«العدل» تقترح إسناد خدمات التنفيذ القضائي إلى شركات متخصصة

خبراء قانونيون: «نظام التنفيذ» يضمن حقوق الدائنين ومستحقي «النفقة»

يهدف نظام التنفيذ إلى جمع جهات التنفيذ تحت مظلة موحدة وهي قضاء التنفيذ (يطلق عليه لفظ القضاء المستعجل في بعض البلدان) وفي الصورة مراجعون أمام المحكمة العامة في الرياض («الشرق الأوسط»)
TT

اتفق خبراء قضائيون وقانونيون على أن «نظام التنفيذ» الذي بدأ العمل به منذ مطلع مارس (آذار) الماضي، يعد نقلة نوعية في سير إجراءات التنفيذ الإجباري، بعد إصدار الأحكام القضائية النهائية، مؤكدين أنه يضمن حقوق مستحقي النفقة، ويلزم المدينين بالوفاء بما عليهم من حقوق للدائنين، ويفوّت فرصة التلاعب بما فرضه من إجراءات الإفصاح عن أموال المدين وتتبعها وحجزها وبيعها في المزاد عند اللزوم للوفاء لأصحاب الحقوق بحقوقهم.

ويهدف نظام التنفيذ إلى جمع جهات التنفيذ، تحت مظلة موحدة، وهي قضاء التنفيذ (يطلق عليه لفظ القضاء المستعجل في بعض البلدان) يكون تابعا لوزارة العدل، علاوة على تخصيص قضاة متفرغين لأعمال التنفيذ ومنازعاته، مما يسهم في تسريع إجراءات تحصل المتنازعين على حقوقهم.

وفي أعقاب لقاء أجرته الغرفة التجارية في الرياض، الأسبوع الماضي، أكد الشيخ خالد آل داود وكيل وزارة العدل السعودية للحجز والتنفيذ، أن نظام التنفيذ جاء مواكبا للأنظمة التي صدرت، وفق مشروع خادم الحرمين الشريفين، لتطوير مرفق القضاء، ويعد مقدمة لتطوير المنظومة العدلية الجديدة، إضافة إلى تخصيص القضاء عبر المحاكم المتخصصة في الأحوال الشخصية والقضايا التجارية والعمالية.

وأوضح آل داود أن وكالة الحجز والتنفيذ في وزارة العدل لها اختصاص منح تراخيص رسمية لمقدمي خدمات التنفيذ عبر ضوابط معينة ذات صبغة مهنية للأفراد، وقريبا سيرفع إلى مجلس الوزراء اقتراح لإقرار منح تلك التراخيص إلى شركات متخصصة في التنفيذ، كخدمة الحارس القضائي المتخصص في إدارات المنشآت، أو الشركات محل نزاع المتخاصمين، ووكيل البيع القضائي، كالمكاتب العقارية، والخازن القضائي لحفظ الأعيان كالسيارات، وتكون أعمالهم تحت المراقبة الدقيقة.

وفي إجابة عن سؤال «الشرق الأوسط» حول آلية استيفاء حق النفقة قال آل داود: «النفقة تقتطع من راتب المحكوم عليه بشكل شهري بمقدار النصف، ولو كان مقتدرا يقتطع من ماله مقدار النفقة كاملة بأمر قضائي، وهي محل عناية خاصة، كونها ليست كالأموال الأخرى للدائنين التي لا يقتطع من الراتب حين استيفائها إلا بمقدار الثلث».

وفي تصريح صحافي سابق، توقع الدكتور محمد العيسى وزير العدل السعودي رئيس المجلس الأعلى للقضاء، أن يقلص عمل قضاة التنفيذ نسبة عالية من العمل القضائي في البلاد، مؤكدا أن البدائل الشرعية، ومنها مركز المصالحة، ستخفف العبء على التقاضي بنسبة عالية، عند انطلاق العمل بنظام التنفيذ.

وتحدث الدكتور عبد العزيز الشبرمي قاضي التنفيذ السابق بالمحكمة العامة بمكة المكرمة لـ«الشرق الأوسط» عن مسائل الأحوال الشخصية، فذكر أنها كانت محل تعثر وإعاقة في تنفيذ أحكامها القضائية، وذلك لغياب النصوص النظامية التي تعالج الكثير من معوقاتها وعقباتها، ولذلك تم تخصيص فصل مستقل لتنفيذ مسائل الأحوال الشخصية كنفقات الأبناء، وجاءت المادة الـ73 مجيزة لاستيفاء الحقوق المالية بطريق الإفصاح عن أموال المحكوم عليه والحجز عليها وتقويمها وبيعها من خلال مزاد علني، وبجواز إيقاع العقوبات الواردة في النظام، كالمماطلة في النفقات والامتناع عن تنفيذها ومقاومة أعوان التنفيذ فيها بحق المستحق لذلك.

وأشار الشبرمي إلى أن المادة ذاتها أوضحت أن استيفاء النفقات الدورية من المحكوم عليه للمحكوم له، يتم بشكل آلي ومنتظم، من خلال التحويل الجبري من بين حسابات أطراف التنفيذ، نظرا لطبيعة تنفيذ تلك الأحكام الأسرية التي تتطلب السرعة والاستعجال، التي جعل لها النظام خاصية النفاذ المعجل.

وخلال ورقة عمل تناول فيها تحليل نظام التنفيذ، رأى الدكتور الشبرمي أن من الشروط اللازمة لتنفيذ السند التنفيذي، التي لم يتضمنها النظام عدم مخالفته لأحكام الشريعة الإسلامية أو النظام العام للدولة، إذ إن أحكام الشريعة الإسلامية واجبة الاحترام كونها ضرورة دينية تقدم على ما عداها من الضرورات.

