«الحوار الوطني».. عام تقييم المسار بعد 10 سنوات من نشره بين السعوديين

أطلقه الملك عبد الله لإيجاد مناخ نقي تنطلق منه المواقف الحكيمة والآراء المستنيرة

خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله حين تسلمه التقرير السنوي للحوار الوطني («الشرق الأوسط»)
TT

في نهاية شهر يونيو (حزيران) 2003 أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إبان ولايته للعهد موافقة أخيه الملك الراحل فهد بن عبد العزيز على قيام مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني ليكون بذلك أول مركز في السعودية يناقش القضايا بأسلوب حضاري وحواري لبناء أساليب الحياة، بعيدا عن التطرف والغلو وإقصاء الآخر.

وقف حينها الملك عبد الله بكل حزم بعد خروج بعض الفئات الضالة الإرهابية مطلقة أفكارها التخريبية والعدائية للإنسانية والتي تزامنت مع الأعمال التخريبية من تفجيرات للمجمعات السكنية في العاصمة السعودية الرياض، ليؤكد في خطابه الشهير أن هذا المشروع الوليد «سوف يكون بإذن الله إنجازا تاريخيا يسهم في إيجاد قناة للتعبير المسؤول سيكون لها أثر فعال في محاربة التعصب والغلو والتطرف وتوجد مناخا نقيا تنطلق منه المواقف الحكيمة والآراء المستنيرة التي ترفض الإرهاب والفكر الإرهابي».

وشدد خادم الحرمين الشريفين على أن هذا الوطن (السعودية) الذي يتشرف بخدمة الحرمين الشريفين والذي تهوى إليه قلوب المسلمين من كل مكان، لا يمكن أن يضم فكرا يخرج قيد أنملة عن ثوابت العقيدة الإسلامية، كما أنه لن يقبل فكرا يحرف تعاليم الإسلام ويتخذ شعارات خادعة لتبرير الأهداف الشريرة في تكفير المسلمين وإرهابهم، وأن شعبنا السعودي لا يرضى بديلا عن الوسطية المعتدلة التي ترفض الغلو والتعصب بقدر ما ترفض الانحلال والإباحية.

ورسم الملك عبد الله عبر ذلك الخطاب الشهير طريقا وخطوطا عريضة للحوار الوطني حينما أوضح أن «آداب الحوار يجب أن تنطلق من منهج السلف الصالح الذي يعتنقه شعب المملكة.. وقد كان السلف الصالح عليهم رضوان الله لا يجادلون إلا بالحكمة والموعظة الحسنة ويعملون بتوجيه سيدنا ونبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) كما كانوا يعتبرون سب المسلم فسوقا وقتاله كفرا. هذا هو الطريق السليم للحوار».

ومن ذلك الوقت بدأ الحوار الوطني يدخل كل بيت وأسرة مقتدين بربان السفينة الملك عبد الله، إذ يشير فيصل بن عبد الرحمن بن معمر، مستشار خادم الحرمين الشريفين والأمين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، أن من أهم أهداف المركز توفير البيئة الملائمة الداعمة للحوار الوطني بين أفراد المجتمع وفئاته (من الذكور والإناث) بما يحقق المصلحة العامة ويحافظ على الوحدة الوطنية المبنية على العقيدة الإسلامية، وذلك من خلال الأهداف التي تعمل على تكريس الوحدة الوطنية في إطار العقيدة الإسلامية وتعميقها عن طريق الحوار الفكري الهادف، والإسهام في صياغة الخطاب الإسلامي الصحيح المبني على الوسطية والاعتدال داخل المملكة وخارجها من خلال الحوار البناء، ومعالجة القضايا الوطنية من اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية وتربوية وغيرها وطرحها من خلال قنوات الحوار الفكري وآلياته، وترسيخ مفهوم الحوار وسلوكياته في المجتمع ليصبح أسلوبا للحياة ومنهجا للتعامل مع مختلف القضايا، وتوسيع المشاركة لأفراد المجتمع وفئاته في الحوار الوطني وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني بما يحقق العدل والمساواة وحرية التعبير في إطار الشريعة الإسلامية، وتفعيل الحوار الوطني بالتنسيق مع المؤسسات ذات العلاقة، وتعزيز قنوات الاتصال والحوار الفكري مع المؤسسات والأفراد في الخارج، وبلورة رؤى استراتيجية للحوار الوطني وضمان تفعيل مخرجاته.

