الشرطة تعتمد «المربعات الأمنية» لبسط السيطرة في المدن

نقاط تفتيش متحركة ساعدت في إيقاف المتورطين جنائيا.. وشرطة جازان تضبط أكثر من 30 ألفا من المتخلفين في أشهر

نقطة تفتيش ثابتة بين جدة ومكة («الشرق الأوسط»)
TT

تلعب الأجهزة الأمنية في السعودية، دورا مغايرا عما تقوم به كثير من الأجهزة حول العالم؛ فالشرطة في السعودية بالتنسيق مع كثير من الجهات تنجح وفي كل عام، في تصيد الآلاف من المتخلفين عن مغادرة الأراضي السعودية، بعد أداء مناسك الحج أو العمرة، أو أولئك الذين قدموا للزيارة، ولم يغادروا بعد انتهاء مدة زيارتهم، وهم لا يشكلون هاجسا أمنيا مضاعفا، للكم والنوع في أداء المتخلفين ونمط معيشتهم الذي يعتمد إما على امتهان كثير من الحرف، وإما الخيار الأسرع في الكسب من خلال نشاطات مريبة والضلوع في جرائم مختلفة.

وتعتمد الشرط في السعودية على عدة محاور، لضبط سيطرتها، وملاحقة المتخلفين، ومخالفي نظام العمل المعمول به في المملكة، والمتورطين في قضايا جنائية، وذلك بتقسيم المدينة إلى مربعات يسهل معها التعامل المباشر من دوريات تغطي هذا المربع، إضافة إلى وجود الدوريات السرية، وفرق البحث والتحري داخل مربع واحد متصل مباشرة بغرفة العمليات، لتحديد نوع الجريمة أو المخالفة ومدى احتياج هذه المجموعة لدعم بأفراد وآليات من خارج المربع.

هذا المرتكز الأساسي للشرط في كل المدن السعودية، الذي تنطلق منه حملات التفتيش والدهم لمواقع مختلفة يقطنها أو يدار فيها عمليات مشبوهة قانونيا، كذلك إقامة نقاط التفتيش الثابتة أو المتحركة، التي تعتمد على نوع الجريمة وحالتها، بينما تحلل الشرط البلاغات الواردة لغرف العمليات، لمعرفة أكثر الأحياء التي تكثر فيها الجريمة أو المخالفة، من خلال شعبة الدراسات التي تقوم بعمل دراسة، والرفع بما يمكن أداؤه مع هذه البلاغات.

وبحسب الأرقام الصادرة من الشرط في المناطق، يلاحظ تمركز المخالفين لنظام الإقامة في منطقتي مكة، وجازان، والمفسر وفقا لمراقبين، كونهما الأقرب في الوصول بالنسبة لجازان، التي سقط فيها ما يربو على 30 ألفا مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل من عدد من الجنسيات، في 6 أشهر، كما ضبط قرابة 36 ألف طلقة حية و8 رشاشات آلية و4 مسدسات و3 بنادق صيد و46 سيارة مطلوبة ومسروقة، و165 دراجة نارية مخالفة، و14 حالة تزوير و50 بلاطة حشيش، في حين أن جدة التي تعد المحطة الأولى للمقبلين من خارج الحدود لمنافع مختلفة، سقط فيها قرابة 27 ألف شخص، وبلغ إجمالي عدد الحملات المنفذة خلال عام 2012 نحو 192 حملة.

* جدة بداية الحالمين بالثراء

* تعتبر جدة التي يقطنها قرابة 3.4 مليون نسمة، أي ما يمثل نسبة 14 في المائة من عدد سكان المملكة، ويصل معدل النمو السكاني فيها إلى 3.5 في المائة، بوابة الحرمين الشريفين وأول محطة للحجيج والمعتمرين، ويدخل المدينة سنويا عبر المنفذ الجوي (مطار الملك عبد العزيز الدولي) أكثر من 5 ملايين شخص، بهدف العمرة أو الحج أو العمل أو سياحة وترفيه، بينما سجلت إدارة خدمات الطرق في وزارة المواصلات حركة السيارات في الاتجاهين لمكة وجدة والمدينة ما بين 40 ألف و60 ألف سيارة يوميا، إضافة إلى موقعها على البحر الأحمر؛ فهي البوابة التجارية للمملكة، ولحركة التجارة الدولية مع الأسواق الخارجية.

هذه المقومات والأسباب الخارجية، تدفع المقبلين لأداء مناسك الحج والعمرة للبقاء فيها بعد انتهاء الفترة المحددة لإقاماتهم، وذلك بهدف الكسب المالي من خلال البيع والشراء أو ممارسة أعمال مهنية مختلفة، من خلال انتشارهم في كثير من الأحياء الشعبية لجنوب جدة ووسطها، بينما يذهب كثير منها بعيدا بالسطو على منازل أو محال تجارية أو ارتكاب جرائم مختلفة، لجمع المال ومن ثم مغادرة البلاد.

