«فوضى تسعير» تلاحق المستهلك السعودي في المواسم.. وتتجاهله أيام الركود

مختصون: المواسم في الأسواق العالمية فرصة لتخفيض الأسعار بينما محليا هي فرصة للقفز بها

عائلة سعودية تتبضع من أحد المجمعات التجارية في العاصمة الرياض («الشرق الأوسط»)
TT

وصف مراقبون ومتخصصون بالاقتصاد وقطاع الأغذية النمو الحاد لأسعار السلع الغذائية في السوق المحلية عند اقتراب كل موسم، سواء كانت مواسم دينية كرمضان والأعياد والحج، أو مواسم عادية كالعطل الصيفية والإجازات المدرسية، ومن ثم عدم عودتها إلى الأسعار السابقة - بالمفارقة، مؤكدا أن ذلك لا يتماشى مع قواعد السوق.

وأكد المختصون أن هذه المفارقة تشير الى أن هناك «فوضى تسعير» يمارسها تجار، خصوصا تجار السلع الغذائية والاستهلاكية، مدفوعة بغياب الرقابة الصارمة، مشيرين إلى أن المنطق قد يضع المستهلك أحيانا أمام زيادة لأسعار بعض السلع خصوصا الموسمية منها، لكن المنطق أيضا أن تتراجع أسعار تلك السلع بعد انقضاء الموسم، أو عند حصول تغير على سلع العملات.

وأضافوا أن المفارقة الأخرى في السوق السعودية أن المواسم في كثير من الأسواق المجاورة أو العالمية، تعني مزيدا من التخفيضات، بل تعد في بعض الدول مثل أميركا وغيرها، فرصة سنوية لتسوق كل شيء، بينما في السعودية هي فرصة لرفع الأسعار لدى الكثير من التجار.

هذا العام، وضع التجار مسألة فرض رسوم على العمالة الوافدة وحملة التصحيح التي تقوم بها وزارتي الداخلية والعمل، كحجة جديدة للقفز بالأسعار، مما أثار قلق المستهلكين، خصوصا مع اقتراب شهر رمضان الذي يشهد عادة زيادة أسعار بعض السلع.

ويأتي هذا في وقت سجل فيه مؤشر الرقم القياسي العام لتكلفة المعيشة في السعودية خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي، ارتفاعا بنسبة 4% مقارنة بنظيره من العام السابق، بسبب الارتفاع الذي شهدته الأقسام الرئيسة المكونة للرقم القياسي لتكلفة المعيشة.

وعزا المحلل الاقتصادي والمالي فضل البوعينين ارتفاع الأسعار إلى جشع التجار. وقال البوعينين: «السوق السعودية تعاني فوضى حقيقية، إذ يرفع تجار الأسعار دون رادع، وإن قامت وزارة التجارة وبعض الجمعيات مثل (جمعية حماية المستهلك) بجهود، لكنها خجولة لوقف جشع التجار».

وأضاف أن سعر الأرز ارتفع أخيرا بحجة ارتفاعه في الأسواق العالمية، مع أن الأرز الموجود في الأسواق السعودية مخزن منذ شهور، ومع ذلك فإن تجارا يستغلون ذلك من خلال إفراغ المخزون بسعر عال بطريقة التحايل على الوزارة المعنية والجهات ذات العلاقة، مؤكدا أن هذا التغير في الأسعار لا يكون سوى للأعلى، مع أن هناك ارتفاعا في سعر العملة السعودية المرتبطة بالدولار مقارنة بالين الياباني، وهذا يعني أن ارتفاع الريال السعودي يستوجب انخفاض البضائع اليابانية، لكن هذا لا يحصل لحجج واهية.

وأشار إلى أن المشكلة الأخرى تكمن في المستهلك نفسه الذي لا يشتري مستلزماته قبل وقت كاف، خصوصا في شهر رمضان، إذ إن هناك فرصة لشراء بعض المستلزمات الضرورية، ومن بينها الخضار، وتخزينها بالتبريد، لكن هذا لا يحصل، ما يجعل سعر الخضار والفواكه وكذلك اللحوم وغيرها من الاحتياجات المعيشية ترتفع خلال هذا الشهر الذي يستغله الكثير من التجار لتحقيق ربح وفير.

أما المحلل الاقتصادي مدير مركز جواثا للأبحاث، الدكتور إحسان بوحليقة، فشدد على ضرورة تثقيف المستهلك بأهمية شراء مستلزماته مبكرا حتى لا يكون عرضة لجشع بعض التجار، مبديا تفاؤله بدور أكثر فاعلية ستقوم به وزارة التجارة خلال شهر رمضان عبر مراقبة الأسعار ومعاقبة من يستغلون حاجة المستهلك في هذه الفترة، مشددا على أهمية زرع الثقافة أولا لدى المستهلك.