ويشير هنا الدكتور فهد السلطان نائب أمين مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني إلى أنهم يعملون ليكون العام المقبل هو عام تقويم مسيرة الحوار الوطني، متطلعين من قطاعات المجتمع المختلفة وأفراده أن يقيموا هذه المسيرة التي أكملت 10 أعوام.

وقال السلطان لـ«الشرق الأوسط»: «نحن حققنا الكثير من المنجزات ولدينا قصور، ونريد أن يكون هذا تقييما شعبيا من كل أفراد المجتمع، عن أوجه النجاح وأوجه الإخفاق، وما هي الأبعاد التي يجب أن يسلكها الحوار الوطني في الأعوام المقبلة، وبذلك نسير في إطار توجه خادم الحرمين الشريفين في أن يكون هذا المركز عاكسا لوجهة نظر المجتمع وتطلعاته ولترسيخ ثقافة الحوار وجعلها سلوكا ممارسا».

وأضاف السلطان أنهم يعملون على تنظيم لقاءات على مستوى المناطق للتقييم، مرحبين بتقييم أي جهة سواء كانت حكومية أو أهلية أو مؤسسات مجتمع مدني أو جامعات أو وسائل إعلام، وأضاف السلطان أنهم يعملون على رصد جميع ما كتب عن الحوار خلال الأعوام الماضية للاستفادة منه ومن المقترحات للتطوير.

ويشدد السلطان على ضرورة تعزيز ونشر ثقافة الحوار لأن تصبح جزءا من الشخصية السعودية، وقال «أعتقد أنها مهمة استراتيجية، للبلد ولنا كسعوديين ومسلمين، خصوصا أننا نحتضن الحرمين الشريفين ونستقبل ملايين الحجاج والمعتمرين، وأيضا لأن بلادنا لها المكانة الاقتصادية المهمة في الاقتصاد العالمي، لهذا فأنت بحاجة دائمة إلى التواصل مع الثقافات الأخرى».

وأوضح السلطان أن الحجاج والمعتمرين وغيرهم يأتون من مدارس مختلفة فكريا، ولذلك لا بد أن تكون لدى المجتمع السعودي هذه القابلية في الحوار مع الآخر وقبول التنوع الثقافي والفكري بحكم مكانة المملكة، وأضاف: «نحن لسنا بلدا صغيرا منعزلا، بل نحن بلد متعدد الثقافات»، مشددا على ضرورة القابلية لقبول الطرف الآخر مهما كانت لديهم هذه التنوعات الفكرية والثقافية.

وعلى الرغم من أن مركز الحوار الوطني بدأ بنخب المجتمع، فإن السلطان يرى أنه لهذا فإن «الحوار الوطني» بدل أن يكون مركزا على النخب أو على حوارات النخب من أجل ترسيخ هذه الثقافة وتعزيزها يصبح جزءا من التفكير والسلوك في الثقافة السعودية.

ويشير هنا السلطان إلى أن حوار النخب كسر الكثير من الحواجز وقرب المسافات بين النخب الفكرية، ولكن أيضا عزز الثقافة، إذ بدأ المركز باستهداف قطاعات مختلفة أهمها قطاع التعليم والمعلمين والمعلمات والطلبة والمهتمين بالشأن الدعوي وأئمة المساجد وأساتذة الجامعات والمؤسسات المهتمة بالأسرة لأننا نعتقد أننا إذا لم نؤسس لمفهوم الحوار داخل الأسرة فإنه لن يترسخ في المجتمع، ولهذا أنشئت برامج تهتم بالحوار بين الزوجين وحوار الآباء مع أبنائهم.

وفند السلطان غياب حوار النخب، مؤكدا أنه لا يزال قائما، حيث كان هناك لقاءات الخطاب الثقافي السعودي، وما عقد حول وسائط التواصل الاجتماعي في الدمام وضم أطيافا مختلفة من النخب المهتمين بوسائط التواصل الاجتماعي، وأغلبهم من الفاعلين في موقع «تويتر»، وأضاف: «حاولنا أن نمثل فيه كل أطياف المجتمع وتوجهاته الفكرية والخلفيات المتنوعة بما في ذلك التنوعات المذهبية، ولا نزال مستمرين في حوار النخب»، ويشدد السلطان على أنهم يعتقدون النخب قادة رأي ويؤثرون في المجتمع ومن الأمور التي يعتبرونها مهمة، لكن هذا لا يعني أنهم لا يتوجهون إلى شرائح جديدة سواء كانت بالنسبة للطلاب أو الشباب أو المؤسسات الأسرية.

