ثلاثة آلاف مدرسة أهلية تخفق في تطبيق قرار زيادة رواتب المدرسين السعوديين

حتى الأسبوع الأخير من العام الدراسي الحالي

المدارس الصغيرة ومدارس تحفيظ القرآن الأكثر عجزا.. ومقترح لجنة التعليم لا يجد سبيلا للتنفيذ («الشرق الأوسط»)
TT

سجلت نحو ثلاثة آلاف مدرسة أهلية في السعودية إخفاقها في تطبيق القرار الملكي 121 القاضي بزيادة رواتب المعلمات والمعلمين السعوديين إلى 5600 ريال وذلك حتى الأسبوع الأخير من العام الدراسي الحالي.

وشهدت السعودية في الشهر الحالي موجة إغلاقات للمدارس الأهلية ومدارس تحفيظ القرآن بعد تعثرها في تنفيذ قرار زيادة الراتب وسط توقعات بوصول الرقم إلى 180 مدرسة في نهاية العام الدراسي الحالي في جدة فقط.

ورفض بعض من أصحاب هذه المدارس قبول الدخول في نظام صندوق تنمية الموارد البشرية، لأنهم يرون أن ميزانياتهم لا تسمح بزيادة رواتب المعلمات المقررة في النظام، وقرروا إغلاق مدارسهم، بينما أصبح البعض الآخر تحت طائلة عقوبات وزارة التربية بحسب تعميم الإجراءات المحاسبية، ابتداء بالإنذار، مرورا بالعقوبات المالية، ثم الوصول إلى تجميد النشاط.

من جهتهم تقدم ملاك هذه المدارس الأهلية المتضررة بدعوى لديوان المظالم بالمنطقة الشرقية للنظر في هذا التعميم ومطالبة الوزارة بمراعاة المدارس التي يثبت عدم قدرتها على رفع الرواتب، والعمل على الأخذ بيدها حتى تتجاوز أزمتها، ووضع حلول منطقية وعملية تتجاوز فرض العقوبات إلى الشراكة بين الوزارة والمدرسة لتحقيق أهداف القرار الملكي الكريم (121).

* تعثر في التطبيق

* وفي هذا الخصوص أكد لـ«الشرق الأوسط» الدكتور خالد الدعيلج الشمري عضو اللجنة الوطنية للتعليم الأهلي في مجلس الغرف السعودية حرص اللجنة على مشاركة الجهات المعنية بتنفيذ القرار في وضع الخطط والإجراءات الكفيلة بتحقيق الأهداف الكريمة لهذا القرار. وكشف عن اقتراح تقدمت به اللجنة وهو أن يكون راتب المعلم والمعلمة 6000 ريال يقوم كل من المالك وصندوق الموارد ووزارة المالية بدفع ثلثه وهو(2000 ريال)، على أن يستمر ذلك ما بقي المعلم أو بقيت المعلمة في العمل بهذا القطاع، وذلك لقناعتها بوجود عدد كبير من المدارس التي لا تستطيع تطبيق القرار بالآليات والإجراءات التي وضعتها الجهات المعنية.

ويرى أن القرار الملكي القاضي برفع رواتب المعلمات والمعلمين السعوديين إلى الحد الذي لا يقل عن 5600 ريال يمثل خطوة رائدة في مسار توطين الوظائف التعليمية في المدارس الأهلية، مشيرا إلى ترحيب اللجنة بالقرار رقم 121.

وبين أن المدارس التي يدرس فيها مئات الطلاب، وتبدأ رسوم المرحلة الابتدائية فيها من 30 ألف ريال، فضلا عن بقية المراحل؛ لا شك أنها قادرة على رفع رواتب معلميها ومعلماتها، بينما المدارس ذات المباني المستأجرة، والتي تتراوح رسومها ما بين خمسة آلاف ريال وسبعة آلاف ريال، ويدرس فيها قرابة المائة من الطلبة؛ غير قادرة – قطعا - على رفع الرواتب.