إلى ذلك، اعتبر الدكتور علي السويلم نائب رئيس لجنة المحامين في الغرفة التجارية بالرياض، أن مواد نظام التنفيذ ولائحته التنفيذية من شأنها إجبار المدينين على الوفاء بما عليهم من حقوق ثابتة للدائنين، وتفويت فرصة التلاعب بما فرضه النظام من إجراءات الإفصاح عن أموال المدين وتتبعها، وحجزها وبيعها في المزاد عند اللزوم للوفاء لأصحاب الحقوق بحقوقهم.

وأضاف السويلم أن النظام أضفى على الوثائق صفة السندات التنفيذية ووفر لها الموثوقية، وعزز من عامل الائتمان في التعاملات المالية، علاوة على توسيع نطاق اختصاصات قضاة التنفيذ بالفصل في منازعات التنفيذ، مهما بلغت قيمتها، وإصدار الأوامر الملزمة للتنفيذ بالقوة.

وأشار إلى أن نظام التنفيذ منح القاضي صلاحية الحجز على الأموال، والاستعانة بالشرطة، وإيقاع حكم السجن 3 أشهر للممتنع عن تنفيذ أحكام الحضانة والولاية على المحضون وزيارته.

وبرأي المحامي فيصل المشوح، فإن نظام التنفيذ الجديد حاول تحقيق كفاية المتابعة، وقال المشوح: «في السابق كانت بعض الأحكام على ورق لا تسمن ولا تغني من جوع، لعجز الجهات التنفيذية والقضائية على تحقيق مناط الصك والقرار القضائي، وجاء النظام الجديد لحل بطء التقاضي في النزاعات التي تدور حول الحضانة والزيارة والنفقة والطلاق، عبر منح النظام الجديد صلاحية للقاضي لم تمنح له في السابق، وهي الحجز على أموال المدعى عليه بمخاطبة مؤسسة النقد العربي السعودي للخصم من حسابه من دون الرجوع إليه، وإيداع المبلغ في حساب الحاضنة أو المدعية، وفي حال كان المحكوم عليه تاجرا أو ليس موظفا عاما يسهل استقطاع النفقة منه، فيلزمه القاضي بتعهد خطي يلتزم من خلاله بالسداد وإلا جرى عليه ما يجري على المخالفين لنظام التنفيذ، وذلك بالسجن بمدة لا تزيد عن سبع سنوات».

وضَمِن نظام التنفيذ استيفاء حقوق النفقة (وهي ما يكفي المرأة أو الطفل من المال بقدر كفاية العيش من دون حاجة) من أموال المحكوم عليه (الأب أو من يوكله) بالنفقة وتحويلها جبرا للمستحقين بشكل منتظم، للطفل المحضون لدى والدته المطلقة، والمرأة المطلقة رجعيا، والحامل، ونفقة متعة الطلاق التي تستوفيها المطلقة عن طريق القضاء.

ومنحت المادة الرابعة والسبعون من نظام التنفيذ لجهات الضبط كالشرطة، صلاحية اتخاذ اللازم من دخول البيت عنوة وأخذ الأطفال واستخدام الحقوق الممنوحة لهم، كمنع السفر وإيقاف الخدمات على الممتنعين عن تنفيذ الأحكام في الأحوال الشخصية، وذلك لحين امتثاله، إضافة إلى ما قد يلاقيه الممتنع عن التنفيذ من عقوبة تختص بها المحاكم الجزائية من عقوبة في السجن في مدة لا تزيد عن 3 أشهر، لكل من امتنع من الوالدين أو غيرهما عن تنفيذ حكم صادر بالحضانة أو الولاية أو الزيارة أو قام بمقاومة التنفيذ أو تعطيله.

وحرص النظام على جعل زيارة الطفل المحضون في مكان مهيّأ ومناسب لحكم التنفيذ، كدور الرعاية أو الحضانة التي يحددها قاضي التنفيذ ضمن طريقة تنفيذ الحكم، في حالة عدم نصه عليها على أن لا يكون في مراكز الشرطة. وحددت وزارة العدل في اللائحة التنفيذية لنظام التنفيذ الأماكن التي يجري تنفيذ حكم الزيارة للمحضون فيها، كسكن المحضون أو أحد أقاربه، وإن تعذر، ففي إحدى الجهات الاجتماعية الحكومية، أو المؤسسات والجمعيات الخيرية المرخص لها أو ما يراه القاضي مناسبا من الأماكن العامة ذات البيئة المناسبة.

وجاءت العقوبات في النظام حازمة ومشددة على المماطلين والمتملصين من أداء ديونهم المالية، فعقوبة السجن لمدة لا تزيد عن 7 سنوات تنتظر من امتنع عن تنفيذ الحكم النهائي الصادر في حقه، أو ثبت قيامه بإخفاء أمواله أو تهريبها أو امتنع عن الإفصاح بما لديه من أموال، وتعمد تعطيل التنفيذ أو القيام بفعل غير مشروع بقصد مقاومة التنفيذ، وكل من عاونه على ذلك. ويعاقب بالسجن لمدة لا تزيد عن 3 أشهر، كل من امتنع من الوالدين أو من يعول المحضون عن تنفيذ حكم صادر بالحضانة أو الولاية أو الزيارة أو قاوم التنفيذ أو عطله. وهذه العقوبات جميعها تطبق عند إحالتها من قاضي التنفيذ إلى هيئة التحقيق والادعاء العام وتختص بنظرها المحاكم الجزائية.