وحذر مستثمرون ومستهلكون من حدوث ارتفاع قياسي لأسعار الدجاج المحلي المبرد والبيض خلال شهر رمضان المقبل، مع تقلص عدد مزارع تربية الدجاج وإنتاج البيض نتيجة الصعوبات المتلاحقة التي تطارد هذا النوع من الاستثمار، وعدم قدرة شريحة متزايدة من المستثمرين الصغار على تلبية المتطلبات والشروط التي وضعتها وزارة الزراعة والتي أدت إلى إغلاق عدد من المزارع وإنذار أخرى بالإغلاق وفرض غرامات مالية عليها تجاوزت مليون ريال، خصوصا في المنطقة الشرقية من السعودية.

وذكر خالد الصويغ، أحد كبار المستثمرين في مجال إنتاج بيض الدواجن في محافظة الأحساء، أن الانسحابات المتزايدة من قبل المستثمرين في هذا المجال، خصوصا صغار المستثمرين، سيكون لها أثر فعال في حدوث ارتفاع في أسعار الدجاج والبيض على حد سواء، خصوصا أن هناك زيادة في الطلب على هذين المنتجين في شهر رمضان.

وقال الصويغ لـ«الشرق الأوسط»: «من الطبيعي أن يحدث ارتفاع في الأسعار نتيجة الصعوبات المتلاحقة التي يتعرض لها هذا القطاع الذي شملته أيضا زيادة رسوم العمل التي تم تطبيقها أخيرا».

ولفت إلى صعوبات أخرى تعرض لها المستثمرون في هذا المجال، مثل الارتفاع في سعر الأعلاف، والأمراض التي أصابت دواجن قبل أعوام وتسببت في إعدام أعداد كبيرة منها، إضافة إلى الزيادة في رسوم رخص العمالة خلال الفترة الأخيرة، وهذا تطلب اتخاذ قرار حاسم من قبل صغار المستثمرين والمربين، فإما الاستمرار في السوق وتحمل الأعباء الجديدة أو الانسحاب منها، وبالتالي فضل كثير منهم الانسحاب لأنهم غير قادرين على تحمل مزيد من الخسائر، فجاء هذا الانسحاب من أجل الخروج بنسبة أرباح جيدة أو على الأقل تجنب الخسائر، وكان كبار المستثمرين هم المستفيدون في نهاية الأمر.

واعتبر أن الارتفاع الذي طرأ على أعلاف الدواجن أضر بالكثيرين، ولا يمكن التحكم في السوق من قبل المستثمرين كما يريدون؛ لأن الأمر يتعلق بالعرض والطلب، فإذا كان العرض كبيرا والطلب ضعيفا لا يمكن أن ترفع الأسعار، والعكس صحيح، ولذلك فإن المستثمرين القادرين على تحمل هذه التقلبات هم من استمروا في السوق، في حين انسحب الآخرون غير القادرين على مجابهة التغيرات الحاصلة.

وأشار إلى أن تكاليف إنتاج الدجاج وعرضها في السوق باتت باهظة، خصوصا أن المستثمرين في الدجاج اللاحم عليهم توفير مسالخ ومطابقة المواصفات والمقاييس التي تضعها البلدية ووزارة الزراعة، ولذلك انسحب عدد متزايد من المستثمرين في الأشهر الأخيرة لأنهم غير قادرين على مجابهة التغيرات الجديدة.

إلى ذلك، شدد باسم الغدير، نائب رئيس الغرفة التجارية الصناعية في محافظة الأحساء وأحد كبار المستثمرين في مجال تربية وبيع الدواجن؛ على أن حدوث ارتفاع في أسعار الدجاج والبيض طبيعي؛ لأن تكاليف إضافية طرأت على هذا القطاع من بينها رفع رسوم العمالة وارتفاع أسعار الأعلاف، مضيفا أن المستثمر لا يود أن يخرج خاسرا في نهاية الأمر، وإلا فإن الانسحاب من السوق هو أقصر الطرق لتلافي الخسائر المتكررة.

وأشاد باندماج الشركات الذي حصل في الأشهر الأخيرة، معتبرا أن الاندماج طبيعي؛ كون التوجه الحاصل حاليا في القطاع الخاص هو الاندماج وتوسع الشركات من خلال عقد تحالفات واتفاقات، ويكون المستثمرون الصغار خارج المنافسة غالبا، وبالتالي يكون خيار الانسحاب من السوق هو الخيار الأفضل إن لم تكن هناك رغبة في الدخول في شراكات من خلال المساهمات في الشركات الكبيرة التي يمكنها امتصاص أي تغيرات في السوق والتعامل معها حسبما تقتضيه الحاجة.

ولفت إلى أن الارتفاع في سعر الأعلاف الناتج عن الارتفاع في سعر محتوياتها من الذرة والصويا وغيرها، أرهق الكثيرين وقلل هامش الربح وجعله غير مجز، خصوصا لصغار المستثمرين، على اعتبار أن التكاليف عالية والموارد تتراجع قياسا بالمصاريف التي تسير في خط تسارعي. وتابع: «قرار تطبيق رفع رسوم رخص العمالة كان له دور كبير في حدوث ربكة في السوق، خصوصا في صفوف صغار المستثمرين في المجالات كافة؛ كون المصاريف ارتفعت بشكل كبير، وقد لا تكون كافية حتى لتغطية العجز الناتج عن رفع الرسوم أو حتى تكاليف المواد التي يتم شراؤها».

