حفلات «تفحيط» يومية خلال الاختبارات.. أبطالها عاشقو المخاطرة ومشاهدوها طلبة

«المرور» استخدم القوة لتوقيف مخالفين وضبطت 79 مفحطا بينهم 14 حدثا خلال فترة الامتحانات

يرى مختصون أن الطرق التقليدية للقضاء على هذه الظاهرة لم تعد مجدية.. ومن هنا يدعون إلى إنشاء مراكز توعية («الشرق الأوسط»)
TT

منذ بدء الاختبارات يتحاشى عدد كبير من ساكني حي العزيزية (جنوب مدينة الرياض) المرور قرب مصلى العيد عند العاشرة من صباح كل يوم، ذلك أن مجموعة كبيرة من الطلبة يتجمهرون استعدادا لمتابعة عرض التفحيط اليومي.

ويشبه حال أهالي حي العزيزية حال ساكني أحياء كثيرة على أطراف العاصمة، باتوا يخشون على أبنائهم من طيش المفحطين وخطرهم، بحسب سلمان الغامدي الذي يقطن في حي العزيزية منذ أعوام. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها جهات حكومية بينها وزارة التربية والتعليم والمرور لمنع التفحيط خصوصا خلال فترة الاختبارات، فإن حلقات التفحيط تنتشر عقب كل اختبار، مما يدفع دوريات المرور إلى الاستنفار وملاحقة المتورطين وتشتيت المتجمهرين.

المفحط الذي اشتهر بين أوساط الطلبة بـ«ب.ل» يقول إن بعض الطلبة يحرصون على حضور حلقات التفحيط بحثا عن شيء يسليهم من عناء الاختبارات. وأضاف «التفحيط بالنسبة إلي عشق لا أستطيع تركه»، إذ يجد فيه «المتعة والشهرة»، مشيرا إلى رغبته في ترك هذه الهواية الخطرة. وتابع «يختلف كل مفحط عن الآخر في سبب ممارسته هذه المخاطرة، فالبعض قد يتخذها سبيلا للتسلية، وآخرون يقودهم ذلك إلى ارتكاب جرائم أخلاقية». وأشار إلى أن الإجراءات الأمنية الأخيرة حدت كثيرا من نشاط التفحيط، لافتا إلى أن المتعة الحقيقية لديه تكمن في وجود الدوريات الأمنية لزيادة الإثارة.

هوس التفحيط وصل بأشخاص آخرين إلى الاحتراف في تصوير أبرز لقطات التفحيط كما هو حال المصور الذي يعرف بـ«نيفو»، الذي ذكر أن هواية التصوير تجذبه منذ الصغر وحاول تسخيرها في ما ينفع، وحاول السعي إلى وظائف في هذا المجال لكن الأبواب أغلقت في وجهه، مما دفعه إلى تصوير حفلات التفحيط وإضافة المؤثرات الصوتية عليها وبثها عبر شبكة الإنترنت، فحصد شهرة واسعة. وقال «وصلت شهرة مقاطع التفحيط التي أصورها إلى أوروبا وأميركا، وطلبت إحدى المحطات الأميركية مني الإذن للحصول على مقطع نشرته على موقع (يوتيوب)، وعرضت مبلغا من المال مقابل بعض التفاصيل».

في جانب آخر من هذه الهواية الخطرة، تبرز قصة أبو عوض الذي سجن عامين بسبب التفحيط. يقول أبو عوض «سجنت عامين بسبب حادثة في أحد شوارع شمال الرياض أثناء ممارستي التفحيط، وكان ذلك سببا في تحول كبير في حياتي، إذ لم أعتقد في يوم من الأيام أن يجني علي التفحيط الذي طالما اعتبرته وسيلة ترفيه». ولفت إلى أن قلة الوعي وطيش الشباب وتشجيع الأصدقاء أبرز العوامل التي تجني على من يسير في هذا الدرب، مطالبا بتكثيف التوعية خصوصا للطلاب والمفحطين المقبوض عليهم، وتنظيم زيارات إلى مستشفى النقاهة للاطلاع على ضحايا التفحيط. وتابع «هناك فراغ بين الجهات المختصة والمفحطين، والأجدى أن يتم احتواؤهم والاستفادة من مهارتهم في القيادة، لا تنفيرهم والزج بهم في السجون، خصوصا أن معظمهم من المراهقين الذين لا يعرفون مصلحتهم ويعيشون في غفلة كبيرة».