وأوضح أن الراتب الشهري للمعلم والمعلمة كان يصل إلى 2500 ريال بإجمالي تكلفة سنوية مقدارها 25 ألف ريال، وبعد الزيادة أصبح الراتب الشهري يصل إلى 3100 ريال بالإضافة لبقية مميزات العقد الموحد ليصل إجمالي التكلفة السنوية للراتب إلى 47 ألفا و450 ريالا، وهو ما يشكل زيادة في تكاليف الراتب بمعدل 90 في المائة سنويا.

وقال: «إذا علمنا أن راتب المعلم أو المعلمة حسب العقد الموحد ومميزاته يصل إلى 77 ألفا و450 ريالا، فإن ما يتحمل منه صندوق الموارد 38.7 في المائة فقط، بينما تتحمل منه المدرسة 61.3 في المائة وبعد خمس سنوات ستتحمل المدرسة 100 في المائة من التكلفة السنوية للراتب التي تبلغ 80 ألفا و 250 ريالا، بمعدل زيادة مقدارها 221 في المائة».

وبين أن مدارس البنات الصغيرة هي الأكثر تضررا من رفع الرواتب؛ لكون نسبة المعلمات السعوديات فيها تتجاوز 80 في المائة من العاملين فيها.

ونظرا لتفاوت مقدار رسوم المدارس الأهلية وعدد طلابها وتكاليف تشغيلها؛ يرى الشمري أنها تتفاوت من حيث قدرتها على رفع رواتب معلميها ومعلماتها، وعلى الرغم من موضوعية هذه الأرقام فإن وزارة التربية والتعليم أصدرت تعميما في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) الماضي بشأن الإجراءات المحاسبية لعدم تطبيق قرار زيادة الراتب الصادر بأمر ملكي يحدد العقوبات التي ستتعرض لها المدارس التي لم تسجل معلميها ومعلماتها في صندوق الموارد البشرية، وتتدرج هذه العقوبات - بحسب التعميم - من الإنذار الكتابي إلى تجميد النشاط الذي يماثل إغلاق المدرسة ومنعها من ممارسة نشاطها.

* حلول مقترحة

* وذهب الدكتور خالد الدعيلج الشمري إلى أنه كان من الأولى أن تستفيد وزارة التربية والتعليم من تجارب الوزارات الأخرى بترك فرض العقوبات من جهة، وطلب مزيد من الصلاحيات من الجهات العليا من جهة أخرى، لتتمكن من التغلب على تعثر تطبيق الأمر الملكي.

وبين أن ذلك يتم من خلال الحصول على مزيد من الدعم المادي للمدارس كما فعلت وزارة العمل، بصدور قرار من «هدف» بدعم المحال النسائية التي توظف المرأة بنحو أربعة آلاف ريال لمدة أربع سنوات، مشترطا أن تكون هذه المحال في النطاقين الأخضر والممتاز، فيما لا يتجاوز الدعم المنصوص عليه حاليا 2000 ريال لمدة ثلاث سنوات.

وبين أن البائعة السعودية في محلات المستلزمات النسائية مهما كان مؤهلها أو عملها، حصلت على دعم مقداره 192 ألف ريال في أربع سنوات، بفارق زيادة في الدعم مقداره 120 ألف ريال، أي بنسبة زيادة قدرها 166 في المائة، بينما يحصل المعلم والمعلمة الجامعيان على دعم مقداره 150 ألف ريال خلال خمس سنوات.

وعلى الرغم من أن اللجنة الوطنية قد طالبت بأقل دعم ممكن وهو 1100 ريال شهريا لكل معلم ومعلمة، أي ما مجموعه 66 ألف ريال خلال خمس سنوات بنسبة زيادة مقدارها 44 في المائة فقط، فقد قدم طلب اللجنة للجهات المعنية بتنفيذ الأمر الملكي من أجل الحصول على زيادة الدعم، وذلك لتتمكن المدارس الصغيرة العاجزة عن رفع الرواتب، من تنفيذ الأمر الملكي، إلا أن طلبهم ذهب أدراج الرياح ولم يجد آذانا صاغية.