وعن مطالبات بإيقاف تصدير الدجاج والبيض إلى دول مجاورة، خصوصا قطر التي تعتبر المستورد الأول لهذه المنتجات من السعودية وتحديدا من مزارع محافظة الأحساء، قال الغدير: «لن يكون لمثل هذا القرار، لو صدر من جهات عليا، أي أثر على وضع السوق السعودية، والسوق القطرية لا تعتمد بشكل كلي على الاستيراد من الأحساء، بل إن هناك استيرادا كبيرا من الهند وباكستان، كما أن هناك في قطر مزارع لتربية الدواجن وإنتاج البيض، ولذلك لا يمكن القول إن إيقاف التصدير سيحل أي أزمة قادمة أو الأزمة الحالية المتعلقة بارتفاع هذه المنتجات التي يزداد الطلب عليها في شهر رمضان».

وارتفع سعر الدجاج وزن 900 غرام إلى 13 ريالا، في حين وصل سعر الدجاج وزن 1200 غرام إلى 18 ريالا، أما سعر طبق البيض ذي الحجم الصغير فوصل إلى 17 ريالا، ولامس سعر الطبق المتوسط 20 ريالا.

وكان مدير الإدارة العامة لفرع وزارة الزراعة في المنطقة الشرقية، سعد المقبل، قد عقد اجتماعا مع مراقبي الأمن الوقائي في مشاريع الدواجن، وتم الاطلاع على نتائج الجولات الميدانية والتقارير للتأكد من تطبيق تلك المشاريع إجراءات الأمن الوقائي.

وذكر المقبل لـ«الشرق الأوسط» أنه سبق أن تم وضع ثلاثة مشاريع على قائمة الإغلاق لعدم أهليتها لتربية الدواجن، ثم تم إدراج أربعة مشاريع على القائمة لدرس وضعها، وإذا لم تستطع تطبيق إجراءات الأمن الوقائي فسيتم إغلاقها.

ولفت إلى أنه أبلغ المراقبين تشديد الإجراءات على المشاريع المخالفة والرفع بالإنذارات ومحاضر الضبط إن لم تستجب، ليتم فرض غرامات مالية كبيرة عليها أو إغلاقها أو سحب الترخيص، مشيرا إلى أن محافظة الأحساء تضم 29 مشروعا للدواجن.

وتطرق إلى أن الإدارة العامة لشؤون الزراعة في المنطقة الشرقية سبق أن أغلقت 13 مشروع دواجن لعدم أهليتها لتربية الدواجن وعدم استطاعة هذه المشاريع تطبيق إجراءات الأمن الوقائي التي تحافظ على صحة البيئة وتمنع انتشار الأوبئة والأمراض المعدية، وأصدرت 120 إنذارا، انتهى بعضها إلى رفع محاضر ضبط وصدور عقوبات، بعضها إغلاق والباقي غرامات مالية بلغت حتى الآن 1.027.000 ريال، وهذا بالتأكيد أدى إلى انضباط كبير لمشاريع الدواجن في تطبيق إجراءات الأمن الوقائي، التي هي بالأساس لصالحها.

يذكر أن هناك انسحابات كثيرة شهدها هذا القطاع، خصوصا بعد الارتفاع الكبير الذي حدث في سعر الأعلاف قبل 6 أشهر تقريبا.

وأوضحت مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات في بيانها الشهري عن شهر أبريل الماضي، أن عددا من الأقسام الرئيسة المكونة للرقم القياسي لتكلفة المعيشة شهد ارتفاعات متفاوتة يصدرها قسم التبغ الذي ارتفع بنسبة 12.8%، ثم قسم الأغذية والمشروبات بنسبة 6.2%، وقسم النقل بنسبة 5.6%، وقسم المطاعم والفنادق بنسبة 5.5%، كما طال الارتفاع قسم تأثيث وتجهيزات المنزل وصيانتها بنسبة 3.6%، وقسم الملابس والأحذية بنسبة 3.3%، وقسم السكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى بنسبة 3.0%، وقسم الاتصالات بنسبة 2%، وقسم التعليم بنسبة ارتفاع بلغت 1.7%، وقسم الترويح والثقافة بنسبة 1.4%، وظل قسم السلع والخدمات المتنوعة عند مستوى أسعاره السابق ولم يطرأ عليه أي تغير يذكر.

وأفادت «الإحصاءات العامة» بأن مؤشر الرقم القياسي العام لتكلفة المعيشة لشهر أبريل سجل (126.0) نقطة مقابل (125.7) نقطة مقارنة بشهر مارس (آذار) الماضي، مشيرة إلى أن ذلك يعكس ارتفاعا في مؤشر شهر أبريل بنسبة 0.2% قياسا بمؤشر شهر مارس، عازية ذلك إلى الارتفاع الذي شهده 6 من الأقسام الرئيسة المكونة للرقم القياسي لتكلفة المعيشة في مؤشراتها القياسية.