«التبرع بالأعضاء» في السعودية.. تطورات متسارعة والموافقة عليه تنمو 90% العام الماضي

«سماح ذوي المتوفى» أكبر عائق أمام سد فجوة حاجة المتبرعين والمحتاجين

جانب من أحدى عمليات زرع للأعضاء («الشرق الأوسط»)
TT

تشكل نسبة 15 في المائة من الوفيات المرصودين في قائمة الانتظار لزراعة الأعضاء على المستوى العالمي ضغطا كبيرا على وزارة الصحة السعودية، التي أنفقت على رعاية 750 متوفى دماغيا ما يقارب 750 مليون ريال بمتوسط رعاية تصل إلى 10 أيام في غرف العناية المركزة، وفقا لما ذكره الدكتور فيصل شاهين مدير المركز السعودي لزراعة الأعضاء.

ويلجأ الكثير من ذوي المرضى للسفر إلى دول حول العالم، وبالتحديد إلى مناطق شرق آسيا وخاصة الصين، بهدف الحصول على عملية لزراعة أعضاء للمريض، في الوقت الذي تنخفض فيه نسبة نجاح تلك العمليات، بحسب ما ذكره مختصون في هذا المجال، أشاروا إلى أن تلك العمليات تعتبر صعبة ومكلفة ماديا على أهل المريض المحتاج لزراعة عضو من أعضاء جسمه، خاصة تلك العملية التي تتطلب زراعة قلب أو رئة، والكلى والكبد والبنكرياس.

وتبرز «موافقة أهالي المتوفين دماغيا» كأبرز عائق أمام النسبة الكبرى من المحتاجين لزراعة القلب والكبد والرئة خلال العام الماضي وفقا لمعلومات حصلت «الشرق الأوسط» عليها، حيث قارب عدد المتوفين نحو 599 شخصا العام الماضي في المملكة لعدم حصولهم على متبرعين.

في الوقت الذي يرى فيه الدكتور شاهين أن خطوة التبرع بالأعضاء لا تزال عائقا كبيرا لمساعدة أولئك المنتظرين، رغم الفتاوى الدينية المؤيدة لهذه الخطوة منذ قرابة 27 عاما، حيث أجازت لجان شرعية معترف بها التبرع بالأعضاء، واعتبرته صدقة جارية، إلا أن رفض الأهالي التبرع بأعضاء المتوفى حتى مع أخذ موافقته خلال حياته، العائق الأكبر أمام سد جزء من الفجوة الهائلة بين عدد المتبرعين والمحتاجين للزراعة.

ومع تشديد القوانين الدولية لمنع الاتجار بالأعضاء، بات التبرع من الداخل بأعضاء المتوفين دماغيا وكذلك التبرع من الأحياء، الأمل الوحيد لإنقاذ المرضى الذين يحتاجون إلى الزراعة.. الأمر الذي جعل عددا من الجمعيات الخيرية المختصة في هذا الجانب، تقوم بتكثيف حملاتها التوعوية للتعريف بأهمية ذلك، وجمع أكبر عدد من بطاقات التبرع، ومن ثم تقديمها لوزارة الصحة للموافقة على جعل قرار التبرع بيد من وافق حيا بغض النظر عن رفض أهله.

وبالعودة إلى الدكتور فيصل شاهين الذي أكد أن السعودية ملتزمة بتطبيق المنع العالمي لمنع الاتجار بالأعضاء البشرية، حيث تطبق عقوبات صارمة لمن يحاول ذلك، من خلال تبليغ الجهات المختصة لإيقاع العقوبة عليه.

وفي أحدث تقرير حول زراعة الأعضاء في المملكة، ويصدره المركز السعودي لزراعة الأعضاء خلال 2012 وتنفرد «الشرق الأوسط» بنشر معلوماته، فإن العام الماضي شهد عددا من الإنجازات الفعالة، حيث بلغ مجموع عمليات زراعة الكلى منذ بداية البرنامج نحو 7822 عملية، منها 2467 عملية زراعة كلية بالتبرع بعد الوفاة، و5356 عملية تبرع من الأحياء، تم منها إجراء زراعة 622 كلية في العام المنصرم.

كما بلغ مجموع عمليات زراعة الكبد 1240 عملية، منها 671 عملية زراعة كبد بالتبرع بعد الوفاة الدماغية، و569 عملية بالتبرع من الأحياء الأقارب، هذا بالإضافة إلى زراعة 228 قلبا، إضافة إلى الاستفادة من 564 قلبا كمصدر للصمامات البشرية و663 عملية زراعة قرنية من جني محلي، و94 عملية زراعة رئة و80 عملية زراعة عظم.