وحول مشروع استطلاعات الرأي العام والدراسات الاستطلاعية ذكر السلطان أنه بدأ المركز فيها منذ 6 أعوام، معتبرين استطلاع الرأي العام جزءا من الحوار المجتمعي لاستطلاع آراء الناس وتوجهات المجتمع نحو قضية معينة، وخاصة أن مركز الحوار الوطني أجرى عددا من الدراسات عن رؤية الناس للتعليم في السعودية، وللقطاع الصحي في المملكة، وعن العمل ومستويات البطالة، ومستوى الحوار في المجتمع السعودي، إضافة إلى دراسات اجتماعية شملت جميع مناطق المملكة.

تعتبر أكاديمية الحوار الوطني أهم المشاريع التي طرحها مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني والتي افتتحت بداية عام 2013، حيث تعمل على التدريب واستطلاع الرأي العام مما سيؤسس لمرحلة جديدة، إذ ستركز بشكل أكبر على استطلاعات الرأي العام، حيث تشمل مركز «سنتر كول» الذي يضم كل الأرقام المتاحة في المملكة، وفيه أجهزة وبرامج حاسوبية تسهم في تحليل النتائج بشكل سريع، بمعنى أن من يقوم باختيار الأرقام العشوائية هو الكومبيوتر ويقوم المدخل بالسؤال وإدخال النتائج ويقوم الحاسب بتحليل النتائج بشكل مباشر، وحول الأكاديمية يرى السلطان أنها من أهم المشاريع التي طرحها المركز والتي تعتبر مؤسسة غير ربحية وتضم 2800 مدرب ومدربة في 48 مدينة في المملكة، إذ يعتبرون الذراع التنفيذية لأي دراسات، فهم مساعدو باحثين في مناطقهم، إلى جانب تراكم الخبرة في المركز خلال السنوات الماضية، وما يحفز القطاعات الأخرى على إجراء الاستطلاعات أن المركز مؤسسة محايدة غير ربحية، وهو ما يضمن سلامة النتائج وقناعة الأطراف جميعها في المجتمع بالنتائج التي توصل إليها المركز.

وأهلت أكاديمية الحوار واستطلاعات الرأي نحو 840 متدربا ومتدربة من خلال 14 برنامجا تدريبا تم تنفيذها منذ افتتاح الأكاديمية وحتى الآن، وذلك بواقع سبعة برامج لكل فئة (من الرجال والنساء)، وتنوعت البرامج التدريبية التي استفاد منها المتدربون والمتدربات، حيث خصصت البرامج التدريبية لتطوير المشاركين في «تنمية مهارات الاتصال في الحوار»، وبرامج الحوار الأسري (الحوار الزوجي، وحوارنا مع أولادنا، والمحاور الناجح)، وبرنامج جسور للتواصل والحوار الحضاري (الحوار الحضاري).

وتسعى هذه البرامج إلى إكساب المشارك المهارة في الحوار والاتصال الفعال مع الآخرين، وأن يتعرف المشارك على أصالة الحوار في الثقافة الإسلامية وأن يكتشف المشارك مهارته في الحوار، وبالتالي مهارة الاتصال الفاعل في الحوار، إضافة إلى نشر ثقافة الحوار الأسري وتفعيله داخل الأسرة عبر الدورات التدريبية والندوات، وكذلك التدريب على برنامج جسور للتواصل الحضاري، الذي يعتبر امتدادا لمبادرات مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في نشر ثقافة الحوار بين الثقافات العالمية واحترام أتباع الديانات المختلفة، وغرس المبادئ الراقية في تعامل المواطنين مع الوافدين إلى المملكة، من منطلق نشر ثقافة التسامح والوسطية والاعتدال، وتوجيه سلوك المسافر السعودي، ليكون واجهة حضارية لوطنه.

وتعتبر أول أكاديمية للتدريب واستطلاعات الرأي العام في المملكة، ومن مشاريع مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني المهمة، وذلك ضمن رؤية المركز في نشر ثقافة الحوار والعمل على تقديم كل ما من شأنه خدمة هذا المشروع الحضاري، وتقوم الأكاديمية بتصميم البرامج والحقائب التدريبية المتخصصة في الحوار، وإعداد المدربين في مجالات التواصل والحوار، وتقديم برامج تدريبية متخصصة لكافة شرائح المجتمع، وإجراء الدراسات الاستطلاعية والميدانية، وقياس اتجاهات الرأي العام، وربط مشاريع الدراسات الاستطلاعية بحاجات المجتمع وقضاياه.