ولفت إلى أن التعليم الأهلي يوفر على الدولة 12 مليار ريال سنويا، وأنه لو استقطع من هذا التوفير كلفة تدريس 20 ألف طالب وطالبة، أي 400 مليون ريال أي ما نسبته 4 في المائة من التوفير؛ لكان علاجا كافيا لتعثر تطبيق القرار الملكي في مدارس التعليم الأهلي، وكفيلا بإنهاء المشكلة برمتها.

* معاناة المدارس

* وعما آل إلية مقترح اللجنة الوطنية أكد الشمري أن المقترح لم يجد سبيله للتنفيذ، ونتيجة لذلك أصبحت المدارس ذات الرسوم القليلة غير قادرة على رفع رواتب معلميها ومعلماتها دون أن تتحمل ديونا كبيرة لا تستطيع الوفاء بها.

وبين أن هذه المدارس أصبحت تحت طائلة عقوبات وزارة التربية بحسب تعميم الإجراءات المحاسبية، ابتداء بالإنذار، مرورا بالعقوبات المالية، ثم الوصول إلى تجميد النشاط.

وقال: «لذلك تقدمنا بدعوى لديوان المظالم بالمنطقة الشرقية للنظر في هذا التعميم ومطالبة الوزارة بمراعاة المدارس التي يثبت عدم قدرتها على رفع الرواتب، والعمل على الأخذ بيدها حتى تتجاوز أزمتها ووضع حلول منطقية وعملية تتجاوز فرض العقوبات إلى الشراكة بين الوزارة والمدرسة لتحقيق أهداف القرار الملكي الكريم 121».

من جهتها، قسمت عبير غزاوي مالكة إحدى المدارس الأهلية في مدينة جدة المدارس الأهلية إلى ثلاثة أنواع: مدارس لتحفيظ القرآن ومدارس أهلية عامة تخدم الطبقة الوسطى ومدارس أهلية تخدم فئة ذوي الدخل المرتفع.

وبينت أن مدارس تحفيظ القرآن تتقاضى رسوما سنوية ضئيلة جدا تتراوح ما بين أربعة إلى ثمانية آلاف ريال في السنة، وتتطلب هذه المدارس أعدادا كبيرة من المعلمين على خلاف المدارس الأخرى، موضحة أن رسوم الطلاب في هذه المدارس لا تغطي غالبا رواتب المعلمات لأن أعداد الطلاب ضئيل مقارنة بالمدارس الأخرى.

وعلى الرغم من الحال الميسور لهذه المدارس، والتي توظف المعلمات المنضمات إلى الضمان الاجتماعي، واللاتي يرفضن الانضمام إلى صندوق تنمية الموارد البشرية خوفا على ضياع ما يخصصه لهن الضمان الاجتماعي، فإن وزارة التربية والتعليم تستمر في ممارسة ضغطها على هذه المدارس وتطالب بتطبيق نظام صندوق تنمية الموارد البشرية.

وبينت أن الميزانية المنخفضة للمدارس الأهلية ومدارس تحفيظ القرآن هي السبب وراء رفضهم الدخول في نظام صندوق التنمية البشرية، وأن إجبارهم على دفع تأمينات اجتماعية على قيمة الراتب كاملا والمحدد بخمسة آلاف وخمسمائة ريال فوق طاقتهم، مما تسبب في إغلاق الكثير من المدارس.

ووصفت نظام تحديد مبلغ التأمينات الذي تتحمله المدارس على إجمالي الراتب بالظلم، مبينة أن القرار الملكي جاء واضحا وصريحا، ومفاده أن صندوق تنمية الموارد البشرية يدفع نصف راتب المعلمة 2500 ريال، وأنه من الطبيعي أن يتم تحديد مبلغ التأمينات الاجتماعية على النصف الذي تدفعه المدارس الأهلية وهو الـ2500 وليس على الـ550 ريالا الذي تدفع نصفه الدولة.