وأوضحت بيانات المركز السعودي لزراعة الأعضاء الخاصة بمرضى الفشل الكلوي النهائي، التي أجريت في نهاية عام 2012 وجود 14171 ألف مريض، منهم 12844 ألفا يعالجون بالتنقية الدموية، و1327 مريضا بالتنقية البريتونية، وهو ما يشير إلى معدل انتشار الفشل الكلوي النهائي المعالج بالتنقية، بما يعادل 499 حالة لكل مليون نسمة في العام الواحد.

وبلغ مجموع المرضى الجدد المعالجين بالتنقية في عام 2012 ما يقارب 3666 مريضا، بمعدل حدوث للفشل الكلوي النهائي المعالج يعادل 129 حالة لكل مليون نسمة سنويا، في الوقت الذي بلغ فيه عدد وفيات مرضى التنقية نحو 1638 حالة في العام الماضي، وبنسبة تصل إلى 11.6 في المائة من مجموع مرضى التنقية، وهي نسبة مقبولة مقارنة بالبيانات المنشورة من دول العالم المتقدمة طبيا.

وفي هذا الشأن قال عبد العزيز التركي رئيس الجمعية الخيرية السعودية لتنشيط التبرع بالأعضاء بالمنطقة الشرقية «إيثار»، إن عدد المسجلين في سجل الموافقات على التبرع بأعضائهم في حال الوفاة دماغيا بلغ 500 شخص، منهم 300 تقريبا تم تسجيل أسمائهم وبياناتهم خلال الحملات التي قامت بها الجمعية في المنطقة الشرقية أخيرا، وآخرون سجلوا من خلال بطاقات التبرع الإلكترونية.

وأضاف التركي: «هناك ثقافة متزايدة بأهمية دعم مثل هذا العمل الخيري، خاصة أن الذي يقر بالتبرع بأي من أعضائه لا يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ طلبه إلا بعد التأكد بكل الطرق الطبية أنه غير قادر على العودة للحياة الطبيعية بسبب الوفاة الدماغية».

وأشار إلى أن عدد المرضى الذين يعانون الفشل الكلوي بالمملكة يبلغ أكثر من 12 ألف مريض، ومتوسط تكلفة العلاج للواحد منهم يبلغ 110 آلاف ريال سنويا، بالإضافة إلى 12 مليون ريال تكلفة العمليات المصاحبة للغسيل الكلوي، وهذه أرقام مهولة ومكلفة يمكن التخلص منها من خلال تعزيز التبرع بالأعضاء.

ومع أن المتبرعين يقومون بتعبئة نموذج وإقرار بالتبرع وهم في كامل قواهم العقلية أثناء حياتهم، فإن موافقة أهل المتوفى دماغيا تمثل أساسا قبل القيام بهذه الخطوة في حال الوفاة الدماغية، ويتم الامتناع عن الحصول على أعضاء من المتوفى دماغيا في حال رفض ذويه.

وبالعودة إلى رئيس «إيثار» الذي قال: «حينما يتم البلاغ عن حالة الوفاة الدماغية للشخص عن طريق وحدة العناية المركزة بالمستشفى، يتم تطبيق البروتوكول الوطني المعمول به، بحيث يتم الإعلان عن وفاة المتبرع دماغيا بعد إجراء فحصين سريرين يفصل بينهما 6 ساعات على الأقل للبالغين».

وزاد: «كما يتم إجراء تخطيط دماغ كهربائي للتأكد من عدم وجود أي نشاط كهربائي لقشرة الدماغ لمدة 30 دقيقة، أو يتم إجراء تصوير لشرايين الدماغ للتأكد من عدم وجود جريان دموي لتأكيد الوفاة الدماغية، وينتهي الفحص بإجراء اختبار توقف التنفس لتوثيق وفاة جذع الدماغ قبل أن يتم التوقيع على الإجراءات السريرية السابق ذكرها من قبل طبيبين من ذوي الخبرة في هذا المجال لتوثيق حالة الوفاة الدماغية».

ولفت التركي إلى أنه يتم بعد ذلك التنسيق لمقابلة أهل المتوفى دماغيا من أجل الحصول على الموافقة على التبرع، حيث تعتبر موافقتهم شرطا رئيسيا للقيام بالخطوات اللاحقة، ولا تكفي موافقة المتوفى دماغيا على التبرع من خلال الإقرار بذلك وهو في حياته، ولذا تم تشكيل لجنة تختص بهذا الموضوع، وهي لجنة الشفاعة الحسنة، والمكونة من رجال دين ومختصين للقيام بهذا الدور من خلال زيارة ذوي المتوفى دماغيا لإقناعهم بالقيام بهذه الخطوة.

وأوضح أن نسبة الموافقة على التبرع بالكلى لا تزال في المقدمة، حيث تمثل نسبة 100 في المائة من مجموع الموافقات الموقعة، بينما جاء التبرع بالكبد ثانيا بنسبة 99 في المائة، ثم القلب بنسبة 84 في المائة، والقرنية بنسبة 46 في المائة.