وهنا يقول الملازم أول نواف البوق المتحدث الرسمي لشرطة جدة، إن تقسيم المحافظة إلى مربعات يعتمد على معايير تحدد حاجة هذا المربع الذي تغطية الدوريات، وأفراد من البحث الجنائي، إضافة إلى الدوريات السرية التي تجول المربع المحدد، وجميعهم مرتبطون بشكل مباشر مع غرفة العمليات.

وعن تحديد الأولويات في استهداف الحي بحملة تفتيش، قال البوق، إن هناك عدة عناصر نعتمد عليها في حملتنا لحي ما، في مقدمتها ما يرد من المواطنين من ملاحظات حول وجود أوضاع مريبة، إضافة إلى ما تقوم به شعبة التحريات والبحث الجنائي، من رصد وتحرٍّ لوضع الحي المستهدف، كذلك ما يتم رصده داخل هذه الأحياء من الدوريات.

وأردف المتحدث الرسمي لشرطة جدة، أن هناك اعتمادا على حجم البلاغات ونسبها المئوية للبلاغ عن ظاهرة في حي ما، التي تحال مباشرة إلى شعبة الدراسات، التي تقوم بالتحليل والتدقيق في هذه الأرقام الواردة من البلاغات، ومن ثم، يوجه بحسب المعطيات فيما لديه من معلومات وإحصاءات.

وعن نقاط التفتيش، أكد البوق أنها يتم اختيارها وفق دراسة محددة، حيث إنها لا تؤثر على الحي أو حركة السير، وهذه النقاط يتم تحديدها بالتنسيق مع الدوريات، وتختلف هذه النقاط باختلاف الحاجة والدواعي الأمنية؛ فهناك نقاط تفتيش فرعية، وأخرى ثانوية، وهناك نقاط تفتيش مفاجئة، هدفها الإطاحة بالمتورطين في قضايا جنائية.

وحول ما يتعرض له أفراد الشرطة من مقاومة أثناء عمليات الإطاحة بالمخالفين، أكد أنها حالات نادرة، وهي طبيعية لمحاولة الفرار من أفراد الشرطة المدربين على مثل هذه الحالات ومواجهة أي مخاطر أثناء تأدية واجبهم، موضحا أن المخالف لا تكون له الخيارات في الفرار لتضييق الخناق عليه، وإن وجدت فهي قليلة.

وعن دور الحراسات الأمنية في بعض المنشآت والبنوك، لفت البوق إلى أن هناك مؤسسات أمنية ملتزمة وأخرى غير ملتزمة، والشرطة تقوم على تصحيحها، والضوابط المعمول بها في حال رصد أي مخالفة على هذه المؤسسات أنه يتم إغلاقها على الفور، وهناك وحدة خاصة ولجان من عدة جهات تتابع أداء هذه المؤسسات، ولا نخفي أن هناك بعض الملاحظات التي نعمل على تصحيحها.

* جازان وأعباء الدول المجاورة

* قد يكون الوضع في جدة أقل وطأة عما عليه في جازان، التي يتسلل إليها متخلفون مجهولو الهوية، بخلاف أولئك المقبلين إلى جدة والمسجلة أسماؤهم في منافذ الدخول الجوية والبحرية، وتحديدا هذه الفترة التي تعيش فيها الدول المجاورة ارتباكا أمنيا يسهم، وبشكل كبير، في زيادة أعداد المتسللين الذين يتم رصدهم من قبل أفراد سلاح الحدود في المنطقة.

وتعتبر جازان المنطقة ذات الثقل السكاني، إذ يبلغ عدد سكان جازان وحدها أكثر من مائة ألف نسمة، أما المنطقة بكاملها فيبلغ تعداد سكانها مليونا ونصف المليون نسمة، كما أنها همزة وصل بين التجارة البرية والبحرية للمنطقة الجنوبية، إذ إن بها ميناء جازان، ثالث موانئ المملكة من حيث السعة، وتعتبر البوابة الرئيسة لواردات الجزء الجنوبي الغربي من المملكة، وهي محطة استراحة للحجيج المقبلين من اليمن بحكم موقعها على الطريق الذي يربط بين اليمن ومكة المكرمة.

وهنا يقول العقيد عوض القحطاني المتحدث الرسمي باسم شرطة منطقة جازان، إن جازان تعتبر منطقة عبور لكثير من الجنسيات العربية، والآسيوية والأفريقية، المقبلة عبر الحدود اليمنية، لافتا إلى أنه في الآونة الأخيرة لوحظ تدفق لجنسيات من جنوب آسيا مقبلة عبر اليمن للدخول إلى الأراضي السعودية عبر منطقة جازان.