وبينت أن نظام التأمينات الاجتماعية سمح للشركات إعطاء الحد الأدنى من التأمينات وإن كانت الرواتب تصل إلى ثمانية آلاف، متسائلة عن سبب تعنت الوزارة وعدم مساواتهم بالشركات وفرضها الحد الأعلى للتأمينات على رواتب المعلمات والتي يدفع منها مالك المدرسة ما قيمته 550 ريالا.

ولفتت إلى أن الكثير من المدارس رفضت الدخول في نظام صندوق تنمية الموارد البشرية واختارت إغلاق أبوابها مع انتهاء السنة الدراسية وتكبدت الخسائر تهربا من الغرامات التي ستفرض على كل معلمة والتي تقدر بخمسة آلاف ريال.

وحذرت من الآثار الناتجة عن تعنت الوزارة وعدم تقبلها حل مشاكل مدارس الدخل المحدود ومدارس تحفيظ القرآن، والتي وصلت في نهاية المطاف إلى إغلاق عدد كبير. وبينت أن المدارس الأهلية في السعودية بلغ عددها 3600 مدرسة تقريبا، دخل منهم في نظام تنمية الموارد على خمسة آلاف ريال أكثر من ثلاثمائة مدرسة، بينما يوجد ما يقارب الـ200 مدرسة دخلت في نظام تأمين على 1500 ريال، وما تبقى من هذه المدارس، والذي يقدر بثلاثة آلاف، مهدد بالغرامات أو الإغلاق.

وأوضحت أن الثلاثة آلاف مدرسة المهددة بالإغلاق ستخلف وراءها آلافا من الطلاب والطالبات لن يجدوا سبيلا للتعليم إلا من خلال المدارس الحكومية نظرا لقلة دخلهم وبالتالي ستواجه المدارس الحكومية مشكلة كبيرة في العام الدراسي المقبل، لم تحسب لها وزارة التربية والتعليم حسابا.

وترى أنه من غير العدل مساواة مبلغ التأمينات على جميع المدارس والتي منها مدارس تتقاضى أقساطا سنوية تصل إلى 40 ألفا بمدارس أقساطها لا تتعدى الخمسة آلاف ريال، مطالبة بتحديد نظام دفع الحد الأدنى للتأمينات على 1500 ريال لمدارس الدخل المحدود، والحد الأعلى على المدارس ذات الدخل المرتفع.

* الملاك بين نارين

* من جهة أخرى، يرى عبد الله المويهي رئيس لجنة التعليم الأهلي في غرفة ينبع أن بعض المدارس والتي تعتبر إمكانياتها ضعيفة لم تستطع تطبيق نظام الرواتب الجديد، وأن هؤلاء الملاك أصبحوا بين نارين، نار فرض وزارة التربية والتعليم العقوبات، ونار تطبيق نظام الموارد البشرية والذي يفوق قدرتهم المالية.

وأبدى اعتراضه على تحديد التأمينات سقف الحد الأعلى على الراتب بأكمله، مبينا أن هذا التعنت في القرار تسبب في رفع بعض ملاك المدارس قضية على وزارة التربية والتعليم وأن هذه القضية منظورة في المحكمة وهي في صدد صدور الحكم النهائي.

وأوضح أن ملاك مدارس الروضات تضررن بشكل كبير، وتعرضت الكثير منها للإغلاق وعرضها للبيع.

وبين أن وزارة التربية والتعليم في خطتها التنموية تسعى لزيادة نسبة التعليم الأهلي إلى 25 في المائة، في حال أن الموجود قبل القرار 12 في المائة، بينما انخفضت نسبتها بعد القرار إلى ثمانية في المائة، ومع استمرار الوضع من المؤكد أن النسبة ستنخفض وقد تصل إلى أربعة في المائة، وهذا ليس في مصلحة التنمية بشكل عام.