إلى ذلك، أوضح لـ«الشرق الأوسط» الدكتور محمد رجب، المستشار الأسري، أن التفحيط سلوك قبل أن يكون ممارسة، وأن أغلب الظن والإثباتات العلمية تشير لممارسة السلوك الخاطئ أو الانحرافي مع العلم بمخالفته لقيم المجتمع. ويضيف أنه «شعور ينم عن النقص في الشخصية في المقام الأول ويتدرج إلى حب الشهرة والأضواء على حساب أي شيء مهما كان خطيرا وضارا. البعض قد يلجأ إلى لعبة الموت من أجل الوصول إلى بعض الأمور السلبية، التي قد يكون التفحيط هو أقصر طريق إلى تحقيقها».

وزاد «التجمهر للتفحيط ظاهرة يجب القضاء عليها. التجمهر بشكل عام من أجل النظر إلى الأشياء الخاطئة ثقافة يجب معالجتها، لأنه لولا الجماهير لما شاهدت هؤلاء المتهورين ينتحرون بشكل يومي، من دون أدنى مراعاة لمشاعر المارة أو حتى أهلهم عند حدوث مكروه».

أما الدكتور إبراهيم القشعمي، المتخصص في طب الأسرة، فاعتبر المفحطين مرضى نفسيين يجب معالجتهم، وإخضاعهم إلى برامج أشبه ما تكون ببرامج مصالحة مع النفس، نظرا إلى أنه فكر قبل أن يكون ممارسة خاطئة، لافتا إلى أن انتقاله من جيل إلى آخر دليل على ذلك. وطالب القشعمي بإيجاد مراكز توعوية مشابهة للمراكز المنتشرة لمكافحة التدخين، موضحا أن الطرق التقليدية للقضاء على هذه الظاهرة لم تعد مجدية، خصوصا في ظل التطور التقني، الذي لم يستغل بالشكل المطلوب حتى هذه اللحظة.

من جهته، أكد اللواء عبد العزيز أبو حيمد، المدير العام لإدارة مرور منطقة الرياض، أن دراسات تجرى لإقرار أحكام تعزيرية صارمة ورادعة لمعاقبة «المفحطين». وقال أبو حيمد إن المرور رصد تدنيا في بلاغات «التفحيط» في منطقة الرياض. وعزا ذلك إلى ما تم إقراره مؤخرا من صلاحيات أكثر حزما للحد من هذه الظاهرة. وأضاف أن وزارة الداخلية - ممثلة في جهاز المرور - تعمل على القضاء على ظاهرة التفحيط منذ أعوام عدة، لما سببته من أضرار. وأضاف أنه مع تزايد الظاهرة تم العمل على تنظيم جديد يتيح لرجال المرور في الميدان «استخدام القوة» في التعامل مع عدد من المخالفات الخطرة التي يتم ارتكابها، خصوصا بعدما لاحظت الجهات الأمنية والمرورية انتشار ظاهرة إخفاء أرقام وأحرف بعض لوحات المركبات، وغيرها من الممارسات التي تشكل خطرا أمنيا. وقال «لأن بعض المخالفين لا يستجيبون لنداء رجال المرور فإن الأمر يحتم توقيفهم بالقوة وعدم تمكينهم من الهرب، لذا صدرت التعليمات باستخدام مركبات المرور السري لمتابعة المخالفات، على أن يتم استخدام أكثر من سيارة لإيقاف المركبات المخالفة».

وعن مخالفات التفحيط التي ارتكبت في أيام الاختبارات، أوضح المقدم حسن بن صالح الحسن، رئيس مركز القيادة والتحكم في مرور الرياض، أن عدد مخالفي التفحيط في فترة الاختبارات بلغ 79 مخالفا، وأن عدد الذين تم إدخالهم تحت التوقيف الخاص بالتفحيط يتجاوزون 25 شخصا، إضافة إلى الموقوفين بدار الأحداث الذين يلامس عددهم 14 شخصا، مقدرا عدد السيارات المحجوزة للجرم ذاته بـ103 سيارات، لافتا إلى أن إحصائية التفحيط والتجمهر لعام 1433هـ وصلت إلى 1288 حالة تفحيط، و1444 حالة تجمهر، والسيارات المستخدمة لذلك بلغت 1376 سيارة.

يذكر أن وزارة الداخلية ممثلة بشرطة منطقة الرياض رفعت أخيرا إلى المقام السامي لتجريم وقائع التفحيط وإدخالها ضمن الجرائم الجنائية، بدلا من كونها مرورية، وذلك بعد أن ربطت الداخلية بالدلائل ارتباط وقائع التفحيط بالجرائم الجنائية ارتباط مباشرا، سواء سرقة السيارات أو تعاطي وترويج المخدرات وصولا إلى إشهار الأسلحة التي برزت مؤخرا وغيرها من الحالات الجنائية المختلفة.