وأردف العقيد القحطاني أن شرطة المنطقة تقوم بحملات دورية ومكثفة طوال العام، لضبط المخالفين والمتخلفين، وتعتمد في ذلك على تعاون المواطنين، وعمليات البحث والتحري في كل المنطقة، حول تمركز المتسللين والمخالفين للأنظمة المعمول بها في البلاد، مشيرا إلى أن هناك حملات تقوم بها الشرطة مع كل أجهزتها، وهناك حملات مشتركة بين كل القطاعات الحكومية، التي يتم الإعداد لها مسبقا.

وأكد الناطق الإعلامي لشرطة جازان أن هناك أعدادا كبيرة يتم الإطاحة بهم يوميا من المخالفين، إذ بلغ عدد من تم ضبطه في أسبوعيين متتالين قرابة 10 آلاف شخص، بينما يقدر من تم ضبطهم في الأشهر الماضية أكثر من 30 ألف مخالف ومتخلف وجد في البلاد بطرق غير شرعية، وأقاموا فيها للكسب المالي، عبر أعمال أم مخالفة لقوانين العمل أو جنائية. ولفت العقيد القحطاني إلى أن شرطة منطقة جازان تعتمد في مداهمة بعض أوكار تجمع المتسللين داخل أحواش مهجورة وخالية، أو الأودية القريبة من جازان، وبعض الأماكن، على بلاغات المواطنين، إذ تعتبر هذه المواقع نقطة تجمع المخالفين للدخول إلى المدينة، عبر شاحنات نقل والتي يتم السيطرة عليها بكل الطرق.

* الشرقية .. خطط وبرامج متنوعة

* تحتل المنطقة الشرقية مساحة قدرها 77850 كيلومترا مربعا، وتمثل 26 في المائة من مساحة المملكة، وهذه المساحة مغطاة بكل الاحتياجات الأمنية، والتي تكفل ملاحة المتخلفين المقبلين من منافذ مختلفة للبقاء في المنطقة، بينما تعمل شرطة المنطقة وفق استراتيجيتها في توزيع الآليات والأفراد في التقسيمات المتعارف عليها أمنيا.

ضبط هذه المساحة يحتاج إلى خطط وبرامج متنوعة للسيطرة عليها، وهو ما ذهب إليه المقدم زياد الرقيطي المتحدث الرسمي باسم شرطة المنطقة الشرقية، بقوله إن شرطة المنطقة تقوم بتوفير خدماتها الأمنية من خلال إيجاد مراكز ومخافر شرط تلبي احتياجات المستفيدين وتغطي كل الأحياء السكنية والأماكن المأهولة بالسكان وما بداخلها من خدمات وما يحاط بها من مناطق صحراوية.

ولفت المقدم الرقيطي إلى أنه يتم توزيع العاملين والآليات بالميدان من دوريات مرور أو دوريات أمن طرق ودوريات شرطية، وقوة المهام والواجبات، وفق خطط تشغيلية لكل جهة يتم إقرارها من قبل مدير شرطة المنطقة، والتي يراعى بها التغطية الأمنية المناسبة للموقع وتحديد المهام وفق الأهمية وحجم وتوزيع القضايا والحوادث المرورية.

واستطرد المتحدث الرسمي لشرطة المنطقة الشرقية، أن نقاط الضبط الأمنية الثابتة والمتحركة أسهمت بشكل كبير في القبض على كثير من المطلوبين، كذلك رصد وضبط عدد من المخالفات المتنوعة، وهي تعمل على دعم الحفاظ على الأمن، إذ يقوم رجل الأمن بنقاط الضبط الأمنية على التحقق من الأشخاص والمركبات وفق ضوابط وإجراءات محددة والتعامل مع ما يتم ضبطه وفق ما يمليه الموقف ونوع الجرم.

وأكد المقدم الرقيطي على أهمية المداهمات التي ينتج عنها ضبط مطلوبين لقضايا جنائية علاوة على ما يتم ضبطه من مخالفين وقضايا أثناء الحملات، والمتورطين فيها مثل تصنيع الخمور وخلافه، وعلى ضوء ما يتوفر من معلومات، وهذه الحملات تسهم وبشكل مباشر في الحفاظ على الأمن، خاصة أن جهاز الشرطة ورجل الأمن تحديدا يعنى بكثير من المهام المساندة لجهات الضبط الأخرى.

ولفت المقدم الرقيطي إلى أن الشرطة تعتمد في ملاحقة الجناة على عدة قنوات بحث وتحر لتحديد هويته وحصر تحركاته وكشف ارتباطه بالجرم، وتحديد مكانه والقبض عليه، كما تعتمد على العاملين بالميدان في ضبط الجاني بشكل مباشر إذا ما كان معلوما، ولا يكون ذلك حصرا على تعقب أو ضبط الجناة، فيمكن الاستفادة مما يتوفر من معلومات مساندة من قبل مواطن أو مقيم للكشف عن الجاني أو تحديد مكان وجوده.