البيئي، ودراسة التقنية الأمثل لتحلية المياه والغاز الطبيعي، إضافة إلى بحوث ودراسات مسحية لمواجهة الأزمات والكوارث. وكشف عن تبني الوقف العلمي لجامعة الملك عبد العزيز تشغيل مكتبة الملك فهد العامة بجدة والتي تقع ضمن حدود الحرم، حيث «تم وضع حجر الأساس لها في عهد الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - ولم يتم تشغيلها بعد الانتهاء من إنشائها لعدم توافر المخصصات المالية من قبل الوزارة، فتبناها الوقف العلمي للجامعة وسيقوم بافتتاحها قريبا».

وفي السياق ذاته، أنشأت جامعة الملك سعود في الرياض برنامج أوقاف الجامعة الذي يعنى بتحقيق جملة من الأهداف، ويمثل المشروع مجموعة مشاريع برنامج الأوقاف، وهو عبارة عن وقف متعدد الاستخدامات على أرض تزيد مساحتها على 280 ألف متر مربع. ومن المتوقع أن تضخ تلك الأبراج التسعة الداخلة ضمن مشاريع الأوقاف بالجامعة ما يقارب 4 مليارات و900 مليون ريال كمصدر دخل مستقل لها، لا سيما أن البحث العلمي يحتاج إلى إمداد مادي لا محدود، خصوصا أن بيئة العمل البحثي تعتبر حساسة ولا تقل أهمية عن بيئة الاستثمار في أسواق المال.