وقال التركي: «يوجد في المملكة نحو 5 آلاف مريض على قوائم الانتظار، في الوقت الذي يبلغ فيه عدد حالات الوفاة الدماغية في البلاد 600 إلى 800 حالة سنويا في المتوسط، يتم تسجيل نحو 400 حالة سنويا، حيث يتم التبليغ عن تلك الحالات من غرف الرعاية المركزة في المستشفيات المختلفة».

وبالعودة إلى الدكتور فيصل شاهين فقد أكد أن هناك ثقافة متزايدة بأهمية التبرع بالأعضاء، حيث ارتفعت نسبة الموافقات من قبل ذوي المتوفين دماغيا على التبرع بأعضاء المتوفين بنسبة 30 في المائة حتى مع عدم وجود إقرار مكتوب من المتوفى دماغيا، أما الموافقة من قبل ذوي المتوفى على الاستفادة من أعضائه بعد وفاته دماغيا فبلغ 90 في المائة لمن وقع في حياته على إقرار التبرع الذي يعتبر أمرا مشجعا، إلا أنه لا يزال أقل بكثير من الطموحات، خصوصا أن الحاجة كبيرة للأعضاء، وهناك أعداد متزايدة للمنتظرين لزراعة أعضاء جدد لهم، على حد تعبيره.

وأفصح الدكتور فيصل شاهين عن خطة لافتتاح 4 فروع جديدة للمركز السعودي لزراعة الأعضاء في المدينة المنورة والمنطقة الشرقية والمنطقة الغربية والمنطقة الجنوبية.

وفيما يخص الموقف الشرعي من التبرع بالأعضاء، وخصوصا من قبل الشخص المتوفى دماغيا، وصحة خلاف العلماء الشرعيين حول هذه المسألة الحساسة، قال الدكتور محمد البيشي الأستاذ الجامعي في الفقه والسياسة الشرعية، إن مجامع الإفتاء كلها أشارت إلى جواز التبرع بالأعضاء.

وفيما يخص الجدال في حال الوفاة الدماغية فقد أفتى مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة المنعقدة في عمان 1986، بأنها تعتبر وفاة حقيقية، ويبنى عليها جواز التبرع بالأعضاء، كونه يساهم في إنقاذ حياة أناس، وقد اعتمد المركز السعودي لزراعة الأعضاء هذه الفتوى في حالات الحوادث وما يسمى «وضعية ما بعد الغيبوبة»، حيث لا أمل له في العودة للحياة.

وساهمت أعضاء متوفى دماغيا في السعودية في إنقاذ حياة أربعة مرضى بينهم إماراتي أخيرا، حيث تبرع ذوو المتوفى بالكليتين لمريضين بالفشل الكلوي أحدهما إماراتي والآخر سعودي، إضافة إلى التبرع بالقلب والكبد لمريضين آخرين في الرياض، وقال شاهين: «إن ذلك تم في إطار تفعيل التعاون المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي في مجال التبرع بالأعضاء وزراعتها، واستكمالا لطلب المركز بمنح الإمارات، ممثلة في مدينة الشيخ خليفة الطبية، كلية من متبرع متوفى دماغيا لبدء برنامج زراعة الأعضاء لديهم وما تلاه من صدور قرار الموافقة على ذلك من قبل وزير الصحة الدكتور عبد الله الربيعة».

وتابع: «تم تحديد الآلية التفصيلية نحو إرسال أول كلية من متوفى دماغيا دعما لهم لبدء البرنامج لديهم، حيث تم الحصول على موافقة بالتبرع بالأعضاء من متوفى دماغيا بمستشفى الملك خالد بالخرج، وتم الترتيب والتنسيق للاستفادة من الأعضاء المتبرع بها لصالح مرضى الفشل العضوي النهائي بالمملكة».

وبين الدكتور فيصل شاهين أنه بدعم لوجيستي من إدارة الإخلاء الطبي السعودي بناء على توجيهات الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، وكذلك الدعم من قبل الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية، بتأمين طيران الأمن لنقل الفرق الطبية المستأصلة للأعضاء ونقل الأعضاء المستأصلة إلى مراكز الزراعة في وقت قياسي.

وفيما يخص المخاطر الصحية من زراعة الأعضاء من خارج المملكة، وتحديدا في دول شرق آسيا، حذر الدكتور طلال الحبال استشاري الكبد بمستشفى الملك خالد الجامعي مرضى سرطان الكبد من القيام بهذه الخطوة، مبينا أن هناك من ينخدع من بعض المرضى بادعاء بعض الأطباء في الصين غالبا بإمكانية شفائهم بإجراء زراعة كبد، في حين لا يستفيد من ذلك إلا القليل من المرضى.. الأمر الذي يحتم إزالة الأوهام عن أن عمليات الزراعة التي تتم في خارج البلاد تكون ناجحة بالمجمل، أو أن فرص نجاحها تفوق النسب المتوافرة بالمستشفيات السعودية.